الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العدد 29
- بتاريخ: 7 - 3 - 1893
مجتمع اللغة العربية بمصر
هذا المجتمع تأسس في هذا العام من علماء أفاضل متمكنين من اللغة وعلوم شتى يقدر كل واحد منهم على مراجعة الكتب اللغوية وغيرها ومعرفة الاشتقاق وتمييز الأصيل من الدخيل والمشتق من الجامد ونحت ما يلزم من الوضعيات إذا دعت الضرورة ورد الأسماء والاصطلاحات الأجنبية التي دخلت اللغة التي مقابلها أو ما يؤدي معناها ورئيس هذا المجتمع صاحب السيادة والفضيلة والسماحة السيد توفيق أفندي البكري ولقد نادى بهذا المجتمع مؤيد المعارف العلامة المرحوم عبد الله باشا فكري من أعوام مضت ولكنه لم يجد من يلبي دعوته وأشرنا إليه في جريدة التنكيت سنة 1298 في مقالة تحت عنوان (إضاعة اللغة تسليم للذات) وكانت موضوع جدال طويل بين فاضلين مصريين هما إبراهيم أفندي الهلباوي وأحمد أفندي سمير وفاضلين سوريين هما أمين أفندي شميل وآخر معه وبقي هذا المشروع حائماً في الأذهان حتى وضعه هؤلاء الأفاضل الأجلاء على أساس عنايتهم وعقد العزائم على خدمة اللغة العربية
الشريفة وهو مبدأ حسن وعمل جليل يراه الناس الآن صغيراً قليل الفائدة كما رأى أبو الأسود قلة قول الإمام عليّ رضي الله تعالى عنه الكلام كله اسم وفعل وحرف فالاسم ما أنبأ عن المسماة والفعل ما أُنبئ به والحرف ما أفاد معنى. ثم ما مضت أيام حتى كتب أبو الأسود أبواباً وجاءَ من بعده فكتب أسفاراً لا تحصى في فن النحو. وأبو العباس عبد الله بن المعتز الخليفة العباسي وضع فن البديع على سبعة عشر نوعاً ثم ترقى بعده حتى جاوز المائتين فهكذا حال هذه الجمعية المباركة في عين المعاصر الذي لم يرّ مثلها في بلاده حتى يعرف الفوائد التي تترتب عليها قياساً على ما يعلم فهي في رتبة الشواذ عنده لا يذكرها إلا بعدم الحاجة إليها فإذا رأى فوائدها اللغوية والعلمية تنشر بين الناس انتقد واعترض وزيف وخطأ تعصباً لجهله بالعواقب لا لإظهار الحقيقة فإذا رأَى أعراض الجمعية عنه وإقبالها على ما عقدت العزم عليه اهتم بشأنها وأمعن النظر في عبارتها واشتغل بما تبديه أكثر من اشتغالها بوضعه ثم لا يزال قولها يكثر والأنظار تتجه والأفكار تتضارب والفوائد تتابع حتى يرجع إليها معتمداً على ما تدون آخذاً عنها ما تدعو الحاجة إليها وأصلاً بها على حفظ اللغة العربية التي هي لغة القرآن والحديث والألوف من الكتب المدونة في علوم شتى هنالك يعود على نفسه باللائمة فيما كان منه أيام شبوبيتها. ولا يلزم للوصول لهذه النتيجة إلا ثبات الأعضاء وانتقاء الكلمات ومبادلة النظر فيها قبل
إعلانها وهذا أمر محقق الحصول إن شاء الله تعالى في أفاضل هم عنوان كتاب الأذكياء في مصر. وحبذا لو عرضت ما تقرره على العلماء وأرباب الأقلام بنشره في الجرائد المحلية
