المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بم تقدموا وتأخرنا والخلق واحد - مجلة الأستاذ

[عبد الله النديم]

فهرس الكتاب

- ‌العدد 1

- ‌الفاتحة

- ‌شكر النعم

- ‌مقدمة مدح ومعرفة جميل

- ‌العدد 2

- ‌الحياة الوطنية

- ‌شكر جميل وثناءٌ جليل

- ‌الآداب

- ‌الهلال

- ‌التقاريظ

- ‌تهنئة قدوم

- ‌نوادر

- ‌فكاهات

- ‌العدد 3

- ‌التماس عفو

- ‌الأخلاق والعادات

- ‌باب التهذيب

- ‌غبطة

- ‌التقليد ينقل طباع المقلد

- ‌زجل

- ‌المعلم حنفي ونديم

- ‌سؤال

- ‌همة تشكر

- ‌شرح قانون العقوبات

- ‌إصلاح

- ‌حسن عناية

- ‌العدد 4

- ‌الجامعة الوطنية والاختلاط العمراني

- ‌اعتذار

- ‌الاقتصاد الشرقي

- ‌باب الأدبيات

- ‌تهنئة قدوم

- ‌الجاه

- ‌سعيد وبخيته

- ‌مرويات

- ‌رثاء

- ‌البوسطة

- ‌المنحة الدهرية

- ‌العدد 5

- ‌المرافعة الوطنية

- ‌المعلم حنفي ونديم

- ‌سؤال

- ‌شكر وثناء

- ‌اعتذار

- ‌احتفال

- ‌العدد 6

- ‌دستور

- ‌قصيدة الشيخ أحمد محمد القوصي

- ‌زجل الشيخ عبد الجواد

- ‌حنيفة ولطيفة

- ‌باب الأدبيات

- ‌تهنئة

- ‌تقاريظ

- ‌التماس

- ‌العدد 7

- ‌الراوي

- ‌أبو دعموم والشيخ مرعي

- ‌لطيفة ودميانه

- ‌بضاعتنا ردت إلينا

- ‌تابع الجواب عن الرجل والمرأة

- ‌قل موتوا بغيظكم

- ‌اعتراض مغفل

- ‌المولد النبوي الشريف

- ‌رثاء وعزاء

- ‌العدد 8

- ‌اللغة والإنشاء

- ‌المرافعة الوطنية

- ‌بشارة نجاح

- ‌تهنئة قدوم

- ‌حكمت

- ‌رثاء وعزاء

- ‌تصحيح

- ‌العدد 9

- ‌المرافعة الوطنية

- ‌تربية الأبناء

- ‌الجرايد

- ‌زبيدة ونبويه

- ‌خير أعياد مصر

- ‌تكذيب قرية

- ‌وداع ونرجو أن يكون ودادا

- ‌كتاب التحفة الوفائية

- ‌أمل

- ‌تقاريظ

- ‌رثاء وعزاء

- ‌العدد 10

- ‌وظائف العلماء في العالم

- ‌الطبقات الاجتماعية

- ‌عقد اتفاق

- ‌عرض حال نساء السكارى لأزواجهن

- ‌الرشاد والنصوح

- ‌رثاء وعزاء

- ‌رد شبهة

- ‌باب الأدبيات

- ‌إعلان

- ‌سرد الحجة على أهل الغفلة

- ‌العدد 11

- ‌رأي جمهور من الأفاضل

- ‌مدرسة البنات

- ‌إعلان

- ‌زجل بقلم الفاضل النحرير محمد حامد أفندي

- ‌باب الأدبيات

- ‌رثاء

- ‌سؤال عن خنثى

- ‌إعلان

- ‌قاموس عربي وفرنساوي

- ‌قلادة العقيق لجيد الغرامطيق

- ‌العدد 12

- ‌وظائف العلماء في العالم

- ‌حنيفه ولطيفة

- ‌باب الأدبيات

- ‌تهنئة

- ‌رسالة

- ‌قصيدة لمصطفى أفندي حسن

- ‌رسالة

- ‌المعلم حنفي ونديم

- ‌جواب على سؤال الخنثى

- ‌اعتذار

- ‌ثناء وتهنئة

- ‌رثاء

- ‌العدد 13

- ‌طريق الوصول إلى الرأي العام

- ‌مدرسة البنين

- ‌مدرسة البنات

- ‌المقامة الخيلية

- ‌ الأستاذ

- ‌محاسن العرب

- ‌تهاني

- ‌سؤال

- ‌سؤال

- ‌رثاء

- ‌رثاء وعزاء

- ‌العدد 14

- ‌زيادة الحضرة الخديوية للمدارس المصرية

- ‌باب الإنشاء والمآثر

- ‌عمارة والزناتي

- ‌جمعية الكمال بأسيوط

- ‌تقاريظ

- ‌جواب الشيخ عبد الفتاح الجمل عن سؤال القاضي

- ‌عمر

- ‌العدد 15

- ‌بمَ تقدموا وتأَخرنا والخلق واحد

- ‌مدرسة البنين

- ‌مدرسة البنات

- ‌الللآلي السنية في الأصول الحسابية

- ‌العدد 16

- ‌إِنَّمَا يَقْبَلُ النَّصِيحَةَ مَنْ وُفِّق

- ‌مدرسة البنين

- ‌مدرسة البنات

- ‌رسالة من الشيخ علي محمد سالم

- ‌إن في ذلك لعبرة

- ‌جمعية العروة الوثقى باسكندرية

- ‌المروءة

- ‌باب الأدبيات

- ‌تقاريظ

- ‌العدد 17

- ‌لِمَ اخْتَلَفَتْ كَلِمَتُنا إذَا اتَّحَدَتْ وِجهْتَنَا

- ‌مدرسة البنين

- ‌مدرسة البنات

- ‌باب الأدبيات

- ‌زيارة

- ‌تقاريظ

- ‌تنزير الأذهان

- ‌ورشة بولاق

- ‌أفراح جليلة

- ‌العدد 18

