المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حرب الأقلام بجيوش الأوهام - مجلة الأستاذ

[عبد الله النديم]

فهرس الكتاب

- ‌العدد 1

- ‌الفاتحة

- ‌شكر النعم

- ‌مقدمة مدح ومعرفة جميل

- ‌العدد 2

- ‌الحياة الوطنية

- ‌شكر جميل وثناءٌ جليل

- ‌الآداب

- ‌الهلال

- ‌التقاريظ

- ‌تهنئة قدوم

- ‌نوادر

- ‌فكاهات

- ‌العدد 3

- ‌التماس عفو

- ‌الأخلاق والعادات

- ‌باب التهذيب

- ‌غبطة

- ‌التقليد ينقل طباع المقلد

- ‌زجل

- ‌المعلم حنفي ونديم

- ‌سؤال

- ‌همة تشكر

- ‌شرح قانون العقوبات

- ‌إصلاح

- ‌حسن عناية

- ‌العدد 4

- ‌الجامعة الوطنية والاختلاط العمراني

- ‌اعتذار

- ‌الاقتصاد الشرقي

- ‌باب الأدبيات

- ‌تهنئة قدوم

- ‌الجاه

- ‌سعيد وبخيته

- ‌مرويات

- ‌رثاء

- ‌البوسطة

- ‌المنحة الدهرية

- ‌العدد 5

- ‌المرافعة الوطنية

- ‌المعلم حنفي ونديم

- ‌سؤال

- ‌شكر وثناء

- ‌اعتذار

- ‌احتفال

- ‌العدد 6

- ‌دستور

- ‌قصيدة الشيخ أحمد محمد القوصي

- ‌زجل الشيخ عبد الجواد

- ‌حنيفة ولطيفة

- ‌باب الأدبيات

- ‌تهنئة

- ‌تقاريظ

- ‌التماس

- ‌العدد 7

- ‌الراوي

- ‌أبو دعموم والشيخ مرعي

- ‌لطيفة ودميانه

- ‌بضاعتنا ردت إلينا

- ‌تابع الجواب عن الرجل والمرأة

- ‌قل موتوا بغيظكم

- ‌اعتراض مغفل

- ‌المولد النبوي الشريف

- ‌رثاء وعزاء

- ‌العدد 8

- ‌اللغة والإنشاء

- ‌المرافعة الوطنية

- ‌بشارة نجاح

- ‌تهنئة قدوم

- ‌حكمت

- ‌رثاء وعزاء

- ‌تصحيح

- ‌العدد 9

- ‌المرافعة الوطنية

- ‌تربية الأبناء

- ‌الجرايد

- ‌زبيدة ونبويه

- ‌خير أعياد مصر

- ‌تكذيب قرية

- ‌وداع ونرجو أن يكون ودادا

- ‌كتاب التحفة الوفائية

- ‌أمل

- ‌تقاريظ

- ‌رثاء وعزاء

- ‌العدد 10

- ‌وظائف العلماء في العالم

- ‌الطبقات الاجتماعية

- ‌عقد اتفاق

- ‌عرض حال نساء السكارى لأزواجهن

- ‌الرشاد والنصوح

- ‌رثاء وعزاء

- ‌رد شبهة

- ‌باب الأدبيات

- ‌إعلان

- ‌سرد الحجة على أهل الغفلة

- ‌العدد 11

- ‌رأي جمهور من الأفاضل

- ‌مدرسة البنات

- ‌إعلان

- ‌زجل بقلم الفاضل النحرير محمد حامد أفندي

- ‌باب الأدبيات

- ‌رثاء

- ‌سؤال عن خنثى

- ‌إعلان

- ‌قاموس عربي وفرنساوي

- ‌قلادة العقيق لجيد الغرامطيق

- ‌العدد 12

- ‌وظائف العلماء في العالم

- ‌حنيفه ولطيفة

- ‌باب الأدبيات

- ‌تهنئة

- ‌رسالة

- ‌قصيدة لمصطفى أفندي حسن