ثم تضرب أجلاً للمتناقشين معها عشرين يوماً فاقل أو أكثر حتى إذا مضت المدة ولم ينبهها أحد على شيء أمضت ما قررته وأعلنت تنفيذه بحكم الإجماع. ولا تعم فوائد هذه الجمعية إلا إذا تقرر في مجلس النظار اعتبارها جمعية لغوية وإلزام مدرسي العربية في المدارس وغيرها بالنقل عنه وتعليم الطلبة ما تقرره من الفوائد اللغوية ويصدر الأمر العالي بالتنفيذ ثم تتناقل الجرائد المحلية كلماتها وتكررها بالمناسبات لتكون في مقام مدرسين يعلمون القراء ما يتعلمه التلميذ في المدرسة من فوائدها وبهذه الطريقة تتداول الكلمات المقابلة للكلمات الأجنبية ولا نقول وتموت الأجنبية بالمرة بل تزاحمها العربية مزاحمة تضيق نطاقها. وكنت أرى أن تعلن الجمعية قبولها معارضة من يرى شيئاً فيما تقرره ولكني رأيت جريدة الهلال الفراء دخلت هذا الباب وقالت ((إننا لم نرَ في لفظة مدره الكفاءة التامة لتنوب مناب لفظة أفوكاتو بكل معانيها إذ أن هذا اللفظ في اللغات الأفرنجية يفيد المدافعة عن الآخرين في الأمور الشرعية وهذا لا تفيده لفظة مدره لأن المراد بها زعيم القوم والمتكلم عنهم بماله من الرآسة عليهم كما هو الحال في رؤساء الأحزاب وزعمائها) ثم قالت بعد كلام (أما الأفوكاتو فعلى خلاف ذلك كما لا يخفى) ونحن نقول أن اللفظ يقوم بالمراد فإنه كما يدل على السيد الشريف في قومه يدل على المقدم في اللسان واليد عند الخصومة والقتال والمقدَّم في اللسان عند الخصومة صفة جامعة لكل ما يخاصم فيه سواء كان حقاً شرعياً أو مدنياً أو جنائياً له أو عليه فهو أعم من لفظ محام الآتي من مادة حمى الشيء منعه ودفع عنه وليس فيه معنى المطالبة بالحقوق ولا درء الحدود ولا رد الشبه
ولا إبطال الدعاوي ولا تأييد سابق الأدلة والبراهين ولا تأويل معنى قانوني ولا تخطئ قاض ولا تفسيق شاهد وهذا كله يندرج في الخصومة على أن كل معنى أريد من أفوكاتو فإنه في معاني المدرة فإنه رأس القوم والدافع عنهم وزعيم القوم وخطيبهم والمتكلم عنهم ومن يرجعون إلى رأيه ولسان القوم وليس في معنى أفوكاتوا أوسع من هذا ولا غيره وأما كلمة محام فإنها في غاية القصور عما يلزم وظيفة المدره إذ ليس فيها سوى المنع والدفع. وأما قولها ((ولنا منها اشتقاقات لتسهل استعمالها فنقول حامي عنه ويحامي عنه
وفن المحاماة مما لا يتأتى لنا في لفظ مدره)) فإن الذي حملها عليه هو قول الليث في المدره أميت فعله ولو مشت في المادة حتى وصلت قولهم دَرَه لقومه يَدْرَه دَرها لما أنكرت الاشتقاق وعلى هذا فيقال فن المدارهة ودره عني خصمي أي دفعه ورده وهو ذو تُدرَه القوم أي الدافع عنهم. وإذا قلنا أن دره أصله درأَ فهو مبدل منه زاد المعنى وضوحاً إذ يقال تدارأَ القوم أي تدافعوا في الخصومة فتكون هناك مفاعلة والترافع بالأفوكاتية لا يكون إلا بين اثنين يدرأُ كل منهما عن منيبه عنه وكما يقال في المبدل منه تدارأَ القوم يقال في البدل تداره الخصمان ومن هذا يظهر أن المدره هو مقابل أفوكاتو من غير إخلال بشيء من معناه ولعل عند الهلال شيئاً غير ما رأَيناه فيه يؤَيد قوله ويضعف قولنا فإن أبداه تلقيناه بالقبول وله الفضل أو لأردننا الأمر إلى الجمعية لتعلننا بما تراه.
