الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العدد 31
- بتاريخ: 21 - 3 - 1893
المعارف بمصر
حالنا أمس واليوم
أو نتيجة أتعاب المرحوم محمد علي باشا وأبنائه ورجاله
معلوم أن رؤساء الهيئة الاجتماعية الإسلامية بدأوا أمرهم بالتبصر في الأمور والعناية بمعرفة ما يقدم الأمة وينشر فيها المدنية ويوسع العمران ومع كون الدين الإسلامي نشأ في بلاد الأميين وانتشر على أيديهم فقد علموا أن لا واسطة للتقدم ورسوخ قدم الملك إلا بالعلم فاشتغلوا به جمعاً وتعليماً حتى علا شأن الهيئة الاجتماعية ونفذت كلمتها وخافت أمم الدنيا سطوتها وصارت تستنجد بها وتحتمي بظلها وكانت مدرستا الكوفة والبصرة فاتحة باب العلوم العامة والتعليم الأدبي ومنها ظهر كثير من العلماء وفي الأولى ظهر الخط الكوفي وكان مسجد المدينة المنورة المدرسة الدينية العليا وبانتقال الخلافة على دمشق فتحت مدرستها ورحل الناس إليها ووفد عليها عالم الأقطار المختلفة ديناً للتعلم والأخذ عن علماء المسلمين ثم تعددت فيها المدارس والمكاتب حتى فاخرت
الدنيا بقوتها العلمية ثم بانتقال الخلافة إلى بغداد تحولت القوة العلمية غليها وفتحت فيها المدارس العديدة واعتنى العباسيون بالعلم والعلماء والتربية حتى زينوا الدنيا بالمعارف والآداب وبامتداد الفتوحات كانت العرب ترحل وترحل معها العلوم الإسلامية والآداب المحمدية والفنون العقلية والفوائد المدنية فانتقل معهم نور العلم من آسيا إلى أفريقية وأطراف أوروبا ودخل مصر وطرابلس وأسبانيا والبورتغال وجميع البلاد المغربية وصقيلية (سيسيليا) وبعض جزائر البحر الأبيض المتوسط وعمت المعارف المحمدية بكثرة تلامذة مدارس بغداد والقاهرة ودمشق وحلب وتونس والقيروان وفاس وقرطبة وأشبيلية وغرناطة ومكة والمدينة وصنعاء وسمرقند وأصفهان ودهلى وغزنة وكابل وغيرها من المدن والعواصم الإسلامية واعتنى الخلفاء بجمع الكتب وترجمتها مع عدم المطابع إذ ذاك فقد وضع الحاكم بأمر الله الفاطمي مائة ألف كتاب في المدرسة الفاضلية. وتوجهت هم الأعيان والوجهاء لإحياء العلم وتعميم التربية فكانوا لا يصرفون نقودهم إلا في بناء كتاب وتشييد مدرسة كما شهدت لهم آثارهم وبهذه العناية انبثت روح العلم في المسلمين وظهر منهم علماء الشريعة الغراء والآليات والرياضيات والطبيعات وزينوا الدنيا بعلومهم وملأوها بآدابهم ومزقوا ثوب الجهالة
والضلالة بسيف الدين والعلم ثم جاءت فتنة التتار فقهقرت سير المسلمين وأوقفت التقدم العلمي وأعظم منها فتنة الحروب الصليبية التي غرست العداوة بين الملتين الإسلامية والمسيحية ولاشت القوة العلمية بالقوة العدوانية فأخذ العلم في الانزواء ثم في التلاشي بموت أهله وإقفال مدارسه وإحراق كتبه ونهبها. ثم وجد من الناس من أخاف الملوك من كتب الرياضة والطبيعية فصدرت
