الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطرق وإصلاحها
وعدنا في العدد الماضي بالتكلم على أصل الطرق وفوائدها الدنيوية والأخروية وما أحدث فيها من البدع التي ليست من الدين ولا من الطريق ولو قدر الناس الطرق حق قدرها لأجلوها ونزهوها عن البدع والأهواء فإنها في الأمة أكبر داع لاجتماع العصبية وتأليف القلوب وتوحيد الكلمة ويؤدي بها ما لم يؤده صاحب السوط فإن صاحب السوط يحرك الأجسام وصاحب الطريق يحرك القلوب وفرق عظيم بين من يعمل بظاهره وبين من يعمل بالظاهر والباطن وسنبسط الكلام على هذا في عدد آخر إن شاء الله تعالى. والآن نتكلم على حقيقة الطرق التي أُخذت عن الأشياخ فإننا إذا عرفنا ما قاله أشياخنا المتقدمون فيها سهل علينا تمييز الحق من الباطل فيما نسمعه ونراه من شيوخ الوقت قال كبير القوم وحجتهم سيدي أحمد الرفاعي رضي الله عنه طريقنا الكتاب والسنة ألا أن الفقير على الطريق ما دام على السنة فمتى انحرف عنها ضل عن الطريق. طريقنا أن لا تسأل ولا ترد ولا تدخر وإن تتحقق أن الكل بيد الله وكل ميسير لما خلق له وأن تقف عند حد الشرع ولا تتعداه. هذا الطريق واضح أغلق منهاجه جماعة اضطرب عليهم الحال وما بلغوا مقام التمكين فتجاوزوا بالشطح والدعوى الحدود فتبعهم فريقان فريق انقاد بحسن الظن وفريق قاده الجهل وكلاهما على شفا جرف ألا أن الطريق محجة بيضاء كل ما فيه من قول وفعل بطن أو ظهر لا يتجاوز دائرة الشرع إلا أن كل طريقة خالفت الشرع زندقة الطريق أن تقول آمنت بالله
ووقفت عند حدود الله وعظمت الله وانتهيت عما نهى الله ولا طريق بعد هذا أبداً إذ ليس بعد الحق إلا الضلال - وقال إمام أئمة الصوفية على الإطلاق أبو القاسم الجنيد رضي الله تعالى عنه مذهبنا هذا التقيد بالكتاب والسنة وأفراد القِدم عن الحدوث وهجر الإخوان والأوطان ونسيان ما يكون وكان - وقال أبو بكر الشبلي المحبة ابتاع أوامر المحبوب واجتناب نواهيه ومع ذلك يجب الصدق والإخلاص وكتمان الحال مع بذل الجهد في المجاهدة لا توصل للمحبوب إلا بفضله قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا - وقال رجل لرويم البغدادي دلني على الطريق فقال ليس لك إلا بذل الروح وإلا فلا تشتغل بترهات المتصوفة. وقال الطريق يطلب بالله ويسلك لله ويوصل على الله وإلا فيمن يطلب الطريق بنفسه يسلك بها بسبيل البدعة - وقال أبو القاسم السندوسي هذا الطريق مبني على الغيرة لله ولرسوله صلى الله تعالى عليه وسلم فمن كان يعد نفسه في إعداد أهل
هذا الطريق وليس له غيرة على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله تعالى عليه وسلم فهو دجال والغيرة لله تعالى ولرسوله هي الغيرة على حركة الأوامر الإلهية والنبوية أن تهتك ومن رأيتموه ينتصر لأبيه وجده وشيخه على الأوامر الشرعية فهو منافق مبتدع فاجتنبوه ولا تخالطوه - وقال العارف الشيخ علي القرشي الشهير بالعجمي من لم يكتف بالكتاب والسنة وإجماع الأمة فهو على الضلال - وقال أبو يعقوب إسحق النهر جوري وقد سأله رجل عن الطريق استعمل العلم وداوم الذكر وأنت إذا من أهل الطريق - وقال أبو عمرو محمد الزجاجي النيسابوري من انحرف عن جادة الظاهر فلا باطن
