الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لعنايته بهم والتفاته لانتظام المدرسة ثم قالوا أن بعض الجرائد كذبت علينا وقالت أننا عصينا أساتذتنا وهو محض اختلاق وبهتان فإننا في غاية الانقياد لمعلمينا راضين عنهم كل الرضا ولم يحصل منا أدنى مخالفة لهم فضلاً عن التظاهر بعصيانهم ورأيت عندهم شوقاً كبيراً لتوسيع دائرة اللغة العربية وتمرينهم على الكلام الفصيح والعبارات البليغة وبالجملة فإنهم شبان عقلاء مجتهدون محتاجون لتوجيه العناية إليهم أكثر مما هم فيه ولله أساتذة المدرسة الذين لم يقصروا في تعليمهم كل ما يلزم الفلاح حتى عمل الزبدة التي هي من لوازم الفلاحين وقد برع منهم كثير وخرج من المدرسة محمد أفندي جمعة وتعين مهندساً ثانياً لجناين مصر ولا نلبث أن نراهم أتموا دروسهم وانتشروا في البلاد مستخدمين لتنتفع بهم وتعود ثمرتهم على أهلهم وحكومتهم العباسية أيدها الله تعالى.
رسالة في ذم الفاحشة والعزوبة
وردت لنا هذه الرسالة بقلم الفاضل العلامة الشيخ ابراهيم
عبد السميع مفتي مديرية بني سويف في ذم الفاحشة
والعزوبة ومدح الزواج قال أيده الله تعالى
لاشك عند عاقل أن الزنا خارج عن حد المرؤة العرفية والشرعية مستوجب فاعله للذم عادة والإثم شرعاً ولو تركت مسألته لمجال العقل السليم والطبع المستقيم لكان أول حاكم بقبحه وذمه وشؤم عاقبته لوجوه عديدة.
منها أن الزنا ظلم محض بما فيه من التعدي على عدة حقوق تستوجب الحفظ والرعاية في الشرع والمرؤة. الحق الأول حق الزوج (أن كانت من ذوات
الأزواج فإنه قد هتك حرمته وأفسد عليه حليلته بفساد لا يكاد ينجبر حتى الساعة وألزمه العار بين الناس فإن الزانية لا يخفى حالها وأمرها مهما تسترت.
الثاني حق أبيها وعصبتها وجميع أقاربها وعشيرتها وسائر من يلحقه العار بها.
الثالث أن المرأة ربما حملت من الزاني فإن كانت خالية من الأزواج فهي حينئذ مابين أمرين لابد لها من واحد منهما أما إسقاط الحمل بالفعل فراراً من العار وستراً لحالها عن الناس وتخلصاً من عقوبة تصل إليها من أقاربها وفي هذه الحالة لزم إعدام نفس معصومة بدون ذنب جنته فلابد أن يكون لها خصومة بين يدي الحكم العدل يوم الفصل والقضاء مع من أعدمها الحياة وسلبها ثوب الوجود قبل تمامه ومع من كان السبب في ذلك وهذه من أعظم المصائب عند من يعلم أن له رباً حكماً عدلاً ينصف المظلوم من الظالم وأي مصيبة أعظم من أن يكون بعض الإنسان خصماً له يوم القيامة. والخالق سبحانه وتعالى يقول {وإذا الموؤدة سئلت بأي ذنب قتلت} والأمر الثاني إن تبقي حملها ولا تسعي في إسقاطه إلى تمام الوضع اتكالاً على خلاص لها فيه فإذا ولدته القتة في البراري طعمة للوحوش والطيور فالحال فيه كالذي قبله فإن التقطه أحد ورباه أو كفلته هي بنفسها كما تكفل الأمهات أولادها لعدم مخافتها من عشيرة حتى كبر فلا شك أنه ينشاء ضائعاً ليس له أب يعرف ولا نسب يوصف وكفي بذلك مقتاً بين الناس إذ لا ريب أنه يقضي حياته منكود الحظ مرموقاً
بعين المقت فهو الأجدر بأن ينشد قول
أبي العلا المعري.
