الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
⦗ص: 643⦘
(*)
العدد 28
- بتاريخ: 28 - 2 - 1893
حالنا أمس واليوم
أو نتيجة أتعاب المرحوم محمد علي باشا وأبنائه ورجاله
أكبر عجائب مصر أن كل وارد عليها وكل مسترزق فيها من الغرباء يدعى أنه أقدر على مدنيتها وأحق بإدارتها وأولى بتجارتها. وأول كلمة يحيى بها المصريين لستم أهلاً للقيام بأعمالكم ولا تدرون طرق الإصلاح وأحكام النظام وهي كلمة أقلقت كل مصري ونبهت كل مولود في عاصمة العلوم والسياسات الأولى فلذا اخذ المجموع المصري يتذاكر فيما كان عليه بالأمس وما صار إليه اليوم. وقد تلوت عليه طرق الأفكار بتلوى صحف الأخبار وتلونها ومباينة الأخبار للحقائق مباينة لا ينطبق شيء منها على صور الواقعيات وقد التزمت جرائد الأجراء تحويل الأفكار بما تنسبه لغير المصريين من الأعمال وما تدعيه من الإصلاح وفي الناس من أدرك القرن الماضي ورأى ما كان فيه من الأعمال وعرف من قام بها من الرجال. وفيهم الشبان الذين نشأوا أخيراً ولم يروا الحال الحاضرة وقد حيل بينهم وبين تاريخ الماضين
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: حدث خلل في أرقام صفحات المطبوع في الصفحات التالية، فأثبتنا رقم الصفحة الوارد في المطبوع أعلى الصفحة، وينتهي هذا الخلل بدأ من ص 673
⦗ص: 644⦘
بتعاليمهم الأجنبية وأصوات الجرائد الأجيرة فربما ظن ناشىء المصريين أن ما عليه مصر الآن من تدوين الدواوين وتنظيم الإدارات ونشر المعارف والصنائع وترتيب المديريات والأقسام وعمل الترع والقناطر والجسور وترتيب المجالس إنما هو عمل أجنبي وهو ظن فاسد لا دليل عليه فإن مدنية مصر تنادي بأنها أثر من آثار العائلة المحمدية العلوية وقد وضع أساسه على أيدي الوطنيين في أيام سهر لياليها المرحوم محمد علي باشا متقلباً من جنب لجنب يفكر ويقدر ويدبر حتى كاد أن لا يتنفس نفساً إلا وهو مصحوب بفكر في شأن من شؤون مصر. وتقدم لنا كتابة فصل مجمل في مقالة افتتاحية في العدد الثاني من جريدتنا والآن نريد أن نأتي على أعمال هذه العائلة عملاً عملاً بالتفصيل والبيان قياماً بواجب نعمتها علينا معاشر المصريين وتطهيراً لأفكار الشبان من أقذار الأكاذيب والمفتريات التي سلبت نسبة تنظيم البلاد عن هذه العائلة الكريمة والوطنيين وألحقتها بالأجنبي زوراً وبهتاناً ولنرشد الآتي إلى معرفة فضل ساداته ومجد آبائه حتى لا يقع فيما وقع فيه بعض الشبان من الاغترار بزخرف قول الكتاب واختلاق الغرباء ومفتريات الأجراء وإذا بينا ماهيات الأعمال والقائمين بتأسيسها سهل على القارىء مقابلة الحقائق الثابتة المشاهدة بالأقوال الكاذبة المصوغة في قال النصح والإرشاد وأيقن
المصريون أن ما هم فيه إنما هو نتيجة أتعاب أمرائهم وآبائهم فلا تمنعهم مزاحمة الأجنبي من السعي خلف استرجاع ما فات بالجد والعمل وعقد العزائم على حفظ هذه الآثار باتفاق طوائفهم وأجناسهم على توحيد السير والسهر في تدارك خطأ المخطئين من ضعفائهم ولظهور بين أيدي أوروبا بالإخلاص
⦗ص: 645⦘
في العمل والمحافظة على علائقها معنا وتزييف أقوال الأجراء لتحسين ما يسلم إليهم من الإدارات وما يناط بهم من الأعمال. خصوصاً وهم بين يدي المولى العباس الغيور على مصالحهم وتقدمهم الساعي في إعادة ما كان لآبائه من السير والسيرة إنقاذاً لبلاده من يد الخلل وحفظاً لها من الضعف والتلاشي وأمير مثل هذا حقيق بأن تؤيد الأمة مساعيه بالجد خلف آماله وتحقيق أقواله بالحزم والعزم لا بالتهور والطيش والتقاعد عن موجبات المجد والشرف ومن هنا نبدأ الكلام فنقول.