أوامرهم بإحراقها والتفتيش على المشتغلين بها لتعذيبهم أو قتلهم مع أنها ما جاءتهم إلا عن سابقيهم ولا كتبت إلا بيد أئمتهم كالغزالي والرازي والفارابي وغيرهم فارتحل العلم إلى أوروبا بسبب هذا العدوان وأخذ نجم الدولة الإسلامية في الأفول بكثر الجهل في الأمة وكثر المتغلبون والممزقون لمجدها إلى أن أفرغت تلك الدول إلى الدولة العلية العثمانية وكان بالبلاد بقية من العلماء فسلك الخلفاء مسلك الحكمة وفتحوا المدارس وحشدوا فيها من المتعلمين ألوفاً حتى تخرج في مدرسة بروسة (بورصة) كثير من العلماء وصاروا أساتذة في مدارس عديدة اعتنى بها ملوك بني عثمان أيدهم الله تعالى حتى أن السلطان مراد مع كونه كان لا يقرأ فإنه وسع دائرة المعارف ورحّل قاضي زادة إلى سمرقند لتعلم العلوم الرياضية التي كان بين العلماء وبينها عدواة كبرى وبتركها فقدت الهيئة الاجتماعية الإسلامية قوتها وتعددت كلمتها وتقهقرت مدنيها ولو بقيت على ما كانت عليه في الصدر الأول من الاشتغال بالعلوم الدينية والرياضية والطبيعية لعجز العقل عن تصوّر ما كانت تصير إليه من الضخامة والعظم والقوّة والسطوة. وقد تنبه بعض الولاة وعلم أن القوة لا تكون إلا بالتربية فأخذ يسعى خلف تعميم التعليم وفي مقدمة كل ذي همة وعناية بالتعليم نزيل الجنة وضيف الرحمن المرحوم.
محمد علي باشا
فإنه عندما تولى مصر في 19 محرّم سنة 1219 وجد التربية قاصرة على معرفة القراءة وحفظ القرآن الشريف في المكاتب الصغيرة وأما كتب الفقه والنحو والحديث وغيرها من العلوم الدينية فإنها تقرأ في الأزهر
الشريف وبضع المساجد ووجد البلاد قد خرب الكثير منها وعمت الجهالة فيها فسعى في إحسان التربية وتهذيب الأبناء وتثقيفهم وترشيحهم للأعمال فدبر أمر المعارف وجعل لها ديواناً خاصاً كما قدمنا ووضع لها قانوناً وفي مدة قليلة فتح 49 مدرسة ومكتباً في بنادر وقرى الوجهين البحري والقبلي جعل منها إحدى
عشرة مدرسة أميرية عسكرية تشتمل على 7975 بين تلميذ ومعلم وخادم وفي المدارس الملكية 3396 كذلك وفي مكاتب الأرياف 4575 تلميذاً ومعلماً وبلغ مصروف المدارس الأميرية 2606 جنيه مصري و21 قرشاً شهرياً ومصروف المكاتب الريفية في الشهر 781 جنيهاً و23 قرشاً وبلغ مرتب ديوان عموم المدارس في كل شهر 511 جنيهاً و32 قرشاً فجموع ما كان يصرف على المعارف في بادئ الأمر 3898 جنيه و69 قرشاً ولزيادة الإيضاح والإرشاد إلى فضل هذا الأمير الجليل وبيان عنايته بمصر وأهلها نذكر المدارس وعدد تلامذتها ومعلميها ومصروفها مدرسة مدرسة باعتبار ميزانية سنة 1255 هجرية
شهرياًعدد التلامذةالخدمةالمعلمون
14842 137 042 07 مدرسة الألسن
30435 397 094 22 مدرسة المبتديان بالسيدة زينب
09168 434 059 12 مدرسة الموسيقى
06611 164 001 08 مدرسة الطب
35665 296 101 24 مدرسة الطب البيطري والزراعة والمساحة
23335 117 040 10
120056 1545 337 83
شهرياًعدد التلامذة الخدمةالمعلمون
120056 1545 337 83 ما قبله
23888 145 144 15 مدرسة الطوبجية بطره
57093 615 381 13 مدرسة السواري بالجيزة
30759 606 285 14 مدرسة التجهيزية بأبي زعبل
07322 029 000 04 مدرسة العمليات ببولاق
21460 211 041 14 مدرسة المهند سخانة ببولاق
260578 3151 1188 143 مجموع المدارس ومصروفها
1517 100 14 3 مكتب شبين الكوم
1409 081 14 3 مكتب الزقازيق
1411 088 09 3 مكتب كفور نجم
1511 081 15 3 مكتب العزيزية
1432 099 14 3 مكتب أبو تيج
1349 087 13 3 مكتب جرحا
2121 157 17 5 مكتب سوهاج
1702 098 15 3 مكتب طنطا
2789 191 24 6 مكتب ميت غمر
1451 098 14 3 مكتب أبيار
3526 284 21 6 مكتب بوش
