الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العدد 9
- بتاريخ: 18 - 10 - 1892
المرافعة الوطنية
إعلان صورة الحكم
بناء على طلبا لوطن صناعته إيواء أبنائه وإعطاؤهم ما يلزم للمؤنة وضروريات المعاش وهو من أهالي إفريقية ومقيم بالمنطقة المباركة ما بين حلفاء والإسكندرية طولاً والسويس والصحراء عرضاً ومتخذ مكتب المروءة الكائن بشارع الإنسانية محلاً مختاراً ـ أنا العفاف المحضر لدى محكمة الحقوق قد انتقلت إلى محل إقامة وكيل أبناء الوطن بحارة الكسل على قرب من خان الفتور وأعلنتهم بصورة الحكم الصادر ضدهم من محكمة الحقوق ونبهت عليهم بوجوب تنفيذه في مدة أربع وعشرين ساعة تمضي من تاريخ هذا الإعلان بحيث إذا مضى الميعاد ولم ينفذوه ينفذ عليهم بالطرق القانونية ولكي يكون ذلك في علمهم قد تركت لهم نسخة من هذا
متكلماً مع خادمهم الخمول ورسم هذا الإعلان خمسون قرشاً.
عريضة مرفوعة باستئناف القضية من المدينة
أرفع هذه العريضة إلى مقام نصري الإنسانية رئسي محكمة الحق الاستئنافية الأهلية نائباً عن أبناء الوطن المسمى مصراً صناعتهم اللهو واللعب والتفريح وقليل منهم صناعته الحد والاجتهاد ومسكنهم على شاطئ بحر الخلاعة وهم متخذون مكتبي محلاً مختاراً بما هو آت ـ أن الوطن رفع على موكلي دعوى أمام المحكمة الابتدائية يقول فيها أنهم تركوا التجارة وأهملوا الصناعة وأغلقوا المعامل واتخذوا الضحك والسخرية وشرب المسكرات والمخدرات تجارة وصناعة حتى وصل حاله إلى ما لا يسر بعد أن أعطاهم حقوقهم وقام بما يلزم لفقيرهم وغنيهم وضعيفهم وقويهم ـ وفي اليوم الذي تحدد للمرافعة جاء الخصم وترافع بما ذكر آنفاً ونحن أقمنا من الأدلة ما دحض دعوى المدعي وبناء على براهيننا القوية طلبنا الحكم برفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصاريف لقيام حجتنا عليه وعدم تعرضه لدفع شيء منها فإنه لا يستطيع أن ينكر حالتهم الحاضرة وما هم فيه من الحضارة والرفاه وما أحدثوه به من العمران العظيم والنظام الغريب ـ وبعد المرافعة حكمت المحكمة حكاً تمهيدياً بوجوب تعيين أهل الخبرة بناء على طلب الخصم لينظروا هل لدعواي صحة فذهب أهل الخبرة وطالوا البلاد وعاينوا ما فيها وقدموا تقريراً مآله أن البلاد كانت ممتلئة
بالمعامل والصناعة والتجارة والفالحة وأن موكلي اذهبوا ذلك بتهاونهم وإهمالهم وأعراضهم عن أسباب العمران وميلهم إلى اللهو واللعب
وكل ذلك مبين في الحكم المستأنف وتقرير أهل الخبرة. وبلا مناقشة في التقرير المذكور حكمت المحكمة بصحة دعوى المدعي وحكمت له بكافة طلباته التي قدم طلبها في دعواه ـ وحيث أن هذا الحكم لم يشم رائحة الصواب رفعنا عنه استئنافاً لأسباب الآتية والتي سنأتي عليها يوم المرافعة.
