الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صاحب السماحة شيخ الجامع الأزهر الشريف وقد أجاد التلامذة وأحسنوا الإجابة بما دل على عناية ناظرها حضرة بلال آغا خليل وأساتذتها الأفاضل جعلها الله تعالى دار علم وحكمة وجزى منشئها أحسن الجزاء.
تهنئة
كانت ليلة الجمعة الماضية موسما جامعاً لذوات المصريين وأعيانهم حيث أقيمت أعلام الزينة ورصعت الطرق بالفوانيس وامتلأت ساحة بيت المرحوم سلطان باشا بالأنوار احتفالاً بزفاف كريمته لحضرة الوجيه الماجد ذي المرؤة والشهامة علي بك شعراوي وقد دعى إليه النظار الكرام وكثير من الأمراء والعلماء والأعيان والأجانب وأطرب المدعوين بصوته الرخيم كل من عبده أفندي الحمولي والشيخ يوسف المنيلي وكان السرور عاماً والأنس شاملاً لجميع داخل تلك الساحة وكل يدعو للعروسين بالائتلاف والوفاق ودوام الأنس والسرور.
رسالة الشيخ إبراهيم بصيلة
وردت لنا هذه الرسالة من حضرة الفاضل الشيخ إبراهيم بصيلة من أفاضل الأزهر الشريف فنشرناها لما فيها من الفوائد الجمعة قال حفظه الله
قال تعالى {ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتي المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتي الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون} المراد بهذه الآية مخاطية المؤمنين لما ظنوا أنهم قد نالوا البغية بالتوجيه إلى الكعبة فخوطبوا
بهذا الكلام وقال بعضهم خطاب للكل لأنه عند نسخ القبلة وتحويلها حصل من المؤمنين الاغتباط بهذه القبلة وحصل منهم التشديد في تلك القبلة حتى ظنوا أنه الغرض الأكبر في الدين فحثهم الله بهذا الخطاب على استيفاء جميع العبادات والطاعات فكأنه تعالى قال ليس البر المطلوب هو أمر القبلة بل البر المطلوب هذه الخصال التي عدها فالآية الكريمة حاوية لجميع الكمالات البشرية برمتها تصريحاً أو تلويحاً لما أنها منحصرة في خلال ثلاث صحة الاعتقاد وحسن المعاشرة مع العباد وتهذيب النفس وقد أشير إلى الأولى بالإيمان بما فصل وإلى الثانية بإيتاء المال وإلى الثالثة بإقامة الصلاة الخ ولذلك وصف الحائزون لها بالصدق نظراً إلى إيمانهم واعتقادهم وبالتقوى اعتباراً بمعاشرتهم مع الخلق ومعاملتهم مع الحق وإليه يشير قوله عليه الصلاة والسلام من عمل بهذه الآية فقد استكمل الإيمان فجعل الله سبحانه وتعالى ما كلف به الخلق ثلاثة أقسام قسماً أمرهم باعتقاد وقسماً أمرهم بفعله وقسماً أمرهم بالكف عنه ليكون اختلاف جهات التكليف أيقن على قبوله وأعون على فعله حكمة منه ولطفاً وجعل ما أمرهم باعتقاده قسمين قسماً إثباتاً وقسماً نفياً فأما الإثبات فإثبات توحيده وصفاته وإثبات بعثة رسله وتصديق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فيما جاء به وأما النفي فنفي النقائص والقبائح أجمع وجعل ما أمرهم بفعله ثلاثة أقسام قسما على أبدانهم كالصلاة والصيام وقسما في أموالهم كالزكاة والكفارة وقسما على أمواله وأبدانهم كالحج والجهاد ليسهل عليهم فعله ويخف عنهم أداؤُه نظراً منه تعالى لهم وتفضلاً منه عليهم وجعل ما أمرهم بالكف عنه ثلاثة أقسام قسماً لإحياء نفوسهم وصلاح أبدانهم كنهيه عن القتل وأكل الخبائث
والسموم وشرب الخمور المؤدية
على فساد العقل وزواله وقسماً لائتلافهم وإصلاح ذات بينهم كنهيه عن الغضب والغلبة والظلم والسرف المفضي إلى القطيعة والبغضاء وقسما ًلحفظ أنسابهم وتعظيم محارمهم كنهيه عن الزنا ونكاح ذوات المحارم فكانت نعمه فيما حظره علينا كنعمه فيما أباحه لنا وتفضله فيما كفّنا عنه كتفضله فيما أمرنا به فهل يجد العاقل في رويته مساغاً أن يقصر فيما أمر به وهو نعمة عليه أو يرى فسحة في ارتكاب ما نهي عنه وهو تفضل منه عليه وهل يكون من أنعم عليه بنعمة فأهملها مع شدة فاقته إلا مذموماً في العقل مع ما جاء فيه وعيد الشرع.