10218 1364 170 41
10218 1545 337 83 ما قبله
1464 098 13 3 مكتب الرحمانية
1582 100 13 3 مكتب المحلة الكبرى
2714 200 22 6 مكتب منوف واشمون
1487 099 14 3 مكتب نبروه
1499 093 93 3 مكتب النجيله
1482 97 14 3مكتب فوه
1212 84 11 2 مكتب الساحل قبلي
1548 99 17 3 مكتب زفتى
2738 206 17 7 مكتب بني سويف
1128 69 11 2 مكتب أخميم
2323 170 18 6 مكتب فارسكور
1517 94 4 3 مكتب ميت العز
2544 184 19 6 مكتب المنيا
1381 106 1 3 مكتب قمولة قبلي
1448 101 13 3 مكتب طهطا
1340 89 13 3 مكتب ساقية موسى
1465 94 14 3 مكتب بلبيس
1516 100 14 3 مكتب الجعفرية
1409 103 13 3 مكتب اسنا
41915 3731 671 151
41915 3731 671 151 ما قبله
1393 87 14 3 مكتب حلوان
1616 116 13 3 مكتب قنا
2198 167 18 5 مكتب منفلوط
2494 155 20 4 مكتب قليوب
1414 96 14 3 مكتب الجيزة
2514 174 16 4 مكتب أسيوط
2841 190 22 6 مكتب المنصورة
5638 44 23 9 مكتب الزراعة
02623 4760 564 188
فيكون مربوط ديوان المدارس في تلك السنة 46784 جنيهاً و28 قرشاً وهو نصف عشر إيراد المالية إذ ذاك تقريباً ونفس تسمح بنصف عشر إيرادها مع احتياجها للمصروف الكثير في العسكرية والدواوين نفس سخية كريمة محبة للعلم وأهله ساعية في تقدم بلادها وارتقاء رعيتها إلى أوج العرفان. ولكون الأهالي كانوا يجهلون ثمرة التعليم كانوا لا يسلمون أولادهم برضاهم فأخذوا للمدارس بالرغم فلما رأوا من نجح منهم قد تقدم في الحكومة رغبوا في التعليم وأرسلوا أبناءهم بأنفسهم ومع ما كان يجده المرحوم من المشاق ومعاكسة الأحوال وصعوبة الأمر في أوله فقد أمكنه أن يؤسس التعليم بأنواعه وجعله من ضروريات حكومته فكانت مكاتب الأرياف أولية يعلم فيها الخط والمطالعة والحساب
ويؤُخذ المتقدم فيها إلى مدارس المدن ليتمم اللازم فيها وبهذا تحصلت الحكومة على عمال كثيرين ممن ربتهم في وقت قصير وانتفع الأهالي بشرف
أبنائهم وترقيهم إلى الرتب العالية وحصولهم على المرتبات الشهرية التي انفتحت بها بيوت كثيرة في المدن والقرى وخرج أبناء المتعلمين مهذبين وظهر منهم الوجهاء والأعيان والعمد فكانت فائدة التربية عامة في الحكومة والرعية ولكون الحكومة كانت في نشأتها مجردة من المساعد والمعين والمشير الأمين مع توالي الحوادث والحروب والفتن لم يكن أسلوب التعليم على ما ينبغي فقد كان الغرض سرعة تربية أناس وطنيين تستعين بهم الحكومة على مهامها فكان التلميذ بتعلم بعض الضروريات لعدم وجود من يتمم له العلوم العالية والذين كانت تستخدمهم الحكومة من الأجانب ليسوا من المتمكنين في المعارف فكانت تستخدم من تجده منهم على أية كان حالة كان ولما رأت أنها مضطرة لأناس متضلعين من العلوم الرياضية والطبيعية وأصول التربية وترتيب المدارس والدراسة أخذت ترسل الإرساليات إلى أوروبا لكونها صارت مقر تلك العلوم وقد نقلت الكتب القديمة إلى لغاتها وضمن إليها ما ألف من رجالها بلغاتهم فاحتكرت التعليم. فأول إرسالية كانت في شعبان سنة 1241 وقد مكثت في أوروبا ثمان سنين وتسعة اشهر مفرقة في ممالك شتى مقسمة أقساماً لكل فن قسم مخصوص فلما تحصلت على المقصود حضرت في جمادى الأولى سنة 1250 وكان من رجالها العلامة الفاضل المرحوم رفاعة بك ومظهر باشا وبهجت باشا وكان عدد تلامذتها 137 تلميذاً فيهم المشايخ وأولاد الذوات والعمد والأهالي مركبين من العرب والترك والجركس وبعض الروم والأرمن من أولاج المستخدمين منهم في الحكومة وفي سنة 1253 أرسل ثلاثة عشر تلميذاً أقام بعضهم ثمان سنين والبعض إحدى عشرة سنة وفي سنة 54 و55 و56 و57 و58 و59 أرسل