- ‌أَتَتَقَلَّب الأُمم بتَقَلُّب الأَحوال ونحنُ نحنُ

- ‌العالم سيديو الفرنساوي الشهير

- ‌الأفراح الرياضية

- ‌المولد الحسيني

- ‌العدد 19

- ‌عيد ميلاد الحضرة الخديوية الفخيمة

- ‌الأفراح الرياضية

- ‌الآداب العامة

- ‌إن المساجد لله

- ‌لا أكراه في الدين

- ‌المعلم حنفي والسيد عفيفي

- ‌باب الأدبيات

- ‌تقريظ

- ‌رجاء وإرجاء

- ‌رثاء

- ‌خطبة ابن السماك

- ‌هداية السائل إلى إنشاء الرسائل

- ‌عجب وعجاب

- ‌العدد 20

- ‌أشتات الشرق وعصبيات أوروبا

- ‌باب اللغة

- ‌إحصاء الجرائد

- ‌مدرسة النبل الخيرية

- ‌منتمى الحرية

- ‌شكر عناية

- ‌فرصة الأوقات

- ‌إجابة طلب

- ‌العدد 21

- ‌عيد الجلوس الخديوي

- ‌رسالة من الشيخ علي سالم

- ‌رسالة مغربية

- ‌استلفات أنظار

- ‌تقاريظ

- ‌فريق التمثيل العربي

- ‌جريدة الأزهر

- ‌تهيئة بشفاء

- ‌نعمة تذكر لتشكر

- ‌تنبيه

- ‌السلسلة الدرية في الفكاهات التاريخية

- ‌رسالة من إبراهيم أفندي الأنجباوي

- ‌العدد 22

- ‌لو كنتم مثلنا لفعلتم فعلنا

- ‌الأستاذ والمقطم

- ‌الوزارة الجديدة

- ‌تبرع بجريدة

- ‌نتيجة التعليم الأجنبي

- ‌شكر وعناية

- ‌تنبيه

- ‌العدد 23

- ‌الحقوق المقدسة

- ‌نصيحة مخلص في خدمة وطنه وأخوانه

- ‌عناية سلطانية

- ‌قصيدة مديح في الخديوي

- ‌تاريخ البشري البهية بعود الوزارة الرياضية

- ‌جمعية العروة الوثقى

- ‌العدد 24

- ‌لا دليل على دعوى تهديد الأمن العام

- ‌اغرب ما رؤي في مصر

- ‌محل نظر

- ‌سؤال

- ‌سؤال

- ‌عدل الانكليز وأحكامهم

- ‌قصائد خديوية

- ‌شكر تفضل

- ‌أفراح سعادة سالم باشا

- ‌العدد 25

- ‌مستقبل مصر

- ‌القصائد العباسية الخديوية

- ‌نصيحة

- ‌إمعان النظر في محل نظر

- ‌المساواة بين البنين

- ‌أعياد الصعيد ـ بالسفر السعيد

- ‌غبطة بطريرك الإقباط

- ‌المهندس

- ‌باب الرثاء

- ‌أمل

- ‌رجاء

- ‌العدد 26

- ‌العلماء والتعليم

- ‌تهنئة قدوم

- ‌أدبيات

- ‌العدد 27

- ‌الزراعة في مصر

- ‌رسالة في ذم الفاحشة والعزوبة

- ‌المحافظة على الصحة واجبة

- ‌قصائد خديوية

- ‌ديوان الأوقاف

- ‌بلوغ المرام في جراحة الأقسام

- ‌سؤال وجواب

- ‌رجوع إلى حق

- ‌حنيفة ونديم

- ‌الهدى. والمدرسة. والثمرة

- ‌اعتذار

- ‌رجاء

- ‌العدد 28

- ‌حالنا أمس واليوم

- ‌حنفي ونديم

- ‌تهنئة قدوم

- ‌تقريظ

- ‌العدد 29

- ‌مجتمع اللغة العربية بمصر

- ‌متى يستقيم الظل والعود أعوج

- ‌باب الأدبيات

- ‌هذه يدي في يد مَنْ أضعها

- ‌مقالة الشيخ محمد سلامه

- ‌شكر عناية

- ‌تنبيه

- ‌اعتذار

- ‌الشرائع

- ‌بشرى

- ‌العدد 30

- ‌تجاذب الجنسيات والأديان

- ‌رسالة

- ‌مسجد ليفربول

- ‌شكر وثناء وتهنئة

- ‌رواية سمير الأمير

- ‌تقرير جمعية العروة الوثقى

- ‌العدد 31

- ‌المعارف بمصر

- ‌رمضان المبارك

- ‌تهنئة

- ‌رسالة الشيخ إبراهيم بصيلة

- ‌المسلمون والأقباط

- ‌أسف ورجاء

- ‌استلفات

- ‌العدد 32

- ‌حافظ ونجيب

- ‌الخلاصة الوجيزه ودليل المتفرج على متحف الجيزة

- ‌تنبيه

- ‌تنبيه آخر

- ‌جمعيتا المسامرة والفتوح الخيرية

- ‌الجزآن الرابع والخامس من كتاب الانتصار لواسطة

- ‌عقد الأمصار

- ‌العدد 33

- ‌بمن أقتدي إذا اختلفت الآراء

- ‌الحرب أخت الإنسان

- ‌التشخيص العربي

- ‌الجوهر النفيس على صلوات ابن أدريس

- ‌مرآة التأمل في الأمور

- ‌التقدم المصري

- ‌العدد 34

- ‌العيد السعيد

- ‌العَدْوَى الأوروبية للبلاد الشرقية

- ‌تهنئة

- ‌الطرق وما فيها من البدع

- ‌الاتجاه إلى الأستاذ

- ‌حرب الأقلام بجيوش الأوهام

- ‌تهنئة قدوم

- ‌الزيارة العيدية

- ‌(المربي)