أولاً ـ أن النزاع كان في أمر واحد وهو هل أن موكلي أعطوا وطنهم حقه من علم وصناعة وزراعة وتجارة وعمارة وإدارة أمز لا بناء على إنكار الخصم ذلك ونحن أقمنا عليه الأدلة بعدم صحة دعواه وقيام أبنائه بكل ما يلزم لمثله من الأوطان ـ فكان على المحكمة في مثل هذا المقام أن تكلف المدعي بإثبات دعواه أو أنها تكلفنا بإثبات مدعانا بعد عجز الخصم واقتصاره على مجرد دعوى بلا رهان. والإثبات في مثل هذه الدعوى يكون بالآثار أو قارئ الأخوان أو شهادة الشهود من المجتازين المستوطنين فإن تعيين أهل الخبرة لا يكون إلا في صورة ما إذا كان الأمر المطلوب فصله يخفى على القضاة وأما إثبات ما نحن بصدده فلا يكون إلا بما بيناه وهذا وجه الخطأ في الحكم بل أن المحكمة ارتكبت خطاء أعظم من هذا وهو أآن المدعي أجل الحكومة المحلية في مدعاه ضمناً والمحكمة أظهرت الحكم ببراءتها مع أنها لم تطلب من الخصم الوجه الذي به عمم دعواه في كل وطني من حاكم ومحكوم إذا أنه لم يستثن ف صورة الدعوى أحداً. والوجه الذي بني عليه التعميم وإدخالها في الدعوى أن سلطة الحكومة تنقسم إلى أربعة أقسام قسم سياسي وقسم تشريعي وقسم قضائي وقسم تنفيذي فالقسم الأول يختص بمعاهدات الدول وتنظيم الإدارات والضبط والربط وحفظ النظام العام ورد
الأعداء بالسلم أو بالحرب والقسم الثاني يختص بوضع القوانين بما تقتضيه السلطة السياسية حفظاً للحقوق وتعليماً للحدود بما تراه موافقاً للزمان والمكان وأخلاق الأمة وعوائدها. والقسم الثالث يختص بفصل القضايا بين الخصوم بما دون من القسم الثاني. والقسم الرابع يختص بتنفيذ الأحكام وملاحظة حالة الابن وردع الأمة عن العبث والفساد. وحكومتنا المحلية حال تأسيسها من نحو تسعين سنة رغبت في اتساع العمران وامتداد التجارات ونشر المدينة في أنحاء بلادها فاضطرت لعقد معاهدات تجارية من أحكامها أن تأخذ على واردات أوروبا واحداً في المائة
ولسهولة العمل على أوروبا بواسطة المعامل البخارية نزلت أسعار بضاعتها إلى حد النصف أو الثلث من أثمان مصنوعا ولقلة الجمرك أرسلت إلا أصنافها الكثيرة المتنوعة فمال إلهيا الأهالي لرخصها وماتت الصنائع بكثرتها وعادة الممالك الأجنبية أن تضرب على مصنوع الغير الذي يوجد مثله في بلادها ضعف ثمنه أو ضعفيه لتحفظ لنفسها حق تمتع أهاليها بصنائعهم وتعميم الثورة في الصناع ولكن الحكومة في العهد الأول كانت مدفوعة بلسان الغير فلذا لم تتمكن من إجراء ما تحفظ به مصنوع البلاد ولو كان الحال على ما كانت عليه من أيام أفندينا عباس باشا الأول إلى عهد أفندينا عباس باشا الثاني لتداركت هذا الضرر العظيم وأجرت المعاهدة الجمركية على ما هي عليه في أوروبا وبقيت البلاد ملآي بالصنعة والصناع.
فبناء على هذه الأسباب أطلب من المجلس إعلان الوطن ونائب الحكومة بالحضور لديه في الجلسة التي يحددها ليسمع الوطن الحكم عليه بقبول الاستئناف شكلاً موضوعاً وإلزام المستأنف عليه بمصاريف أول
وثاني درجة كل هذا بوجه أصلي. ومن باب الاحتياط إذا رأت المحكمة محلاً لصحة دعوى المدعي فلتحكم على الحكومة بجميع طلباته ضدها.
صورة
نحن رئيس محكمة الحقوق بمصر بناء على عريضة الاستئناف المقدمة من أبناء الوطن، وبناء على المادة 363 من قانون المرافعات نأمر أحد محضري هذه المحكمة بتكليف الوطن ونائب الحكومة المحلية بالحضور في الجلسة المدنية المزمع انعقادها يوم الثلاثاء 27 ربيع الأول سنة 1310 الساعة 2 صباحاً للمرافعة في الاستئناف المرفوع ضدهما من أبناء الوطن.
إعلان المحضر
باء على طلب حضرة باشكاتب محكمة الحقوق والعريضة المقدمة من المدينة أنا الضرورة قد انتقلت إلى محل كل من الوطن ونائب الحكومة وأعلنتهما بصورة الأمر الصادر من الرئيس وكلفتهما بالحضور في اليوم وبلاغة المبينين بأمره للمرافعة في الاستئناف المقدم من وكيل أبناء الوطن. ولكي يكون ذلك معلوماً لهما تركت نسخة للوطن متكلماً مع خادمه الشرف ونسخة لنائب الحكومة متكلماً مع تابعه الهمة ورسم هذا خمسون قرشاً.