- ‌رسالة

- ‌المعلم حنفي ونديم

- ‌جواب على سؤال الخنثى

- ‌اعتذار

- ‌ثناء وتهنئة

- ‌رثاء

- ‌العدد 13

- ‌طريق الوصول إلى الرأي العام

- ‌مدرسة البنين

- ‌مدرسة البنات

- ‌المقامة الخيلية

- ‌ الأستاذ

- ‌محاسن العرب

- ‌تهاني

- ‌سؤال

- ‌سؤال

- ‌رثاء

- ‌رثاء وعزاء

- ‌العدد 14

- ‌زيادة الحضرة الخديوية للمدارس المصرية

- ‌باب الإنشاء والمآثر

- ‌عمارة والزناتي

- ‌جمعية الكمال بأسيوط

- ‌تقاريظ

- ‌جواب الشيخ عبد الفتاح الجمل عن سؤال القاضي

- ‌عمر

- ‌العدد 15

- ‌بمَ تقدموا وتأَخرنا والخلق واحد

- ‌مدرسة البنين

- ‌مدرسة البنات

- ‌الللآلي السنية في الأصول الحسابية

- ‌العدد 16

- ‌إِنَّمَا يَقْبَلُ النَّصِيحَةَ مَنْ وُفِّق

- ‌مدرسة البنين

- ‌مدرسة البنات

- ‌رسالة من الشيخ علي محمد سالم

- ‌إن في ذلك لعبرة

- ‌جمعية العروة الوثقى باسكندرية

- ‌المروءة

- ‌باب الأدبيات

- ‌تقاريظ

- ‌العدد 17

- ‌لِمَ اخْتَلَفَتْ كَلِمَتُنا إذَا اتَّحَدَتْ وِجهْتَنَا

- ‌مدرسة البنين

- ‌مدرسة البنات

- ‌باب الأدبيات

- ‌زيارة

- ‌تقاريظ

- ‌تنزير الأذهان

- ‌ورشة بولاق

- ‌أفراح جليلة

- ‌العدد 18

- ‌أَتَتَقَلَّب الأُمم بتَقَلُّب الأَحوال ونحنُ نحنُ

- ‌العالم سيديو الفرنساوي الشهير

- ‌الأفراح الرياضية

- ‌المولد الحسيني

- ‌العدد 19

- ‌عيد ميلاد الحضرة الخديوية الفخيمة

- ‌الأفراح الرياضية

- ‌الآداب العامة

- ‌إن المساجد لله

- ‌لا أكراه في الدين

- ‌المعلم حنفي والسيد عفيفي

- ‌باب الأدبيات

- ‌تقريظ

- ‌رجاء وإرجاء

- ‌رثاء

- ‌خطبة ابن السماك

- ‌هداية السائل إلى إنشاء الرسائل

- ‌عجب وعجاب

- ‌العدد 20

- ‌أشتات الشرق وعصبيات أوروبا

- ‌باب اللغة

- ‌إحصاء الجرائد

- ‌مدرسة النبل الخيرية

- ‌منتمى الحرية

- ‌شكر عناية

- ‌فرصة الأوقات

- ‌إجابة طلب

- ‌العدد 21

- ‌عيد الجلوس الخديوي

- ‌رسالة من الشيخ علي سالم

- ‌رسالة مغربية

- ‌استلفات أنظار

- ‌تقاريظ

- ‌فريق التمثيل العربي

- ‌جريدة الأزهر

- ‌تهيئة بشفاء

- ‌نعمة تذكر لتشكر

- ‌تنبيه

- ‌السلسلة الدرية في الفكاهات التاريخية

- ‌رسالة من إبراهيم أفندي الأنجباوي

- ‌العدد 22

- ‌لو كنتم مثلنا لفعلتم فعلنا

- ‌الأستاذ والمقطم

- ‌الوزارة الجديدة

- ‌تبرع بجريدة

- ‌نتيجة التعليم الأجنبي

- ‌شكر وعناية

- ‌تنبيه

- ‌العدد 23