- ‌هناء المحبين

- ‌نهاية الأوطار في عجائب الأقطار

- ‌رثاء عظيم

- ‌العدد 35

- ‌تشرف أهل القطر برؤية أميرهم في عيد الفطر

- ‌قلائد التهاني

- ‌هذا عندكم فما مقابله عندنا

- ‌الطرق وإصلاحها

- ‌التهاني الخديوية

- ‌المكرر أحلى

- ‌يا بني الإنسان أدركوا إخوانكم

- ‌رثاء

- ‌رثاء فاضل

- ‌تعيين

- ‌العدد 36

- ‌تشريف الجناب العالي مدينة إسكندرية

- ‌الصنائع والصنّاع

- ‌النشأة المصرية

- ‌النصيحة العامة بأوجز مقالة في النهي عن البطالة

- ‌والجهاله

- ‌محاسن أمير المؤمنين أيده الله

- ‌تهاني

- ‌رياض التوفيق

- ‌طب الركه

- ‌البصبرة والرأي العام

- ‌تهنئة بنجاح

- ‌أعجب ما كان في الرق عند الرومان

- ‌العدد 37

- ‌التربية والتعليم

- ‌مملكة بروسيا

- ‌أسباب الحرب

- ‌صبر جميل

- ‌الكسوة الشريفة

- ‌مصنوع البلاد

- ‌رجاء

- ‌المسويو بطرون

- ‌فاجعه

- ‌العدد 38

- ‌دفع اعتراض البشر عن اعتقاد القضاء والقدر

- ‌سؤال

- ‌الأزهر الشريف بمصر وجامع الزيتونة بتونس

- ‌العدد 39

- ‌الأعداء

- ‌الحكاكه في الركاكة

- ‌جريدة بروج

- ‌الغرب الأقصى

- ‌الكرباج والعفريت

- ‌تهنئة

- ‌كتاب طب الركه

- ‌العدد 40

- ‌حفظ الصحة

- ‌رسالة

- ‌تابع التربية والتعليم

- ‌ورشة حسبو أفندي محمد بإسكندرية

- ‌تهنئة

- ‌القول المفيد في آثار الصعيد

- ‌المنتقد

- ‌الكمال

- ‌ثناء

- ‌بروجر

- ‌المقطم

- ‌وكيل تحصيل

- ‌رثاء

- ‌هدية

- ‌العدد 41

- ‌محمدةٌ عُدت مذمة

- ‌تابع حفظ الصحة

- ‌باب الأدبيات

- ‌منقبة

- ‌من أحد السوريين

- ‌لا حر في الدنيا بل الكل رقيق

- ‌سؤال

- ‌العدد 42

- ‌مذهب النباتيين

- ‌إعلان

- ‌تابع حفظ الصحة

- ‌تحية وسلام

الفصل: ‌بم تقدموا وتأخرنا والخلق واحد

‌العدد 15

- بتاريخ: 29 - 11 - 1892

‌بمَ تقدموا وتأَخرنا والخلق واحد

هذا السؤال لهجت به ألسنة الشرقيين واشتغل العقلاء به في كل الممالك الشرقية فغدوا يتساءلون فيما بينهم عن الأوروبين ما قدمهم وأخرنا والخلق واحد. وكما ورد السؤال على ألسنتهم دار عليها كثير من الأجوبة وكل واحد يزعم أنه عرف السبب ووقف على علل التأخر فمنهم القائلون أن الجوَّ له حكم في انفعال الأجسام بحسب ما تدعو إليه طبيعته وقد قضى على الشرقيين بالكسل والتقاعد عن الأعمال العمرانية كما نضى على الأوروبين بالعمل وعلوا الهمة وعللوا ذلك بعلل تنكرها عليهم الأدوار الماضية فقد أخذ الشرق أدواراً علمية مدنية استمدت أوروبا مدنيتها من دوره لأخير أيام كانت على أسوء مما عليه الشرق الآن. ومنهم القائلون إن الدين الإسلامي مانع من التقدم وهو علة العلل في هذا الباب وأصحاب هذا القول كالببغا يحكون الصوت ولا يدركون المعنى فقد قلدوا في هذا الوهم أوروباوياً في قوله الذي

ص: 337

طارت به الصحف في كل مكان وفاتهم إن الشرق ممتلئٌ بأديان تغاير الدين الإسلامي والآخذون بها أضعاف الآخذين بالاسلام ومع ذلك فإن تقهقرهم في المدينة والقوى العلمية أكثر من المسلمين بل لا نسبة بينهم وبين المسلمين في المدينة والألفة بين الناس ومعاشرة المغايرين لهم جنساً وديناً. فلو كان الإسلام مانعاً لرأينا الهند والصين في تقدم أوروبا وحالهم شاهدة بأنهم احط من المسلمين بدرجات. ودعوى الأوربي إن الإسلام سبب لحركات الشرق ضد الغرب أنه لا سكون للأفكار إلا بإعدام القرآن والآخذين به مدحوضة بالحروب المتواصلة بين دول أوروبا المسيحية من عهد الرومانيين إلى الآن وكلما كثرت مدنية دولة أوروبية كثر تفننها في آلات القتال والتدمير مع سكون الشرق هذه القرون الطويلة لا يتحرك إلا دفاعاً عن وطنه الموطؤ بأقدام أوروبا الملوثة بالدماء الشرقية. ولا يحركه إلا فتنة أوروبية ولا داعي لأوروبا في تحريك الممالك الشرقية إلا الطمع الملكي والتعصب الديني وإنما لشدة تمسك هذا الأوروبي بدينه كره ان ير ديناً غيره واحب أن يسمع صدى صوته في بلاده لتميل النفوس إلى رجل غيور على الدين. وقد كان الإسلام اليد القوية أيام صولته فلم يبطش بها بمواطنيه ولا مدها إلى معاهديه بل ولا حرَّك بها عصا نحو المتوحشين عند نزولهم على حكمه تحت سطوة سلطانه. ولم يكن عند رجاله من التعصب ما يحملهم على قهر الناس بالتضيق على ترك أديانهم بل خيرَّ من نازلهم بين الأخذ به أو الاستطيان على حكمه وهذه خصوصية له من بين الأديان ويكفيه