هذا وكان أول ما فرض بعد تصديق نبيه عبادات الأبدان وقدمها على ما يتعلق بالأموال لأن النفوس على الأموال أشح وبما يتعلق بالأبدان اسمح وذلك الصلاة والصيام فقدم الصلاة على الصيام لأن الصلاة أسهل فعلاً وأيسر عملاً وجعلها مشتملة على خضوع له وابتهال إليه فالخضوع له رهبة منه والابتهال إليه رغبة فيه ثم فرض الله الصيام وقدمه على زكاة الأموال لتعلقه بالأبدان وكان في إيجابه حث على رحمة الفقراء وإطعامهم وسد جوعاتهم لما عاينوه من سوء المجاعة في صومهم فقد قيل ليوسف عليه السلام أتجوع وأنت على خزائن الأرض فقال أخاف أن اشبع فأنسى الجائع.
ثم فرض زكاة الأموال فكان في إيجابها مواساة للفقراء ومعونة لذوي الحاجات تكفهم عن البغضاء وتبعثهم على التواصل لأن الأمل وصول والراجي هائب وإذا زال الأمل وانقطع الرجاء واشتدت الحاجة وقعت البغضاء واشتد الحسد فحدث التقاطع بين أرباب الأموال والفقراء هذا
مع ما في أداء الزكاة من تمرين النفس على السماحة المحمودة ومجانبة الشح المذموم.
ثم فرض الحج فكان أخر فروضه لأنه يجمع عملاً على بدن وحقاً في مال فجعل فرضه بعد استقرار فروض الأموال ليكون استئناسهم بكل واحد من النوعين ذريعة إلى تسهيل ما جمع بين النوعين فكان في إيجابه تذكير ليوم الحشر بمفارقة المال والأهل وخضوع العزيز والذليل في الوقوف بين يديه واجتماع المطيع والعاصي في الرهبة منه والرغبة إليه. فجميع ما ذكر مشتملة عليه الآية الكريمة تصريحاً أو تلويحاً هذا وجعل من البر الصبر على البأساء والضراء لأن الصبر على الملمات من حسن التوفيق وأمارات السعادة
انظر آية {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون} يعني اصبروا على ما افترض الله عليكم وصابروا عدوكم ورابطوا فيه تأويلان أحدهما على الجهاد والثاني على انتظار الصلوات فنزل الكتاب بتأكيد الصبر فيما أمر به وندب إليه وجعله من التقوى فيما افترضه وحث عليه وروى عن الصادق المصدوق أنه قال الصبر ستر من الكروب وعون على الخطوب وقال بعض الحكماء بمفتاح عزيمة الصبر تعالج مغاليق الأمور وللتنبيه على علو طبقات المذكورين باتصافهم بالنعوت المذكورة أشار لهم بإشارة البعيد فقال {أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون} أي صدقوا في الدين وإتباع الحق وتحري البر حيث لم تزلزلهم الأهوال فوصفهم بالصدق الذي هو أول سعادة للإنسان بشهادة {ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين} فعليكم معاشر العقلاء بما فيه صالح معاشكم ومعادكم باتباع الأوامر واجتناب النواهي ولا تتبعوا الهوى فيضلكم