الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السجن ونثني على مقامه السامي بما هو أهله كما نشكر عناية صاحب الدولة والمهابة رئيس نظارنا الكرام على سعيه المشكور في كل ما يرضي الحضرة الخديوية الجليلة ونشفع هذا الشكر بشكر دائم على تفضل الخديوي الأفخم بالعفو عن سليل بيت المجد يحيي بك شتا فأدخل السرور على هذا البيت العظيم الذين خدموا البيت الخديوي الجليل المدة الطويلة وقد كتب في ذلك الأستاذ الفاضل الشيخ عبد الرحمن محمد الشافعي المحلاوي قصيدة بهنيء بها حضرة ألبك المذكور منعناً ضيق المقام من نشرها فنقدم التهنئة لهذين الماجدين وآل بيتيهما ونسأل الله تعالى أن يحفظ الذات الخديوية ويخلد ملكها مؤيداً بعنايتها وهمتها التي خضعت لها الأنوف الشامخة.
وردت إلينا هذه الرسالة من أحد أفاضل السوريين المتضلعين من الفنون فنشرناها بحروفها
رواية سمير الأمير
مقالة الحق تلقى الناس ألوانا=فأخف المواعظ تحت الرمز كتمانا
والمرء كالطفل عالجه تجده يرى=مرارة الصبر بعد الشهد سلوانا
فكم عظيم كريم شاقه كذب=عذب فألقى كلام الحق بهتانا
وكم ظلوم غشوم سرهُ عمل=شر إليه ولاقى النصح عدوانا
فالناس إن شئت منهم منة ورضا=فأركن إلى الجد واتلُ الهزل إعلانا
قد اتفق لي يوماً إن كنت جالساً في محفل غاص بالأدباء وأهل الفضل من أبناء هذه الديار فدار الحديث في هذا الباب وقال حضرة الأديب الفقيه الفاضل حفني أفندي ناصف نحن نعلم أننا لو اتحدنا وعقدنا
الخناصر على عمل من شأنه إعادة سؤددنا وعزنا الأدبيين السابقين لهان علينا الأمر إذ نحن بالرغم عما نرجم به من أننا لسنا بأكفاء لمجاراة غيرنا في العلوم والمعارف وكل أمر متعلق بالمدينة والآداب قادرون على ذلك تمام المقدرة وأقرب شاهد على قولي تاريخ الشرق وآثاره الدالة على أنه كان مهد الحضارة ومنبع التمدن والشمس المنبعثة منها أشعة العرفان المنتشرة في العالم بأسره ثم قال وما الحيلة في الوصول إلى هذا الغرض الشريف والكلمة متفرقة وكل يجر أذيال المنفعة نحوه معرضاً عن صالح أخيه ووطنه واستغرق في الكلام في هذا الباب حتى قال أن لا دواء لهذا الداء وإن الأقدار سوف ترينا ما تشاء.
فأجبت أن الدواء سهل النوال قريب المأخذ لا يعترضه شيء من العقبات إلا ما كان من وهن الإرادات وضعف العزائم فاعقدوا النية على عمل وعززوها بالإرادة الثابتة والعزيمة القوية فتظفروا بالفوز إذ لا مانع يمنعنا من عقد النية على أمرٍ ما ولا يردنا راد لو أردنا عملاً وعزمنا عليه بقوة وتأنٍ وصبر وثبات وما لا نفعله نحن يفعلهُ أبناؤُنا إذ الأمم أدوار والدهر دوار يوم لك ويوم عليك فقال الجميع صدقت وبالحق نطقت.
وفي هذا المقام اسأل شبابنا الأذكياء ماذا يمنعكم من تخيص جزء من أوقاتكم للمطالعات والمباحث العلمية والأدبية وصرف همتكم إلى الآداب والكمالات من تأليف وتعريب وتصنيف واقتباس فإن رأيتم الناس منصرفة أذهانهم إلا الملاهي فلم لا تأتونهم بالمواعظ من باب الملاهي وتزينون لهم الآداب بملابس اللهو وتعلمونهم الخلق الحسن في روايات
مختلقة يحسن تلاوتها
لدى الرجال والنساء والأحداث.