وقال الهلال إن نمرة لا تؤدي المراد من (نومرو) الأفرنجية بل هي غير معناها لأن نومرو تفيد في الأصل العدد أو الأرقام وقد أطلقت على
العلامات أو الأرقام التي يستخدمها التجار وغيرهم ليميزوا بها أصناف السلع بعضها عن بعض أما النمرة فهي النكتة من أي لون كان. والنكتة النقطة السوداء في الأبيض والبيضاء في الأسود وإذا جاز استعمالها بمعنى نومرو فينقصنا الفعل منها إذ ليس في اشتقاقاتها ما يقوم مقام نمرً العلمية وهذا نقص لا يسد إلا بالتفتيش عن لفظ آخر يؤدي هذا المعنى)) - والأستاذ يوافق الهلال في مخالفة معنى النمرة العربية لمعنى نومرو الإفرنجية وقد غلب على نومرو استعمالها في العدد فيقال بيت فلان نمرو كذا أي عدد كذا والجواب نمرة كذا أي الذي عدده كذا فالأولى استعمال عدد بدل نمرة. ثم قال الهلال ((وعندنا أن مادة رقم تؤدي الغرضين معاً لأنهم يقولون رقم الثوب خططه وأعلم بأن ثمنه كذا ومنه قولهم لا يجوز بيع الشيء برقمه قلنا الرقم بمعنى نومرو تماماً الخ)) ولا يخفاه أن قولهم رقم الثوب خططه لا يفيد معنى العدد بل المراد أنه كتب عليه ثمنه لتقع المرابحة عليه أو ليغتر به المشتري كما يفعل الإفرنج الآن من كتابة أوراق صغيرة يعلقونها في المبيعات يقدرون فيها أثماناً كاذبة ليغتر بها المشتري فهي طريقة عربية الأصل وهي فائدة للمجتمع ساقها الاستطراد وفي الحديث كان يزيد في الرقم أي ما يكتب على الثياب من أثمانها أخبار منه عمن كان يفعل ذلك ومنه أخذ الهلال قوله لا يجوز بيع الشيء برقمه أي بما كتب عليه فالرقم في الموضعين بمعنى
الكتابة. وكتاب مرقوم بينت حروفه بعلاماتها من النقط والشكل. وقد سبقت الجرائد باستعمال عدد بدل نومرو على جرائدها فإن رأت الجمعية عدم العدول عنه فلتعلن ذلك ولها الفضل وإن رأَت غير ذلك نبهتنا على ما
هو الأولى وأن رأَى أحد القراء ما يؤدي المعنى من باب الترادف لا التفسير فليكاتبنا بما يراه لنقدمه للجمعية للنظر فيه - ومن هنا نأتي على بقية الكلمات التي قررتها الجمعية مردفة بما نعرضه عليها للنظر والتقرير قالت (مرحى مقابل برافو) نقول مرحى كلمة تقال للرامي إذا أصاب. أو تعجب من جودة رميه فهي خاصة بالرمي. وبرافو كلمة تقال لكل مصيب في قول أو فعل وكل محسن في أداء عبارة أو تحرير مطلب خطابي فمقابلها بخ فإنها كلمة تقال عند تعظيم الإنسان وعند التعجب من الشيء وعند المدح والرضا بالشيء وقد سبقنا لاستعمالها أفصح الفصحاء صلى الله تعالى عليه وسلم فإنه لما قرأَ قوله تعالى {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة} قال بخ بخ إلا أن يقال أن الجمعية أرادت مطلق الإصابة في قول أو فعل ((المسرَّة التلفون)) لا شيء فيها فإنها هي هي ((عم صباحاً وعم مساءً في مقابلة بون جور وبون سوار)) هما كذلك ولا عبرة بقول من قال ((إن عم صباحاً فيه فعل فإن عم بمعنى أنعم وكلمة بون جور معناها نهار طيب وبون سوار معناها مساء طيب)) فإن كلمة عم صباحاً معناها التحية المرادة من بون جور كما