له هكذا وجدنا السلف الصالح - ونال جعفر الخواص البغدادي من أخلص لله في المعاملة وطرح حب الجاه والرفعة والتعالي والتقد والتعزز عن قلبه حفظ الله تعالى لسانه من الشطحات وأراحه من الدعاوي الكاذبة - وقال أحمد الجريري طريقنا الأدب مع الفتح والتباعد عن الشطح والسكون تحت مجاري الأقدار - وقال عمرو بنعثمان المكي علامة المعرفة الخاصة التجرد من الدعوى والتواضع لله وللخلق ودوام الذكر وعلامة القطيعة الدعوى والتعالي على الخلق والغفلة - وقال أبو يزيد البسطامي إذا نظرتم إلى رجل يطير في الهواء فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف هو عند حفظ الشريعة - وقال بشر الحافي أخباراً عن أهل الطريق كانوا لا يأكلون تلذذاً ولا يلبسون تنعماً وهذا طريق الآخرة والأنبياء والصالحين فمن زعم أن الأمر في غير هذا فهو مفتون. الفكرة في أمر الآخرة تقطع حب الدنيا وتذهب شهواتها - وقال ذو النون المصري علامة محب الله متابعة الرسول في كل ما أمر به - وقال أحمد ابن أبي الحواري الدمشقي من عمل بلاد إتباع سنة فعمله باطل - وقال الإمام معز الدين طلحة الشنبكي الأنصاري من أدعى سراً مع الله تعالى لا يشهد له حفظ ظاهره فاتهمه في دينه ومن ادعى حالة مع الله تعالى تخرجه عن حد علم الشريعة فلا تقربن منه ومن رأيته يسكن إلى الرآسة والتعظيم ويدعي الفوقية ويطمح إلى التعالي فانقطع عنه وإياك وأياه ومن رأيته مستغنياً بنفسه فاحكم عليه بالجهل القاطع ون رأيته راضيا عن نفسه ساكنا إلى وقته فاعلم أنه مخدوع ومن رأيته مطمئناً لقوة حاله منبسطاً للكرامات فاشهد بسخافة عقله ومن رايته يشطح
ولا يقدر على ضبط لسانه فاعلم أنه ناقص ولا يرجي خيره ومن رأيته اتخذ الذل باباً والانكسار محراباً ووقف مع الحدود وحفظ العهود وضبط لسانه بالآداب المرضية
وقيد أفعاله بالقيود الشرعية وحاسب نفسه على الأنفاس وأعرض بقلبه عن الناس وأخلص بطرحه على باب الله فاعلم أنه قد بلغ حقيقة المعرفة وصار من أهلها - وقال الشيخ منصور الباز الأشهب البطائحي الأنصاري المنتهي بنسبه لأبيه على زيد الأنصاري الصحابي الجليل من عرف الله تعالى آثر رضاه ومن لم يعرف نفسه فهو مغرور وما ابتلى الله العبد بشيء أشد من الغفلة والقسوة ومن فر بدينه إلى الله تعالى وهو يتهمه في رزقه فهو يفر منه لا إليه وكل موجود في الدنيا لا يكون عوناً على تركها فهو عليك لا لك. وكان الإمام عبد القادر الجيلاني الشريف الحسني يطلب علم الشريعة ويقول هذا هو السلوك وكان أبو النجيب السهرودي يحافظ على الشريعة ويقول هي الطريق وما عداها قواطع - وسئل الواسطي عن أعلى حالة للصديقين فقال هو الطائع والمحدث قال عليه الصلاة والسلام أن في أمتي مكلمين ومحدثين وأن عمر منهم - وقال سيدي عبد العزيز الدباغ رضي الله تعالى عنه إذا أردتم الشيخ الملك فاطلبوه من رجال السنة ولا تخطوهم إلى أهل البدع والأهواء وقال من يدعي الوصول بغير الشريعة فهو كاذب فإنه لا وصول إلا بالنبي صلى الله تعالى عليه وسلم ولا باب ندخل منه عليه إلا شريعته فمن حاد عنها فقد انقطع عن الله تعالى وعن رسوله. وقال ابن المنير يستحيل أن تكون الولاية شيئاً غير الاستقامة قال تعالى فاستقم كما أمرت.