- ‌الحقوق المقدسة

- ‌نصيحة مخلص في خدمة وطنه وأخوانه

- ‌عناية سلطانية

- ‌قصيدة مديح في الخديوي

- ‌تاريخ البشري البهية بعود الوزارة الرياضية

- ‌جمعية العروة الوثقى

- ‌العدد 24

- ‌لا دليل على دعوى تهديد الأمن العام

- ‌اغرب ما رؤي في مصر

- ‌محل نظر

- ‌سؤال

- ‌سؤال

- ‌عدل الانكليز وأحكامهم

- ‌قصائد خديوية

- ‌شكر تفضل

- ‌أفراح سعادة سالم باشا

- ‌العدد 25

- ‌مستقبل مصر

- ‌القصائد العباسية الخديوية

- ‌نصيحة

- ‌إمعان النظر في محل نظر

- ‌المساواة بين البنين

- ‌أعياد الصعيد ـ بالسفر السعيد

- ‌غبطة بطريرك الإقباط

- ‌المهندس

- ‌باب الرثاء

- ‌أمل

- ‌رجاء

- ‌العدد 26

- ‌العلماء والتعليم

- ‌تهنئة قدوم

- ‌أدبيات

- ‌العدد 27

- ‌الزراعة في مصر

- ‌رسالة في ذم الفاحشة والعزوبة

- ‌المحافظة على الصحة واجبة

- ‌قصائد خديوية

- ‌ديوان الأوقاف

- ‌بلوغ المرام في جراحة الأقسام

- ‌سؤال وجواب

- ‌رجوع إلى حق

- ‌حنيفة ونديم

- ‌الهدى. والمدرسة. والثمرة

- ‌اعتذار

- ‌رجاء

- ‌العدد 28

- ‌حالنا أمس واليوم

- ‌حنفي ونديم

- ‌تهنئة قدوم

- ‌تقريظ

- ‌العدد 29

- ‌مجتمع اللغة العربية بمصر

- ‌متى يستقيم الظل والعود أعوج

- ‌باب الأدبيات

- ‌هذه يدي في يد مَنْ أضعها

- ‌مقالة الشيخ محمد سلامه

- ‌شكر عناية

- ‌تنبيه

- ‌اعتذار

- ‌الشرائع

- ‌بشرى

- ‌العدد 30

- ‌تجاذب الجنسيات والأديان

- ‌رسالة

- ‌مسجد ليفربول

- ‌شكر وثناء وتهنئة

- ‌رواية سمير الأمير

- ‌تقرير جمعية العروة الوثقى

- ‌العدد 31

- ‌المعارف بمصر

- ‌رمضان المبارك

- ‌تهنئة

- ‌رسالة الشيخ إبراهيم بصيلة

- ‌المسلمون والأقباط

- ‌أسف ورجاء

- ‌استلفات

- ‌العدد 32

- ‌حافظ ونجيب

- ‌الخلاصة الوجيزه ودليل المتفرج على متحف الجيزة

- ‌تنبيه

- ‌تنبيه آخر

- ‌جمعيتا المسامرة والفتوح الخيرية

- ‌الجزآن الرابع والخامس من كتاب الانتصار لواسطة

- ‌عقد الأمصار

- ‌العدد 33

- ‌بمن أقتدي إذا اختلفت الآراء

- ‌الحرب أخت الإنسان

- ‌التشخيص العربي

- ‌الجوهر النفيس على صلوات ابن أدريس

- ‌مرآة التأمل في الأمور

- ‌التقدم المصري

- ‌العدد 34

- ‌العيد السعيد

- ‌العَدْوَى الأوروبية للبلاد الشرقية

- ‌تهنئة

- ‌الطرق وما فيها من البدع

- ‌الاتجاه إلى الأستاذ

- ‌حرب الأقلام بجيوش الأوهام

- ‌تهنئة قدوم

- ‌الزيارة العيدية

- ‌(المربي)