معلوم أن السلطنة السنية كانت ترسل الوالي في العهد الأول إلى مصر فيقيم السنة والسنتين ثم بعزل ويأتي غيره وكانت وظيفته في مصر صورية فإن القابضين على الأحكام هم الصناجق وكانوا أربعة وعشرين صنجقاً يراسهم اثنان منهم والبلاد وأهلها تحت تصرفهم وكان يعين مع الوالي مأمور يسمى الدفتردار عليه ختم التقاسيط والسندات والأوراق التي تعطى من الحكومة لأهل البلاد والأموال كانت ترد إلى الروزنامة والروزنامجي هو الآمر الناهي في المصروفات وهناك ديوان يقال له ديوان الترسانة والقضاة كانوا يلتزمون البلاد من ملتزم القضاء الأصلي فيحكمون بما يساعدهم على نهب الأموال ويأخذون من الرشوة والرسوم ما لا حد له والنيل يأتي سيحاً فيعتكف الناس في القرى وللبلاد حتى ينصرف عن الأرض فينزلون إليها ويزرعونها والمواصلات التجارية منقطعة بين مصر وغيرها والمعارف في طي العدم ولا مدرسة غير الأزهر المنير والأمية متسلطنة على الأمة والنقود قليلة وغالب التعامل بالحبوب والاسمان والألبان والصنعة لا تزيد عن غزل القطن والكتان
⦗ص: 646⦘
ونسجه ثياباً والأخبار الدولية منقطعة انقطاعاً كلياً فلا علم لمصري بما في البلاد المجاورة له فضلاً عن مملكة أخرى. والأوامر تصدر من الصناجق بحسب ما يرونه. اعرف منها أن بلداً كانت تدفع ثمانين ريالاً فطلب شيخها من حلاقها عشرين فضة فتوجه إلى الصنجق بمصر وقال له أن بلدنا يمكنها أن تدفع مائة ريال فأرسل معه جماعة من الأرنؤط فحاطوا بالبدل وطلبوا من مشايخها مائة ريال فأظهروا عدم
قدرتهم فأمرهم الحلاق أن يهجموا بيوت البلد ففعلوا وجمعوا ما فيها من الحلى والنقود فبلغ مائة وأربعين ريالاً فكتبوا للصنجق فصدر أمره يجمع أربعين رجلاً من سن الثلاثين إلى الأربعين وشنق عشرين منهم وذبح عشرين ففعلوا فهذه مادة م مواد قانون الهمجية والجهالة. وربما قام الصناجق على الوالي فقتلوه. وكثيراً ما كانوا يسلطون الجند على العاصمة لنهبها إذا طلبوا أرزاقهم ولم يجدوا ما يعطونه لهم وكان معظم الأطيان خالياً من الزراعة لكون الفلاح لا يزرع إلا مقدار حاجته ولتسلط الصناجق على الفلاحين بنهب زروعهم سنة الخصب. فلما جاء المرحوم محمد علي باشا ورأى أن الحروب التي وقعت بمصر بين أهلها والإفرنج وبين الغز والولاة وبينهم وبينه والحروب التي وقعت في مورة والسودان والحجاز واليمن والشام قد أذهبت ثورة البلاد وعطلت المزارع وأوقفت المصانع وخربت القرى فهاجر كثير من أهلها إلى الحجاز والمغرب والشام والعراق والأناطول وأصبح كثير منها لا ساكن فيه وفسدت الأراضي بعدم الخدمة وتركها للحشائش المحمولة إليها مع مياه النيل وصارت مصر في حالة يأس من الإصلاح فجمع إليه كثيراً من الترك والجركس والأرنؤط والمورالية وفريقاً من العرب
⦗ص: 647⦘
والمصريين على اختلاف أديانهم وصبر المجموع أمة واحدة مصرية وقرب المدربين على الأعمال إليه وشاورهم في أموره وقوض إليهم تدبير الأعمال رغبة في وصولهم إلى تنظيم البلاد وإصلاحها وبمبادلة الأفكار معهم واستمداده من آرائهم تمكن من ضبط السياسة وترتيب الأعمال الجليلة وجمع كلمة الأهلين على الاعتماد عليه والرجوع في أمورهم إليه فتحولت حال البلاد إلى حال تتقدم للنجاح من الحسن إلى الأحسن والنافع إلى الأنفع وأول ما بدأ به من العمل أنه قسم البلاد ثلاثة أقاليم. الأول يمتد من وادي حلفاً جنوباً إلى مديرية المنيا شمالاً وجعله تحت غدارة ولده إبراهيم باشا ورتب له أثنى عشر ألف كيس سنوياً. والثاني من المنيا إلى الجيزة ويتبعه الفيوم وجعله تحت إدارة أحمد باشا طاهر ورتب له ثمانمائة كيس سنوياً ولما توجه إبراهيم باشا للحروب الحجازية أحيل عليه القسم الأول فصار يحكم الوجه القبلي كله. والثالث البحري وقد قسم أربع مديريات الأولى تركب من الجيزة وجعلها تحت إدارة حسن بك الشهير بابي نيشانين وربت له ثمانمائة كيس. والثانية الغربية وجعلها تحت إدارة حفيده عباس باشا الأول. والثالثة الدقهلية وجعلها تحت إدارة حسن أفندي القوله لي ورتب له ثمانمائة كيس.
