الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العدد 23
- بتاريخ: 24 - 1 - 1893
الحقوق المقدسة
الحقوق الملكية تنقسم قسمين خاصة وعامة فالخاصة هي الحقوق الواجبة للراعي بحسب مركزه واستحقاقه والواجبة له على رعيته. والواجبة له بحسب المركز والاستحقاق هي التي استحقها بطريق الفتح والاستقلال بذاته أقره الغير عليها أم لا بطريق الوراثة عن مؤسس مستقل منفرد بالسلطة أو عن مؤسس ممتاز تابع لمقرر له مؤيد لمركزه ومن هذا الأخير حقوق الحضرة الخديوية الفخيمة فإنها ثابتة له من طريق الوراثة عن أبيه وجده وجد جده مؤيدة بالفرمانات الشاهانية المميزة لحكومته باستقلاله بإدارة أحكامها من سائر وجوه الإدارة والحكم وقد كفلت الفرامين رعاية هذه الحقوق وتقديسها ونصت على استحقاق القائم من هذه العائلة الشريفة لتولي الإمارة المصرية وتخويله حق العزل والتنصيب والعفو والعقوبة ومبادلة المخابرات مع دول أوروبا في العزائم والرخص التي منحتها له تلك الفرامين. وما زالت هذه
الحقوق مقدسة اجمع دول أوربا على احترامها وكف يد كل متعرض لمسها بما لا حق له فيه حتى جاء الخديوي أفندينا عباس باشا حلمي وأرسل له سيدنا أمير المؤمنين الخليفة القائم بأمر المسلمين مولانا السلطان عبد الحميد خان أيده الله تعالى بنصره فرمان الخديوية العالي وأثبت له حقوقه التي كانت لأبيه وأجداده ولم يبخسهُ منها شيئاً حفظاً للعهد القديم المحاط باتفاق الدول على استمراره وتنفيذه فوجب على المصريين قاطبة الخضوع للمقام الخديوي والاعتراف بسيادته وسلطته عليهم بأمر أمير المؤمنين الذي رضيه لنا أميراً وسلمه أرواحنا وائتمنه على حياتنا وأعراضنا وأموالنا وأنابه عنه في مخابرات الدول وحفظ المعاهدات وإجراء النظام بحسب ما يدعو إليه الزمان والمكان وبهذا التحتم السلطاني صرنا نرى معاشر المسلمين طاعته فرضاً علينا ومخالفته عصياناً يغضب الله تعالى ورسوله ونرى أن إلحاق غيره به في السيادة أو السلطة أو الإدارة مخالفة لأمير المؤمنين الذي قصر الإمارة عليه وأوجب علينا الطاعة له خاصة ما نرى أن مستحل تشريك الغير معه في الأحكام نبذّا للفرمان السلطاني يكفر ويمرق من الدين الإسلامي باستحلاله أمراً حرّمه أمير المؤمنين وأجمع المسلمون على الأخذ به. فتوحيد الطاعة للخديوي نائب أمير المؤمنين هو لازم البيعة التي صارت في عنقنا بحيث لا يجوز لمسلم أو ذمي أن يعارض أمر الخليفة الأعظم بزيادة فيه أو نقص. وقد طبق الجناب الخديوي ما فوضه إليه السلطان من السلطة وما أوجبته عهود الوراثة من
الحقوق وما له على الرعية من حقوق الطاعة على ما يراه فوجد كثرة الأيدي العاملة معه ومخالفة بعض أمرائه لنصوص الفرمان واستخفافه بالأوامر الشاهانية فساءه