من إطلاق حريّة الأعمال إن وفداً من نصارى العرب وفد على سيدنا محمد صلى الله تعالى عليه وسلم

ص: 338

وهو في مسجده فلما أدركتهم الصلاة قاموا ليصلوا جهة الشرق فاراد الصحابة التعرُّض لهم فمنعهم النبي وتركهم يصلون في حضرتة لغير قبلته وعلى غير ملته وليس بعد هذا مسلك لحرية الأفكار والأديان. ومنهم القائلون أن اختلاف الجنس مانع عظيم وهذا وإن كان له وجه ولكن هناك وحدات أُخرى تترك للجنس خصوصيات ومزايا لا تبعده عن الانقياد للسلطة الجامعة للأجناس. ومنهم القائلون إن الأديان سبب التخاذل الحاصل في العالم ولا سبيل لمنعه إلا بتركها جملة وإعدامها من الوجود وهذا الفريق مقلد لدهاة أوروبا الذين أفسدوا كثيراً من الأخلاق الشرقية بهذه النزهات والأوهام. مع أننا لو فرضنا عدم صحة الأديان وأنها وضعت نظامات في أيام الخشونة والجهالة ولا لزوم لها الآن مع وجود القوانين الوضعية لكان من الواجب احترامها واعتبارها فإن تأُثير وعدها ووعيدها في النفوس لا يبلغه قانون فإن الشخص يمكنه أن يفر من عقوبة القانون أما بالبعد عن موجبها وأما بالتحايل على تأويل مواده بالوسائط ولكنه لا يمكنه أن يفر من عقوبة الله باية حيلة على معتقده.

ولو ترك الناس وشأُنهم لأكل بعضهم بعضاً ولعجزت أية دولة قانونية عن ضبط أفرادها ولو كان لها في ذراع عسكري حارس. وما ساعد الملوك على النظام وبث الأمن إلا القانون الديني وما فتح الباب لأهل القوانين الوضعية إلا الشرائع الدينية. والدين هو الذي يحمل العسكري على بيع حياته في حرب دينية انتصاراً للدين وإقدامه في الحرب الدينية يفوق إقدامه في الحرب الملكية أضعافاً وما يدعوه للدخول في ساحة القتال إلا الطمع الأخروي الآتي به الدين. فلو علم العسكري أن

ص: 339

لا بعث ولا أجر على عمله لفر من ساحة القتال فإن ارغم قاتل مكرها. ولا يقال أن الشرف الوطني يلزمه باقتحام غمرات الموت فإنه إذا علم أنه يقدَّم للموت ليفوز الملك أو الأمير بمراده ولا ثواب ولا نعيم فإنهُ لا يبيع حياته بلذة غيره. وإذا بطل هذا كله لزمنا البحث في العلل التي أوجبت التأخر ولا نتوصل إليها إلا بمعرفة الأسباب التي قدمت أوروبا فبضدها تتميز الأشياء.

السبب الأول

لا ينكر أن ممالك أوروبا كانت دوقات وكونتات وايالات وممالك صغيرة وكبيرة وإن الذين

صيروها إلىما هي عليه الآن عائلات تسلطت على عائلات وضمت الأجزاء إلى بعضها وصيرت كل قطعة عظيمة مملكة مستقلة. وعند ما تغلبت هذه العائلات خافت من تحرك الهمم خلف الاستقلال فهدتها التجارب إلى توحيد اللغة في بلادها لتميت حمية الجنس التي تدفع إليها اللغة فلم يكن في بلاد فرنسا أو انكلترة أو ألمانيا من يتكلم بغير لغة البلاد والمراد بعدم التكلم بلغة الغير ان المملكة توحد اللغة في المعاملات والتأُليفات والتعليم والمخاطبات فلا يستعملون لغة الغير إلا لضرورة تدعو إليها بحيث لا يتوسع فيها إلى حد أن تسطو على اللغة المحلية. وقد اعتنت الدول بذلك حتى أن مثل البلغار قلدت الدول الكبيرة ومنعت لغات الغير من استعمالها في مدارسها. وبهذا القانون نقلوا كل جنس دخل تحت سطوتهم إلى لغتهم فحكمت اللغات على الأجناس التي أخذت بها وصيرتهم كأهلها في الأخلاق والعادات لنسيانهم لغاتهم وانفعالهم

ص: 340

بفواعل اللغة الموضوع لها تلك الألفاظ. ملوك الشرق اخطأُوا هذا الغرض وتركوا المحكومين يتكلمون بلغاتهم ويتعلمون بها فبقيت الجنسيات حية بحياة اللغة وذلت خاضعة بقدر ما دعت ضرورة الضعف والفراغ من المعدات وكلما فتح لجنس باب ثورة أو محرك لاستقلال تدافع حول الداعي وتفانى ف الخروج من السر الغير يشهد بذلك الأمم التي حكمها الرب ولم يوحدوا اللغة فيهم فخضعوا بقدر ما استعدوا للخروج من سلطتهم أو للتغلب عليهم حتى تمزقت المملكة وتوزعت في أيدي الثائرين والمتغلبين. والترك والفرس عندما افرغت إليهم دولة العرب تركوا الناس ولغتهم ولم يوحدوا لغتهم في محكوميهم لا بطريق الإجبار ولا بطريق التعليم فبقيت نار الجنسيات تحت ردم انتهاز الفرص حتى تمت المبادئ فقامت عليها الأجناس ثائرة بنفسها أو منبعثة بتحريك الغير لها. ولا ينكر ذلك إلا من جهل استقلال الفرس والأفغان وبخاري واليمن وتونس ومراكش ومسقط وزنجبار والبلغار ورومانيا والجبل الأسود والسرب وممالك السودان والهند الإسلامية وقد كانوا تحت السلطة العربية ثم التركية والفارسية بعدها. وهذا الذي أخاف ممالك أوروبا فاتخذت ما حصل للعرب والترك والفرس كتاباً تدرس فيه وقاية ممالكها من العوارض المعددة لوحدة كل أمة منها. وكما اتخذت هذه الطريقة لتوحيد الجنسية في بلادها التزمتها في الأمم المتغلبة عليها ولكنها لم تجعل الانتقال إلى لغتها إجبارياً بل التزمت التدرج لذلك بتعميم التعليم بها لئلا بنفر المحكومون إذا علموا

