الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العدد 36
- بتاريخ: 2 - 5 - 1893
تشريف الجناب العالي مدينة إسكندرية
من يوم إعلان عزم الحضرة الخديوية العباسية على القيام من مصر إلى المنصورة ثم إلى إسكندرية وأهل البلاد والأجانب القاطنون بها آخذون في أعداد الزين بالمحطات التي يمر بها الركاب السعيد حتى كان خط السكة الحديدية من مصر على بنها على الزقازيق إلى المنصورة إلى طنطا من طريق طلخا إلى إسكندرية من طريق الخط الأصلي كأنه ساحة فرح نشرت فيها الإعلام وأقيمت فيها أندية الأفراح وفي صبيحة يوم السبت قام الذوات الفخامة من البرنسات والنظار ودولة الغازي مختار باشا والعلماء وأعيان العاصمة على محطة مصر ينتظرون تشريف أمير لم ير في قلوب المصريين أمير مثله فقد سكنت محبته القلوب وما زجت الأرواح وتعلق الناس بصدق ولائه تعلق الأبناء بالأب الرحيم وبينما هم يرقبون الطرق التي اصطفت فيها العساكر من الجانبين أشرقت عليهم الأنوار العباسية فحظى الجميع بمشاهدتها وأطلقت المدافع إيذاناً بتحرك الركاب العالي وقد تشرف بركوب العربية الخديوية مع
رجال المعية النظار الكرام والمستشار المالي والمستشار القضائي ومفتش عموم البوليس ومديرو السكة الحديدية ومدير القلوبية وبعض أعضاء صندوق الدين العمومي وكلما مر بمحطة وجد الناس صفوفاً من الجانبين ينتظرون شروق شمس أميرهم الساكن في الأفئدة فلا تسمع إلا أصوات الداعين والمداح وقد وقف القطار بمحطة بنها ثم بمينا القمح ثم في الزقازيق وكان الأهالي والأجانب قد أعدوا من الزين وضربوا من الخيام حول المحطات ما أشعر عن عظم تعلق القلوب بالحضرة الخديوية خصوصاً ما كان من البيت الاباظى الجليل وسعادة مدير الشرقية وحضرة حكمدارها إبراهيم بك صبري والوجيه أمين بك الشمسي وحسين بك أبي حسين وطنطاوي بك ومحمد أفندي صبح وأولاد شديد المحترمين وغيرهم فإنهم اعتنوا بالزينة كل الاعتناء أما ما قام به أهل المنصورة فأمر يجل عن الوصف ولا يسع القلم بسه فقد كانت المدينة بجملتها بيت فرح كله سرور وحبور والزينة عامة في المحطة والطرق والمنازل وشاطئ النيل واستيفاء ذكر القائمين بهذا الاحتفال يوجب الطول فاكتفينا بالتلويح عن التصريح وفي محطة المنصورة تفرج الجناب العالي على الكوبري الجديد الذي يصل خط دمياط بخط المنصورة وبعد أداء رسوم التشريفات وتمتع الأمة بأميرها برهة ركب تصحبه السالمة وقد ركب بعربية الخاصة تشرفاً بمعيته السنية سعادة مدير الغربية فسار والعيون تنظره والقلوب سائرة معه حتى
وصل طنطا وهناك كان الناس أفواجاً والزينة باهرة ومنها إلى دمنهور وقد اهتمت بالزينة والاحتفال بما لم يسبق له مثال أما تشريفه اسكندرية واستعداد الأهلين له هناك فأمر يرى ولا يعبر عنه فقد كان
الناس كالكواكب من جانبي الطريق والسطوح والبلكونات ممتلئة بالستات المتفرجات على هذا المنظر البهج والاحتفال البديع والزينة ممتدة إلى سراي رأس التين ولم يبق في الثغر وطني ولا مستوطن إلا وقد وقف لاستقبال هذا السيد الذي اتخذ له في القلوب مركزاً لم يحل فيه غيره ولله در أعيان إسكندرية وذواتها الذين جعلوا الثغر باسماً بالأنوار والأعلام وتفننوا في صنوف الزينة تفنناً صير بلدهم العامر المحروس كأنه بيت عروس أعد للزفاف وهذه المظاهر العجيبة والتظاهر الحبي الأدبي من الأهلين والأجانب أكبر دليل على رضا المجموع عن أعمال الحضرة الخديوية وحبهم لاستقلاله بإدارة أعمال بلاده بواسطة رجاله المصريين الأمناء وليس للمجموع إلا هذه الوجهة العزيزة وأما دعوى تعلق الأهلين بالوجهة الأُخرى فدعوى لا حقيقة لها بل لا وجود لها إلا في عالم خيال ذوي الأطماع فنهنيءُ إخواننا الوطنيين بما نالوه من شرف المشاهدة وما أظهروا من أدلة صدق الوطنية وبراهين الإخلاص في التابعية والولاء ونشكر المستوطنين على ما أبدوه من مشاركتنا في هذه الشعائر الإنسانية وإظهار علامات الحب والوداد للذات الخديوية الفخيمة ولو أردنا بسط مجريات هذا السفر الحميد لاحتجنا على مجلد نستوفي فيه شرح الاحتفالات وما كان فيها ولكننا اكتفينا بهذا الملخص لضيق العبارة وكثرة أسماء من يجب علينا ذكرهم وبيان ما قاموا به من الزين من أمراء البلاد ووجهائها وأعيانها والله تعالى يحفظ لنا هذه الذات الفخيمة ويديم لمولانا الخديوي العز والإجلال مؤيداً بالعناية الربانيّة والرعاية الصمدانية أمين.