أفراد بلغوا سبعة وعشرين تلميذاً ومجموع هذه الرسائل 177 تلميذاً صرف عليهم 123174 جنيهاً مصرياً وبحسب اختلاف مدة أقامتهم اختلفت مقادير ما خص التلميذ منهم ففي الإرسالية الأولى تكلف التلميذ 518 جنيهاً وأما الإرساليات الأخر فإنها مختلفة فمن أقام إحدى عشرة سنة تكلف 949 جنيهاً ومحمد أفندي إسماعيل أقام إحدى وعشرين سنة فتكلف 2425 جنيهاً وحسن أفندي الدمياطي أقام تسع عشرة سنة وتكلف 2107 جنيه ومحمد أفندي الشباسي أقام 13 سنة وتكلف 1332 جنيهاً ومصطفى أفندي
السبكي 19 سنة وتكلف 2107 وإبراهيم أفندي النبراوي أقام 13 سنة وتكلف 949 جنيهاً ومحمد أفندي علي البقلي أقام 13 سنة هو وحسين أفندي الرشيدي وتكلف كل منهما 1361 جنيهاً وهكذا كانت مصاريف كل بحسب مدته وفي سنة 1260 أرسلت الإرسالية الخاصة التي منها حسين بك وعبد الحليم باشا نجلاً المرحوم المؤسس وكانت سبعين تلميذاً منهم أفضل الفضلاء العلامة الوزير الخطير علي باشا مبارك يرأسها اسطفان بك وكان بلغ المرسلون إلى أوروبا 290 تلميذاً معظمهم من الترك والعرب وبلغ مصروف المجموع 273360 جنيهاً. وفي مدة المرحوم عباس باشا الأول بلغ عدد المرسلين 48 تلميذاً صرف عليهم 82923 جنيهاً أما مدة المرحوم سعيد باشا فلم يرسل فيها أحد وفي مدة حضرة الخديوي إسماعيل باشا أرسل 155 تلميذاً صرف عليهم 137866 جنيهاً وفي مدة المرحوم توفيق باشا أرسلت إرسالية مع موجيل بك لم نعلم مقدار ما صرف عليها ولاتمام الفائدة
نذكر تواريخ افتتاح المدارس والمكاتب فتحت مدرسة البيادة في شهر الحجة سنة 1240 وجعلت بقصر العيني ثم ألغيت سنة 1252. مكتب الحربية بالقلعة سنة 1241. مدرسة النخيلة في شوال سنة 1244. مدرسة الاجزائية بالقلعة في جمادى الثانية سنة 1245. مدرسة السواري بالجيزة في ذي القعدة سنة 1246 تحت نظر حافظ أفندي إسماعيل. مدرسة الطب البيطري بأبي زعبل سنة 1247. مدرسة الطوبجية بطره سنة 1247 تحت نظر خورشد أفندي وفي سنة 56 أحيلت لنظر الموسيو بورتو. مدرسة البحرية في شهر ربيع آخر سنة 1247. مكتب البياده في الخانكه في شهر جمادى الأولى سنة 1248. المكاتب بالريف سنة 1249. مكتب المهمات الحربية سنة 1249 وإلغي سنة 1251. مكتب البياده بأبي زعبل سنة 1250. مكتب البياده بدمياط في صفر سنة 1250. مدرسة المهند سخانة ببولاق سنة 1250 تحت نظارة الموسيو حاليكان وفي رجب سنة 1254 أحيلت لنظر لامبير بك وفي رجب سنة 1266 أحيلت لنظر العلامة علي باشا مبارك عند عودته من أوروبا. مدرسة التجهيزية فصلت من البياده في رجب سنة 1252. مدرسة الطب البشري والولادة في ذي القعدة سنة 1252. مدرسة المحاسبة بالسيدة زينب في ذي القعدة سنة 1252. مدرسة الألسن بالأزبكية في ربيع الأول سنة 1252 مدرسة الطب البيطري بمصر في ذي القعدة سنة 1252. مدرسة العمليات في محرم سنة 1255.