فهؤلاء هم رجال السلاسل الذين أخذت الطرق عنهم وإيهم تعزى
وكلهم قيد الطريق بالشريعة الغراء رجوعاً إلى قوله تعالى {قل أن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببك الله} وقوله تعالى {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} وقوله تعالى {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام} وقوله تعالى {ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وفراراً من وعيد ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله} ومن زجره صلى الله عليه وسلم بقوله كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد. إذا تحققنا ذلك علمنا أن الطريق الموصل على الله تعالى فتحاً وشهودا هو طريق النبي صلى الله عليه وسلم. ما ذلك إلا التمسك بالكتاب والسنة وإجماع أئمة الدين فإن طرأ علينا أمر عرضناه على الكتاب ثم على السنة ثم على الإجماع ثم على القياس فإن لم نجده في واحد من هذه الأصول فهو باطل يؤيد هذا الأمر السماوي وهو أطيعوا الله أي كتابه والرسول أي سنته وأولى الأمر منكم أي الأئمة العلماء وهم أهل
الإجماع فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله أي كتابه والرسوله أي سنته بطريق القياس وليس لنا طريق لمعرفة الحق من الباطل إلا هذه الأصول الأربعة وقد عرضنا عليها كثيراً من البدع المستعملة الآن فلم نجدها فيها ثم عرضنا عليها القول بوحدة الوجود فلم نجدها في كتاب الله ولا في سنة رسوله فتكلمنا على القائلين بها في العدد الماضي وقد اهتم سماحة ذي الفضيلة السيد توفيق أفندي البكري بهذا الشأن وبحث فيه فوجد هذا القول اشتهرت نسبته إلى الفاضل الأستاذ الشيخ علي الجربي فاستحضره وجاء معه الشيخ محمد الخيامي قاضي مركز كفر الشيخ وبعض تابعيه وصادف أني توجهت لزيارة هذا السيد لما بيننا من المحبة فرايتهم هناك فقال السيد للشيخ علي تكلم فأخذ يسرد عبارة مؤداها إني أخبرته بكلام عن الشيخ الخيامي وأنه سأله عنه فأنكره فطلب
السيد مني الكلام فقلت له دع عنك مسموعي بالذات وعلي أن آتيك بمحاضر من ألوف من الناس بما سمعوه فقال الشيخ ماذا يقولون فقلت سمعت من فاض بالمنصورة إنك قلت له اجلس معي نصف ساعة وأنا أدعك تقول أنا الله - فقال فاضل آخر هو لا يقول أن الله وإنما يقول الله أنا. فقال له الفاضل الشيخ الطاهري العبارة واحدة ولا ينبغي أن يقال مثل هذا بين العامة فقال والله ما قلت ذلك فقلت قلت لبعض الناس لا اتصال ولا انفصال بين العبد والرب فإن الحقيقة واحدة فقال والله ما قلت فقلت سمعك جماعة توصي إتباعك في كفر الشيخ وأنت مسافر وتقول لهم اشتغلوا بما أمرتكم به ولا تظنوا أنكم تغيبون عني ببعدي عنكم فإني أرى غائبكم كما أرى حاضركم فقال والله ما قلت فقلت قال لي شيخي وشيخك الأستاذ الشيخ محمد العشري أنه سألك وقال بلغني عنك أنك تنكر صفات المعاني فقلت له وماذا علي لو أنكرت الصفات كلها ليس الله إلا صفة الوجود وأنك لا تتقيد بمذهب إمامك فقال والله ما قلت (ومقام شيخنا يجل عن الافتراء) فقلت اشتهر عنك القول بوحدة الوجود وأن كل شيء في الوجود هو الله فقال ابرأ إلى الله من ذلك ولا أقول به فقلت قال لي أحد تلامذتك أنك قلت في قوله تعالى ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فيمن نفسك إن الحسنة والسيئة صادرتان من واحد وهو الله بدليل قل كل من عند الله فجعلت العبد والرب شيئاً واحداً فقال والله يكذب فقلت نسب إليكم في تفسير آية {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم إني شئتم} أن تلميذكم الشرباتلى كتب عليها فأتوا حرثكم أنى شئتم كيف شئتم أن ناسوتيا وأن لا هوتيا فقال ما