أن عم مساءً كذلك (البهو الصالون) نقول البهوله معان منها البيت المقدم أمام البيوت. وكناس واسع يتخذه الثور في أصل الأرطى. ومقبل الولد بين الوركين من الحامل. والواسع من الأرض الذي ليس فيه جبال بين نشزين. وكل هواء أو فجوة. وأماكن البقر. وبهو الصدر جوفه من الإنسان والدواب. والسعة واستعمل في باحة الدار توسعاً أو استعير لجوف الدار أو أنه حقيقة فيه بغلبة الاستعمال خصوصاً بين المتقدمين من عرب الأندلس
الذين هم أدري بمفردات اللغة منا وبالجملة فإنه مقابل الصالون تماماً (القفاز الجوانتي) أو الإلْدِيوان وهو هو والقائل أن هذا مذكور في كتب الفقه لم يعلم حقيقة الجمعية فإنها لا تضع ألفاظاً غير موجودة في اللغة حتى يقال إن هذا تكلم به العرب قبل ذلك وإنما تضع مقابل كل دخيل كلمة عربية مستعملة كانت أو متروكة (الوشاح الكردون) الوشاح حلى النساء كرسان من لؤلؤ وجوهر منظومان مخالف بينهما معطوف أحدها على الآخر. وقال الجوهري الوشاح بنسج من أديم عريضاً ويرصع بالجواهر وتشده
المرأة بين عاتقيها وكشحيها ثم توسع فيه فاستعمل في الشريط الذي يلبسه الرجال وفيه النياشين ولكن مثل شريط القضاة الخالي من الجواهر يطلق عليه وشاح أو قليد بمعنى شريط أو يتوسع في الوشاح فيطلق على ما فيه جوهر وما خلا منه الرأي للجمعية (مركب التوربيد الحراقة سفينة فيها مرام للنيران يرمي بها العدو في البحر) هذا الاسم أي الحراقه حقيق بالمركب الحربية وإلا فإن سفينة التوربيد تسير بين طبقات الماء وفيها مواد مفرقعة إذا صدمت سفينة انفجرت فتغرق السفينة التي صدمتها بالمواد المفرقعة اللهم إلا أن يكون هناك معنى آخر فنحتاج لبيانه (الكلوب المِرَب هو مجتمع القوم ومتحدثهم) هذا إذا كان الكلوب للحديث ليلاً ونهاراً أما إذا كان للحديث ليلاً ونهاراً أما إذا كان للحديث ليلاً فهو السامر أي مجلس السمَّار والسمار الجماعة الذين يتحدثون بالليل. وإذا كان للحديث نهاراً فهو النادي والنديُّ والمنتدى ولا يسمى نادياً إلا وأهله فيه (المودة الجديلة وهي الشاكلة والحال والطريقة والمذهب) الجديلة بمعنى الشاكلة لا تؤدي معنى مودة غالباً لأن الشاكلة هي
الشكل وهو عبارة عن الصور المحسوسة والمتوهمة والطريقة والمذهب والمراد من المودة نوع جديد يخالف سابقه من الأنواع ويبعد فهم صورة الشيء من الجديلة بمعنى الشاكلة بمعنى الشكل بمعنى صورة الشيء فهل يجوز أن نستعمل بدلها النمط أو الطراز بمعنى النمط أيضاً فإن النمط الضرب من الضروب والنوع من الأنواع يقال ليس هذا من ذاك النمط أي من ذلك النوع والضرب يقال في المتاع والعلم وغير ذلك. وقيل النمط والزوج عند العرب ضروب من الثياب المصبغَّة ولا يكادون يقولون نمط ولا زوج إلا لما كان ذا لون من حمرة أو خضرة أو صفرة فأما البياض فلا يقال له نمط. وقد غلب استعمال المودة في المنسوجات الجديدة الملونة ثم توسع فيها فاستعملت في كل نوع أو ضرب جديد من أي شيء كان وهذا معنى النمط المتقدم والرأي للجمعية (شهادة