سعيها في إماتة لغتهم فهي تخادعهم باسم التعليم حتى إذا انقرضت الطبقة الحاضرة خرجت

ص: 341

التي بعدها مذبذبة فإذا مضت جاءت الطبقة الثالثة من جنس الأمة الحاكمة لغة وديناً فتأمن ثورتها وتحركها عليها لكونها صارت منها. وإذا دامت هذه الحرب الخفية قرناً أو قرنين والشرق في غفلته منحدر في تيار الأوهام ماتت الأجناس العربية والتركية والفارسية والهندية والمغلولية والحبشية والإفريقية وأصبح الشرق مسكوناً بأمم أوروبية لغة وديناً وإن ولدوا في آسيا وافريقيا

السبب الثاني

عندما تم لكل عائلة أوروبية الاستيلاء على قطعة مخصوصة وحدَّت السلطة في الجنس المتغلب فلم تمكن أي إنسان من المتغلب عليهم من أي إدارة فراراً من توزيع السلطة وضياع القانون بالأهواء والأميال الجنسية وخوفاً من اتساع سلطة المقهورين بما يحركهم للاستقلال واستمرت الحال كذلك حتى تم نقل الأجناس لغةً وديناً وصار المجموع جنساً واحداً. وعند تغلب مملكة أوروبية على مملكة شرقية تجعل الإدارات العالية بيد رجال منها لتوحد السلطة وتتمكن من القبض على أزمة القوى الحربية والمالية والإدارية فتراها تسوق الملايين من الشرق بعشرة رجال منها. وهي لا نمكن أجنبياً من إدارتها فلا ترى روسياً قائداً لجيش انكليزي ولا انكليزياً وزيراً لمالية روسيا ولا فرنساوياً وزيراً لمعارف ايتاليا ولا ايتاليانياً وزيراً لحربية فرانسا وهكذا بقية الدول. ودول الشرق اخطأت هذا الطريق ولفقت العمال من الأجناس المحكومة وغيرها فانحلت عرى قواها وكثر فيها الثورات والتغلبات حتى جاءت الدولة العربية فوحدت سلطتها

ص: 342

في دورها الأول فنمت مملكتها بكثرة فتوحاتها ونفذت قوانينها الشرعية والوضعية في الممالك التي ربطت خيولها بأبواب ملوكها وأمرائها. فلما اتسع نطاق المدينة وجنح الخلفاء والأمراء إلى الرفاهة والسكون اسلموا أمور إدارتهم إلى الأجناس المحكومة بهم فدعاهم حب الأُثرة إلى نزع ما بيد مواليهم وساداتهم ورجعت العرب القهقرى وكثر المتغلبون وفسد النظام وجرت الدماء في كل جهة وطمعت دول أوروبا فهاجمت الشرق بعد أن كانت ترعد من ذكره ثم انتهى الأمر بجمع السلطة للأمة التركية فأخذت دورها الأول بما لا ينزل عن دور العرب بل تخطت من آسيا لأوروبا وفتحت بعض قطع منها واستولت عليها قروناً. وما زالت تزاول الأعمال بنفسها

حتى وقفت برزخاً ضيقاً بين أوروبا وبين بلادها وممالك الشرق ولما انتهت في المدينة إلى حد الرفاهية والخلود إلى الراحة وفوضت أمر كثير من الإدارات إلى غير جنسيتها كانت تلك الأجناس الوسيلة العظمى لتداخل أوروبا في مملكتها وكذلك بقية الممالك الشرقية التي أصبحت ميداناً للعب رجال أوروبا بعقول أهلها.

السبب الثالث

كل عائلة تغلبت على قطعة في أوروبا وحدت دينها والزمت المحكومين بالأخذ به وأراقت غزير الدم في سبيل توحيد الجامعة الدينية لئلا تترك بينهم ديناً آخر يوجب النفرة والفتن الداخلية والتداخل الخارجي وقد اعتنت أوروبا بالدين اعتناءً غريباً حتى ملأت بكلماته كتب التعليم من أي فن كانت ورسمت الصليب الذي هو الصورة ديناً على ديناً على

ص: 343

الملابس وأواني الأكل والشرب والبُسط والفُرش والآلات وأوراق الزيارة والمباني حتى على اعتاب الأبواب فلا يكاد يقع بصر إنسان على شيءٍ إلا وعليه هذه الصورة المقدسة ليكون الدين في فكر الواحد منهم في كل طرفة عين. ولعلمهم أن وحدة الدين إذا انضمت إلى وحدتي اللغة والسلطة قامت الملكة على أساس متين اهتموا بنقل الأمم الشرقية بطريق التدرج فلم تقهر فرنسا أهل الجزائر وتونس على ترك دينهم كما فعلت أسبانيا في مسلميها عند تغلبهم عليهم حيث الجامتهم إلى التنصر أو الخروج من البلاد وكذلك انكلترة لم تكره مسلمي الهندولا روسيا قهرت مسلمي طرغستان والتركمان وغيرهم ممن هم في حوزتها وإنما التزمت كل دولة أن تعمم لغتها فبهم وإن تفتح المدارس لتعليم الأبناء على أخلاق الأمة الحاكمة وتمنع تعلم الدين إلا مبادئ قليلة جداً تموه بها على ضعفاء الإدراك ليخرج المتعلمون فارغين من الدين فيسهل نقلهم لأي دين بعد فإن تعرضت أمة شرقية لذكر دينها ولو لم تكن محكومة بأمة أوروبية نودي عليها بالتوحش والخشونة والهمجية وقيل ان هذا تعصب ديني مع أن التعصب الديني لا يوجد إلا في صنع أوروبا ولكن القوة تقول للضعف ما تشاء. وقد اخطاء ملوك الشرق هذا الطريق واكتفوا بالفتوح أو التغلب على الغير وتركوه على معتقده كما كان يصنع قدماء المصريين والبابليين والفرس والهنود وغيرهم ثم جاء الإسلام فاكتفى من الناس بالأحذبه أو الاذعان لملوكه وعند ما نشر جناحيه في الشرق والغرب ترك أُمماً كثيرة على أديانهم المسيحية والموسوية والبرهمية والمجوسية والوثنية