حصل ذلك فقلت أنها نشرت
في جريدة النيل فقال أعداؤنا كثير ويكذبون علينا - ثم قال السيد الفاضل البكري وماذا سمعت من الشيخ الخيامي فقلت سمع منه في مجمع قوله أن الذين يبايعونك يا محمد إنما يبايعون الله الذي هو أنت يد الله التي هي يدك فوق أيديهم وقال في وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى أن الرامي محمد فهو هو وذكر حديث ولا يزال عبدي يتقرب إلي الخ فقلت له أن عدم التأويل يؤدي للإثبات الجارحة لله تعالى فقال الأستاذ الشيخ علي عدم التأويل مذهب السلف فقلت كان إيمان الناس قوياً ولم يخالطهم أهل شبه ولا بدع ولا نحل ولما كثرت المذاهب الظنية أول العلماء فراراً من تجسيم الحق سبحانه وتعالى ثم قلت وسمع منه الشيخ علي المبيض قوله أن نديماً يريد أن يردني عما أنا فيه وهذا لا يكون فإني مع الله حيث كان حتى لو دخل الله جهنم فأنا معه وسمع منه غيره أنه قال لامرأة طلقها زوجها أن الذي طلقك هو الله وقرأ علي رسالة للشرباتلي ملخصها أن اشتغال الأزهريين بعلومهم اشتغال بالباطل ولما أنكرت عليهم ذلك وسفهت رأيه وضعها في جيبه وراجعته في كلام كثير لابن العربي يوهم الحلول والاتحاد في مولد سيدي غازي وقلت له أن أربعة أخماس الفتوحات مدسوس على ابن العربي ثم استنطقه سماحة السيد البكري عما سمعه مني فقال أن الندي نصحني وقال لي ألزم الكتاب والسنة فقبلت نصيحته ومن يومها لم أجتمع بأحد في الذكر حتى إني ما نزلت ليلة في رمضان من بيتي ثم أوردت أشياء كثيرة من المكفرات التي يقولها من يدعون الانتماء والتلمذة على الشيخ الجربي فأقسم عليها إيماناً أنها لم تصدر منه ولا يقول بها ثم قال لي أنت تعرف عقيدتي من الصغر فقلت أعرف أنك
متمسك بعقيدة أهل السنة والجماعة ولكن هذا الكلام المنسوب إليك بلغ حد التواتر على السنة ثقات مختلفي المراكز والأزمنة يجل مقامهم عن الافتراء فحلف إيماناً أنه لم يصدر منه شيء مما ينسب إليه من القول بوحدة الوجود وما يتبعها وأن ذلك صادر من أعدائه وأنه رجل كثير الأعداء فقال له السيد البكري إذاً بين عقيدتك في مقالة تنشر في الأستاذ ليتحقق الناس كذب المفترين عليك وليقفوا على عقيدتك فإن بقاء الأمر على ما هو عليه مضر جداً فإن الشيخ جمال الدين عند دخوله الآستانة قال له السلطان المفخم قد اشتهر عنك كلام يخالف عقيدتنا فأذهب لباب المشيخة وبين عقيدتك هناك فذهب وسرد عقيدة أهل السنة وأنت يلزمك أن تبين حقيقة ما تعتقده لردع المفترين