والرابعة الشرقية ووادي الطميلات وجعله تحت إدارة محمد بك كتخدا ابراهيم باشا يكن ثم ضم الشرقية إلى الدقهلية وجعلهما تحت إدارة عبد الرحمن بك القبطي الأصل وجعل إدارة شرقي أطفيح للقوجه أحمد وكانت مصر قبل هذا التقسيم خمس عشرة مديرية ثم قسم المديريات أقساماً وجعل لكل قسم مأموراً والقسم ينقسم إلى أخطاط كل خط له مأمور ومجموع الأخطاط تحت
⦗ص: 648⦘
إدارة ناظر القسم وهو تابع للمديرية. وجعل لكل بلد عمدة معه أشياخ مقررون بحسب ما تكون عليه القرية أو البلد. وجعل بكل قرية شاهدا (وهو المأذون الآن) لعقد الزواج والطلاق وفصل بعض القضايا ورتب في كل بلد خوليا لمسح الأطيان وضبطها وترك لكل بلد جانباً من الأطيان سماه المسموح وذلك لأن كل بلد بها مضايف فجعل هذا المسموح لقرى الأضياف وترك ما له وفي سنة 1228 رتب خزانة الأموال (المالية) وحول إليها إيرادات الحكومة وجعل الصرف للجهات منها ولم يبق للروزنامة إلا فائدة الالتزامات ومرتبات العلماء والحجاز ومرتبات الأوقاف والجهات الخيرية. وفي سنة 1233 رتب ديوان الأقاليم وجعله مرجع المساحة وتكليف الأطيان وتحصيل الأموال تحت رآسة المعلم غالي القبطي فقام بتنظيمه وترتيبه أحسن قيام ومسح جميع الأطيان وقسمها حياضاً وغيطاناً وحصرها في دفاتر وجعل لها مكلفات بيد صيارفة البلاد مما عز على ديوان التاريخ أن يجاريه فيه. وفي سنة 1236 جمع المديرين وكثيراً من الأعيان وربط أموال الأطيان الخراجية والعشورية وجعل أكبر فئة في ضريبتها ثمانية عشر ريالاً والريال تسعون فضة فأعظم ضريبة أربعون قرشاً ونضف قرض ثم رتب الدواوين فجعل ديوان المعاونة ملحقاً بمعيته تحت رآسة سامي بك الذي ترقى إلى باشا بعد ذلك وربت له ثمانمائة كيس سنوياً وجعل خصائصه النظر في كل ما يعرض من الدواوين والمديريات وسائر الجهات. وفي سنة 1243 رتب الديوان الخديوي تحت رآسة محمد بك لاظ أوغلي ثم شريف باشا بعده ثم حبيب أفندي
⦗ص: 649⦘
وجعل راتب رئيسه ثلاثة آلاف وستمائة كيس وكان يعرض عليه جميع أشغال البلاد حتى أن القناصل يعرضون شؤنهم عليه فكان في رتبة ديواني الداخلية والخارجية بل والحقانية أيضاً وهو الذي ينظر أشغال مدينة القاهرة بدل الضابطة والمحافظة والأوامر تصدر إليه من ديوان المعاونة وهو يخاطبه بكل شؤنه. وفي سنة 1241 أنشأ ديوان أشغال المحروسة وأحال عليه مصلحة الجلود والمدابغ ووكائل
الأصناف (الدخولية) ومصلحة البن وجمرك بولاق وعوائد الغلال والبصمة خانة (معمل الشيت) والدوكمة خانة (معمل الحديد) وأشوان الغلال وديوان المبيعات وديوان الفردة. ولما اتسع نطاق الحكومة وكثر توارد الأجانب إلى مصر للتجارة والاستيطان أنشأ ديوان الخارجية وجعله تحت إدارة بغوص بك وكان رئيساً للتجارة قبل ذلك فصارت القناصل تعرض قضايا رعاياها على الخارجية وهي تخابر ديوان المعاونة وبصدور الحكم تعلن به القناصل. ثم أنشأ ديوان العسكرية وسماه ديوان الجهادية ورأس عليه محمد بك لاظ أوغلي بعد فصله عن ديوان الكتخدا ثم عين بدله محمود بك الأرنؤط سنة 1243 براتب ثلاثة آلاف وستمائة كيس سنوياً ثم رتب فيه مجلساً عسكرياً لتسهيل الأعمال ثم عين فيه أحمد باشا يكن براتبه ولما سافر لحرب الحجاز أقام له وكيلاً عنه خورشيد بك الذي صار باشا بعد حرب اليمن الملقب ببرمقسز وكانت المهندس خانة تابعة لديوان الجهادية أيام كانت بقصر العيني والحق به أيضاً المدارس الحربية وورشة المدافع وورش الأسلحة ومخازن الأسلحة والبارودخانة ومعامل استخراج البارود وورش
⦗ص: 650⦘