المحضر
الضرورة
المرافعة
لم تأت الساعة الثانية من صباح يوم الثلاثاء حتى ازدحم الناس في ساحة المحكمة وجاؤها فرادي وجماعات ليتفرجوا على مرافعة الوطن مع أبنائه وبينما الناس يتحدثون بما كان من المرافعة أمام المحكمة الابتدائية وبما سيكون
في الاستئناف دق الجرس وخرج القضاة بملابسهم السمية وجلسوا على كراسي القضاء وأمر الرئيس المحضر أن يعلن بفتح الجلسة وينادي على الخصوم فقام المحضر ونفذ أمر الرئيس وقال قضية الوطن ضد أبنائه. فتقدم الخصوم وأمر الرئيس وكيل المستأنفين بالكلام فقامت المدينة وقالت أنا المدينة النائبة عن ـبناء الوطن فسجل الكاتب اسمها وقال لها الرئيس اشرحي دعواك فقالت ـ أن الوطن العزيز قدم دعوى ضد موكلي في المحكمة الابتدائية يزعم فيها أن له حقوقاً عندهم يطالبهم بما وأنههم سلبوه تلك الحقوق وتركوه عرضة للدمار إلى آخر دعواه التي لا أساس لها وهناك قدمت تقريراً وافياً ضافي الذيول كله براهين على براءة ساحة موكلي مما ينسبه إليهم الوطن وما يدعي به عليهم وطلبت رفض دعواه وإلزامه بالمصاريف ولما لم يجدل له حجة يقيمها على صدق دعواه طلب تعيين أهل خبرة لينظروا ما قلته أن كان موجوداً أو لا وبناء على التقرير المقدم منهم على جهل بالحقائق وميل للأغراض حكمت المحكمة ضد موكلي ولذا رفعت هذا الاستئناف بعريضتي المقدمة للمحكمة وبين فيها البراهين القوية على بطلان دعواه وفساد الحكم والآن أزيد الأمر إيضاحاً فأقول أن موكلي الموجودين الآن هم أبناء الذين يزعم أنهم خدموه ووفوه حقوقه والعهد غير بعيد فلو كان السابقون فعلوا شيئاً غير الذي قدمته في تقرير الابتدائي وموكلي أهملوا فيه لكان لا بد من وجود أثر يستدل به على ما كان ولكن هيئة البلاد الآن أحسن من هيئتها في أيام آبائهم وأجدادهم والحكومة الآن أحسن منها في المدى السابقة فالحكومة وأبناء الوطن الموجودين خدموه خدمة عظيمة ووفوه حقوقه وزيادة. وما
يزعمه من إفلاس موكلي بسبب الملاهي والمسكرات غير حقيقي فإن البلاد لم تزال ملأى بالوجهاء والمثرين ومن أفلسوا منهم فإنما هو عدد قليل دعتهم المدينة إلى الانتظام في سلك أرباب الرفاهة فانتقلوا من حالتهم المعيشية والبيتية التي
تحصل بأقل متحصل إلى حالة كلفتهم صرف النقود الكثيرة في شراء المحسنات ، والصناعة لم تزل موجودة في البلاد مع مزاخمة البضائع الأجنبية لها والمعارف والمجامع ملأى بالعلوم والمتعلمين وبهذا التحقق للمحكمة بطلان دعما الوطن وخطاء المحكمة الابتدائية في حكمها فأطلب إلغاء الحكم المستأنف ولإلزام الوطن بالمصاريف الرسمية وغيرها ثم جلس ،
وقام نائب الحكومة وقال أن الإيماء الذي أومأ به الوطن العزيز وصرح به وكيل أبنائه من مؤاخذة الحكومة المحلية بما فعلته من المعاهدات الجمركية الدولية كمجرد وهم وخيالات لا حقائق لها فإن الحكومة لم تسع ولن تسعى في أمانة صناعة البلاد وإعدام ثروة أهاليها بل هي تتأثر تتألم من ذلك أكثر من نفس الوطن وأهله لتعلق مجدها وشرفها وتقدم ماليتها بتقدم الصناعة والزراعة والتجارة. والمعاهدات التي أبرمتها مع الغير لم تكن في شيء مما يماثل مصنوع البلاد حتى يضرب المثل بأوروبا وترمى الحكومة بتقصيرها أو جهلها ما علمه الغير ودعوى أنها كانت مدفوعة بلسان الغير دعوى باطلة ومحض افتراء فإنها لم تعاهد دولة على إدخال الزعابيط والدفافي والقماش الغزل واللبد والمواجير والقلل والزبادي والمحاريث والقصابيات والسواقي وغيرها مما هو من الصناعة الموجودة في البلاد وإنما عاهدت الدول على إدخال مثل الجوخ والأطلس والتبت والحرائر المتنوعة
والشيت والربس والبساطات والجزم والوابورات والبسكويت والأشربة الكحولية والحلوى المتنوعة وغيرها مما ليس له في البلاد مثيل ولا تعرف الأهالي كيفية صنع ولا مواد تركيبه. ولم يكونوا متقدمين في الصناعة إلى حدان يستغنوا عن الغير حتى يعترض على الحكومة هذا الاعتراض فإنهم إلى الآن لم يعرفوا صناعة الكبريت ولا الإبرة ولا عمل الخيط فلو قفل باب أوروبا وتمزق ثوب أحدهم ما وجد أبرة ولا خيطاً فيضطر للمشي عرياناً أو للاقتصار على لبس الأصواف التي تخاط بالميبرات والمسلة.
