الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للجهل فقال له الحمل إنما أتكلم بالواقع المشاهد فقال الذئب لا ينبغي أن تسفه قولاً قلته وما عليك إلاّ أن تسمع وتطيع فمشى الحمل وهو يقول قاتل الله القوة ما أشد ولوعها يسلب حقوق الضعفاء.
حرب الأقلام بجيوش الأوهام
معلوم أن الحرب المتداولة في العالم داعيتها نشر دين أو حب استبداد على الغير وقد تنوعت صور الحروب لإعدام الإنسان بقدر ما توصل إليه قوة الاختراع وما عند المعتدي من حب الأثرة والانفراد بالسلطة فكانت الحروب الأولى مضاربة بالعصيّ ثم مراشقة بالنبال ثم مطاعنة بالرماح ثم مجالدة بالسيوف ثم انتهت إلى المراماة بالبنادق والمقاذفة بالمدافع وكل نوع أخذ لُه دوراً وأعدم خلائق لا يحصون كثرة وترك لهُ في النفوس أقبح وقع وقد اخترعت الدول الآن نوعاً أخف كلفة وأكبر تأثيراً وهو الإيهام المحير للأفكار الموقع في الارتباك والاضطراب فأخذت كل دولة تزيد في جنودها وتعبئُ الجيوش وتحشدها في حدودها وتصدر الأوامر بعمل الاستحكامات وبناء السفن وتكثير الآلات وإعداد المهمات ولا حديث لكل دولة بين وزرائها ونوابها إلا الاستعداد للحرب حتى إن من نظر إلى الأهبة التي عليها أوروبا الآن وصوّر أنها أثارت الحرب يوماً ما أيقن أن نصف العالم على وشك العدم ومعظم العواصم عرضة للدمار والخراب. ومعلوم أن كل دولة مطالبة بحق وأخذ ثار أو متوقعة هجوم جارتها عليها فالخوف واقع في كل أمة من سكان الأرض وليس هناك أمة تبيت تحت سماء الأمن حتى همج أواسط أفريقية فإنهم وصلتهم عدوى أوروبا
وامتدت إليهم الإطماع فأصبحوا بين مخلب المنون بدعوى توسيع الاستعمار وتعميم المدنية وقطع عروق الجهالة والخشونة من العالم وهي علل باطلة ودعاوٍ كاذبة يبعث على افترائها حب الاستبداد من أمم تدعي الحرية وهم لم يشموا لها رائحة إلى الآن. وبهذا الاهتمام بشأن الجند والأساطيل والحصون أصبح الكون يموج في بعض حدساً وتخميناً. ثم برز فرسان الأقلام في ميدان الإرهاب والتحذير والإيهام والتخويف والإنذار والوعيد فشغلوا الأفكار وتركوا الناس في حكم الفوضى يتجارون على مكاتب الجرائد والتلغرافات يتساءلون عن الأخبار اليومية والأقوال الوهمية وقد ارتجفت قلوبهم وبلغت الرهبة منهم مبلغ تصديق تلك الأيهامات فخافوا من تهديد هذا الوكيل ووعيد ناظر خارجية كذا وإنذار دولة كذا وزيادة الجند بين أمة كذا كأن تلك الأمور حقيقية محققة الوقوع وما هي إلا حروب وهمية التزمتها الدول تخفيفاً لمصرف الحروف وحقنا للدماء. فإن كل عقل يعلم أن الدول موزعة المطامع في العالم وكل دولة ترى أنها أحق بإقليم كذا لكونه طريقها إلى أملاكها والأخرى تقول بل أنا أحق به لكونه مجاوراً الأملاكي وفيه مصالحي وهذه تقول أن
هذا إقليمي وملكي الشرعي يشهد بذلك فلان وفلان وبهذا التخالف لا يمكن لأمة أن تسطو على أمة ولها رقيب يعارضها أو مثيل يدافعها إلا إذا اجتمع الدول على قسمة الكرة قسمة إفراز وانعقد إجماعهم على تعيين النقط وتحديد الحدود فإن المطامع تنقطع عند ذلك وتمتنع المعارضات خشية أن ينقض الجميع على المعارضة بحكم الاتفاق وهذه نقطة يعز الوصول إليها فإن كل دولة تمني نفسها بأنها ستكون مالكة لدنيا يوماً ما وما دامت هذه الأفكار جائلة في رؤوس رجالها أنه يستحيل الوصول