عمل الجوخ ومطبعة بولاق وقد عين لكل مصلحة من هذه ناظر مخصوص يعرض جميع شؤون مصلحته إلى ديوان الجهادية وفوض لرئيس هذا الديوان أن يرقي إلى وظيفة اليوزباشي ثم يعرض عما فوقها لديوان المعاونة. وكان تسليح الاستحكامات والحصون وتنقلات العساكر داخل القطر وخارجه من خصائص الخديوي فهو يصدر الأوامر والديوان يباشر تنفيذها. وفي سنة 1242 رتب الخزانة (المالية) تحت رئاسة محمود أفندي الشهير بناظر المبيعات ورتب له ثلاثة آلاف وستمائة كيس سنوياً والحق بها مدرسة الدرسخانة التي كان يعلم فيها اللغة التركية والترجمة منها إلى العربية ومن العربية إليها ثم تعين لها سامي باشا الموره لي وكان رئيسها مسؤلاً عن جميع شؤن الإيرادات والمصروفات وتحت إدارته صيارفة البلاد والمرتبات وبيت المال والضرب خانة وخزانة الأمتعة والكيلار ومخبز الظاهر والمسالخ والمواشي والقوافل والمحمل والروزنامة والجنائن الأقطاعات (مصالح الالتزام) ومصالح بر الشام والحجاز والسودان وقاعة المبايعجي (التي كانت لشراء ما يلزم للديوان وبيع ما استغنى عنه) وفي كل ثلاثة شهور يقدم الحساب لديوان المعاونة وفي سنة 1253 رتب مجلس الحقانية تحت رئاسة حسن باشا المنستيرلي وكانت خصائصه النظر في شؤون
جمعي الدواوين وأعمال الزراعة وجمع المديرين لأخذ أرائهم في المهمات. وفي سنة 1251 رتب الجفالك وديوان الأوقاف وديوان الفابريقات وديوان تفتيش العموم والحقانية والخزانة العمومية وديوان أشغال المحروسة وديوان الترسانة وديوان الأبنية وجعل رئيس الأبنية المرحوم عباس باشا الأول. وفي سنة 1252 رتب ديوان المدارس وجعل
⦗ص: 651⦘
فيه أقلام الهندسة والحق به النظر في الأعمال البنائية وأعمال الهندسة في جميع أنحاء القطر وجعله تحت رأسه مختار بك حال حضوره من فرنسا ثم جعله تحت رأسه أدهم باشا. ثم رتب مشورة الطب تحت رأسه قلوت بك وجعلها مركبة من خمسة أعضاء ما بين أطباء وجراحين وأجزائية (صيدلانية) ورتب اسبتاليات الآلايات وجعل لكل الآي حكيم باشا تحته أربعة حكماء وصيدلاني في زمن السلم وفي زمن الحرب يزاد حكيم وجراح لكل أورطة وكان الآلاي مركباً من أربعة ألاف عسكري وفتح في كل من القاهرة وإسكندرية اسبتالية (مستشفى) لمرضى الأهالي ورتب أطباء في المديريات للنظر في أمر الصحة ومهندسين للنظر في الري والمباني الأميرية والتنظيم وجعل في كل مديرية باش مهندساً وفي كل قسم مهندساً وإدارته تابعة لتفاتيش الهندسة ولكل تفتيش رئيس معه معانون وكتبة ورسامون فكان مهندسو الأقسام يحررون جداول العمليات ويخبرون الباشمهندس وهو يجمع الجداول وينظر فيها وبعد تصديقه يعرضها للتفتيش وبعد إجرائه ما يلزم من النقض والإبرام يعرضها للديوان وهو يصدر أمره بما يتبع إجراؤه. ثم رتب المجالس ودون لها القوانين مشتملة على الأحكام والعقوبات واعتنى بالثغور فأكثر فيها من الاستحكامات العسكرية والحصون والقلاع وقشلاقات العساكر والمستشفيات والمخابز والطواحين. ثم رتب البريد (البوسطة) براً على أيدي السعادة وبحراً بالمراكب وسفن الخيل ورتب الإشارات في جميع جهات مصر فكانت تأتيه الأخبار في أقرب وقت. وكان أكبر همه السعي في إصلاح الزراعة التي هي مصدر ثروة البلاد فكان لا يغفل عن المستخدمين المكلفين بأعمال الترع
⦗ص: 652⦘
والجسور والقناطر ولا يهمل عقاب المهمل منهم والمسيء في عمله وسيرته حتى امتلأت قلوبهم بالرهبة منه والرغبة في القرب من مجلسه وبهذا هجموا على الأعمال هجوم من لا يحب الراحة ولا يميل إلى التمتع باللذات النفسية فانوا من الأعمال ما لا ينكره العدو فضلاً عن الحبيب. وحيث أن رجال الوقت الحاضر المتشيعين للدولة الأجنبية المحتلة يطنبون
في مصلحة الري ويعدونها من أحسن ما تمدح به وينسبون للعمال الأجانب من الأعمال ما يوهم عدم اقتدار المصريين على مثلها أو أنهم هم المؤسسون لهذه المصلحة المصرية والشبان الذين لم يقرأوا تاريخاً والشيوخ الذين لا يبحثون في أعمال الرجال طائرون حول أقوال المضلين متمدحون بالأجنبي الذي تطريه جرائد الأجراء لزمنا أن نوسع القول في هذه المصلحة فنقول. أول ما بداب به المصريون سد مقطع بوقير الذي قطعه الأجانب أيام محاربتهم في مصر ليفصلوا ثغر اسكندرية عن الديار المصرية حتى يكون ملجاء لهم وميناً لمراكبهم وقت الحرب فغرق بهذا القطع مئات من بلاد مديرية البحيرة وهلك بسببه خلق كثير وفسد به ألوف من الفدادين وتلك عادة الأمم الأجنبية في كل أرض دخلنها لا تبالي بإزهاق النفوس وتخريب البيوت وتدمير البلاد في طريق وصولها إلى مقصدها فهي ترى أن المقصد يبرر الوسيلة. فاشتغل الخديوي بهذا السد حتى اتقنه ودفع عن البلاد شراً كبيراً ثم انتقل إلى سد الفرعونية الذي خلصت به الدقهلية والغربية من التشريق فإن مياه بحر الشرق كانت تتحول إلى البحر الغربي بواسطة الفرعونية وكان هذا السد يساوي سد بوقير في الجسامة والعمل. ثم اعتنى بسد اشتوم الديبة واشتوم الجميل وغيرهما من الأشاتيم