- ‌هناء المحبين

- ‌نهاية الأوطار في عجائب الأقطار

- ‌رثاء عظيم

- ‌العدد 35

- ‌تشرف أهل القطر برؤية أميرهم في عيد الفطر

- ‌قلائد التهاني

- ‌هذا عندكم فما مقابله عندنا

- ‌الطرق وإصلاحها

- ‌التهاني الخديوية

- ‌المكرر أحلى

- ‌يا بني الإنسان أدركوا إخوانكم

- ‌رثاء

- ‌رثاء فاضل

- ‌تعيين

- ‌العدد 36

- ‌تشريف الجناب العالي مدينة إسكندرية

- ‌الصنائع والصنّاع

- ‌النشأة المصرية

- ‌النصيحة العامة بأوجز مقالة في النهي عن البطالة

- ‌والجهاله

- ‌محاسن أمير المؤمنين أيده الله

- ‌تهاني

- ‌رياض التوفيق

- ‌طب الركه

- ‌البصبرة والرأي العام

- ‌تهنئة بنجاح

- ‌أعجب ما كان في الرق عند الرومان

- ‌العدد 37

- ‌التربية والتعليم

- ‌مملكة بروسيا

- ‌أسباب الحرب

- ‌صبر جميل

- ‌الكسوة الشريفة

- ‌مصنوع البلاد

- ‌رجاء

- ‌المسويو بطرون

- ‌فاجعه

- ‌العدد 38

- ‌دفع اعتراض البشر عن اعتقاد القضاء والقدر

- ‌سؤال

- ‌الأزهر الشريف بمصر وجامع الزيتونة بتونس

- ‌العدد 39

- ‌الأعداء

- ‌الحكاكه في الركاكة

- ‌جريدة بروج

- ‌الغرب الأقصى

- ‌الكرباج والعفريت

- ‌تهنئة

- ‌كتاب طب الركه

- ‌العدد 40

- ‌حفظ الصحة

- ‌رسالة

- ‌تابع التربية والتعليم

- ‌ورشة حسبو أفندي محمد بإسكندرية

- ‌تهنئة

- ‌القول المفيد في آثار الصعيد

- ‌المنتقد

- ‌الكمال

- ‌ثناء

- ‌بروجر

- ‌المقطم

- ‌وكيل تحصيل

- ‌رثاء

- ‌هدية

- ‌العدد 41

- ‌محمدةٌ عُدت مذمة

- ‌تابع حفظ الصحة

- ‌باب الأدبيات

- ‌منقبة

- ‌من أحد السوريين

- ‌لا حر في الدنيا بل الكل رقيق

- ‌سؤال

- ‌العدد 42

- ‌مذهب النباتيين

- ‌إعلان

- ‌تابع حفظ الصحة

- ‌تحية وسلام

الفصل: ‌حرب الأقلام بجيوش الأوهام

للجهل فقال له الحمل إنما أتكلم بالواقع المشاهد فقال الذئب لا ينبغي أن تسفه قولاً قلته وما عليك إلاّ أن تسمع وتطيع فمشى الحمل وهو يقول قاتل الله القوة ما أشد ولوعها يسلب حقوق الضعفاء.

‌حرب الأقلام بجيوش الأوهام

معلوم أن الحرب المتداولة في العالم داعيتها نشر دين أو حب استبداد على الغير وقد تنوعت صور الحروب لإعدام الإنسان بقدر ما توصل إليه قوة الاختراع وما عند المعتدي من حب الأثرة والانفراد بالسلطة فكانت الحروب الأولى مضاربة بالعصيّ ثم مراشقة بالنبال ثم مطاعنة بالرماح ثم مجالدة بالسيوف ثم انتهت إلى المراماة بالبنادق والمقاذفة بالمدافع وكل نوع أخذ لُه دوراً وأعدم خلائق لا يحصون كثرة وترك لهُ في النفوس أقبح وقع وقد اخترعت الدول الآن نوعاً أخف كلفة وأكبر تأثيراً وهو الإيهام المحير للأفكار الموقع في الارتباك والاضطراب فأخذت كل دولة تزيد في جنودها وتعبئُ الجيوش وتحشدها في حدودها وتصدر الأوامر بعمل الاستحكامات وبناء السفن وتكثير الآلات وإعداد المهمات ولا حديث لكل دولة بين وزرائها ونوابها إلا الاستعداد للحرب حتى إن من نظر إلى الأهبة التي عليها أوروبا الآن وصوّر أنها أثارت الحرب يوماً ما أيقن أن نصف العالم على وشك العدم ومعظم العواصم عرضة للدمار والخراب. ومعلوم أن كل دولة مطالبة بحق وأخذ ثار أو متوقعة هجوم جارتها عليها فالخوف واقع في كل أمة من سكان الأرض وليس هناك أمة تبيت تحت سماء الأمن حتى همج أواسط أفريقية فإنهم وصلتهم عدوى أوروبا

