الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العدد 10
- بتاريخ: 25 - 10 - 1892
وظائف العلماء في العالم
من نظر إلى العلماء ووظائفهم في العالم حكم بان الكون السفلي ما خلق اللهم ولا عرف إلا بهم ونريد بالعلماء كل ذي علم ينتفع به في شيء مخصوص الخاصة المعلمين والمدرسين. وأول العلماء قياماً بوظائفهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فإنهم فتحة باب العلوم النافعة وعند ما نيط بهم النظر في شؤون العالم والقيام بدعوة الناس إلى الصراط المستقيم جدوا في طريق الإفادة واجتهدوا في جذب النفوس إليهم بالرفق واللين وحسن الخلق وجميل المعاشرة فلاينوا الأغنياء ولا طفوا العظماء وجالسوا الضعفاء وماشوا الفقراء ونصحوا البعيد والأحرار ووعظوا العقلاء والأغرار وصبروا على مشارق المعارضة والمجادلة وتحملوا ألم التكذيب والتعذيب ولم تعقدهم رعود التهديد والتأنيب عن بث عاويهم التي انتصبوا لنشرها في معاصرهم وقد تجافت جنوبهم عن مضاجع الراحة فما أخلدوا إلى الرفاه ولا مالوا إلى اللذائذ
البدنية ولا اشتغلوا بجمع الذهب والفضة ولا اعتنوا بكثرة الأثاث والأوعية بل ظهروا فقراء وعاشوا فقراء وماتوا فقراء عن زهد وورع لا عن قلة وضنك حال فإن هداة العقول غنيمتهم جذب النفوس وحظوظهم أخذ السامعين بدعوتهم ولذائذهم في تكوين العصبيات وتوحيد الكلمة وتطهير عنصر الجامعة الدينية والملكية من خليط التفريق وأمشاج الأهواء وقد قضوا أدوارهم العظيمة في تعب وعناء وانتهى بهم الأمر إلى ظهور الحكماء والعلماء بالأخذ عنهم بمشارة أو بالنظر في كتبهم وأنقسم الناس بعهدهم فرقاء كل فريق جعل له وجهة علمية يقضي حياته في الوصول إليها. فاختلفت مواضيع العلوم واحتكت الأفكار بعضها ببعض وتبادل العلماء التقى والتلقين والجدل والمناظرة حتى أتموا معدات الكمال العمراني بما وصولا إليه من المعارف الآتية إليهم باحتكام أفكارهم فيع ولم الأنبياء الذين قادوهم بمقود الدين والسياسة السماوية حتى أوصولهم إلى النظر في السلفيات والعلويات وغرائيس المخلوقات وهدوهم إلى المبتكرات والمترعات وعلموهم طرق السياسة السلمية والحربية وترتيب الإدارات وتقسيم الولايات ووضع الضرائب وفصل القضايا وعقد المعاهدات وتسيوع التجارة وكل ما يلزم المكل وما فيه من العلام. وبإتقان الحكماء والعلماء هذا الطريق المستقيم اعتمد عليهم الملوك وجعلوهم شركاءهم في الرأي والتدني والنساء والتنفيذ وسلموهم الأمم يتصرفون فيهم بعلومهم التهذيبية والتأديبية كأنهم هم الملوك. ولما رأوا أن العلم رفع وضيعهم إلى حيث أجالسه مع
سلطانه واركبه مع أميره بذلوا نفوسهم ونفيس أوقاتهم في تحصين المركز العلمي من السقوط والتلاشي فأكثروا من المدارس
وانتقوا إليها الأذكياء النبهاء وخدموهم بأنفسهم خدمة الوالد الرحيم لطفله الصغير ثم نقلوا المتعلمين من ساحة العلم إلى صحراء العمل تحت المراقبة والملاحظة وقد نظر كل متعلم ملا عليه معلمه من الأبهة والجلال ورفعة المقام وبعد الصيت فانبعثت فيهم أرواح الغبطة وحملتهم على اقتحام عقبات المتاعب اقتداء بأساتذتهم حتى أخذت أعمالهم بأيديهم ونادتهم مآثرهم إلى منصة الإمارة فعلوها بحق واستحقاق.
وقد أخذ الشرق دوره في هذا المقام الدليل لأخذه عن الأنبياء مباشرة واشتغال أهله بالمجادلة والمجادلة قروناً طويلة خصوصاً أيام الدور المحمدي الإسلامي فإنه جاء بخيري الدنيا والآخروة ملاء الكون بالعلماء والأمراء وفتح للتعليم أبواباً ما اهتداى إليها السابق ولا ذمها اللاحق حتى عرف المعايرين له كيفية الأخذ بدينهم بما رأواه في كتب علمائه من الأبحاث الأًولية والقواعد التوحيدية والفروع الفقهية والعلوم العقلية فاقتدوا بهم وجاروهم في التأليف الدينية وغيرها وكانوا عنها غافلين وقد ملأ علماؤه كتبيات العالم أجمع بفوائدهم وفرائدهم العلمية ونشروها بين أفراد الأمم وعلموها كل طالل حتى قادوا الشرق والغرب بعلومهم فكل ما في الكون الآن من العلماء بأي علم كان أنماهم تلامذة المسلمين وفي عنق كل منهم نعمة للدين الإسلامي وإن دان بغيره. وعند ما تعددت وحدة الملك في الشرق بظهور المتغلبين ضعفت قوته العظيمة بتجزئة ممالكه فسهل على الغرب شن الغارة عليها الآن الأمة الكثيرة العدد والأقطار تصدم مثلها من الأمم دفاعاً عن نفسها وتحفظ مركزها الجغرافي باجتماع كلمتها فإذا تجزأت وصارت قطعاً متقاطعة سهل