⦗ص: 653⦘
التي كان يدخل منها ماء البحر الملح عند شدة الأنوا، فتزيد مياه بحيرة المنزلة وتملأ الأراضي المجاورة لها وبهذا الفيضان خربت قرى كثيرة من الدقهلية فلما اتم السدود وأمن الناس فيضان البحر املح على قراهم عادوا فسكنوها وعمرت البلاد. والعمل الذي يخرس كل متمشدق بأعمال الأجنبي الآن ويخلد للمرحوم محمد عل باشا ذكراً جميلاً ومجداً لا يجاريه فيه مجار أنشاؤه جسور النيل من شاطئيه ممتدة من أسوان إلى رشيد من البحر الغربي وإلى دمياط من البحر الشرقي وقد بلغ مكعب تلك الجسور أربعين مليوناً من المتر الكعب. وإنشاء الترع والجسور في داخلية المديريات البحرية والقبلية التي بلغ متوسط مكعباتها السنوية خمسين مليوناً من المتر المكعب وذلك غير تطهير الترع القديمة وردف جسورها وقد صرف رحمه الله تعالى في هذا العمل الشاق تسع عشرة سنة مبتدأة من سنة 1229 وكان يشتغل في هذه الأعمال ثلاثمائة ألف نفس. وكان الوجه البحري كالقبلي تنقسم أراضيه إلى حياض واسعة تحيط به جسور عظيمة فتمتلىء بماء النيل وقت فيضانه من ترع مخصوصة فإذا جاء وقت الزرع صرفوا المياه عنها بمصارف موصلة إلى البحيرات
فمديرية البحيرة كانت تصرف في بحيرة مريوط وبحيرة المعدية وبحيرة بوقير وبحيرة أدكو والغربية كانت تصرف في بحيرة البرلس والشرقية والدقهلية تصرفان في بحيرة المنزلة فكانت البلاد وقت الفيضان كأنها بحيرة واحدة وكان تزاور الناس وتجول التجار بالمراكب فاجتهد المرحوم في عمل ترع صيفية عند مااستحدث الزراعة الصيفية كالقطن والنيلج (النيلة) والأفيون سنة 1238 وكان قد أمر قبل ذلك بحفر البار وعمل السواقي ولما لم يجدها كافية حفر
⦗ص: 654⦘
الترع الصيفية وكان يحصل للعمال تعب شديد في تطهيرها لمصادفة زمن الشتاء وربما مات في التطهير خلق كثير ولكن ذلك لم يثن همة الخديوي عن الاستمرار والجد في هذا العمل العظيم المنفعة وقد بلغ مكعب هذه الترع مائة مليون من الأمتار المكعبة وعشرة ملايين. وبلغ عدد الترع الأمهات النيلية والصيفية في الوجه البحري مائتين وأربعة وعشرين ترعة يبلغ طولها أربعة آلاف وستمائة كيلو متر وقد شغلت هذه الترع نحو خمسة وأربعين ألف فدان ومكعب المجموع الصيفي والنيلي من هذه الترع ألف وثلثمائة وأربعة وأربعون مليوناً من الأمتار المكعبة. وهذا كله غير فروع هذه الترع وفروع الفروع والمساقي والترع الخصوصية وقد ضبطت فروع ترع مديرية البحيرة فوجدت ثلثمائة وثمانية فإذا قسنا عليها باقي المديريات البحرية قرب عددها من ألفين وسبعمائة ترعة غير المساقي الداخلة في زمام النواحي. هذا في الوجه البحري أما القبلي فقد بلغ عدد ترعه الأمهات المستعملة إلى الآن ستة وسبعين ترعة طولها ألفان ومائة واثنان وعشرون كيلو متر تشغل من الأرض نحو خمسة عشر ألف فدان ومكعبها ثلثمائة وثمانون مليوناً من الأمتار المكعبة. وعدد الجسور الكبيرة مائة وستة وعشون جسراً طولها ألفان وخمسة وأربعون كيلومتر ومكعبها مائة وستون مليوناً من الأمتار تشغل قدر أرض الترع تقريباً وهذه غير الجسور الصغيرة الكثيرة العدد. فإذا جمعنا أعمال الأقاليم وجدنا الترع الأمهات والجسور الأصلية تشغل نحو خمسة وسبعين ألف فدان فإذا أضفنا لهذا القدر الفروع والسكك بلغ المشغول من الأرض نحو مائة وسبعين ألف فدان وذلك قدر ثلثي ما يشغله النيل في مجراه أيام
⦗ص: 655⦘
الفيضان فإن المقدر له مائتان وثلاثة وعشرون ألف تقريباً. وإذا جعلنا هذه الترع والجسور خطاً واحداً بلغ طولها ثمانية آلاف وسبعمائة وسبعة وسبعين كيلومتر ومكعب ذلك نحو ألف وثمانمائة وأربعة وثمانين مليوناً من الأمتار المكعبة. فإذا