ص: 793

وامتدت إليهم الإطماع فأصبحوا بين مخلب المنون بدعوى توسيع الاستعمار وتعميم المدنية وقطع عروق الجهالة والخشونة من العالم وهي علل باطلة ودعاوٍ كاذبة يبعث على افترائها حب الاستبداد من أمم تدعي الحرية وهم لم يشموا لها رائحة إلى الآن. وبهذا الاهتمام بشأن الجند والأساطيل والحصون أصبح الكون يموج في بعض حدساً وتخميناً. ثم برز فرسان الأقلام في ميدان الإرهاب والتحذير والإيهام والتخويف والإنذار والوعيد فشغلوا الأفكار وتركوا الناس في حكم الفوضى يتجارون على مكاتب الجرائد والتلغرافات يتساءلون عن الأخبار اليومية والأقوال الوهمية وقد ارتجفت قلوبهم وبلغت الرهبة منهم مبلغ تصديق تلك الأيهامات فخافوا من تهديد هذا الوكيل ووعيد ناظر خارجية كذا وإنذار دولة كذا وزيادة الجند بين أمة كذا كأن تلك الأمور حقيقية محققة الوقوع وما هي إلا حروب وهمية التزمتها الدول تخفيفاً لمصرف الحروف وحقنا للدماء. فإن كل عقل يعلم أن الدول موزعة المطامع في العالم وكل دولة ترى أنها أحق بإقليم كذا لكونه طريقها إلى أملاكها والأخرى تقول بل أنا أحق به لكونه مجاوراً الأملاكي وفيه مصالحي وهذه تقول أن

هذا إقليمي وملكي الشرعي يشهد بذلك فلان وفلان وبهذا التخالف لا يمكن لأمة أن تسطو على أمة ولها رقيب يعارضها أو مثيل يدافعها إلا إذا اجتمع الدول على قسمة الكرة قسمة إفراز وانعقد إجماعهم على تعيين النقط وتحديد الحدود فإن المطامع تنقطع عند ذلك وتمتنع المعارضات خشية أن ينقض الجميع على المعارضة بحكم الاتفاق وهذه نقطة يعز الوصول إليها فإن كل دولة تمني نفسها بأنها ستكون مالكة لدنيا يوماً ما وما دامت هذه الأفكار جائلة في رؤوس رجالها أنه يستحيل الوصول