عليك خصوصاً في مثل قولهم أنك تقول أنا أنت أنت أنا أنا الله الله حشو خلقه كل شيء في الوجود هو الله ما اشتهر عنك على السنة ابتاعك أو أعدائك إظهاراً لحقيقة شأنك حتى لا يبقى في أذهان الناس شك ويعلم المفترون عليك أنك سنيٌ لا تقول بهذه المكفرات فقال الأستاذ الجربي - إني أشهد الله سبحانه وتعالى بأني أبرأ مما أشيع عني مما يخالف الكتاب والسنة وما يوهم القول بالحلول والاتحاد والاتصال والانفصال وكل ما يأباه تنزيه الباري جل شأنه وأني احترم الأئمة رضي الله تعالى عنهم وأقول آمنت باله وبما جاء عن الله على مراد الله سبحانه وتعالى فقلت له أنشر عنك أنك تكفر القائل بالحلول والاتحاد والاتصال والانفصال والمكالمة والمشاهدة العينية ومن يذكر ويقول أنا الله أو أنت أنا أو أنا أنت فقال نعم فإني أنكر ذلك كله ولقد عجبت لانتشار هذا الأمر عني حتى
أن الفاضل الشيخ محمد بخيت قاضي إسكندرية قابلني وقال لي بلغني أن أبتعك يذكرون ويقولون أنت أنا فحلفت له أني ما قلت شيئاً من ذلك ومن هذه المناظرة يتحقق القارئ أن الأستاذ الجربي بريءٌ من القائلين بوحدة الوجود وأن الله حشو خلقه وأن الجواهر الفردة هي الله وإن كلاّ من المكان والزمان وما فيهما من العوالم هو الله وإن حقيقة الحق واحدة وهذه العوالم مظاهر لا حقائق لها إذ كل هذه مكفرات لا يقولها إلا مارق من الدين فإنه ينبني على هذه الأباطيل تعطيل الشرائع وتكذيب الكتب السماوية وتوجيه اللعنة إلى الله تعالى في مثل قوله خطاباً لإبليس وأن عليك اللعنة إلى يوم الدين إذ ليس لإبليس حقيقة وإنما هو على زعمهم مظهر للحقيقة الإلهية المتوغلة في الأحدية وإذا قال الجهلة أن حقيقة الحق سبحانه وتعالى تجلت وظهرت في محمد فماذا يقولون في قوله تعالى قل إنما أنا بشر مثلكم وقوله وما أرسلنا قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم وقوله وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وقوله ليس لك من الأمر شيء وقوله ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين وإذا كان لا اتصال ولأنفصال بين العبد وربه بل هما واحد في المكلّف ومن المكلّف وما معنى وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه والمخاطبون غير المخاطب وقوله أنّا خلقنا الإنسان من نطفة أفيكون خالقاً مخلوقاً ورازقاً مرزوقاً وعابداً معبوداً وطائعاً ومطاعاً وعاصياً ومعصياً وإلهاً وعبداً سبحانك هذا بهتان عظيم. وقد تمسك هؤلاء الضالون بأبيات في تائية ابن الفارض وكلمات من الكتاب المسمى بالإنسان الكامل المنسوب إلى
عبد الكريم الجيلي زوراً وبهتاناً وبعض عبارات نسبت لابن العربي
وكلما عارضتهم بالقرآن والسنة أوردوا عليك هذه الأقوال الفاسدة فكأنهم لم يسمعوا قول الله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لك الإسلام ديناً} فلم يكن الدين ناقصاً حتى يتممهُ مثل ابن العربي والجيلي وابن الفارض وكيف نترك القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وقد تناقلته العصور من غير أن يشك واحد في أنه كلام الله تعالى ونتبع مثل ابن العربي وأمثاله مع عدم الثقة بأن هذا كتابه أو قوله إذ لم نعاصره ولا شافهناه وإنما تناولنا أوراقاً من أيدي أناس يقولون بهذه الأقوال الخارجة عن السنة فيحتمل أنها كلامهم ويحتمل أن تكون كلامه على أننا لو وجدنا قولاً لأي عظيم ولو كان من الصحابة عرضناه على الأصلين المحفوظين الكتاب والسنة فإن وجدناه فيهما أو