قانا بين الترع التي عملها محمد علي باشا وبين مجرى النيل من منبعه إلى مصبه وجدناها قدره مرة وثلثين تقريباً فإن طول النيل ألف ومائتان وخمسة وسبعون فرسخاً أي خمسة آلاف ومائة كليومتر. ثم اخذ يذاكر رجاله والوافدين عليه من أوربا في طريقة تزداد بها الزراعة الصيفية وتأمن ترعها من التلف فقيل له أن نابليون بونابرت لما دخل مصر لم ير لتحسين الزراعة أنفع من بناء قنطرتين أحداهما على بحر دمياط والثانية على بحر رشيد لحجر المياه زمن التحاريق وتوزيعها على أراضي الوجه البحري بحسب احتياج كل مديرية وعمل ثلاثة رياحات رياح لأراضي الشرقية والقليوبية والدقهلية ورياح للمنوفية والغربية ورياح للبحيرة ومدينة اسكندرية فأعجبه هذا الرأي واحضر لينان أفندي الفرنساوي الذي تسمى أخيراً بلينان باشا وكان على هندسة البلاد القبلية وأصدر أمره إلى سر عسكر باتخاذ الوسائط اللازمة لإنجاز هذا العمل سنة 1250 فعين مجلس من المهندسين والرجال النبهاء لانتخاب المحل وقرر رأي أغلبهم على عمل القناطر بعيداً عن النيل في رأس جزيرة البحرين وصدر الأمر بإحضار الفعلة وعين من كبار المأمورين من يباشرون وأحضرت المهمات من أحجار وأخشاب وحمرة وجير وآلات وبينماهم في العمل سعى بعض كبار الموظفين بلينان باشا عند الخديوي وعابوا عمله فبطل العمل ووزعت المهمات والأدوات على البلاد سنة 1255 وتعين لينان
⦗ص: 656⦘
باشا رئيساً على أقلام الهندسة في ديوان المدارس. ثم حضر بعد ذلك موزيل بك الفرنساوي لعمل حوض المراكب بليمان اسكندرية فذاكره المرحوم في عمل القناطر وأمره بعمل رسم لما يراه وبعد إتمامه الرسم أرسله به إلى مجلس الهندسة بفرانسا سنة 1256 وبعد إقرارهم عليه صار الشروع في العمل واستخدم فيه كثير من الأفرنج مع الوطنيين واستمر عشر سنين ثم انتقل الخديوي إلى دار البناء والرضوان سنة 1266 وكان قد تولى الخديوية ابراهيم باشا ثم عباس باشا الأول وكانت الخزانة المالية خالية من النقود فصرف موزيل بك عن العمل وأحيل إتمامه على مظهر باشا وقد بلغ مقدار ما صرف إلى سنة وفاته سبعة وأربعين مليوناً من الفرنك غير أهل البلاد الذين جمعوا لهذا العمل. وعندا حفروا أرضية الفرش لوضع الأساس وضعاً محكماً أدركهم النيل وهجمت عليهم المياه فأمر موزيل بك برمي الدبش في الفرش ولهذا السبب حدث خلل في الفرش بسبب مرور المياه من بين الدبش.
والذي حمل الخديوي على ذلك علمه أن فراعنة مصر ومن بعدهم من العجم والرومانيين والروم والعرب والجركس كانوا يوزعون أعمال الري على الأهالي فإنهم شركاء الحكومة في الفوائد ولا عبرة بتنديد بعض الأجانب على المرحوم في جمعه الأنفار إضافة للأعمال فإن ذلك تمويه على ضعفاء المصريين ولو كانت دولة أجنبية في محل محمد علي باشا وأيامه لصنعت جسور البحر وقواعد القاطر من الآدميين ولو كان عند محمد علي باشا من الثروة ما هو موجود الآن لأراح الأهالي وصاغ بوابات القناطر من الذهب ولا يليق بالأجنبي أن يفتخر على محمد علي باشا بترك
⦗ص: 657⦘
السخرة وقد صير المصريين أرقا. فإنما تلد النساء المصريات ليكبر الغلام ويستحق الفرز فتبيعه الحكومة لأبيه بخمسين جنيهاً أو مائة وهذا عمل من أعمال الذين أسسوا جمعية عتق الرفيق فكأنهم جعلوا لها فرعاً وهو استرقاق الأحرار ليكون العتق عاماً لجميع الأفريقيين وماذا عليهم وقد وجدوا آذاناً مصغية وطباعاً متحركة بريح الأوهام. وقد رتب المرحوم الهندسة تقرير المكعبات اللازمة كل سنة وما يلزم لها من العمال وما يخص كل جهة وتعيين الوقت المناسب. ثم انتخب جملة من شبان المصريين وأرسلهم إلى أوروبا لتعلم علم الزراعةت واحضر منها بعض مهرة علم الفلاحة وتربية الحيوان وأشجار الفاكهة وتنظيم البساتين وخصص للتجربة أرضاً بشبرى وأرضاً ينبروه وجعل مع الأوروبين جملة من شبان مصر ليتعلموا العلم والعمل واحضر الآلات المستعملة في أوروبا وكان كثيراً ما يزورهم ويحثهم على العمل والثبات فيه. ثم احضر جماعة من سورية لتربية دود القز وتعليم المصريين ثم أخذ في استحضار حبوب وأشجار لتعودها على أرض مصر وهوائها فإن البلاد كانت تزرع القمح والشعير والفول ولعدس والحمس والترمس والجلبان والعصفر وفي الصيف الذرة الشامي والبلدي وبعض النواحي كانت تزرع الأرز والكتان والقطن البلدي فلما أحضر القطن الهندي قلت زراعة البلدي حتى تلاشت.