ذلك وأخذ يبحث فيما يوصله لحقوقه المقدسة سنة يفكر في الوسائل وينتظر الفرص حتى مرض صاحب العطوفة مصطفى فهمي باشا رئيس النظار المصريين فكلفه الاستعفاء بعد شكره على ما له من سوابق الخدمة فمال لمشاورة وكيل انكلترة بمصر وما كان ينبغي أن يوقف أمر سيده وأمير البلاد الشرعي على مشورة أجنبي لا تعلق له بما هو من خصائص الحضرة الخديوية ولهاذ أقاله الجناب الخديوي مصحباً أمر الإقالة بشكره على أعماله السابقة ثم قدمت له أسماء رجال مصريين بمعرفة وكيل انكلترة لينتخب منهم رئيساً للنظار فرأى أيده الله أن هذا التداخل سلب لحقوقه وتقييد لإطلاقه الذي قدسه الفرمان المؤيد باتفاق الدول عليه التي منها دولة بريطانيا فرفض ذلك واستقل بالانتخاب عملاً بحقه الشرعي واختار صاحب العطوفة والفضيلة حسين فخري باشا لرئاسة النظار وكلفه بتشكيل وزارة فعورض في ذلك وكثرة المخابرة بينه وبين وكيل انكلترة وخارجيتها ولم تر انكلترة بدّا من تسليم حقوقه إليه وعدم معارضته في أمر تساعده الدول على القيام به فأظهرت عداوتها الشخصية لعطوفة فخري باشا الذي ارتفع قدره بين قومه وظهر فضله بتألم دولة بريطانيا العظمى من قبضه على زمام الأحكام المصرية ولكون انكلترة لها مصالح بمصر كبقية الدول وبمنافرتها له لا يمكن التوفيق فيما يختص بها بينها وبين الحكومة المصرية قدم استعفاءه لسيده الخديوي الأفخم تقديماً لمصلحة وطنه على خصائصه الذاتية فقبله الجناب الخديوي ليدفع العلل التي توجب الخلل وفوض أمر الوزارة إلى صاحب الدولة والأبهة مصطفى رياض باشا فقبلها من أمير وقف يطالب بحقوقه بذاته الشريفة والقوة بيد من يعارضه
والإدارات محشوة بمن ينافره وهذه شجاعة ما اتفقت لغيره وثبات ما حكى عن ملك محاط بجنوده نائم بين حصونه وبهذا انحسم النزاع الحاصل في شأن الوزارة وتم مراد الخديوي ونفذت إرادته في كل ما أراده مستقلاً بفكره رافضاً لكل تداخل أجنبي كما هو مقام إمارته المحفوظ حقه فيه بتقليد سلطانه الأكبر مولانا أمير المؤمنين أيده الله تعالى. ولقد سرى خبر ثباته واسترجاع حقه المسلوب بنفسه في جميع الديار المصرية في أقرب وقت فهرع الناس إلى سراي عابدين العامرة يهنئون فخامته ويقدمون خالص عبوديتهم
وإخلاصهم لسيادته وهو يخطب فيهم وفداً بعد وفد بم أجراه وما لاقاه وما هو عازم عليه من عدم التنازل عن حق من حقوقه كيفما تقلبت الأحوال والناس في دهشة من همة هذا الأمير وحزمه وثبات عزيمته وحسن تصرفه في معضل ما سبقه سابق لحل مثله والمحافظة على الحقوق فيه ثم جاءت التلغرافات تتري مهنئة ومظهرة للانقياد والخضوع مستحسنة كل ما أجراه من تصرفاته الحقة. ولا يسمع دولة بريطانيا العظمى ألا الاعتراف بتقديس تلك الحقوق فإنها لم تدخل مصر فاتحة ولا مستعمرة ولا مشترية لها وإنما دخلتها باسم تأييد خديويها المضمونة حقوقه بالفرمان السلطاني وأقرت أمام دولة أوروبا أنها تحترم الفرمانات السلطانية والسيادة العثمانية ولا تتعرض لمس حق من الحقوق الخديوية فلا عجب إذا رأيناها أقرت مولانا الخديوي على أعماله ولم تتعرض لسلب حقوقه وقد تألمت الدول من ميل الوكيل البريطاني لمشاركة الخديوي في الرأي بادىء الأمر وعدت ذلك مساٌ للحقوق ونقضاً للعهود وهذا هو البرهان القوي على أن ما فعله الخديوي حق لا باطل فيه وأن تعرض الغير