في أحدهما أخذنا به وإلا ضربنا به الحائط ولا نبالي بنسبته لعظيم من عظماء الأمة بعد مخالفته الكتاب والسنة والإجماع وحيث أن كثيراً من الضالين المحتكين في الأستاذ الجربي بدعواهم يدورون بين الناس متمسكين على إلهية كل شيء بمثل وما رميت غذ رميت ولكن الله رمى. أن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به إلى آخر الحديث. لما خلقت بيدي. كل شيء هالك إلا وجهه. فإنك بأعيننا وغير ذلك مما يوهم الجسمية أو الاتحاد فسنفرد هذه الآيات وما ماثلها من الأحاديث بمقالة تنشر في الأستاذ نبين فيها قول أهل الحق من رجال السنة خوفاً على ضعفاء العقول من هذه الشرذمة الضالة التي انتشرت في البلاد انتشار الهيضة وظلمت هذا الأستاذ بدعوى الانتماء إليه والأخذ عنه وقد حلف على براءته من مقالتهم
الشنعاء في مجلس شيخ الشيوخ السيد البكري حفظه الله تعالى فصرف عن الأفكار ما كان خالطها من تصديق هذه الأخبار المتواترة المتعددة المصادر المنتشرة على ألسنة ألوف من الناس والحمد لله على سلامة عقيدة صاحبنا القديم من هذه المكفرات ونزع تلك الأوهام من الأذهان بعد علمنا بطهارتها وقد قال له العلامة الفاضل الأستاذ السيد محمد الشنقيطي ليس في كتاب الله ولا في سنة رسوله شيء من وحدة الوجود فيمن أين جاء القول بها وكيف نأخذ بما لم يأت به وحي ولا قاله النبي صلى الله عليه وسلم على ظنه صحة نسبة القول إليه فتبرأ كذلك وأقسم إيماناً أنه لا يقول بشيء مما اشتهر عنه. وأول ظهور هذا المذهب القبيح الآن بعد موته كان في
عكاء ثم انتشر منها حتى دخل مصر وغيرها ونقله هؤلاء المفترون ونسبوه إلى الأستاذ الجربي الذي تربى بيننا وما سمعنا منه كلمة من هذا الانتحال قبل المدة الأخيرة التي أدعي عليه فيها زوراً وبهتاناً كاعترافه ومن هذا الوقت كلما سمعنا من رجل كلاماً من هذا القبيل نشرناه معزوّاً إليه ليستحضره سماحة شيخ شيوخ الطريق ويرده إلى الحق سداً لباب المكفرات والبدع وقد علمت أن هذا السيد الفاضل وضع نظاماً لأهل الطرق وسيكون العمل به شيئاً فشيئاً وأنه يبذل جهده في إصلاح الطرق إصلاحاً سنياً حتى لا ترى فيها بدعة وهو أحق من يقوم بذلك فإنه واسع الإطلاع طويل الباع في العلوم مقتدر على التصرف في الأمور بحذق وحسن تدبر ولقد رأيت منه تأففاً كلياً وانقباضاً ظاهراً عند ما كان يسمع تلك الأقوال الفظيعة استبشاعاً لها وتعجباً من التقول بها في مثل هذا الوقت الذي رفعت فيه ستارة العلوم وتنورت فيه الأفكار ولا أظن
إلا خلل عقول الناس الذين يتقولون على الأستاذ الجربي فإننا نسمع الرجل منهم يقول أن شيخنا يجلسنا في مجلس المراقبة ويطفئ النور ويقول تجرد عن نفسك تخاطب ربك وترما غاب عنك ثم إذا حققنا الأمر أنكر ذلك وهذا دليل على أنهم تعتريهم نوبة خلل في العقل فلا يفرقون بين الإيمان والكفر وإلا فلو كانوا عقلاء ما اتهموا شيخهم ولا افتروا عليه هذه الأقوال القبيحة. وبالجملة فإننا نعجز عن الثناء على سماحة السيد البكري الفاضل الماجد حيث أزال عن الأمة غمة ومحا ضلالة وأظهر حقاً ولله در الأستاذ الجربي حيث أظهر افتراء الناس عليه بما أنكره من تلك الأقوال وما أبداه من التبرؤ مما يخالف الكتاب والسنة.