ثم أخذت التجارة في الانتشار وحضر الكثير من الأوروبيين للاستيطان والتجارة مع المصريين وحصل ارتباط كلي بين الفريقين فوضع المرحوم قانون
⦗ص: 658⦘
التجارة وعين له مجلساً مركباً من وطنيين وأجانب لفصل قضايا التجار فكان أول مجلس مختلط بمصر ثم استخدم كثيراً من الأوربيين ما بين فرنساوي وطلياني وانكليزي في كثير من أعمال
المدارس والورش والمعامل والعسكرية لتعليم المصريين حتى تثقف كثير منهم واستغنى الحال عن معظم الأجانب إذ لم يبق منهم في عهده الأخير إلا نحو مائة من الأطباء والكيماوية والصيدلانية (الأجزائية) وعشرين في العسكرية وخمسة وعشرين من المعلمين في المدارس والزراعة وثلثمائة في الورش ثم نبغ كثير ممن الوطنيين فاستغنى الحال عن الأجانب إلا أفراداً لا يتجاوزون الخمسين. وكان أول ورشة أنشأها ورشة خميس العدس بجهة الخرنفش وكان المعلون فيها طليانية وكانت تصنع القطيفة والحرير ثم جعلت للأقمشة القطنية والكتانية. ثم ورشة بولاق المعروفة بمالطة وورشة السبتية وورشة ابراهيم أغا وهذه الثلاث كانت لعمل الأقمشة الرفيعة والغزل. ثم ورشة الغزل بقرب السيدة زينب رضى الله تعالى عنها وكانت محل بيت بهجت باشا الآن. ثم أنشأ قيعان الحرير بمصر فنسج فيها الشاهي والقطني والآلاجة والمشجر والأطلس وبلغ مقدار ما نسج من الحرير سنة 1249 أربعة ألاف أقة ثم أنشأ عشر ورش بالوجه البحري في قليوب وشيبين الكوم والمحلة الكبرى وزفتى وميت غمر والمنصورة ودمياط ودمنهور ورشيد وشربين وكلها للأقمشة ما عدا ورشة رشيد فكانت تصنع الغزل وقلوع المراكب. وأنشأ في الوجه القبلي ثمان ورش في بني سويف وأسيوط والمنية وفرشوط وطهطا وجرجا وقناوالواحات. وكان عدد دواليب الغزل 1459 دولاباً منها 45 للغزل الغليظ والباقي للرفيع وكان
⦗ص: 659⦘
مقدار الغزل الغليظ في اليوم من أيام الصيف 14500 رطل من القطن وفي أيام الشتاء 1015 رطلاً ومقدار الغزل الرفيع في اليوم الصيفي 13140 رطلاً وفي يوم الشتاء 8540 رطلاً. وكان عدد دواليب نسيج الأقمشة 1215 دولاباً تنسج في يوم الصيف 6075 ذراعاً بلدياً وفي يوم الشتاء 3645 وكنت تصنع هذه الورش العبك الأسمر والبغتة البيضاء والشاش الرفيع ويباع في مصر ويرسل منه إلى الشام وأيطاليا وألمانيا. وأنشأ ورشة الجوخ ببولاق واحضر لها معلمين من فرانسا فتخرج على أيديهم كثير من المصريين الذين استغنى بهم أخيراً ثم أرسل شباناً إلى ورش الجوخ بفرانسا فتعلموا هناك أيضاً وكان يبلغ تكاليف البسطاوية التي طولها سبعون ذراعاً بلدياً 572 قرشاً و 22 فضة فتكون قيمة الذراع ثمانية قروش وسبعة عشر فضة وكان يستعمله في لباس العساكر ولما رأى أن الصوف المصري لم ينجح في الجوخ جلب الصوف من تونس والشام ومقدونياً ولكنه رأى كثرة المصروف
في استحضاره فاستحضر غناماً من أوروبا تعرف بالميرنوس وجلب معها رعاة من الأفرنج وضم إليهم رعاة من العرب وجعلها أولاً في مديرية البحيرة وبعضها في الغربية وبعضها في المنصورة وفي سنة 1249 بلغ الموجود منها 7000 وكانت إدارتها تابعة للمدارس تحت ملاحظة الموسيوهامو الفرنساوي ناظر المدرسة البيطرية ولما فشا الموت فيها خلطها بأغنام مصرية ليحفظ الصوف بالتوليد من بعضها. ولما رخص بدخول تجارة أوروبا في البلاد ورأى الناس جودة مصنوعها وقلة ثمنه اعرضوا عن مصنوع البلاد ورغبوا في مصنوع الأجنبي فبطلت صناعة النسيج شيئاً فشيئاً ولكن بقي