وإعطاهم حرية التعبد من غير أن يتعرض لهم أحد من المسلمين وهذه

ص: 344

مزية لا توجد في دين غيره. ولكنه لم يجن من هذا الغرس الجميل ثناءً ولا شكوراً بل هاجمت أوروبا بأجمعها الشام بالنزعات الدينية وخرجت دياره واراقت في كل شبر منه دم إنسان فجلبت الدمار على مسلميه ومسيحييه واسرائيلية وأصبح فارغاً من معدات العمران مُحالاً بينه وبين التقدم بسور الفقر الذي بنته أوروبا بيد التعصب الديني. ومع كل هذه الفتن فإن أصول ديننا توجب علينا حسن معاملة من غايرنا ديناً ومعاشرة الوطني والمستوطن معاشرة المثيل وإن عاملنا بضد معاملتنا له لعدم إكاننا التصرف في أصول ديننا. ولم تكتف أوروبا بتوحيد الدين في بلادها بل عقد الأهالي الجمعيات الدينية وربوا لها أُلوفاً من القسوس وبذلوا لهم الملايين من الذهب وبثوهم في الشرق تحت حماية دولهم ورعايتها فجاسوا خلال افريقيا وآسيا داعين إلى الدين وقد انحدر الشرق في هذا التيار الذي لا مرسى له ولا مرجع إلا توحيد الدين شرقاً وغرباً. وقد اخطأ الشرقيون هذا الطريق فنامت الأمم في زوايا الإهمال وعكفوا على الملاهي يصرفون فيها الذهب والفضة وتركوا العلماء والأحبار والرؤساء يجلسون في المساجد والمعابد والهياكل منتظرين من يقطع البراري والقفاز ليتعلم منهم الدين وقد التزموا الطرق البطيئة وصعبوا على المتعلم طريق الحصول على المعارف ولا نعيبهم بالتقاعد عن جوب الأقطار مع ماهم عليه من الفاقة والحاجة إلى الطريق وجعلوا أموالهم غنيمة لمن لا يستحقها من نائم في نكبة أو شموع لمولد أو نذور لا صرحة حتى من وفق لرصد شيء للتعليم صودر بما لم يكن في حسابه ولهذا تأخرت المعارف في الممالك الشرقية وعمت الجهالة عوامه واقتصر العلماءُ على

ص: 345

التعاليم الدينية في بعض البلاد وتركت العلوم الرياضية فماتت الصنائع بموت أهلها وعم بحث الملوك في إحيائها وغفلة الأمم عن فتح المدارس والمعامل على ذمة الجمعيات الخيرية والتجارية فاصبح الناس يعدون مخترعات أوروبا من وراء العقول وحكموا على أنفسهم باستحالة الوصول إلى تقدم أوروبا لفراغهم من المبادئ العلمية وبعدهم عن المسائل الدولية.

السبب الرابع

لما تمت تربية أمم أوروبا تحت أحضان ممالكها وجمعياتها العلمية والتجارية ورأت الدول لو بقيت على التقاطع والتضاغن مع توحيد الدين بينها صارت عرضة للتفاني في سبيل

الأطماع وفتحت للشرق بتخاذلها باب تداخل في شؤنها الحربية أو السلمية ولم تجد شيئاً تسد به هذا الباب إلا المعاهدات الدولية لتأمن كل مملكة شر جارتها وتلتفت لتنظيم إدارتها فاجتمعت كلمة ملوك أوروبا على حفظ الوحدة الأوروبية من مس الشرق لها مهمما تقلبت المسائل الدولية بين أيديهم وعلى توجيه الهمم إلى الشرق فتحاً واستعماراً فتراهم إذا هموا بأمر ضد مملكة شرقية خابر بعضهم بعض فإذا ارضى هذا ذاك وتمت كلمة التداخل والاستيلاء وثبت الدولة العاملة تحت مراقبة اخوانها فإن فازت بالظفر فذاك وإن خذلت تدارها الكل وأوقفوا الشرقية عند حدودها وكلفوها ما لا يطاق. فإذا انتهت من ورها قامت الأخرى لوقبتها التي اباحها لها الاتفاق وعلى هذا جرت ممالك أوروبا حتى مكنها الوفاق من التغلغلي في افريقيا وآسي. وقد اخطأت ممالك الشرق هذا الطريق الجليل فاستبدلت الاتفاق

ص: 346

بالنفرة وبث العدوة بين أفراد الأمم وانتهت العداوة إلى مساعدة دولة شرقية لدولة أوروبية على أمة شرقية مثلها لاستيلائها عليها وما تشعر أنها واقعة في حيالتها بالقومة وبالحيلة المالية ولهذا لا نرى اتحاداً بين ملوك الصين والهند ولا بين هؤلاء والفرس ولا بين المجموع والترك ولا بين هؤلاء والأفغان وبخاري ومراكش وزنجبار وبهذا التقاطع تمكنت أوروبا من التداخل بين ملوك تحسبهم جميعاً وقولوبهم شتَّى فبتقاطعهم صارت ممالكهم أجزاء صغيرة في قارتين عظيمتين فسهل الاستيلاء عليها واحدة فواحدة وكل ملك ينظر الحاصل لجاره ولا تتحرك همته لجمع الكلمة الشرقية أو الاتفاق الدفاعي. وكان لأوروبا اليد القوية في إفساد ملوك الشرق وإيقاع العداوة بينهم بالأكاذيب الموهمة حتى صيرتهم أشد عداوة لبعضهم من عدواتهم لها بل بتطلفها في الخداع والتمويه صارت محبوبة عند البعض من ملوك الشرق. وعلى هذه الأصول الأربعة بنت أوروبا قواعد ممالكها وبتربية الأمم تحت أحضانها على هذه المبادئ العظيمة تفرع عن هذه المدينة وتقدم العلم والصناعة واتساع العمران.