وهنا ينبغي أن نورد ما قاله القاضي عياض في الشفاء مما وقع عليه إجماع الأمة أنه مكفر فمنه قوله. وكذلك نكفر من أدعى مجالسة الله تعالى والعروج إليه ومكالمته وحلوله في أحد الأشخاص كقول بعض المتصوفة والباطنية وغيرهم.
وكذلك نقطع على كفر من قال بعدم العالم أو بقائه أو شك في ذلك أو قال بتناسخ الأرواح وانتقالها أبد الآباد في الأشخاص وتعذيبه أو تنعمها فيها بحسب ذكائها أو خبثها ومن اعترف بالإلهية والوحدانية ولكنه جحد النبوة من أصلها عموماً أو نبوة نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم خصوصاً. ومن دان بالوحدانية وصحة النبوة ولكن جوّز على الأنبياء الكذب فيما أتوا به أدعى في ذلك المصلحة أو لم يدعها كالمتفلسفين وبعض الباطنية
والروافض وغلاة المتصوفة والإباحية فإن هؤلاء زعموا أن ظواهر الشرع وأكثر ما جاءت به الرسل من الأخبار عما كان ويكون من أمور الآخرة والحشر والقيامة والجنة والنار ليس فيها شيء على مقتضى لفظها ومفهوم خطابها وإنما خاطبوا بها الخلق على جهة
المصلحة لهم إذ لم يمكنهم التصريح لقصور إفهامهم فمضمن مقالاتهم أبطال الشرائع وتعطيل الأوامر والنواهي وتكذيب الرسل والارتياب فيما أتوا به. ومن أدعى النبوة لنفسه أو جو اكتسابها والبلوغ بصفاء القلب على مرتبتها كالفلاسفة وغلاة المتصوفة. وكذلك من أدعى منهم أنه يوحي إيه وأن لم يدع النبوة أو أنه يصعد إلى السماء ويدخل في الجنة ويأكل من ثمارها ويعانق الحور العين فهؤُلاء كلهم كفار مكذبون للنبي لأنه أخبر أنه خاتم النبيين وأخبر عن الله أنه خاتم النبيين وأنه أرسل كافة للناس وأجمعت الأمة على حمل هذا الكلام على ظاهره وإن مفهومه المراد منه دون تأويل ولا تخصيص فلا شك في كفر هؤلاء الطوائف كلها قطعاً إجماعاً وسمعاً. وكذلك وقع الإجماع على تكفير كل من دافع نص الكتاب أو خص حديثاً مجمعاً على نقله مقطوعاً به مجمعاً على حمله على ظاهره وتكفير كل من استحل القتل أو شرب الخمر أو الزنا مما حرم الله تعالى بعد علمه بتحريمه كأصحاب الإباحة من القرامطة وبعض غلاة المتصوفة. وكذلك نقطع بتكفير كل من كذب وأنكر قاعدة من قواعد الشرع وما عرف يقيناً بالنقل المتواتر من فعل الرسول عليه الصلاة والسلام ووقع الإجماع المتصل عليه. وكذلك أجمع المسلمون على تكفير من قال من المتصوفة أن العبادة وطول المجاهدة إذا صفّت نفوسهم أفضت بهم على إسقاطها وإباحة كل شيء لهم ورفع عهد التشريع عنهم. ومن أنكر الجنة أو النار أو البعث والحساب أو القيامة فهو كافر بإجماع للنص عليه وإجماع الأمة على صحة نقله متواتراً. وكذلك من اعترف بذلك ولكنه قال إن المراد بالجنة والنار والحشر والنشر والثواب والعقاب معنى غير ظاهره وإنها
لذات روحانية ومعان باطنة كقول الفلاسفة والباطنية وبعض المتصوفة وغيرهم. ومن زعم أن معنى القيامة الموت أو فناء محض وانتفاض هيئة الأفلاك وتحليل العالم. ومن أنكر القرآن أو حرفاً منه أو غير شيئاً منه أو زاد فيه أو زعم أنه ليس بحجة للنبي ولا معجزة ولا يدل على الله تعالى ولا على ثواب ولا عقاب - انتهى ملخصاً من محال متفرقة ولولا خشية الإطالة لاستقصينا المكفرات التي وقع الإجماع عليها ولعلنا
نوردها في كلام آخر إذا دعت الضرورة ولله در العلامة الشيخ جمال الدين حيث أخبر السيد البكري أن القول بوحدة الوجود أصله دين قدماء اليونان ودخل في العرب عند ترجمتهم كتبهم فهو دين متداخل في دين من غير شعور الآخذين به. قلت يشهد بذلك قتل العلماء والخلفاء لمن قال أنا الله أو ما في الجبة إلا الله كالحلاج وحطهم على مثل ابن سبعين وابن العربي وغيرهما فيما شطحوا فيه مما يوهم القول بالوحدة.