مدرسة المفروزة بمصر في ذي القعدة سنة 1265. مدرسة المفروزة بإسكندرية في صفر سنة 1267. مدرسة الزراعة ومدرسة المحاسبة القبطية بالعباسية لا نعلم لهما تاريخاً.
وعند هذا الحد يقف الفكر مستعظماً هذه الأعمال في تلك الأيام الخالية من المعارف المكتنفة بالعقبات والصعوبات وقلة المال والرجال ويرى العاقل أن عمل المرحوم محمد علي باشا عمل أمير عالي الهمة بعيد الغور في نظر العواقب وأنه ربي من المصريين رجالاً ورشحهم بالتمرين في الأعمال حتى استلموا إدارة حكومته باستعداد واستحقاق. ولا يعترض على هذا التأسيس باستعمال بعض الرجال الذين لم يدخلوا المدارس أو دخلوها وغلبهم حب الاستبداد فإن تأسيس الممالك يحتاج للنقض والإبرام واستعمال ما فيه الكفاءة وما يصلح لان يكون كفوءاً لفراغ البلاد إذ ذاك من المهذبين خصوصاً في مثل حالة مصر أيام استيلاء المرحوم محمد علي باشا عليها فهذا أمر مغتفر لا يؤاخذ ويعترض به إلا جاهل بوضع قواعد الملك المدني في عصر همجي أو متعصب لا ينظر ما كان عليه آباؤُه وبلاده في تلك المدة الخشنة ولو أنصفه المعترض وقاس المدة التي أنقذ فيها مصر من أيدي الجهل والدمار وأوصلها إلى أوج العلم والعمارة بالمدة التي انتقلت فيها أعظم دولة أوروبية لرأي أنه كان يجري في طريق المدنية مغذاً وغيره كان يخطو خطواً. ولقد قلت أبياتاً أخاطب بها المؤسس الوحيد وأنا واقف بجوار قبره ليلة المعراج سنة 1293 نوردها هنا تذكرة لأولي الألباب
أمحمد أسمع ذاكراً لمآثر=شهدت بها الأحباب والأعداء
أحسنت في تأسيس ملك شامخ=قد طاول الأهرام منه بناء
زينت مصرا بالعمارة باذلا=جهد الملوك وما اعتراك عناء
شيدتها لما أخذت زمامها=وجمعت فيها المجد وهو هباء
وصرفت عمرك في اقتحام مخاوف=تنجيك منها همة وقضاء
سست البلاد بحكمة وتبصر=فتجمعت في أرضها النعماء
ونشرت فيها العلم بعد جهالة=حتى زهت برجاله الانداء
حصنتها من كل خصم طامع=فجرت على أرباضها الأكماء
حيرت أفكار الملوك بهمة=ما عاقها عن قصدك اللأواء
لله قلب ثابت ما راعه=حرب الملوك ولا جفاه دهاء
ربيت للأحكام كل محنك=شهدت له الأعمال والعقلاء
وتركت مصرا دنة من حولها=أسد تزمجر أن عدا العداء
زاحمت مقدام الملوك بمنكب=في ساحة من جندها الأمراء
وكتبت في التاريخ احسن سيرة=شرفت بها الأبناء والآباء
ثم ارتحلت وما ترحل من له=في الملك مجد صانه الأبناء
ساروا على سير الأمير تجلهم=عن كل وهن همة علياء
لولا تعلق قائم من بينهم=بالملك حلت أرضنا البأساء
قاموا خديوي بعد آخر حافظاً=لبلاد من خضعت له الاعتاءُ
فعظيم ملكك لا يزال مؤيداً=ما دام يرعى أهله الحكماء
لا زالت الأبناءُ تعلو عرشه=ليدوم إصلاح لنا وصفاء
وبعد انتقاله إلى رحمة الله تعالى قام بالأمر بعده ولده الغيور البطل المشهور المرحوم إبراهيم باشا ولو طالت مدته لملأ البلاد بالمعارف لفرط حبه لها ولكن حالت المنية دون الأمنية. ثم قام بالأمر بعده المرحوم عباس باشا الأول في 27 صفر سنة 1264 فقلل بعض المدارس وزاد البعض فكانت