سلب لتلك الحقوق بلا مسوغ. والآن تنتظر الأمة ما يحدث من انكلترا بعد ذلك فإن تركت الوزارة المصرية تدير أعمالها بحسب مقتضيات الأحوال المصرية وعلى ما يناسب أخلاق الأمة وعوائدها ومساعدتها على ذلك تحقق الكل صدق دعواها أنها دخلت مصر للإصلاح لا للاغتصاب والتغلب وأن أحدثت عراقيل وعقبات في طريق الأعمال المصرية نفر كل مصري وعلم أنها تريد استعباده واستخدامه في مصلحتها الذاتية وبهذا تفقد الثقة من باقي المصريين وتوجب تداخل غيرها من الدول في شأن كان لها فيه اليد الطولى والأمل في حزم مولانا الخديوي وحسن تبصر دولة رياض باشا أن تجري الأمور على السداد وتبقى المحبة متبادلة بيننا وبين رجال الانكليز الذين يسوءهم سماع صوت دولة أخرى في مصر ويسرهم ائتلافهم بالمصريين. ولا ننسى ما لحضرة اللورد كرومر من الحسنات في هذا الشأن فإنه اشتد في الأمر وصعبه وحتم على دولته تنفيذ آرائه فكرّر المخابرة في ذلك واستشاط غضباً وفعل ما لم يفعله وكيل قبله ولكنه لما رأى ثبات الخديوي الأفخم وشدّة محافظته على حقوقه ورفضه كل تداخل أجنبي في شأن بلاده تساهل وتنازل عن تلك الحدة وأقر النظارة الرياضية وهذا مما لا ننساه لحضرته ولا نقصر في شكره عليه ولقد بهره تجمع الأمة حول أميرها وامتلاء الديار فرحاً وسروراً بمحافظة
الخديوي على حقوقه واستقلاله بتعيين من يراهم أهلاً لأعمال بلاده ورفضه التعهد باستشارة انكلترة في شؤنه وعلم أن قلعة جيش الاحتلال بمصر ربي المصريين ونبههم على ماكانوا عنه غافلين فانبعث فيهم روح الوطنية على اختلاف أديانهم وأجناسهم ولاذوا بأميرهم شاكرين انكلترة على ما قدمته إليهم من دروس التهذيب
والتأديب حتى ترشحوا للنداء بالعصبية المصرية وتأهلوا للقيام بأعمال بلادهم ولله در هذا الأمير الذي قاوم بمفرده كل قوة تدفعه عن حقه ولكن تقديس حقوقه الشاهانية كف أيدي العدوان عنه لكونه لم يأت شيئاً فرياً ولا ارتكب أمراً إدّا ولا زاد عن قوله قرن حياتي بالمحافظة على حقوقي وأنها لأكبر كلمة حماسة سمعت من أمير مصري. وفي هذه النقطة يجب علينا معاشر المصريين أن نلزم الهدوء والسكون في حركتنا وأن نكف عن القيل والقال فربما عثرت الألسنة بما لا نحب أن نسمع من أفواهنا وأن يشتغل كل منا بعمله الخاص أن كان إدارة أو تجارة أو زراعة أو صناعة فإن أوروبا تتربص بنا الدوائر وأقرب الإنذارات إلينا منشور اللورد غرانفيل الذي قال فيه إذا آل أمر مصر إلى الفوضى تداخلت انكلترة وفرنسا بالقوة ومع وجود المرحوم الخديوي السابق في مركزه آمناً سائداً نافذ الأمر لعبت اليد الأجنبية بنا وأثارت الخواطر وكدرت جو السياسة فهاجر نزلاء بلادنا بإيهام أعوان مثيري الخواطر والفتن وتم من التداخل والحرب والاحتلال ما تم. وحالتنا اليوم غير حالتنا بالأمس فإننا بين يدي أمير لا يختلف في الانقياد إليه اثنان وكلٌّ معتصم بالتعويل عليه والانتماء إليه وليس بأيدينا غير عصيٍ نشتريها بقرش وقرشين وجيش الاحتلال في قلاعنا وحصوننا ورؤساء الجند المصري من الأجانب ومياهنا خالية من أساطيل تحميها ولا حاجة تدعونا للتظاهر العدواني بل لا موجب لشيء تتحرك له النفوس لكون حقوقنا مكفولة فلم يبق إلا أن نتخلى عن كل هرج ومرج ونوجه آمالنا إلى عناية أميرنا وهمة وزيرنا ولا نكثر من تأويل العبارات والتهويل في التعبير بما يهيج النفوس ويوغر الصدور لرجوع شأننا في كل ما يختص بنا وبأميرنا إلى