وليكن في علم إخواننا المسلمين أن صاحب السماحة السيد البكري مستعد لإبطال هذه النحل والبدع فكل من سمع قولاً مكفراً من رجل يشهد عليه ويكتب إليه لردع ذلك المارق والنداء عليه بأنه ليس من أهل الطريق حتى لا يدنس رجالاً يدعون إلى الله تعالى وقد أقاموا أنفسهم في وظيفة تطهير القلوب وتهذيب النفوس وتصفية الخواطر وتهيئة الرجال للكمالات فهم أساتذة مدرسة دينية لا يوجد لها مثيل في العالم ومن كانوا بهذه الدرجة العليا كان حقاً على كل إنسان أن يحافظ على قدرهم ومراتبهم الرفيعة وما ذلك إلا بالأخبار عن الضالين والمنتحلين. والأستاذ مستعد لنشر ما يلزم نشره
ردعاً للضالين والمبتدعين وإعلاناً للأجانب وغيرهم أن ذلك ليس من ديننا وإنما هي كلمات صادرة من قوم لا خلاق لهم في الدين وإلا فإن مصاحفنا وعقائدنا أصولاً وفروعاً محفوظة مأمونة من الدس فما يفتري عليها رجل شيئاً إلا ظهر وأنكره عليه العامي قبل العالم. وإننا نسأل الله تعالى أن يهدي هؤلاء الناس ويزيل عنهم هذه الشبهات الوهمية ويكفي الدين ما يلاقيه من الحروب المعنوية الخارجية فإذا حاربه هؤلاء من الداخل كانوا يداً ثانية للأجنبي في تمزيق ثوب الاجتماع الإسلامي وشق عصا الجماعة وإيقاع النفرة والعداوة بين المسلمين فتكون خدمتهم للغير لا للأمة ودينها وبئس ما يصنعون. والله تعالى يحفظنا جميعاً من الابتلاء بهذه الشبهات الوهمية والنزغات الشيطانية. والأستاذ الفاضل الجربي مستعد كذلك لقبول كل مكاتبة ترد إليه عما يقوله الناس وينسبونه إليه ليظهر البراءة منهم وهي خدمة يحمد عليها وتلجم كل من يدعي أنه على ذلك المذهب الباطل حماه الله تعالى. ولقد أعدت على حضرة الأستاذ الجربي ما قلته له في مجلس سماحة السيد البكري في مجلس آخر بحضور الفاضل أحمد بك ذكي باشكاتب الأوقاف والأستاذ الكامل العلامة الشيخ محمد المنصوري وزدته مما يقوله بعض المنتمين إيه من أنه يوصل المريد في ساعة وأنهم يرون الله تعالى ويكلمونه
في مجلس المراقبة وغير ذلك من الخرافات فأنكر كل ذلك وشدد في النكير على المفترين علية فقال له الشيخ المنصوري يلزمك أن لا تصحبهم بعد علمك أنهم يفترون عليك ذلك فقد علمت أن بعض المنتسبين إليك تهيأُ وللرد على الأستاذ بمقالة يثبتون فيها صحة القول بوحدة الوجود فقال له الأستاذ الجربي هذا لا يكون