الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وربما وجدته مديناً وقد لا يكون له عائلة أكثر من زوجة وخادمة وخادم وما جره للحرمان من كسبه إلا السرف الغربي فلو أخذنا من محسنات الغرب ما لا بد منهُ واقتصرنا على ما يوافق أخلاقنا وعاداتنا لحفظنا لأنفسنا حتى الانتفاع بثمرة الاقتصاد الشرقي ولكن طرنا حوْل الأهواء وجرينا خلف المرئيات المزخرفة الظاهر وتتبعنا سير الغربي فجاريناهُ حتى سبقناهُ وأصبحنا نعض الأنامل من الغيظ ونضرب الكف بالكف أسفاً وندماً وهيهات هيهات إن نفع الندم مع التمادي على هذا التهالك في السرف اللهم إلا إن تداركنا بقية صارت على شفى جرف الضياع وما ذلك على الله بعزيز.
باب التهذيب
يعلم الناس أن النفوس تشتاق للأمر الواقع أكثر من اشتياقها إلى المتخيل وقد كنت أتناظر في اختفائي مع صديق غربي فإن غاب عني يوماً أخذت أتكلم مع خادمي وكان غلاماً أمياً فارغاً من الآداب لا يعرف إلا ما أخذه عن والدته وما تلقاه عن أمثاله فعلمته الكتابة وهذبته ولقنته ما يلزم لمثله وقبل وصوله لهذه الدرجة جرت بيني وبينه محاورات في مواد كثيرة وذلك أني كتبت كلمات من باب المثل السائر أو الحِكَم وأخذت أقرؤُها عليه وأفهمه مهناها فكان يصدر منه ما يحرك الحليم للغضب وأصبر رجآه وصوله إلى التهذيب. وهذه الطريقة التي التزمتها في تهذيبه أسهل تناولاً من كتاب مؤلف في هذا الباب ولهذا عزمت على نشر تلك المحاورات لاشتمالها على فنون أدبية شتى في طي
فكاهات. ولنشر إليه بحرف ص فإنه اسمه صالح ولكنني أرجو القراء أن يغضوا الطرف عما يجدونه من نتائج جهله قبل أن يتعلم فإن الفراغ من المعارف يصدر عن المرء من الشذوذ والأغلاط ما لا يتصوره ذوو العرفان.
ن. يا صالح تعلم أن صاحبنا لم يحضر اليوم وقد كتبت كلمات سميتها حِكماً وأريد أن أقرأها عليها لتستفيد منها ما عساه أن ينفعك مما فيه صلاح دينك ودنياك فما تفهمه منها قل لي فهمته والذي لم تفهمه سلني عنه.
ص. يا سيدي أنا طول عمري ما سمعت بالحِكم ولا شفتها بعيني وأعرف أنه لا يهدي الناس بالكلام إلا العلماء في المساجد والحمد لله عمري ما عييت وطلبت حكيم وإنما كانت أمي تعمل لي الدواء بمعرفتها. وأسمع من الناس أن الحكما دول فلافسه فإن كنت تحفظني كلمتين ينفعوني أحسن من الحكم فإنها بطَّالة.