ص: 794

إلى مجمع الإجماع الآن إلاّ أن بقاء الدول على ماهي عليه من تكثير الجند وأعداد العدد مما يقطع العقل باستحالته لتحملها في سبيل تأييده وبقائه ما يعود على ما ليتها بالإفلاس وعلى رجالها بالملل والسآمة فلابد وأن يأتي يوم فيه تخفف الدول أثقالها وتطرح عن عواتقها أحمالاً أضعفتها ولا تصل لذلك إلا باتفاق على سلم محدودة وهذا موهوم أو حرب اشتراكية وهذه هي مرجع الأفكار غير أن العلة لم تزل في غموض ومعظم العالم يظنها القطعة المباركة الواقفة في باب إفريقية التي لا تحمل سلاحاً ولا تريد قتالاً وهي التي حركت العالم للمحالفات والمعاهدات بإصبع من يريد أن يعبث بالدول ليتناول طاووس الشرق بيد الصيد والقنص وقد اتخذ له كتاباً ينازلون الضعفاء بأقوال الإيهام والوعيد ليمكنوا الرهبة من قلوب من قصدوا استعبادهم وإذلالهم ظانين إن كل ما تصوروه يقع في قلوب الناس وهو وهم دعا إليه الجهل بحقائق العالم والاغترار بأغرار يقفون بأبوابهم لا يدرون لأية علة وقفوا ولا يعاب على طاووس الشرق وجود أفراد أوقعتهم الجهالة في حبالة الأوهام فظنوا خلف السراب ماء وغابوا عن الحقوق المقدسة المكفولة بضمانة الدول ولئن سكتت الدول ساعة فستقول أعواماً ولئن سكنت أعواماً فستتحرك أياماً فليبرق كتاب الأوهام ويرعدوا حتى تنكشف الحقائق وترفع ستارة الأوهام عن نار مؤصدة أو سلم دائمة قاعدتها رد الحقوق لأهلها ووقوف كل دولة عند حدودها التي عينتها لها المعاهدات. وبهذا نرى أن السكون أحسن ما تحلى به الشرقيون الآن طارحين إيهام المهددين خلف ظهورهم ضاربين بأقوال المنذرين حائط الإهدار منصرفين عن هذه الترهات إلى ما يهمهم من

ص: 795

التعلق بملوكهم وأمرائهم والتوصل إلى حفظ الحقوق برعاية جانب الدول والمحافظة على الأمن العام وقيام كل عامل بعمله على قانون العدل وطريق الاستقامة ليحق الله الحق ويبطل ولو كره المجرمون. وليعلموا أن مصيبتهم

بهذه المبارزات قبضت نفوس إخوانهم في جميع الأقطار فعادوا للتساؤُل فيما كانوا يسمعونه عن مهدديهم من أنهم محبون للأمة الشرقية مدافعون عنها لا يتعرضون لإضرارها ولا لسلب سلطتها من سلطنها وأمرائها وقد تبين لهم أن تلك الكلمات كانت بروقاً خلبية وحيلاً سيماوية استمالوا بها النفوس وجذبوا القلوب حتى وقع في حبالهم من وقع وقد انكشف الغطاء ووضح الصبح لذي عينين وأيقن الكل أن القصد الاستعباد بسوط الاستبداد. وحركات النفوس لا تزال تختلج في الصدور والقوّة تمانعها والعوارض تدفعها حتى تخرج من مقارّها إلى ساحة حياة أو موت والكون شاهد عدل على تربية أمم كثيرة تحت أحضان أمم أُخرى وعودتها لعز الاستقلال والتخلص من قيد الاستعباد. ومن هذا نعلم أن ضغط أوروبا على أفكار الشرقيين ومسارعة ملوكها للتغلب على أقطارهم هو عين الحياة للشرق وأهله وباعث المحافظة على الحقوق والمطالبة بها عند تمكنهم من فرصة الظفر فإن أعمال أوروبا في الشرق ما هي إلا دروس تعطى لأهله وتمرين على الأعمال الجديدة وأعداد لقوى يكونها الاحتكاك في الأفكار والتربية تحت الأحضان. ولو لم تتداخل أوروبا في الشؤُون الشرقية بالتجول في هذه الأقطار والتغلب على بعضها ونقل التجارة إليها ونشر جرائدها بين قوم ما كانوا يعلمون شيئاً من أحوال أوروبا لبقي الشرق على اغتراره بكلام أهل الأطماع وظنه الصدق في أخبار محبي الاستعباد وتوهمه الحق في