وبهذا يتحقق المجلس أن الحكومة سعت في تقدم بلاد ومدنيتها وأصابت في كل ما فعلته ولو كان في دخاليها ما يكفيها لرفعت الجمرك كما تفعل أوروبا ولكنها تساهلت مع الدول لتسهيل الأهالي الحصول على ما ليس في بلادهم وهم قاعدون في أماكنهم. على أنها هي التي سعت في فتح المعامل وحشدت فيها كثيراً من الأهالي رغم أنوفهم لتعلمهم فيفيدونها
ويستيفدوا وهم الذين تهافتوا على المصنوع الأجنبي وأضاعوا أتعاب الحكومة وأماتوا الصنعة بإفراطهم في النقل إلى المظاهر العلية وهم دونها بمراحل فدعوى المدنية باطلة من جميع الوجوه والوطن لم يتهم الحكومة بشي وأهل الخبرة منزوهون عن الغايات التي رمتهم بها المدينة وتقريرهم مطابق للواقع ونفس الأمر وبناء على هذا كله أطلب من المجلس رفض دعوى المدنية ضد الحكومة والوطن معاً وبناء على المادة 357 من قانون المرافعات المصري الموافقة للمادة 401 من قانون المرافعات للمحاكم المختلفة أرفع استئنافاً فرعياً ضد الاستئناف المرفوع من أبناء الوطن لإلزامهم بالعطل والضرر
والتعويض وهو تغريم كل مهمل وكسلان ومسرف مائة قرش وقرشاً ومجموع المطالبين بها يبلغ مليونيين من الرجال ليس فيهم طفل ولا أنثى وقد طلبت هذا الطلب من المحكمة الابتدائية ورفضه وإنما طلبت هذا التعويض لأن الحكومة هي التي علمت لأهالي وفتحت لهم المدارس وعلمتهم الصنائع واستحضرت لهم كثيراً من أهل أوروبا لتعليمهم وصرفت في ذلك كثيراً من النقود وهم الذين جهلوا مقاصدها السنية وغفلوا عن شرف الوطن وواجباته فأهملوا وتقاعدوا وجلسوا على القهاوي وفي الحانات للتكلم بالكلام الفارغ ونسبوا كل عيب فيهم إلى الحكومة ظلماً وعدواناً مع رؤيتهم الجمعيات الأوروباوية التجارية والجينية والعلمية وهم نائمون تحت ردم الغفلة يسمع غطيطهم في الغرب وملء مخهم لأحلام الشيطانية والهواجس الخرافية ولا حجة لواحد منهم إلا قوله بقينا في آخر زمن القيامة قربت ما بيدنا حيلة وهكذا من كلام الجبن والجهالة واليأس فأطلب من المحكمة إجابة طلبي والحكم على أبناء الوطن بالتغريم ومسؤوليتهم أمام وطنهم في كل ما يدعيه وتبرئة الحكومة ثم جلس.
وقام الوطن وقال أن المدنية حاولت أن تدحض دعواي بتمويهها الباطلة وقد صورت الباطل في صورة الحق كأنها عميت عن الألوف من أبنائي القاعدين أمام البير والخمارات والمحاشش يشربون الخمر والحشيش على قارعة الطريق بوقاحة وجه وسماجة طبع وكأتنها لم تر البيوت التي أقفلت والأطيان والأملاك التي انتقلت لملك الأوروباويين بسوء تصرفهم وكأنها لم تنظر لألوف من القضايا الجنائية والمخالفات التي تنشأ عن عربدة السكارى وجنون الحشاشين وحماقة الفيونية وفي تقرير حضرة نائب الحكومة ما يغني