الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بدون ما قيل بوجوبه؛ لأنه غير مذكور، إلَّا أنَّ هذا يتوقف على أن ما تحت هذه الشعور لا ينطلق عليه اسمُ الوجه؛ فإنَّه لو انطلق عليه، لدخل تحت قوله عليه السلام:"ثُمَّ يَغْسِلُ وَجْهَهُ"، فلا يحصُل حينئذٍ ما رُتِّبَ عليه الثواب في الحديث، إلَّا أن يقال على هذا: إن البشرة إما أن يختصَّ اسم الوجه بها أولا يختص، بل ينطلق على ما نَبَت عليها، فإن كان مختصًّا بالبشرة كان وجودُه مأخوذًا من تعليق الحكم بغسل الوجه، ويضيع التعليل بالندرة، وإحاطة بياض الوجه بهذه الشعور، وأيضًا فيقتضي أن يندرجَ ما تحت اللحية الكثَّة والعارضين الكثَّين تحت الأمر حينئذٍ، فيجبُ، ولا يقولون بوجوبه، وإما أن يكون اسم الوجه حاصلًا بدون إيصال الماء إلى البشرة مكتفًى فيه بغسل ما نبت، فإن كان حينئذٍ كان مختصًّا، فتقصر دلالة الأمر بغسل الوجه على إيصال الماء إلى ما تحت البشرة، ويتَّجه الاستدلال لمن ينازع بلفظ الحديث.
الحادية والثلاثون بعد المئة:
خروج الخطايا من هذه الأعضاء المذكورة يقتضي وجودَها قبل الخروج فيها، إذ لا خروج إلَّا بعد الوجود، ولا ينافي هذا العمل على المجاز؛ لأنه يلي الحقيقة في المعنى المتجوّز به، فإذًا يجب أن ينظر فيما يتعلق بالحواس المذكورة من الذنوب، وبعضها ظاهر الوجود كاللسان مثلًا، فإن المعاصي المتعلقةَ به ظاهرةٌ فاشيةٌ كالقذف، والغيبة، والنميمة، إلى غير ذلك.
وأما الوجه: فحاسة النظر منه، يتعلق بها الإثم، إما بارتكاب
المحظورات كالنظر إلى العورات، والصور المشتبهات كالأجنبيات، والمُرْدِ حيث [تدعو] إلى المفسدة، وإما باجتناب المأمورات، كترك الحراسة الواجبة في سبيل الله، وترك حراسة الأجِير ما استُؤْجِر على حراسته، وترك ما وجب على الشهود النظرُ إليه لإثبات الحقوق، وإسقاطها في الدعاوى والمخاصمات.
ولما كانت حاسَّةُ اللمس عامَّةً للبدن، تعلق بالوجه منها ما يتعلَّق بالحاسَّة؛ إما في ترك الواجب، كترك إمساس الجبهة الأرض في السجود عند من يوجبه، وإما بفعل المحظور كإمساس الوجه المحرّم لا سيما بالقُبلة، وإما بفعل الممنوعات كلمس عورات الأجانب، ولمس ما خرج من العورة كأبدان النساء الأجانب وغيرهم ممن يخاف الافتتان بمسِّهِ، وكالملامسة بين الزوجين المُحرِمَين بشهوةٍ في حال الإحرام.
وأما اليدان: فتعلُّق الإثم بهما ظاهرٌ إما بترك الواجب، فبترك كلِّ بطشٍ مأمور بهِ كالقتال في سبيل الله، والرجم، والجلد في الحدود، وما تجِبُ من التعزيراتِ، وكذلك ترك كتابة ما تجبُ كتابتُه، وترك كل ما لا يتأتَّى القيامُ بالواجب فيه إلَّا باستعمالها، كالرمي في سبيل الله، وإما بارتكاب المحرم، كبسطهما لفعل المحرّمات، كالضرب، والبطش، والإعانة على فعل الغير للحرام بالمناولة له، وغير ذلك.
وأما الرأس: فيمثل ترك الواجب المتعلِّق بها بترك غسلها
الواجب، كالغسل من الجنابة، والحيض، وكالمسح، في الوضوء وترك الحلق، والتقصير الواجبين في الحج والعمرة، ويمثل فعل المحرم بترك سترها في الإحرام كالدهن، ويدخل فيها ما يدخل في ممنوعات اللمس أَيضًا، لما ذكرناه من عموم هذه الحاسَّة للبدن.
وأما الأرجُل: فتعلُّق الإثم بهما ظاهر، إما في ترك الواجبات، فكترك المشي إلى الجهاد المتعيّن، وتشييع الجنازة المتعينة، والطواف والسعي الواجبين، وترك القيام في الصلاة، وكشفهما في الإحرام، وترك المشي عند الدعاء إلى الشهادة حيث يتعيّن الأداء والمشي، وأما في ارتكاب المحظور، فكالمشي إلى كل محرَّم مقصودًا، أو توسّلًا، إلى غير ذلك، والمقصودُ التمثيلُ لا الحصر.
وأما الفم: فقد ذكرنا أمرَ اللسان، ويتعلق بحاسة الذوق منه ذوق الحرام، وترك ذوق ما يتوقف إيصال الحقّ فيه عند التخاصم من الحاكم أو الشهود.
وأما الخياشيم: فإثبات الخطايا فيها أغمضُ من إثباته في غيرها بما ذكر، ويمثَّل الإثم بترك الواجب، كترك الشمّ الواجب على الحاكم، أو الشهود المأمورين بالشمِّ لأجل فَصْلِ الخصومات الواقعة في روائح المشموم، حيث يَقصِدُ الردَّ بالعيب، أو يَقصِدُ منعَ الردِّ إذا حدث عند المشتري؛ ويمثَّل الإثم بارتكاب المحرم بتحريم ثم الطيب في حال الإحرام، وتحريم اشتمام طيب النساء الأجنبيات التي تدعو إلى المفسدة، وأما شمُّ ما لا يملكه الإنسان كشمِّ الإِمام الطِّيب الذي