إلى مجمع الإجماع الآن إلاّ أن بقاء الدول على ماهي عليه من تكثير الجند وأعداد العدد مما يقطع العقل باستحالته لتحملها في سبيل تأييده وبقائه ما يعود على ما ليتها بالإفلاس وعلى رجالها بالملل والسآمة فلابد وأن يأتي يوم فيه تخفف الدول أثقالها وتطرح عن عواتقها أحمالاً أضعفتها ولا تصل لذلك إلا باتفاق على سلم محدودة وهذا موهوم أو حرب اشتراكية وهذه هي مرجع الأفكار غير أن العلة لم تزل في غموض ومعظم العالم يظنها القطعة المباركة الواقفة في باب إفريقية التي لا تحمل سلاحاً ولا تريد قتالاً وهي التي حركت العالم للمحالفات والمعاهدات بإصبع من يريد أن يعبث بالدول ليتناول طاووس الشرق بيد الصيد والقنص وقد اتخذ له كتاباً ينازلون الضعفاء بأقوال الإيهام والوعيد ليمكنوا الرهبة من قلوب من قصدوا استعبادهم وإذلالهم ظانين إن كل ما تصوروه يقع في قلوب الناس وهو وهم دعا إليه الجهل بحقائق العالم والاغترار بأغرار يقفون بأبوابهم لا يدرون لأية علة وقفوا ولا يعاب على طاووس الشرق وجود أفراد أوقعتهم الجهالة في حبالة الأوهام فظنوا خلف السراب ماء وغابوا عن الحقوق المقدسة المكفولة بضمانة الدول ولئن سكتت الدول ساعة فستقول أعواماً ولئن سكنت أعواماً فستتحرك أياماً فليبرق كتاب الأوهام ويرعدوا حتى تنكشف الحقائق وترفع ستارة الأوهام عن نار مؤصدة أو سلم دائمة قاعدتها رد الحقوق لأهلها ووقوف كل دولة عند حدودها التي عينتها لها المعاهدات. وبهذا نرى أن السكون أحسن ما تحلى به الشرقيون الآن طارحين إيهام المهددين خلف ظهورهم ضاربين بأقوال المنذرين حائط الإهدار منصرفين عن هذه الترهات إلى ما يهمهم من
التعلق بملوكهم وأمرائهم والتوصل إلى حفظ الحقوق برعاية جانب الدول والمحافظة على الأمن العام وقيام كل عامل بعمله على قانون العدل وطريق الاستقامة ليحق الله الحق ويبطل ولو كره المجرمون. وليعلموا أن مصيبتهم
بهذه المبارزات قبضت نفوس إخوانهم في جميع الأقطار فعادوا للتساؤُل فيما كانوا يسمعونه عن مهدديهم من أنهم محبون للأمة الشرقية مدافعون عنها لا يتعرضون لإضرارها ولا لسلب سلطتها من سلطنها وأمرائها وقد تبين لهم أن تلك الكلمات كانت بروقاً خلبية وحيلاً سيماوية استمالوا بها النفوس وجذبوا القلوب حتى وقع في حبالهم من وقع وقد انكشف الغطاء ووضح الصبح لذي عينين وأيقن الكل أن القصد الاستعباد بسوط الاستبداد. وحركات النفوس لا تزال تختلج في الصدور والقوّة تمانعها والعوارض تدفعها حتى تخرج من مقارّها إلى ساحة حياة أو موت والكون شاهد عدل على تربية أمم كثيرة تحت أحضان أمم أُخرى وعودتها لعز الاستقلال والتخلص من قيد الاستعباد. ومن هذا نعلم أن ضغط أوروبا على أفكار الشرقيين ومسارعة ملوكها للتغلب على أقطارهم هو عين الحياة للشرق وأهله وباعث المحافظة على الحقوق والمطالبة بها عند تمكنهم من فرصة الظفر فإن أعمال أوروبا في الشرق ما هي إلا دروس تعطى لأهله وتمرين على الأعمال الجديدة وأعداد لقوى يكونها الاحتكاك في الأفكار والتربية تحت الأحضان. ولو لم تتداخل أوروبا في الشؤُون الشرقية بالتجول في هذه الأقطار والتغلب على بعضها ونقل التجارة إليها ونشر جرائدها بين قوم ما كانوا يعلمون شيئاً من أحوال أوروبا لبقي الشرق على اغتراره بكلام أهل الأطماع وظنه الصدق في أخبار محبي الاستعباد وتوهمه الحق في