وردت لنا هذه القصيدة الغراء على لسان نهر النيل المبارك من إنشاد الألمعي الفاضل الشيخ طه محمود الدمياطي من مصححي المطبعة الميرية ولرقتها وتشخيص حالة النيليين بلسان الوعظ والنصيحة نشرناها برمتها قال حفظه الله تعالى
يا قوم ادُّوا لنهر النيل ما وجبا
…
ألم ترَوا كلّ قلب نحوهُ وجبا
ألم تروا كلّ عين نحوه طمحت
…
كأنه الشمس للعباد مرتقبا
مالي أراكم نياماً عنه وهو لكم
…
مستيقظ في هواكم يسرع الطلبا
كم قام فيكم خطيباً لا يشق له
…
عند البيان غبارا أفصحُ الخطبا
يقول يا أيها الناس اسمعوا عظة
…
من مشفق قد حباكم خيره وجبى
يا هؤُلاء اقتدوا بين إنَّ لي شيماً
…
بيضا بها قد تحلى السادة النجبا
أخلاق صدق عليها قد جبلتُ ولم
…
أجد لها بينكم صهراً ولا نسبا
لم أستفدها بتعليم ولا كتب
…
وكم حمار رأينا يحمل الكتبا
ألستُ يا قوم قد لبيت دعوتكم
…
يوم الكريهة أجلو عنكم الكربا
ومن مكان بعيد قد سعيت لكم
…
سعى الرؤُم التي لا تشتكي تعبا
كم جبت قفراً إلى مرضاتكم عجلا
…
وهمت في كل وادٍ لأن أو صلبا
وكل دار أواسيها وأضحكها
…
فهل سمعتم بمثلي مضحكا دعبا
سيّان عندي في محض الوداد أخو
…
قرب وبعد ومن أثرى ومن تربا
وكم أروح وأغدو سائلاً لكم
…
أعطى الجزيل وأحبوكم مزيد حبا
فأكرموا السائل المعطي فما حسنٌ
…
أن تنهروا سائلاً نلتم به الإربا
ألست نيلا وفي قلبي لعيشكم
…
لين غدوت به أُما لكم وأبا
إني لكم منية لا شيء يعدلها
…
وابن الخصيب إلى خصبي قد انتسبا
ولم أعدكم بوعدٍ قط أخلفه
…
وكم وعدتم فاخلفتم فيما عجبا
سعيي لكم كل عام في رخائكم
…
وسعيكم في جزائي عكس ما طلبا
يا أهل مصرانا الظهر الذلول لكم
…
وكم عزيز أذقت الذل والحربا
اثقلتموني بأعباء فقمت بها
…
وشيمة الحر حمل الأمر أن صعبا
كم بالأذى والقذى ترمونني سفهاً
…
أن السفيه يداري عند من لببا
دنستموني فلم أقطع مودّتكم
…
على صفائي ولا أدري لذا سببا
أغرّكم أن تروني ساكناً دمثا
…
فإن من شيمتي الطغيان والغضبا
لو شئت يوما أُجاريكم وأُوسعكم
…
ضرباً ولكنني أوسعتكم ضربا
وكم مررت بوَهدٍ في تواضعه
…
أترعتُ كأسي له حتى انتشى وربا
ولم أُبالِ بعالٍ أن حفرتُ له
…
تحت القواعد حتى خر منقلبا
إني غريبٌ فإن ذلّ القريبُ بكم
…
فعزّزوني كما عزّزتم الغُربا
لو كان غيركم أهلي سعدت بهم
…
واظمؤُوكم من الماء الذي عذبا
مالي أٌقيم بأرض لا مكانة لي
…
فيها وقد نيل ملءُ الأرض بي ذهبا
تلكم مكارم أخلاق عرفت بها
…
قدما وأحسن لي ربي بها الأدبا
عليكم البرّ والإحسان واستبقوا
…
إلى الرشاد وخلوا اللهو واللعبا
وقوّموا منكم المعوّج واجتهدوا
…
فيما يكون لكم مجدا وحسن نبا
وما لكم معقل إلا تألفكم
…
بأقوم فأووا إليه تأمنوا العطبا
والصدق ما الصدق لا تبغوا به بدلا
…
فليس خير بغير الصدق مكتسبا
ولو صدقتم لراج الصدق عندكم
…
وهو الكتاب الذي قد حرَّم الكذبا