الدراسة كالبكلوريا الحذاقة) الحذاقة أما مصدر أو اسم من حذق مهر فهي شهادة مهارة (أحد رجال البوليس الشرطي والجلواز والتؤتور) هو كذلك وسمي بذلك لأنه أعلم نفسه بعلامات يعرف بها وهذا في البوليس الظاهر أما البوليس السري فيطلق عليه جاسوس لأن الجاسوس صاحب سر الشر والبوليس السري لا يقرب من الخير (البالكون الطَنَف)(كرت فيزيت بطاقة الزيارة) البانطو أو البردسو العاطف والمعطف وهو ما يلبس فوق الثياب (. .) (الشماعة
أو بورت مانتو المشجب) أو الشجاب وهو خشبات تنصب لتوضع عليها الثياب (وضع المكدام في الطريق حصب الطريق بالحصباء) هذا وقد أورد سماحة الرئيس مقالة في الوفاقات في العادات انتخب فيها أشياء كثيرة من عادات العرب من
شعرهم وتلا حضرة الأستاذ الكامل الجهبذ المحقق الشيخ محمد الشنقيطي قصيدة غراء تنبيءُ عما له من الفضل وكثرة الإطلاع والاقتدار على أساليب الفصاحة وتراكيب البلاغة. وأننا نعرض أفكارنا على المجتمع عرض مشارك في الرأْي لا مستقل بالفكر فإذا وافقنا الصواب فذاك أولا رجعنا إلى ما يُرجعنا إلهي ونرجو أن يكون ذلك طريقاً لكل من قدم شيئاً يستفتي المجتمع فيه فيعرضه عرضاً ولا يجعل الأخذ به فرضاً حفظاً لحرمة المجتمع وحقوقه. وعلمنا بما عليه أعضاء المجتمع من صدق النية والإخلاص في خدمة اللغة العربية حملنا على أن نقدم لمحضراتهم ما سنح بالفكر القاصر وهو أن يكون المجتمع عاماً في كل ما يتعلق بالفنون العربية وتقسم الأعضاءُ بحسب قواهم العلمية فيكون قسم منهم مختصاً بالمواد اللغوية. وقسم يختص بالآليات كالنحو والصرف والبيان والبديع والمنطق. وقسم يختص بالتاريخ وتقويم البلدان. وقسم يختص بالترجمة. وقسم يختص بالرياضيات. وتظهر فائدة هذا التقسيم عند ما تقرّر الحكومة اعتماده وتحيل عليه النظر في المؤَلفات الجديدة التي من هذا القبيل ليقرر منه الموافق لنشره ويمنع ما يضر بالأخلاق والدين والسياسة. وربما اتسع نطاقه فأُحيل عليه امتحان أناس في فنون مخصوصة لإعطائهم الشهادة العلمية. وإذا رأَى المجتمع نشر الكلمات التي يريد تقريرها وما يراه من شوارد تاريخ العرب في الجرائد طالباً من أرباب الجرائد والمنشئين والعلماء الذين تهمهم اللغة والمحافظة على العلوم العربية مشاركتهم له في بحث تلك المواضيع مسلما لهم فيما يستدركونه بحيث يسند كل مستدرك قوله لنص محفوظ في كتاب
أو استنباط مؤَيد بالدليل والبرهان كان ذلك أعم للفائدة وأدعى للثقة به. ويلزم أن يكون عدد أعضائه أكثر مما هو عليه مركبين من أرباب العلوم التي ينتفع بها وربما كان في الناس من لا يعلم حقيقته ولا سيره فعلى المجتمع استدعاء من يراهم من أهل الفضل سوادء كانوا لغويين أو نحويين أو مهندسين أو قضاة أو مداره وعرض موضوعه عليهم وطلب اشتراكهم معه توسيعاً لنطاقه وتكثيراً لدوائر فوائده. وعليه أن يعلن قبوله مخاطبة كل من أراد أن يقدم شيئاً نافعاً في مواضيع المجتمع لغوياً
