الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباقون (قل) بغير ألف على ما في مصاحفهم (1)، ووجهه: أنه أنزل عليه قل، فقال، ثم أخذ عليه جبريل في عرضة أخرى، قال: فكانا جميعًا صحيحين، فكذلك القراءتان في آية الوضوء تكونان على معنيين، وفي حالين، ولا يمتنع (2) ذلك. وقد ذهب إلى إجازة المسح على الخفين أكثرُ الأمة، ورآه من قال من الفقهاء والمتكلمين إن الزيادة في النص نسخٌ، ومن قال منهم: إنها ليست بنسخ، وإنما هي زيادة حكم، وامتنعوا من المسح على الرجلين، فعُلِم أن ذلك منهم على استعمال القراءة بالنصب على غسل الرجلين، والقراءة بالجر على الخفين، ثم قواه بما رواه بإسناده في (3) حديث المغيرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين، فقلت: يا رسول الله! نسيت؟ فقال: "لا بلْ أنتَ نسيتَ، بهذا أمرني ربّي"(4).
الحادية والسبعون بعد المئة:
الذي اقتضى لنا الكلامَ على الآية؛ أنها قد تعارض ظاهرَ القراءةِ قراءةِ الجرّ (5) ما في الحديث من الأمر بالغسل، والكلامُ على المعارضات، والمخصّصات، مما يُحتاج إليه في الكلام على الحديث، وأطلنا في الكلام على الآية الكريمة لوجهين:
(1) المرجع السابق، (ص: 361).
(2)
في الأصل: "يقع"، والمثبت من "ت".
(3)
"ت": "من".
(4)
رواه أبو داود (156)، كتاب: الطهارة، باب: المسح على الخفين، والإمام أحمد في "المسند"(4/ 253)، وغيرهما.
(5)
في الأصل: "قد تعارض ظاهراً لقراءة قراءة الجر"، والمثبت من "ت".
أحدهما: أن المسح على الخفين مذهب لمن يخالف السنة، وقد اعتنَوا بالاستدلال عليه، وصنّفوا فيه، والردُّ على من يخالف السنة من المُهِمَّات، وقد لا يستحضر الناظرُ جميعَ ما قيل، مما قد يَحتاج إليه، ولا يهتدي إليه بنظرِه وفِكْرِه، فذكْرُه مجموعًا من الطرفين مفيدٌ، فقد يكون في الإطالة إِطَابة، وفي الاقتصارِ القُصُور (1).
والذي يقطع دَابِرَ القولِ بالمسح على الخفين وجهان: أحدهما ظاهر، والثاني نص فقهي.
أما الظاهر: فالرواياتُ المتكثرة عن جماعات من الصحابة: أنَّه عليه الصلاة والسلام غسل رجليه؛ كالرواية عن عثمان بن عفان، وقد تقدمت، [و](2) عن عبد الله بن زيد، وعبد الله بن عباس، وكلها في "الصحيح".
ورواية ابن عباس عند البخاري، وفيها: ثم أخذ غَرْفةً من ماء، فرشَّ على رجله اليمنى، ثم غسلها، ثم أخذ غَرْفة أخرى، فغسل بها رجله، يعني: اليسرى، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ (3).
وكالرواية عن علي بن أبي طالب، من حديث عبد خير، عنه،
(1) لم يذكر المؤلف الوجه الثاني في سبب إطالة الكلام عن الآية الكريمة.
(2)
سقط من "ت".
(3)
تقدم تخريجه عند البخاري برقم (140) عنده.
وفيها: ثم غَسَلَ رجلَه اليمنى ثلاثًا، ثم غسل رجله اليسرى [ثلاثًا](1)، ثم قال: من سَرَّه أن يعلمَ طُهْرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو هذا (2).
ومن رواية أبي حَيَّة، عن علي، وفيها: وغسل قدميه ثلاثًا ثلاثًا، ثم قال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل كما رأيتُمُوني فعلت، فأحببتُ أَنْ أُريَكم (3).
وكالرواية عن الرُّبَيِّعِ بنتِ مُعَوذ، وفيها: ويغسل رجليه ثلاثًا (4).
وكالرواية عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، وهي مذكورة في "الإلمام"(5)، وفيها الدلالة فعلاً وقولاً.
أما الفعل: فظاهر.
وأما القول: ففي قوله "هكذا الوضوء"، والاستدلال بها على إبطال القول بالمسح ظاهرٌ عيناً، وتأويل الشريف مردودٌ؛ لأنه حوالة على مجرَّد الوهم والاحتمال، مع وجود القرينة على إرادة الغسل، وهي التكرار ثلاثًا.
(1) سقط من "ت".
(2)
تقدم تخريجه عند أبي داود برقم (111)، والنسائي برقم (92).
(3)
رواه عبد الرزاق في "المصنف"(121).
(4)
رواه أبو داود (126)، كتاب: الصلاة، باب: صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، والإمام أحمد في "مسنده"(6/ 358)، وغيرهما.
(5)
انظر: (1/ 66) منه. وقد تقدم ذكره عند المؤلف في هذا الكتاب وشرحه.
وأمَّا الاستدلال بالأحاديث على من يرى الجمعَ بين الغسل والمسح، فلا يتأتَّى، وأما على من يقول بالتخيير، ففيه نظر؛ لأنه يمكن أن يُضَمَّ دليلُ التأسي إلى الفعل، فيقتضي الوجوبَ للغسل، وهو يسقط القولَ بالإيجاب للمسح، وفيه بحث سننبِّه عليه.
والأحاديث أيضًا تدل على أمور لا يقول بها الشيعة، كالأمر بتخليل الأصابع، وتجديد الماء لغسل الرجلين الذي في حديث البخاري؛ لأنَّ عند الشّيعيِّ أنه لا يؤخذ لهما ماء جديد، لكنهما يمسحان ببلة اليدين.
ولا يقول أيضًا بالتكرار، وكقوله عليه السلام:"ويل للأعقاب من النار"(1)، وكما جاء عن أبي ذر من حديث مجاهد عنه: أشرف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتوضأ فقال: "ويل للأعقابِ من النَّار"، فطفقنا (2) ندلكها دلكًا، ونغسلها غسلًا (3).
ومنها: ما عند أبي داود: أنَّ رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد توضأ وترك على قدميه مثل موضع الظفر، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ارجِعْ فأحسِنْ وضُوْءَك"(4).
وتعميمُ الرِّجْل بالمسح لا يجب عندهم.
(1) تقدم تخريجه.
(2)
في الأصل: "وطفقنا"، والمثبت من "ت".
(3)
رواه عبد الرزاق في "المصنف"(64) دون قوله: "ونغسلها غسلًا".
(4)
تقدم تخريجه.