الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العدد 16
- بتاريخ: 6 - 12 - 1892
إِنَّمَا يَقْبَلُ النَّصِيحَةَ مَنْ وُفِّق
أيها الشرقي ـ نمت حتى إذا سمعت الصيحة تنبهتَ ولكني اراك مذعوراً مدهوشاً وقد اختلفت كلمة الدعاة فاذنك ملأَ بعبارات متناقضة أفكار متضاربة وأنت متردد بين المنافقين وطبيعتك المائلة بك إلى مماثلة الأجناس علماً وشرفاً. لا تأُس فان معك من اخوانك الوفا من الأفاضل العقلاء والملآء الذين ينفقون أموالهم في سبيل الصلاح والإصلاح والبلغاء الذين اقاموا أنفسهم خدماً بين يديك ليرشدوك إلى سواء السبيل والاستاذ أضعف أخوانه الشرقيين وأحوجهم إلى الاستمداد من أفكارهم العالية احب أن يكون خلف الناصحين ليخدمك بقدر ما يمكن ويبين لك بعض ما اقتبسه من حكم اخوانه واكتشفه من خفايا وضعائك المصطنعين فاسمع وقيت الشر وكفيت السوء ـ أحسن ما اتخذته قاعدة تبني عليها تقدمك الهدوء والسكون والبعد عن أهل الفتن. وأفضل أساس تضعه لعمار بلادك تعاونك
باخيك على تمهيد طرق التقدم. اياك أن تظن ان التقدم موقوف على ثورة تريق فيها الدماء فإن من زين لك هذا العمل فقد أضلك وأسلمك إلى الغير. لا يتوقف التقدم إلا على قطع الأضغان وترك التنافر بالدنيئات وجمع الشتيت مما تفرق من الأجناس الشرقية ولا يكون ذلك إلا بالتربية على الآداب ومكارم الأخلاق. وليس القصد بهذا الجمع أن تثور في وجه الأجانب مزحزحاً لهم عن أوطانك بل القصد أن تشابه الأجنبي في سعيه العلمي والتجاري. ولا تنظر لسوء تأخرك فتيأس من الوصول إلى التقدم المطلوب واعمل من الأعمال ما يكون كالأساس لم يأتي بعدك فتكون كمن غرس لغيره فجنى والفضل للغارس. وإلا فإنك إن دخلت باب اليأس وأنت أنت فكراً ونظراً جاء من بعدك قانطاً مستسلماً لأهل التقدم استسلام ضعف وذلة. وإذا رأيت مصرياً أو سورياً أو تركياً أو هندياً أو فارسياً أو مغربياً يوقع النفرة بينك وبين جنس شرقي كأّن تكون مصرياً وترى شرقياً ينفرك من السوري أو التركي فاعلم أنه يشتغل لغيره ويريد ن يأكل خبزه مؤتدماً أن اهاجك للفتنة أو بثروتك إن اسلمك إلى الغير بشقاشقه. فلا تغرنك عبارته العربية ولهجته الشرقية فما هو إلا شرك نصب لتصاد به فاضرب بما يسميه نصحاً ووعظاً حائط الإهمال والإهدار واستمسك بمحبة أخيك السوري أو التركي أو الفارسي أو غيره فما ارجعك عن طريق التقدم إلا اغترارك بالمصطنعين وأقوالهم. وإذا كنت في مصر ورأيت من يميل لمس حق من حقوق اميرك الخديوي الأفخم ويوهمك أن صالحك موقوف على ذلك فارفض قوله
وحذر قومك منه فإنما
هو خادع غاشٌ بل عدو مبين واستمسك بحبل الانقياد إلى أميرك واملأ باطنك بحبه وأَخلص في خدمته فلا حياة لك إلا بحياة سلطته ولا شرف لك إلا بشرف وزرائه الحافظين لنظام حكومته. وإن رأيت تركياً يستهيج سورياً أو سورياً يحرك شامياً فابذل لهما النصح وذكرهما بحاجتنا إلى السكون وقطع عروق الفتن الداخلية وبعدنا عن كل ما يوجب تداخل الغير في شؤننا. وإيا أن يحملك الطيش على أن تسيء معاملة أجنبي استوطن بلادك أو اجتاز بها فتجلب الدمار عل بلادك بل عامل كل مستوطن في بلادك بالحسنى فإن أوروبا لا تلتمس من الأعذار عن تداخلها في الشرق إلا دعوى همجيتنا وعدم استعدادنا للقيام أمام بمواد العمران وضروريات المدينة فإن أسأت أجنبياً مستوطناً بلادك فقد قويت دعواها وساعدتها على فتح باب التداخل وإن رأيت من يطعن في سلطانك أو يستميلك إلى غيره من الشرقيين فاعلم أنه أجنبي وأن اتصل بك نسباً وقرابة. وما ضر الشرق وفرق جمعه وبدد مالكه إلا امثال هذا فاقرب من الأفعي ولا تقرب منه فإنه تاجر يتجر ببيع الأرواح بثوب ولقمة. ولا إزال أكرر عليك لزوم الهدو والسكون وحفظ حقوق الوطنيين والغرباء والأجانب واستعمال الرفق واللين مع الجد في إحياء العلم والصنعة وتقدم الزراعة في مثل مصر التي وقفت ثروتها على خدمة تربتها. واعلم أن أفاضل الشرق لبسوا قليلين حتى نستبعد الوصول إلى معارف أوروبا أو إلى مبادئها أن قصرنا ولكنهم يحتاجون لشد ازر بعضهم بعضاً في فتح محال التعليم وتكثيرها في المدن والقرى. فاجتهد في تعليم الأبناء ودع العلم يطالب بمجد الجنس وشرف الشرق فالبعثة العلمية خير من البعثة الحربية ولا شاهد