هذا جناه أبي علي وما جنيت على أحد
ومن الاحتمالات الممكنة أن يظهر حملها لذوي رحمها وعشيرتها فيقتلوها هي وحملها ولكن 10 ذنب الجنين الذي لو انطقه الخالق لنبرأ مما فعله أبوه وأمه. فإن كانت المرأة متزوجة وولد الولد من الزاني كان منسوباً بحكم الظاهر إلى زوجها لأنه ولد على فراشه فيعطي كافة الحقوق التي تستوجبها تلك النسبة التي منها التوارث بين الطرفين وأخذ كل منهما إذا لا علم عندها به وأنما الذنب على الزاني وزد على هذا ما هو داعي وهو أن الزاني ربما كان له بنت ويتفق أن هذا الولد الذي هو ولده م الزنا يتزوج بها لكونها أجنبية عنه في الظاهر حيث لا علم عندهما بتخليط أبيهما الزاني فلك هذا راجع وباله عليه وأن كان ماء الزنا لا حرمة له ولا يثبت به نسب شرعي. ومما ينبغي التنبيه عليه أن الغالب على أولاد الزنا كون أحوالهم تخالف أحوال أولاد الزواج مخالفة واضحة للناظرين المنتقدين فتغلب عليهم الطباع المذمومة والشرور من المكر والخديعة والخبث والظلم والعدوان ومن الوجوه الموجبة لتقبيح الزنا وشؤم عاقبته أن الزاني عادة يكون دنيء النفس سريع المبادرة إلى لذاته فلا يكفي بامرأة أو امرأتين ولا يقف عند حد محدود بل هو كالجائع الذي لا يشبع والظماءن الذي لا يروي يتمنى في نفسه أن لو كانت نساء الدنيا بأجمعها في حوزته فمن هذه حالته يكون عبداً طائعاً لسلطان الشهوة وفي هذا من الضرر البليغ وانحلال القوى
الطبيعية وضعف الشبيبة مالا يخفى على ذوي المعرفة. ومنها أن الزناة متعرضون للأمراض المعدية التي لا تخلو عنها المومسات كالداء المسمى بالأفرنجي ويا ليتها تقتصر عليهم ولكنها تنتقل منهم إلى زوجاتهم وإلى ذريتهم بالوراثة وشؤم الآباء قد يسري إلى الأبناء ولهذا الوجه والذي قبله ترى الزناة الذين هذا حالهم أعمارهم قصيرة في الغالب وقد أشار إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله (الزنا يذهب البهاء ويورث الفقر ويقصر العمر) ويعلم من هذا الإيضاح أن انتشار الزنا هو من الأسباب العادية لانتشار الأمراض المعدية وإليه أشار صاحب الشرع صلوات الله تعالى عليه بقوله من ضمن حديث (ما فشا الزنا في قوم إلا ابتلاهم الله بالأمراض التي لم تكن في أسلافهم). ومنها أنه عرضة للتلف والموت والهلاك والمصائب الجمة فإن تزاحم الزناة على البقايا يورث بينهم الضغائن فربما
يقتل بعضهم بعضاً أو يضربه ضرباً مؤثراً فيساق الجاني منهما إلى السجن أو غيره. وقد ذكر في بعض الاحصاآت أن المسجونين من ذوي الجرائم وجد أكثرهم من العزاب المغموسين في الفسوق والفواحش. بل ربما يكون له عدو يتوصل إلى إعدامه بواسطة واحدة من معشوقاته باتفاق وتواطؤ بينهما فتجرعه السم مع الملاعبة فلا يشعر إلا بأمعائه قد تقطعت فيموت قتيل الفاحشة ومنها أن فيه ضياع المال والنزول إلى حضيض الفقر فإن الزاني لو كان عنده مال قارون لا فناء فلا غرابة أذن فيما يقال (بشر الزاني بالفقر ولو بعد حين من الدهر) وكم رأينا أناساً من ذوي البيوت الشهيرة بالعز والمجد والثروة الطائلة العظيمة
