الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العدد 37
- بتاريخ: 9 - 5 - 1893
التربية والتعليم
معلوم أن سعادة كل أمة موقوفة على تربيتها وانتشار العلوم فيها فإن الجهل يسوق أهله إلى الدمار والخراب وتواصل الفتن والحروب الداخلية والخارجية مع حيلولته بين أهله وبين ما يوصلهم إلى الظفر وبلوغ المقاصد بسبب فقد المعدات والآلات التي حرمهم منها وقد كانت الممالك قديماً محاطة بسور الجهل فكانت الحضارة فيها قليلة والرفاهية متعذرة والأمن معارضاً بالغارات والثورات الأهلية والخارجية الصناعة متأخرة تأخراً أوقفها عند الضروري الذي تلجئُ إليه شدة الحاجة. وللجهل تاريخ في كل أمة ومملكة يحفظه العقلاء ويعلمون مقدار ما جلبه من المصائب وما ترتب عليه من الخسائر. وقد أخذ الشرق دوره الأول ففي التربية والتعليم حتى أهّل غيره للأخذ عنه فكانت أوروبا أسرع في التقليد وأدق في
التعليم وآداب في طلب المعارف بترجمة الكتب العربية والتركية والفارسية كما ترجم العرب اليونانية واللاطينية والنبطية وغيرها من لغات الأمم السابقة في التقدم العلمي فانتهت أوروبا الآن إلى غاية لم يلها غيرها ووسعت دوائر التعليم وأكثرت مواد العلوم وآلاتها وانتهت إلى الاختراع حتى زينت العالم الأرضي بثمرات أتعابها من علم وصناعة وزراعة وعمارية وتجارة وآلات حربية وفنون سياسية وقوانين إدارية ولو قابلنا بين وقفتها الأولى وحركتها الجارية لرأينا فرقاً عظيماً وتقدماً غريباً أوصلها إليه التربية والتعليم. والنفس تشتاق لمعرفة الطرق التي بها تخلصت من أسر الجهل ووصلت بها إلى حرية العمل والقول ولا نجد من تواريخ التربية فيها إلا بعض كلمات يلتقطها الكتاب من لائحة أو واقعة تاريخية لا تفي بالمقصود فكانت النفس متطلعة لكتاب شامل لقوانين التربية والتعليم في كل مملكة أوروبية ليتمكن الإنسان من المقابلة بين الأمم وليستنتج ما عساه أن ينتفع به أهل بلاده حتى رأيت ما للعلامة الفاضل خادم وطنه الوزير الخطير علي باشا مبارك من تعريب وجمع ما فيه الكفاية في هذا الباب فإنه لم يضع وقته سدى بل قضى عمره المبارك إما مستخدماً فيشتغل بمصلحته وأما مشتغلاً بالكتابة النافعة أيام خلوه من الخدمة وهذه خصوصية لم يشاركه فيها إلا القليل من أمثاله وقد بين حالة كل دولة وما كانت عليه من الانحطاط أيام الجهل وما صارت إليه من العز والحضارة والقوة أيام تحليها بحلية المعارف ونحن نلخص ما كان خاصاً بالتربية والتعليم تبصرة وذكرى لأولى الألباب وتنشيطاً لهمم إخواننا الشرقيين وحثهم على المجاراة.