كان أو تاريخياً أو غير ذلك وأن رأَى مناظرة مكاتب فيما كتبه استحضره بخطاب يعين له فيه الجلسة التي يحضرها وأن كان في غير القطر المصري أو يعز عليه الحضور تكتب الردود عليه وتعلن أن ترسل له قبل الإعلان. وعليه أن يقدر بعض جوائز لمن يقدم له رسالة في فن يعينه أو يحقق مطلباً يخصصه أو يفيد المجتمع فائدة عامة أو غير ذلك مما يراه تنشيطاً للهمم وتوسيعاً لدائرة المعارف. وعليه أن ينتقي الأعضاء ويتحاشى دخول أهل الدعلوي والفتن ومن يسؤُهم وجود هذا المجتمع حفظاً لنظامه ومنعاً لما لا يلائمه. وهذا عمل يقضي على المجتمع بعمال ومصروف وهو لا إيراد له يقوم بالرواتب والمكافآت وأحسن ما يتخذه من وسائل الحصول على ذلك أن يفتح محفلاً للخطابة يفتح بابه كل خمسة عشر يوماً مرة وتكون فيه الكراسي مختلفة الدرجة ويقدر رسم الدخول من قرشين إلى ستة بحسب الدرجات ويكون الدخول فيه عاما لمن يريد ولا يحجر إلا على سكران ويكون للخطابة رئيس ينظر في الخطب التي يقدمها الخطباء قبل أن يخطبوا بها ليكون له حق منع ما لا يناسب المجتمع مما يمس
الحقوق الملكية أو الدينية أو الجنسية ومن يريد أن يخطب ارتجالاً يعين الموضوع قبل ارتقائه منبر الخطابة ويكون للرئيس الحق في إسكاته أن شذ عنه أو تكلم فيما يشوش الأفكار أو يوغر الصدور وعلى هذا فيكفي عقد جلسة عامة كل شهر يقرر فيها المجتمع ما نظرته الأقسام في وسط الشهر فيكن له أثنى عشر تقريراً وأثنى عشر احتفالاً خطابياً كل سنة وهذا يقضي عليه بإنشاء جريدة خاصة بتقاريره وخطبه وإيرادها يضم لا يراد محفل الخطابة للاستعانة به على إدارة المجتمع. وحيث أن اللغة العربية وعلومها منتشرة في كثير من أقسام الكرة الأرضية وقصر تقارير المجتمع على الديار المصرية يقضي بترك الدخيل على ما هو عليه في غيرها كما يقضي بوقوع الخلاف بين المصريين وغيرهم ممن لم يشاركوهم في الرأي أو لم يعلموا بمساعيهم فعلى هيئة المجتمع تقديم تقرير شامل لموضوعه وأعماله للأعتاب الخديوية طلباً لتقريره والتصديق على اعتماده من مجلس النظار وإعطائه حق مخاطبة الجهات العربية بل الشرقية بما يراه من ضرورته ووضع هذا المجتمع العظيم الفائدة تحت رعاية الحكومة تعضيداً وتأييداً بتحويله عن وجهته وللمجتمع الحق بعد ذلك في توسيط الحكومة في نشر تقاريره بصدور أوامرها لدوائر كتابها باستعمال الكلمات اللغوية التي يقررها في مخاطباتهم
الرسمية والإطلاع على بقية مواضيعه العلمية توسيعاً لدائرة أفكارهم وسعياً في تداول مواضيعه حتى تصقلها الألسنة بالتكرار فتكون مألوفة مستعملة بين الخاص والعام. وليكن من أقسامه عال يعرض عليه خطأُ المكاتبين والمعترضين من الأقسام ليتصرف فيه بما يراه من إعلان المخطيَء أو الصمت عنه أو ستر