أوردت هذه الفاتحة تطرقاً إلى الكلام على رواية سمير الأمير لمنشئها الكاتب النحرير المتفنن في أسرار التحبير والتعبير سعيد أفندي البستاني فقد طالعت الرواية بتأن والتفات فألفيتها آية في بابها جامعة لمحاسن آداب القصص تقاتل ما استهجن من أخلاق قديمة وتحسن ما راق من اصطلاحات حديثة تبين وجهي الضرر والمنفعة في هذه وتلك وتحبب للقارئ مطالعتها لما فيها من إثارة عواطف العشق المباح وما تحويه من سحر حلال.
وقد روى المؤلف أن أميراً من أمراء لبنان تغذى بلبان الآداب أحب فتاة من بيت حقير فأحبته وكان الفريقان متفقين متوافقين مشرباً وتربية وتهذيباً فاستاء أهل الأمير من عزمه على الاقتران بابنة من غير آله وعدوا ذلك إزراء بشرفهم وكرامة بيتهم فاضمروا له ولها الضمائر وأعدوا لهما المكايد فقضت الأقدار أن خلاص كل منهما كان على يد الآخر حتى آل الأمر إلى إطلاع الحاكم على دسائس أهل الأمير فوبخهم وسعى في قران الحبيبين وانتهت بذلك الرواية هذا ما كان من أمر القصة وأما ما كان من أمر الآداب التي تتخللها فصاغها المؤلف بأن ضمن الرواية حكاية لشقيقة للأمير قهرها أهلها على الاقتران بقريب لها فأفضى أمرها إلى أن ماتت بأسباب الكدر وعدم الوفاق وزاد على ذلك أنها وضعت غلاماً ناقص الخلقة نتيجة القران بذوي القربى.
ومما يذكر من آداب الرواية أن الأمير لما خلص الفتاة حبيبته من مكيدة أعدها لها والده جبر على قتل رسول أبيه ثم ذهب ليسلم نفسه للموت ولم تسمح نفسه الأبية بأن يطلع الحاكم على سر الأمر خوفاً من أن يزري بكرامة
والده وآله وظل مصراً على القول باله هو القاتل حتى علم الحاكم السر من خطاب وجهه الأمير لحبيبته ومنها أيضاً سلوك الأمير وإحسانه المعاملة ولين جانبه مع أهله وهو عالم بما أعدوه له من المكاره والمكايد وتدقيقه في واجبات وظيفته وما كان يبثه في الأذهان من الإرشادات والمواعظ وخطبته التي منع بها فتنة عظيمة إذ بين للجمهور مضار التعصب والتشيع وما ينسني عليهما من التأخر والانحطاط وغير ذلك مما ملأ صفحات الرواية بين حكم ومواعظ وإرشادات تتخلل سطور اللهو والعشق والغرام لما مواضع الانتقاد على الرواية فقليلة تكاد لا تذكر لاسيما أنها عديمة التأثير في جوهر القصة بل عرضت في أمور عارضة لأصل الرواية مثل سرعة
فعل السم في خادمة شقيقة الأمير ومعشوقة بعلها وإطالة الخطبة التي ألقاها الأمير إلى حد يوجب الملل حالة كون المقام كان مستوجباً للإيجاز مع اختيار العبارات المؤثرة الفاعلة في النفوس وغير ذلك من دقائق معدودة لا يدركها إلا المدقق لاسيما مع ما في الرواية من محاسن لا تحصى ولا يقدرها حق قدرها إلا العارفون.
وقد عارض بعضهم المؤلف لاختياره الألفاظ اللغوية في تغبيره وأنكر عليه قوله (بتك) في موضع قطع و (زنهر) في موضع شدد النظر و (فذ) في موضع فرد على أنني لا أرى لهذا الاعتراض وجهاً من ذلك لأن المؤلف لم يركن إلى هذه الألفاظ تكلفاً منه بل استعان بصحيح الكلام أولاً لأنه صحيح وثانياً لأنه أكثر بلاغة من غيره وهو صادر منه عن ملكة في حسن الصوغ حتى صح لنا أن نقول أن استعمال غيره لديه يعد من باب التكلف لاسيما أن هذه الألفاظ في موضعها جاءت في محلها لأن