الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللفظين في التعبيرِ، وقد لمح الزمخشريُّ هذا فقال في قوله تعالَى:{جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} [نوح: 7]: وإنما توضعُ في الأذنِ السبَّابة، فذكر الإصبع، وهو الاسمُ العامُّ أدبًا؛ لاشتقاقها من السبِّ، ألا تراهم كَنُّوا عنها بالمسحبِّةِ والدعَّاءة والسبَّاحة، وإنما لَمْ تذكرِ المُسبحةُ والدعَّاءة؛ لأنها ألفاظٌ مُستحدَثةٌ لَمْ تكنْ في ذلك العهد (1).
قلت: ويمكن أنْ يقال: إن ذكرَ الإصبع هاهنا جامعٌ لأمرين:
أحدهما: التَّنَزُّهُ عن اللفظِ المكروه.
والثاني: حطُّ منزلة الكفار عن التعبيرِ باللفظِ المحمود.
والأعمُّ يُفيدُ المقصودين معًا، فأُتيَ به، وهو لفظُ الإصبع، وبهذا يَتبينُ حسنُ التعبير بالسبَّاحتينِ في الحديثِ؛ لنسبتِهِما إلَى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ولم يُؤتِ بالأدنىَ؛ الذي هو (2) السبَّابةُ، ولا بالإصبعِ الذي لا يدلُّ علَى معنى التعظيم، فوجب اختيارُ السبَّاحتين، والله أعلم.
الثانية:
اختلفوا في مفهوم الحصر، ويمثِّلون ذلك بقولهم: العالمُ زيدٌ، أو (3) زيدٌ العالم، والقائلون به يحصِرون المبتدأَ في الخبرِ، ومثالُهم المشهورُ: صديقي زيد، وزيد صديقي؛ فـ (صديقي زيد) يقتضي الحصرَ عندَ هؤلاء، واستدلوا علَى ذلك بأنَّهُ لو لَمْ يقتضِ
(1) انظر: "الكشاف" للزمخشري (1/ 117).
(2)
"ت": "هي" بدلًا "هو".
(3)
"ت": "و".
الحصرَ لزمَ أنْ يكونَ المبتدأُ أعمَّ من الخبرِ، وهو غير جائزٍ (1).
بيانه: أنَّا إذا قلنا: العالم زيد، فالألف واللام ليست للجنس قطعًا، ولا للعهد [لعدمه](2)، فتعيَّنَ أن تكونَ لماهيةِ العالم، فتلك الماهيةُ؛ إما أن تكونَ موجودةً في غير زيد، أو لا، فإنْ لَمْ تكنْ، انحصرت العالِمِيَّةُ في زيد، وهو المطلوب، وإنْ كَان موجودةً في غيره فتكون أعمَّ من زيد، وزيدٌ أخصُّ منها، وقد أخبرَ عنها، فلزم الإخبارُ بالأعمِّ عن الأخصِّ؛ كما ادعينا.
واعترضَ بعضُ المتأخرين بأنَّ هذا الدليلَ إنما يتمُّ بجعل (العالِم) مُخبرًا عنه، و (زيد) مخبرًا به، أما لو جعل (العالم) خبرًا متقدِّمًا علَى المخبرِ عنه، فحينئذ لا فرقَ بين (العالم زيد) و (زيد العالم)، فمن يقول:(العالم زيد) يفيد الحصر.
وقال أيضًا: ولو جُعِلَ الألفُ واللام في العالمِ لمعهودٍ ذهني بمعنى: الكامل (3) والمُنتهَى في العالميةِ، فحينئذٍ تفيدُ المبالغةَ، ولا تفيدُ الحصرَ، انتهَى (4).
(1) انظر: "المستصفى" للغزالي (ص: 271)، و "البرهان في أصول الفقه" للجويني (1/ 317)، و "الإحكام" للآمدي (3/ 108).
(2)
سقط من "ت".
(3)
"ت": "في العالم المعهود، وهي بمعنى الكامل".
(4)
نقله الزركشي في "البحر المحيط"(5/ 185) ووقع في المطبوع منه: "والمشتهر في العالمية".