فعل ملوك الاستبداد وما كشف لأهل الشرق حقائق الأوهام إلا تلك المخالطة المباركة التي استفاد بها الأوروبيون مالاً واستفاد الشرقيون منها علوماً ولئن تجزأت أقطارهم ووقع الكثير منها تحت سوط استعباد أوروبا ولم يبق إلا رأس الجسم الشرقي وقلب حياته فلسوف ترينا الأيام من تدافع القوى الفكرية في جميع الأمم الشرقية ما يحملها على التخلص من ذلك الاستعباد بضغط المستعبد وسلبه حقوقهم وإكراههم على التخلي عما ألفوه واعتقدوه فإن الشرقيين ليسوا نوعاً غير نوع الإنسان حتى يحكم عليهم بعدم مجاراة الأمم التي خضعت لغيرها بحكم الضعف والجهل حتى تربت وقويت مادتها العلمية فحملتها على الرجوع إلى ما كان عليه السابقون من سكان أرض هم أحق بها وأهلها. وكأني بجاهل بحقائق الأمم وكيفية تكوين الدول بالتربية والاختلاط يعترض على هذا الكلام بل يسخر منه اغتراراً بقوّة من اشتروه بثمن نعل فنكل أمره إلى المستقبل حتى تناديه أمم الشرق قائلة أن تسخروا
منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون فسوف تعلمون. ولا يظن جاهل أن تلك الحركات الشرقية ثورة عدوانية أو اضطراب فوضوي فإنما هي قوّة فكرية تمكنها منها حركات أوروبا بين دافع ومدفوع فيخلوا الجو لأمم الشرق تحت مراقبة الغرب يوم يساوي الشرقي الغربي في التصرُّف في الأمور بالحذق والدهاء والصبر على الشدائد ولئن استبعدنا حصول ذلك في قرن نحن في أوله كما يزعم المموهون فإننا لا نستبعد حصول ذلك في قرن نحن في أوله كما يزعم الموهون فإننا لا نستبعد أن تلد الأيام من حوادث أوروبا ما يمتعنا بنوال تلك الأمنية عن قريب فكم في بطون الليالي من بواعث لم تستعد لها أوروبا الآن وما دامت الأطماع تزيد والأفكار تتوارد على الأمم رغبة ورهبة فالسكون يكون نسبياُ
مؤقتاً بين الملوك وما علينا إلا أن نقعد على بساط الأمن متفرجين على العالم حتى تنتهي الدول إلى مضمار الانبعاثات العدوانية وهناك نرى السابق من اللاحق ونتحقق من إحراز الرهان. وقعودنا بهذه الصورة يقضي بعدم ارتجافنا من الوعيد الوهمي وخوفنا من التهديد الخيالي ولإعراض عمن يغمسون أقلامهم في نعمة الشرقيين ليكتبوا بها معايب لمن أغنوهم ويجلبوا بها مصائب على من آووهم فما يضرك إلا رجل يدعي أنه أخوك ويزعم أنه شريك لك في الحقوق يناديك بلهجتك ليخرجك من بيتك ويسلمك إلى النخاسين الذين طافوا الأرض لاسترقاق الأحرار. فلو ترك الشرقيون والأوربيين لتمتع الفريقان بثمرة المخالطة وتمكنت مهما دواعي المحبة وتأكدت روابط الألفة بالاشتراك في المعاملة والمساكنة وما أوغر الصدور وأفسد النيات إلا هؤلاء الكتاب الذين قبحوا الشرقي للغربي وافتروا عليه الأكاذيب وملأُوا بها جرائدهم وكتبهم ونشروها بين العالمين الشرقي والغربي فظن الغربي أن الشرقي بهيم لا يصلح للملك ولا يليق إلا للاستعباد والقهر وظن الشرقي أن الغربي عدوه إلا لد الساعي في سلب سلطته ونهب ثروته وإعدام دينه واستعباد إخوانه فوقعت النفرة بهذه المفتريات وما زاد النار احتداماً إلاّ بعض الشرقيين الذين استخدمهم الغربيون بأجرة لا تزيد عن ثمن نعل فأخذوا يبارزون من كانوا إخوانهم قبل أن يبيعوا أنفسهم ويوهمونهم بكلمات لا طائل تحتها فكانوا أشد على الشرقيين من الغربيين فهم الأعداء إلا لداء والخوّنة العادون فيجب على كل شرقي أن يحذر من فتنهم وينتبه لدسائسهم ويفتش كلامهم ليستخرج منه ما شابوه به من دعوى