أضاعوا الأموال المخلفة عن أبائهم في هذا المورد الوخيم فأصبحوا بحالة يحزن لها الصديق فتراهم متعرضون لذل السؤال في أسوء حال. ولا يبعد أن يضطره الحال إلى السرقة والاحتيال فيصبح والسجون له دار مقر بعد أن كان في قصور النعيم. فلو على أباؤهم أنهم يتعبون في جمع الأموال لتكون مادة لفساد أولادهم من بعدهم وطعمة للعاهرات لما سمحت نفوسهم بجمعها ولفضلوا فقرهم على غناهم. ولو نظرت إلى حال الملوك والأمراء المتهافتين على هذا المورد الذميم وقرأت أخبار الغابرين منهم لرأيت أن ملكهم كان سريع الزوال لأنهم والحالة هذه يغلب عليهم الطمع وهو يؤدي إلى طرح ميزان العدل والتمسك باعتساف الظلم والجور وجمع الأموال وتكليف الرعية بما فوق الطاقة لخدمة شهوتهم التي استخدمتهم وصيرتهم عبيداً لها وأن كانوا ملوكاً وحينئذ ترمقهم الرعية بعين المقت ويترقبون لهم سوء المنقلب وتنطلق الألسنة بالدعاء عليهم ودعوة المظلوم سهم صائب. فإن كان المولع بالزنا فقيراً أو من ذوي الأكساب اليومية أو الشهرية القليلة فهذا لا تسل عن شقائه وتعبه وضياعه وضياع عياله وكل هذا الذي ذكرناه من الأمور المشهودة المعلومة الواضحة عند العموم ولكن الواضح يذكر لأجل التنبيه خصوصاً إذا خوطب به من لا يعمل بمقتضى معرفته ويرى الضرر البين الحاصل له ولأمثاله ومع ذلك لا يعتبر ولا ينزجر. ومنها أن الزناة لا يكون لهم في العادة معيشة منتظمة وكي تنتظم لهم معيشة وقد أفنوا أموالهم في غير عين تقتني أو زوجة تسد العوز وتصلح الشأن وتقوم بمصالح البيت كما قال الشاعر:
إذا لم يكن للمرء في البيت
…
تدبره ضاعت مصالح بيته
فهذه أوجه تكفي العاقل في ذم هذا المشرب الذميم فلهذا لم يكن حلالاً في شريعة من الشرائع بل ولا في قوانين عقلاء الأمم الماضية الذين لم يكن عندهم دين سماوي يأمرهم بالمحاسن وينهاهم عن القبائح والفواحش وهذه أمة العرب في حال جاهليتهم وعدم وجود رسول بينهم يبين لهم الشرائع كانوا يعدون الزنا من أقبح وأشد العار كما يدل عليه. أجرت به عادتهم من وأد البنات (أي دفنهن وهن أحياء) فإنهم كانوا يفعلون ذلك بهن فراراً من العار الذي عساه أن يلحق بهم إذا بقيت البنت حية. بل كثير من الحيوانات العجم ينفر طبعاً من المشاركة في الأنثى الواحدة ويبطش بمن يعارضه فيها أو يخونه كما يعلم ذلك من طالع الكتب المصنفة في الحيوانات أو اعتنى بمراقبة طباعها بنفسه والبعض منها يعقد مجالس لمعاقبة الزاني. والأسد لو علم من أنثاه الخيانة قتلها في الحال ويقال أنه يدرك ذلك منها بالشم. وقد طالعت مقالة في الطيور قال مصنفها من جملة ما شاهده منها في بعض الأقاليم نوع من أنواع طيور الماء يشبه البط في الشكل إلا في منقاره فإنه محدد وهذا النوع ذكوره أكثر من إناثه عدداً ومع ذلك فالأنثى الواحدة ليس لها إلا ذكر واحد يعاهدها عهد الزواج ويأتي بها إلى البر في فصل الربيع لا خلاف النسل فيتبعها الذكور العزب التي لم تجد زوجات على أمل أن يموت ذكر من الذكور المتزوجة فيتزوج أحدها بأرملته. وحكي لنا عن طائر ببلاد السودان يشبه الهدهد يسمونه أبو تكو بأنه شديد الغيرة يضربون به المثل فيقولون فلان في الغيرة مثل أبو تكو وذلك