أعدادها ومصروفها على ما في هذا الجدول باعتبار شهر من سنة 1265 شهرياً عدد التلامذة والمعلمون والخدمة
7070 209 مدرسة المبتديات
31750 126 منهم 30 بنتاً مدرسة الطب والولادة
25023 245 مدرسة السواري بالجيزه
23635 72 الرسالة المصرية بباريس
13097 186 مكتب الطوبجية في طره
47549 320 مدرسة الألسن والمحاسبة
25713 132 مدرسة المهند سخانة
109859 1696 مدرسة المفروزة والأبنية
1464497 322 خدمة ومرتب ديوان المدارس
430193 3308
وهذا كان في ابتداء حكومته ثم زاد المدارس وأعدادها بعد ذلك. وفي عشرين شوال سنة 1270 قام بالأمر بعده المرحوم محمد سعيد باشا فألغى ديوان المدارس ومنع إرسال تلامذة لأوروبا وأقفل جميع المدارس ولا ندري أي شيء حمله على ذلك وهو ابن المعارف والآداب وقد ذاق لذة العلوم ولا يقال أنه كان يخاف من كثرة المتعلمين فإنه الشجاع الجريء وأول مطلق لحرية الأشخاص بتنازله لمخاطبتهم ومؤاكلتهم ولكنه انصرف عن المعارف ووجه همته إلى التعليمات العسكرية واعتنى بها وباشر التعليم بنفسه وجدد فيه طرقاً من قوانين أوروبا فازدادت العسكرية حسناً وانتظاماً على ما
سنفصله وكأنه كان يتوجس من المرحوم السلطان عبد المجيد شراً فجعل شغله العسكرية واستحضار المعدات والآلات الحربية ولو اشتغل بالمعارف اشتغاله بالعسكرية ما ترك في مصر جاهلاً وفي مدنه توسط بعض المقربين إليه في إعادة مدرسة الطب فأمر بفتحها وعند عودة العلامة المرحوم رفاعة بك من السودان فتح له مدرسة في القلعة اجتمع فيها 256 تلميذاً وكان يصرف عليها كل شهر 738 جنيهاً و35 قرشاً ولكنه لم يعين المقصود منها ووضع فيها مع رفاعة بك معلمين للعسكرية أما بقية المدارس فإنها قد استعملت مخازن وغيرها وبيعت أدوات التعليم كلها ووقف فن التربية في مصر إلى أن قام بالأمر بعده حضرة الخديوي إسماعيل باشا في 27 رجب سنة 1279 ففتح جميع المدارس وفروع التعليم وجعل لها ديواناً خاصاً ووجه على المعارف كل عنايته واستحضر كثيراً من الأوروبيين للتعليم وفصل التعليم العسكري من التعليم الملكي والحق كل قسم بديوانه ثم ألفت على المكاتب الأهلية وعمل قانوناً للمدارس والمكاتب وسعى في نشر التعليم في المدن والقرى فجعله على ثلاثة أقسام. القسم الأول التعليم الابتدائي في مكاتب القرى والمدن وهو قاصر على تعليم القراءة والكتابة وحفظ القرآن الشريف ورسالة في علم التوحيد ومعرفة القواعد الأربع الحسابية. القسم الثاني المدارس العامة في المدن المركوية من المديريات وتلامذتها يتعلمون قواعد النحو العربي والحساب والهندسة والجغرافية والتاريخ وبعض قواعد علم الطبيعة كالحوادث الجوية وبعض فوائد كيماوية تتعلق بالنبات والشجر وإصلاح الأرض ليترشحوا للدخول في المدارس العالية. القسم الثالث المدارس