هفوة كاتب أو تنبيه على ما هو الأولى أو الصواب وهذا تكون جلسته سرْية حتى لا ينسب إلهي تعصب أو ازدراءٌ للناس أو تعرض للوقوع في جانب الأعضاء والمكاتبين. وعلى هذا القسم تعرض أعمال الأقسام قبل الجلسة العامة لينقحها ويحررها ثم يردها إلى أقسامها من غير أن يعلم كل قسم بما صنعه في عمل الآخر حتى إذا جاءَ يوم الجلسة العامة قدم كل عمله منقحاً محرراً. وهذا يقتضي أن يكن القسم العالي مركباً من علماء مختلفي الاختصاص فيكون فيه اللغوي والنحوي والمحدث والمفسر والفقيه والمؤرخ والمهندس والطبيب والقاضي والمدير والكيماوي وغيره من علماء هيئة المجتمع. ولتحرير مطالب المجتمع يلزم أن تعطى المواضيع المراد تقريرها إلى الأقسام المختصة بها في آخر كل جلسة لينظر فيها الأعضاء مدة الشهر وليكون عندهم وقت لمراجعة كبت وتنقيح ما يحتاج للتنقيح ثم يقدم كل قسم أوراقه للقسم العالي قبل الجلسة بخمسة أيام ليعيد النظر فيها أيضاً قبل انقعاد الجلسة وبهذه الطريقة وضمينة آراء القراء والمكاتبين إليها تظهر للمتجمع أعمال نفيسة جداً في غاية التحرير والتنقيح. ولا بأس من إعلان الجلسة العامة كل شهر ليحضرها أرباب الجرائد ومن يريد من الفضلاء ليكون تقرير ما تقدمه عن رأي إجماعي وهو أرقى لدرجة المجتمع وأدعى لاحترامه والثقة به في كل ما يقدمه للخاصة والعامة. وإننا نرجو إخواننا العالمين باللغات الأجنبية أن يترجموا ما يرونه من الكلمات والاصطلاحات ويبنوا اسم اللغة المترجم منها ويقدموا ذلك للمجتمع مساعدة على الخدمة العامة وعلى المجتمع أن ينسب كل قول إلى صاحبه تخليدا لاسمه ونشراً لفضيلة كل
عامل. وقد شافهنا معترض بأن كثيراً من الكلمات الأجنبية لا يمكن ترجمتها لتداولها في الصناعة والاصطلاحات العلمية فأجبناه بأنه لم يقف على حقيقة موضوع المجتمع فإن القصد وضع كلمات عربية في مقابل الكلمات المتداولة على الألسنة أما ما يتعلق بأسماء الآلات والعقاقير فإن المجتمع يضع له مقابلاً أو تفسيراً ليحفظ في الكتب العربية ويترك هجر الأجنبي بالعربي للتداول وكرور الأيام لا أنه يريد
أن يغير كل كلمة أجنبية بكلمة عربية ويمنع استعمال الأجنبية دفعة واحدة فإنه يعلم أكثر مما تعلم من احتياج الشرقيين لاستعمال الاصطلاحات الأجنبية في الفنون التي انفردت أوروبا بالتأليف فيها. وبالجملة فإن هذا المجتمع سيكون أن شاءً الله تعالى مصدراً لفوائد لا يصل إليها الإنسان حال انفراده ولو أوغل في مطالعة الكتب وتعلم ما فيها فإن تبادل الجدل والمناظرة والبحث والاعتراض من أفاضل مختلفي القوى العقلية والعلمية يتولد منه علوم نافعة ونتائج لا يصل إليها المنفرد وهذا أعظم مقاصد المجتمع بل هو المقصد المحاط بكثير من الوسائل ولنا في هذا المجتمع رجاء وطني يرضاه وليس هو من باب التنبيه ولا من باب التحذير وإنما هو من باب رجاء السير على ما يضمن لنا ثقة المصري وغيره بمجتمعنا وهو أن يبعد عن الدخول في السياسيات سراً وجهراً وأن يحفظ الوصلة التي بينه وبين الأزهر المنير بعدم تعرضه لشيء مما هو من خصائص الجامع وسماحة شيخه وبهذا يمكنه أن يستعين بأشياخه في كثير من مواضيعه العلمية فإن أساسه مبني على العلوم الأزهرية وأعضاؤُه يكون معظمهم من الأزهر بين الذين يقدرون على التصرف في العبارات بالاستنباط أو القياس وإذا سلك هذا الطريق تمكن من القيام