الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوضوءِ، وإناءَ الشربِ والأكلِ؛ لأنَّهُ كما حَرُمَ الوضوءُ بالماءِ (1) النجسِ، فكذلِكَ يحرُمُ أكلُ النجِسِ منَ المأكولاتِ والمشروباتِ، والاحتمالُ إذا اقتضَى الاستحبابَ فيما يتأثرُ بالتنجيسِ علَى تقديرِ التحققِ (2) عمَّ كلَّ ما يتأثرُ بذلكَ، فاللفظُ لا خُصوصَ فيهِ، والعِلَّةُ تقتضي التعميمَ، واللهُ أعلمُ.
الرابعة والأربعون:
إذا خالفَ وغمَسَ يدَهُ قبلَ الغَسلِ المأمورِ بهِ، فهل يُفسِدُ الماءَ؟
نُقلَ عن بعضِ أصحابِ داودَ: أنَّهُ لا يجوزُ الوضوءُ مِنهُ؛ وأنَّ مذهبَ داودَ عندَ أكثرِ أصحابهِ: أنَّهُ يَعصِي فاعِلُهُ إذا كانَ عالماً بذلك (3)، والماءُ طاهِرٌ يجوزُ الوضوءُ بهِ ما لمْ تُرَ (4) فيهِ نجاسةٌ (5).
وفي كتابِ "الأنوارِ": تقسيمُ المستيقظِ علَى ثلاثةِ أحوالٍ: طاهرٌ، ونجِسٌ، وجُنُبٌ، فالطاهرُ لا يُفسِدُ الماءَ، قالَ: وحكَى ابنُ حارثٍ عنِ ابنِ غافقٍ التونِسيِّ من أصحابِنا: أنَّهُ يُفسِدُهُ.
وأمَّا المُوقِنُ بالنجاسةِ فيجري علَى اختلافِهِم في النجاسةِ
(1)"ت": "بالإناء".
(2)
"يتأثر بالتنجيس على تقدير التحقق"، مكررة في الأصل.
(3)
في الأصل "أن فاعله عاملاً بذلك عاص"، والمثبت من "ت".
(4)
"ت": "تظهر".
(5)
وانظر: "المجموع في شرح المهذب" للنووي (1/ 412).
تحُلُّ في قليلِ الماءِ.
وأمَّا الجُنبُ أو المُحتلِمُ الذي لا يدري ما أصابَ يدَهُ فقالَ ابنُ حبيبٍ: إنَّهُ يُفسِدُ الماءَ، قالَ: وهو معنَى الحديثِ.
ولمالكٍ في "المجموعةِ"(1) نحوُهُ.
وقالَ صاحِبُ "المُغني" من الحنابلةِ: فإنْ غمَسَ يدَهُ في الإناءِ قبلَ غسلِها، فعلَى قولِ من لمْ يُوجبْ غسلَها لا يُؤثِّرُ غمسُها شيئاً، ومنْ أوجبَهُ قالَ: إنْ كَانَ الماءُ كثيراً يدفعُ النجاسةَ عن نفسهِ لمْ يؤثرْ شيئاً؛ لأنَّهُ يدفعُ الخبثَ عن نفسهِ، وإنْ [كَان] (2) يسيراً فقالَ [الإمامُ] (3) أحمدُ: أعجَبُ إلَيَّ أنْ يُهريقَ الماء.
(1) للإمام محمد بن إبراهيم بن عبدوس المالكي، من كبار أصحاب سحنون وأئمة وقته، المتوفى سنة (260 هـ) كتاب:"المجموعة على مذهب مالك وأصحابه"، وله أيضاً كتاب:"التفسير" وهي كتب فسر فيها أصولاً من العلم كتفسير كتاب المرابحة والمواضعة والشفعة، وله أربعة أجزاء في شرح مسائل من كتب المدونة، وقد يضاف بعض هذه الكتب إلى المجموعة. انظر:"الديباج المذهب" لابن فرحون (ص: 237).
قال: وهو رابع المحمديين الذين اجتمعوا في عصر واحد من أئمة مذهب مالك، لم يجتمع في زمان مثلهم؛ اثنان مصريان: ابن عبد الحكم وابن المواز، واثنان قرويان؛ ابن عبدوس وابن سحنون.
(2)
زيادة من "ت".
(3)
سقط من "ت".
.
قالَ: فيحتملُ أن تجبَ إراقتُهُ، وهوَ قولُ الحسنِ؛ لأنَّ النهيَ عن غمسِ اليدِ فيهِ يدُلُّ علَى تأثيرِهِ، وقد روَى أبو حفصٍ عُمرُ بنُ مَسلمٍ العُكبَريُّ (1) في الخبرِ زيادةً (2) عن النبي صلى الله عليه وسلم:"فإنْ أدخلَها قبلَ الغسلِ أرَاقَ المَاءَ".
قالَ: ويحتملُ أن لا تَزولَ طَهورَّيتُهُ، ولا تجبَ إراقتُهُ؛ لأنَّ طهوريَّةَ الماءِ كانت ثابتةً بيقينٍ، والغمسُ المُحرمُ لا يقتضي إبطالَ طهوريتِهِ؛ لأنَّه إنْ كَان لوهمِ النجاسةِ، فالوهمُ لا يزولُ بهِ يقينُ الطهوريةِ؛ لأنَّهُ لمْ يُزِلْ يقينَ الطهارةِ، فكذلكَ لا يُزيلُ يقينَ الطَّهوريةِ؛ فإنِّنَا (3) لمْ نحكمْ بنجاسةِ اليدِ؛ ولا الماءِ، ولأنَّ اليقينَ لا يزولُ بالشكِّ، فبالوهمِ (4) أولَى، وإنْ كَانَ بعيداً فيقتَصِرُ علَى مقتضَى الأمرِ والنهيِ، وهو وجوبُ الغسلِ، وتحريمُ الغمسِ، ولا يتَعدَّى (5) إلَى غيرِ ذلِكَ؛ ولا يصِحُّ قياسُهُ علَى رفعِ الحدثِ، ولا فرقَ هاهُنا بينَ أنْ ينويَ أو لا ينوي.
(1) هو أبو حفص عمر بن أحمد بن عثمان العكبري، شيخ الحنابلة، وأحد المسندين، روى عنه الخطيب وغيره، توفي سنة (317 هـ). انظر:"سير أعلام النبلاء" للذهبي (17/ 360).
(2)
سقط من "ت".
(3)
"ت": "فإنا".
(4)
في الأصل: "بالوهم"، والمثبت من "ت".
(5)
"ت": "يعدى".