أنه من شدة غيرته لا يفارق أنثاه أبداً إلا أنها إذا باضت وافرخ بيضها عمد إلى ريشها فنتفه كله حتى تصبر كالطائر الصغير ثم صنع لها ولأولادها عشاً محكماً ليس فيه إلا ثقب صغير لا يسع طائراً يدخل أو يخرج وبناه عليهم ثم يغدو ويروح عليهم بالطعام حتى يكبر أولاده وتكون أنثاه قد نبت لها ريش وهكذا يصنع بها كلما أفرخت من شدة غيرته. وغير ذلك كثير ففيه دلالة على أن المشاركة في الأنثى الواحدة تأباه الطبيعة البهيمية فضلاً عن الإنسانية. وقد ذكر العلماء في كتب الفقه أن الحكمة في تحريم الزنا منع اختلاط الأنساب ولكن الإمعان في الأضرار البليغة الناتجة عنه التي تبينت بهذا البياني يزيدنا علماً بحكم أخرى ذات بال ويجعلنا نجزم بأنه أيضاً مضر بالهيئة الاجتماعية والصحة العمومية ولهذا لا يباح في الشرع بحال من الأحوال وليس التعدي على المرأة بالزنا حقاً شخصياً يسقط بالتراضي فإن ذلك ينافي الحقيقة
والمصلحة العامة كمنافاة النقيض لنقيضه. ومع كون بعض الحكومات لم تجعل للزنا عقاباً ولا سلكت به مسلك الشرائع السماوية واجتهدت في منع الأضرار الناتجة منه المؤثرة على النظام والصحة بالوسائط التي اتخذتها فاجتهادها لم يكن حاسماً للضرر من أصله على ما هو مشاهد معلوم للكافة. هذا ولكون الزنا من المحرمات القطعية المعلومة من الدين بالضرورة لم نحتج إلى إيراد نصوص ولا بأس بإيراد حديث واحد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فه زجر عظيم وهو قوله عليه الصلاة والسلام من ضمن حديث (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) يعني أن الزاني في حال مباشرة الزنا مسلوبة عنه صفة الإيمان الكامل وبيانه أنه في حال المباشرة مخالف لأمر ربه ولأحياء
عنده من العالم بالسر والنجوى مع أنه لو كان أحد من الناس ولو حقيراً يراه في حالته هذه لما تجاسر على الفعل حياء منه فالله تعالى أحق أن يستحي منه والإنسان أن لم يمتنع عن القبح مخافة فليمتنع حياء. وقد تبين من جميع ما ذكر أن الزواج أرجح من العزوبة عند المقايسة بينهما شرعاً وطبعاً. أما الأول فله أوجه عديدة سوى ما علم أحقها بالرعاية ما في الزواج من بقاء النوع الإنساني بالتناسل وتكثير الشعوب ولذا خلقت الشهوة باعثة عليه مطالبة به وتمام إيضاح هذا الوجه مع سائر الأوجه مسطور في كتاب الأحياء وأما من كان يختار العزوبة من الأصفياء فذلك منه لمقاصد دينية مثل التخلي لإقامة الفرائض وإتمامها وفراغ القلب عما يشغله عن الله تعالى والأمور بمقاصدها وكل واحد اعلم بنفسه. وأما طبعاً فلما ذكر في قوانين الصحة أن العزوبة مضادة للحقوق الطبيعية وللصحة الشخصية وتستعقب ضرراً على الصحة العمومية بالانهماك في الفسوق المؤدي إلى انتشار الأمراض. وأيضاً الامتناع عن الزواج وقت الشبوبية يوجب تأخيره عن وقته وعدم توافق الزوجين في السن وهو سبب رئيس لعقم النساء ولتسبب الولادات العسرة والمهلكة في المرأة التي تأخر زواجها عن وقته. وأما الزواج فهو من الصحة العمومية وقد شوهد من الإحصاء أن من يموت من العزاب أكثر عدداً بتفاوت غير قليل ممن يموت من المتزوجين. والنساء المتزوجات مع كونهن يقاسين أخطاراً في الولادة وتعباً في تربية الأولاد يعشن أكثر من غير المتزوجات. وللزواج عدة فوائد منها المودة والرحمة المنبسطة بين الزوجين وما يتبعها من المساعدات والاحتراسات والتسلية لا سيما عند التقدم في