⦗ص: 660⦘
الغزل مدة يحمل إلى إيطاليا وألمانيا وكانت تربح منه الحكومة مبالغ وافرة. وبمحافظته على الأمن وقطع دابر قطاع الطريق واللصوص دخلت تجارة سواحل البحر الأحمر إلى مصر وتوالى ورود القوافل منا لصحاري الأفريقية ودخلت تجارة البحر الأبيض المتوسط من بلاد الترك والأرمن وأوروبا حتى بلغ عدد الأجانب في مصر سنة 1256. 5000 رومي و 2000 طلياني و 700 فرنساوي و 1000 مالطي و 100 نمساوي و 20 موسكوبي و 20 إسباني و 100 انكليزي و 3000 شامي مسيحي و2000 أرمني وفي ذلك المستخدمون في الحكومة وكانوا في سنة 1237 ستة عشر بيتاً. وكان مجموع الإيراد سنة 1237، 1125000 جنيه مصري تقريباً ونما إلى أن صار في سنة 1249، 2525275 جنيهاً ومازال ينمو بزيادة التحسين في الإدارة والزراعة والتجارة حى بلغ نحو ثلاثة ملايين في عهد المرحوم سعيد باشا ثم بلغ 9389900 سنة 1294 في عهد الخديوي اسماعيل باشا. فهذه الأعمال هي أعمال محمد علي باشا أول قائم من العائلة الحاكمة الآن وما زاد عليها في أيام أبنائه إنما هو تتميم وتكيل وسنتكلم على العسكرية البرية والبحرية والمدارس والمالية والصحة ودواوين الحكومة المحتاجة لبيان ما كانت عليه من النظام وما اعتراها من الخلل في السنين الأخيرة وما نريد أن نذم الخواجة أو نقدح في المستر أو نعيب البارون أو نقبح عمل اللورد فإن ذلك بعيد عن مغزى المؤرخين الذين لا يهمهم إلا ذكر الأعمال ويتركون التحسين والتقبيح للقراء ولا يتعرضون للشخصيات والمطاعن الذاتية. وإذا قرأ أجير من الإجراء هذا الملخص الموجز رآه لجاماً في فمه فلا يعود لقوله
⦗ص: 661⦘
أن المصريين غير قادرين على الأعمال وأن مصراً ليست قابلة للصناعة والانكليز نقلت
البلاد من الهمجية إلى المدنية ومن الجهالة إلى العالمية. وجميع المصريين يعلمون أنه وأمثاله لا يسعون معهم إلا في طريق الغش والخداع وقد وضح الصبح لذي عينين فلا يطلب أثر بعد عين ولا تمام بحث الهندسة تذكر جملة من المهندسين الذين خدموا المصلحة وهياؤها لمهندسي الأجانب الذين جاؤا إلى ديوان الأشغال وهو هو ترتيباً وتنظيماً ولا يمكن حصر المهندسين الظاهرين في هذا الملخص وإنما تذكر البعض دليلاً على الكل فمن الذين تربوا في أوروبا مختار باشا الكبير وبهجت باشا وعلي باشا مبارك وعلى باشا ابراهيم واسماعيل باشا الفلكي ومحمود باشا الفلكي ومصطفى بك صادق وابراهيم أفندي رمضان وبيومي أفندي وأحمد أفندي دقلة وأحمد أفندي طايل ومن مهندسي السكة الحديد والتلغرافات أحمد باشا فائد وحسن بك نور الدين وسلامة بك البازوسليمان بك موسى وعباس أفندي حلمي ومن الذين تعلموا في مصر سلامة باشا ابراهيم واسماعيل باشا محمد وعلي باشا رضا وثقب باشا ومحمود باشا فهمي (منفي سيلان الآن) وعامر بك حمودة أحمد بك ناصر وأحمد بك جمعة وبليغ بك ولبيب بك وعامر بك عبد البر والسيد بك شكري ومحمود بك فهمي وصابر بك صبري ومحمد بك صدقي وأحمد بك ذهني وعبد القادر بك فهمي وأحمد بك كجوك وأحمد أفندي البقلي وأحمد بك شكري ويوسف بك الحكيم وعلي أفندي الدرندلي وحسن بك الشريف ومحمد بك طلعت وعلي بك النجار ومحمد بك زاهر وعلي بك برهان وحسين بك وصفي وحسن بك وصفي ومحمد بك أبو السعود ومحمود