ص: 796

فعل ملوك الاستبداد وما كشف لأهل الشرق حقائق الأوهام إلا تلك المخالطة المباركة التي استفاد بها الأوروبيون مالاً واستفاد الشرقيون منها علوماً ولئن تجزأت أقطارهم ووقع الكثير منها تحت سوط استعباد أوروبا ولم يبق إلا رأس الجسم الشرقي وقلب حياته فلسوف ترينا الأيام من تدافع القوى الفكرية في جميع الأمم الشرقية ما يحملها على التخلص من ذلك الاستعباد بضغط المستعبد وسلبه حقوقهم وإكراههم على التخلي عما ألفوه واعتقدوه فإن الشرقيين ليسوا نوعاً غير نوع الإنسان حتى يحكم عليهم بعدم مجاراة الأمم التي خضعت لغيرها بحكم الضعف والجهل حتى تربت وقويت مادتها العلمية فحملتها على الرجوع إلى ما كان عليه السابقون من سكان أرض هم أحق بها وأهلها. وكأني بجاهل بحقائق الأمم وكيفية تكوين الدول بالتربية والاختلاط يعترض على هذا الكلام بل يسخر منه اغتراراً بقوّة من اشتروه بثمن نعل فنكل أمره إلى المستقبل حتى تناديه أمم الشرق قائلة أن تسخروا

منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون فسوف تعلمون. ولا يظن جاهل أن تلك الحركات الشرقية ثورة عدوانية أو اضطراب فوضوي فإنما هي قوّة فكرية تمكنها منها حركات أوروبا بين دافع ومدفوع فيخلوا الجو لأمم الشرق تحت مراقبة الغرب يوم يساوي الشرقي الغربي في التصرُّف في الأمور بالحذق والدهاء والصبر على الشدائد ولئن استبعدنا حصول ذلك في قرن نحن في أوله كما يزعم المموهون فإننا لا نستبعد حصول ذلك في قرن نحن في أوله كما يزعم الموهون فإننا لا نستبعد أن تلد الأيام من حوادث أوروبا ما يمتعنا بنوال تلك الأمنية عن قريب فكم في بطون الليالي من بواعث لم تستعد لها أوروبا الآن وما دامت الأطماع تزيد والأفكار تتوارد على الأمم رغبة ورهبة فالسكون يكون نسبياُ

ص: 797

مؤقتاً بين الملوك وما علينا إلا أن نقعد على بساط الأمن متفرجين على العالم حتى تنتهي الدول إلى مضمار الانبعاثات العدوانية وهناك نرى السابق من اللاحق ونتحقق من إحراز الرهان. وقعودنا بهذه الصورة يقضي بعدم ارتجافنا من الوعيد الوهمي وخوفنا من التهديد الخيالي ولإعراض عمن يغمسون أقلامهم في نعمة الشرقيين ليكتبوا بها معايب لمن أغنوهم ويجلبوا بها مصائب على من آووهم فما يضرك إلا رجل يدعي أنه أخوك ويزعم أنه شريك لك في الحقوق يناديك بلهجتك ليخرجك من بيتك ويسلمك إلى النخاسين الذين طافوا الأرض لاسترقاق الأحرار. فلو ترك الشرقيون والأوربيين لتمتع الفريقان بثمرة المخالطة وتمكنت مهما دواعي المحبة وتأكدت روابط الألفة بالاشتراك في المعاملة والمساكنة وما أوغر الصدور وأفسد النيات إلا هؤلاء الكتاب الذين قبحوا الشرقي للغربي وافتروا عليه الأكاذيب وملأُوا بها جرائدهم وكتبهم ونشروها بين العالمين الشرقي والغربي فظن الغربي أن الشرقي بهيم لا يصلح للملك ولا يليق إلا للاستعباد والقهر وظن الشرقي أن الغربي عدوه إلا لد الساعي في سلب سلطته ونهب ثروته وإعدام دينه واستعباد إخوانه فوقعت النفرة بهذه المفتريات وما زاد النار احتداماً إلاّ بعض الشرقيين الذين استخدمهم الغربيون بأجرة لا تزيد عن ثمن نعل فأخذوا يبارزون من كانوا إخوانهم قبل أن يبيعوا أنفسهم ويوهمونهم بكلمات لا طائل تحتها فكانوا أشد على الشرقيين من الغربيين فهم الأعداء إلا لداء والخوّنة العادون فيجب على كل شرقي أن يحذر من فتنهم وينتبه لدسائسهم ويفتش كلامهم ليستخرج منه ما شابوه به من دعوى

ص: 798