السبب الأول الفرعي

إطلاق حرية الكتَّاب في نشر أفكارهم بين الأمم لحياة أفكار العامة باحتكاكها في أفكار العقلاء وبهذه الواسطة ربى الكتاب الأمم وهذبوهم ونقلوهم من حضيض الجهل والخمول إلى ذروة العلم والظهور ووجدت الدول رجالاً مدربين لم تنفق في تربيتهم إلى ذروة العلم

والظهور ووجدت الدول رجالاً مدربين لم تنفق في تربيتهم درهماً ولا ديناراً وإنما

ص: 347

رباهم المحررون والعلماء وقد اخطأ الشرق هذا الطريق فخاف ملوكه من الكتاب والعقلاء فضغطوا على أفكارهم حتى اماتوها في أذهانهم إلى أن جاءت الدولة العربية واطلقت حرية الأفكار وجمعت العلماء من جميع الجهات وترجمت كتب الأوائل الحكمية وغيرها باباً أغلقه الجهل قروناً طويلة م انقضى دور الضخامة وتوحيد الكلمة وجاء وقت المتغلبين فتجزأت المملكة وتصدى الثائرون لقتل العلماء وإحراق الكتب وهدم المدارس فانطفأت أنوار العلم الشرقية وضيق ملوك الشرق على أرباب الأقلام فبات الصين والهند والعرقان وبلاد لعرب والجبال والغرب على ماكانوا عليه من عداوة الكتاب ونفي الظاهر منهم أو إعدامه حتى الجأوا كثيراً منهم على الالتجاء لأوروبا وخدمتها بتغيرير قومه وتضليلهم انتقاماً أو قياماً بحق حاميه من الإعدام ولو اطلق ملوك الشرق حرية التحرير وجعلوا المحررين تحت مراقبتهم وساعدوا المخلص في خدمة مملكته وجنسه واسكتوا المفسد والمهيج لاحيوا الأمم التهائهة في القفار وبعثوا فيهم أوراح غيرة وحمية تصان بها الممالك.

السبب الثاني الفرعي

بهداية الأمم الأوروباوية إلى المعارف وطرق التقدم تجمع أرباب الأموال منهم لفتح صناديق الأعمال المالية فتحصلوا بالسهام القليلة على نقود كثيرة واستعملوها في المعامل والتجارة وساعدتهم الدول فحجرت على مصنوع الغير وتجارته لتروج البضاعة الأهلية وتحفظ الثروة في داخلية البلاد وبهذه الطريقة استعت الثروة وارتفع الفقراء إلى مقام الأغنياء وأصبحت الممالك تباهي بعضها بثروة أهاليها ووفرة ماليتها. وقد اخطأ الشرقيون هذا الطريق وجمعوا المال

ص: 348

لوضعه تحت الأرض خبيئة أو لصرفه في الملاذ والشهوات وتركوا صنائعهم عرضة للضياع واستعملوا مصنوع أوروبا حتى أماتوا الصنعة والصناع وحولوا ثروتهم إلى أوروبا بافترى الصانع الشرقي يئن من ألم الفقر وهو جار الغني ولكنه لا يشعر بانينه لاشتغاله بالملاذ والملاهي.

السبب الثالث الفرعي

لما رأت دول أوروبا أن المخترعات والصنائع النافعة لا تكون إلا في فريق الفقراء سنت قانون الامتياز والمكافأة والشهادات العلمية والعملية ونياشين الشرف لتبعث في الناس غيرة

المجاراة والمبارة في التفنن والاختراع وكلما اخترع واحد شيئاً كوفئ على اختراعه والتزامه منه الأغنياء وأرباب المعامل فكثر المخترعون وانتهت بهم البعثة العلمية إلى استخدام البخار والكهرباء واكتشاف العوالم القديمة والحديثة. وقد اخطأ الشرقيون هذا الطري فحطوا على المخترعين وتركوهم وأعمالهم وانكبوا على الأجنبي ومصنوعه واغمض الملوك عنهم عين الرعاية والاعتبار ففترت الهمم وقعدت عن السعي خلف النافع من بنات الأفكار واكتفى كل صانع بالبسيط من الأعمال المتداولة التي لا بد منها لكل أمة.

السبب الرابع الفرعي

لما رأت دول أوروبا أن الأمية ما تمكنت من أمة إلا عرضتها للضياع والاستسلام إلى الغير عممت التعليم وجعلته إجبارياً حتى أصبح الأميون يعدون في ممالكها العظيمة. وقد اعتمدت كل دولة على توحيد التعليم فعلمت الأمة الدين وتاريخ الجنس واللغة وأخلاقها وعاداتها والقانون المدني