ن. هذه الحكم عبارة عن كلام من باب النصائح والمواعظ مثل كلام الخطباء على المنابر يوم الجمعة فلا تتصور أنه خارج عن الدين أو طاعن فيه معاذ الله. والحكماء الذين ذكرتهم يقال لهم أطباء وليس المسلم منهم زائغاً عن العقيدة ولا خارجاً عن الدين وكذلك غيره بحسب معتقده وهم حفظة الأبدان وعلمهم أشرف العلوم بعد علوم الشريعة الغراء. فإن صحة الأبدان تمكّن من النظر في العلوم الشرعية وغيرها وتعلم الدين واجب وهو موقوف على صحة الأبدان وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب فتعلم الطب واجب وجوباً كفائياً يعني أنه يلزم أن
يتعلم فريق من الأمة ما يقوم بحفظ صحتها ومعالجة أمراضها. فلا تسمع
كلام الجهلة فيهم ولا تعول على مجربات النساء فإنهم إن أصبن مرة أخطأن مراراً. وأنا الآن أعالجك بما أعلمه من هذا الفن بقدر الضرورة وعندما يكشف الله غمتنا إذا مرضت فلا تسأل أمك واعرض نفسك على الطبيب وأنت واثق بذمته ولا تعمل بغير كلامه فإنك إذا نظرت إلى الجهلة وفعلهم في الناس وجدت أن أكثر موتى العوام في الريف والمدن قتلى بالسموم التي يتناولونها من أيدي الجهلة باسم الدواء. ومن العجيب اعتماد العوام على الدجالين أكثر من اعتمادهم على أصحاب هذا الفن وأعجب من ذلك أن المرأة تدخل على المريض فتقول كان فلان بهذا الداء وطاب بدواء كذا معتقده تماثل الأجسام والأمراض على أنها لا تحسن تشخيص المرض فتعلم أن هذا هو عين ذاك وبخطائها في التشخيص تقتل المريض بما تصفه خصوصاً إذا وضعت له جواهر سامة. ونحن نعلم أن كثيراً من مهرة الأطباء يخطئ في تشخيص مركز المرض أحياناً فكيف نثق بالنساء والجهلة الذين ما قعدوا بين يدي معلم.
ص. حيث الأمر كذلك وأنت تعرف الكلام النافع من غيره وأنت الآن مثل والدي فتفضل اقرأ الحكم ولكن فهمني الذي يكون بالنحوي.
ن. أول الحِكم. ترك الحزم يضيع الفُرص. الفُرص جمع فرصة يعني فُرصة وفُرصة وفرصة تجمع على فرص مثل ما تقول لُقمة ولقمة ولقمة تجمع على لقم. والفُرصة النوبة وأصلها أن العرب كانوا يجتمعون عند البئر لسقي الإبل فإذا فرغ الأول قالوا للثاني جاءت فرصتك أي نوبتك وأنت
تقول فارصت فلاناً أي ناوبتهُ. وانتهزت الفرصة أي اغتنمتها. فإذا جاءك السرور وقتاً وانقطع وقتاً آخر فكل وقت يأتيك فيه يقال له فرصة فإذا تركت الحزم في ذاك الوقت فقد أضعت فرصة السرور أي نوبته.
ص. الشيء الذي لا تراه العين ولا تمسكه اليد كيف نحزمه فإن السرور لا يرى بالعين وإلا بالعقل.
ن. الحزم ضبطك الأمر والتأني في تناوله بحيث لا يغالبك عليه شيء من العوارض إلا كنت معدّاً ما تدفعه به فإذا رزقك الله تعالى عقلاً تضبط به أمورك وتحفها ممن يغالبك عليها أو يحول بينك وبينها كنت حازماً وإذا تركت نفسك للصدف والمتفقات فإنك تضيع أكثر مما تحصله وكنت من المغفلين.
ص. الآن فهمت ولكن هذه الأمور من أي نوعٍ من الأكل أو الشرب أو الفلوس.
ن. الأمور التي تتفارص الإنسان لا تدخل تحت حصر فإنها عبارة عن كل ما ينزل به مدة حياته صغيراً كان أو كبيراً حقيراً أو عظيماً.
ص. بقى أنا الآن عاوز أروح بيت الراحة فإن بطني ماشية عليّاً فإذا لم أشخ على كلامك أكون ضيَّعت الفرصة ولا أكون حازماً.
ن. نعم إنك إذا لم تقم في الحال وتذهب إلى الخلاء فإنك تجلب على نفسك ضرراً وربما أحدث التأخير ناصوراً وربما طلبت الخلاء وغيرك فيه فتتألم بالتأخير أو تُحدث في ثيابك فانتهز الفرصة وقم لقضاء حاجتك