ص: 349

الجامع لوحدة الأمة وتاريخ المملكة وحقوق الملك وواجبات الدفاع عنه حتى سرت روح الحياة الدولية في كل فدر من أفرادها واتسع نطاق الأفكار فاصبحوا في حروب فكرية نتائجها الإحياء وامتداد السلطة. وقد أخطا الشرقيون هذا الطريق فتركوا الأمم تائهين في الجهالة العمياء لتوهمهم إن المتعلمين يعارضونهم فيما هم فيه وما صيرهم لذلك إلا أستاذ بعض الأحكام إلى الجهلة وضعفاء العقول. وقد نامت الأمم الشرقية تحت ردم التهاون وعدمالتبصر حتى مات العلم وأهله وما تحركت طائفة لعقد جميعة تساعد من بقى من العلماء لتقاعدهم عن جوب البلاد وجوس الفدافد والقفار وهم يعلمون من شأن العلماء أنهم لا يملكون شيئاً من الذهب والفضة وقد حبس الأمراء والأغنياء الذهب والفضة وجعلوهما وقفاً للملاهي واللذائذ وكلما هبت عليهم ريح تبكيت قالوا ما أخر الشرق إلا العلماء. وبموت أهل المعارف احتاج ملوك الشرق لاستخدام أناس من أوروبا يقومون بهم أود ممالكهم ومن نظر الجمعيات أغنياء أوروبا وعدم حصر مدارسها في الشرق والغرب ورأى أغنياء الشرق وهم يبعثون أولادهم إلى مدارسهم ليتعلموا على قساوة اوروبا أمور دينهم ودنياهم سفه أحلامهم وايقن أنهم العلة الوحيدة في تأخر الشرق عن أوروبا فالفقير العالم ماذا يقول والصانع المعدم ماذا يصنع والعاقل المحتاج ماذا يعمل وكلٌ يحتاج إلى المادة ولا مادة إلا جمعيات الأغنياء والأمراء واتجاه الملوك إليها بالعناية والمساعدة المادية

والمعنوية.

السبب الخامس الفرعي

لما رأت ممالك أوروبا أن الملوك كثيراً ما يقعون في خطاء الرأي

ص: 350

بالانفراد فيه احدثوا مجالس الوزراء والشورى التي تقيدت بها الممالك ظاهراً فالقت اوزراها على عواتق أعيان الأهالي ومنتخبيهم لتستمد من أفكارهم مابه يحسن النظام وتبقى المملكة حية بحياة قواها العاملة وصار للأمم الثقة بملوكهم ووزرائهم لعلمهم أنهم لا يصرفون شيئاً ولا يحدثون عملاً ولا يبرمون أمراً إلا بمشورة نوابهم وبتبادل الأفكار بين الوزراء والنواب ظهرت ثمرات عظيمة واشتد عضد الدول وعظمت قوتها واتسعت تجارتها ومعارفها وكثر المرشحون للأعمال والإدارات العالية بالتربية في المجالس. وقد اخطأ الشرقيون هذا الطريق بسبب الجهالة التي عمت الأمم الشرقية فلم يكن عند ملوكهم ثقة باعيانهم ووجهائهم ولا يحبون كثرة العقلاء خوفاً من التغلب الذي يحلم به كل ملك شرقي وهو وهم لا حقيقة له ولذا نراهم إذا نبغ في ممالكهم أناس وضعوهم تحت سوط التضييق حتى يبغض الغير طريق العقلاء والنبهاء فراراً من الوقوع فيما وقعوا فيه من البلاء والعناء.

السبب السادس الفرعي

انتجت تربية الأمم على المعارف أحداث أندية السَّمر والتجارة فاتخذت المجالس العديدة لاجتماع أهل الأفكار ممتزجين ببعض الضعفاء لينقلوا عنهم ويتربوا تحت أحضانهم وفي تلك المجالس تدور الأحداث على الأمم والممالك وأعمال الملوك وأخلاق العالم وتاريخ العمران فكانت هذه المجالس روحاً ثانية في جسد المملكة المتحرك بروح الوزراء والنواب والعمال وقد علم الملوك حسن مقاصدهم فلم يصيقوا عليهم بشيء يحول بينهم وبين مدارسهم الأدبية. والشرقيون اخطأُوا هذا الطريق وجعلوا مجالسهم قاصرة على الغيبة والنميمة والسعي في أذية فلان ومعاكسة علَاّن والتحاسد والتباغض وتقبيح بعضهم بعضاً واللهو واللعب

ص: 351

وانقطعوا عن العالم بالمرة ومنهم من اقتصر على الإقامة بين أولاده ومنهم نفر قليل اشتغلوا بالمعارف واضطرهم تيار المجتمع المدني إلى الانحدار معهم في غالب الأوقات وقلَّ أن يجتمع جماعة للبحث فيما ينفع الأمة أو الدولة لعلم العقلاء إن أبحاثهم غير معوَّل عليها ولا ملتفت لانصراف معظم الأمة إلى الشهوات فهذه هي السباب التي قدمت

أوروبا ونشرت ألوية التقدم في جميع جهاتها وبالوقوف عليها عرفنا العلل التي أخرت الممالك الشرقية على اختلاف مواقعها وأوقعتها في فخاخ أوروبا وعلمنا أن الدين الإسلامي والأديان الشرقية لم تكن السبب في التأخر كما يزعم كثير من الطائرين حول دهاة أوروبا بل أن الدين الإسلامي كان السبب الوحيد في المدينة وتوسيع العمران أيام كان الناس عاملين بأحكامه. والجوُّ هو هو الذي كان فيه المتقدمون من المصريين والفنيقين والفرس والهنود والعرب والترك وقد تحققنا أن التأخر إنما جاء من تعميم الجهالة باغضاء الملوك عن وسائل التعليم والتضيق على أرباب الاقلام والأفكار وبعد الاغنياء عن الجمعيات وتقاعدهم عن ضروب التجارة والنصاعة والزراعة ورضاهم بالبقاء تحت الشهوات فإذا أطلق الملوك حرية الأفكار والمطبوعات تحت المرابة وبذل الأغنياء الذهب في حياة الصنعة وتعميم المعارف في المدن والقرى ومساعدة العلماء على الرحلة خلف حياة العلم واجتمعت كلمة الملوك والوزراء والأمم على السعي خلف التقدم أمكنهم أن يوقفوا تيار أوروبا شيئاً فشيئاً حتى يضارعوها قوَّة وعلماً. وإلا إذا تركوا هذه الأسباب وبقوا على ما هم فيه من التقاطع والتحاسد والجهالة كان من العبث في الاندية وتمشدقهم بقول بعضهم لبعض بم تقدم الأوروبيون وتأخرنا والخلق واحد.

ص: 352