الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بأعمال كثيرة المنافع وفاز بثقة العلماء والأذكياء به وعاد منه خير عظيم على كل لغوي وأديب بل على كل شرقي. وهذا لا يغيب عن أفكار أعضاء المجتمع ولا يعز عليهم الوصول لاتحاد الفريقين واجتماع الكلمتين فيعم النفع ويتأَيد المجتمع وهناك نسميه بالمجتمع العلمي لا اللغوي ونرى أعضاءَه باذلين جهدهم فيما يخلد لهم المجد الدائم في الدنيا ويوصلهم إلى الدرجات العليا في الآخرة جزاء بما كانوا يعملون.
وردت لنا هذه الرسالة من إنشاء الشاب الذكي النجيب أمين أفندي عريف التلميذ بالمدرسة التوفيقية فأثبتناها تنشيطاً لهمم إخوانه وسننشر ما يرد من أمثاله مما يوافق مشرب الأستاذ خدمة لأبناء البلاد وعصابة المعارف.
متى يستقيم الظل والعود أعوج
ما أضاءت شمس المعارف في أمة إلا اهتدت إلى سبيل الرشاد وسلكت طريق الحضارة ونالت من الغايات أقصاها وقهرت المصاعب بما تتخذه من الوسائل الداعية إلى سعادة بلادها وتمتعها بنعيم العيش كتقدم الزراعة والتجارة والصنائع إلى غير ذلك مما يثبت فيها روح المدنية والعمران.
ولكن ما علمناه عن السلف وما نعلمه عن الخلف قد يشذ في الغالب عن تلك القاعدة فكم من دولة نبغت في المعارف وغاصت بحار العلوم فأتت بدرها المكنون وجوهرها الثمين ولم تشعر إلا وقد صدها عن بلوغ الآمال عوائق لم تخطر لها على بال فأضحت تقاسي مرارة الهوان وتعض بنان الندم على ما فرطت فيه ولو كانت قرأَت العواقب وعززت هرعها إلى أبواب العلوم بالقيام بما يجب عليها للوطن ويرفع شأْنه ويقيه من تقول الغير ما آل أمرها
إلى الاضمحلال ولا ضربت عليها الذلة والمسكنة.
فإذا سألها سائل وقال لها ألم تتفطني لحوادث الأيام وما جاء به تاريخ الغابرين فلا جواب لها إلا أن تقول أتقنت دراسة العلوم لأكون من العلماء غير العاملين أو لاتخذها آلة لارتكاب الجرائم ومعيناً على التمسك بأهداب الإهمال كلما فحصت المعارف وسبرت غورها. وقد علمنا أن من أعظم أسباب انحطاط الدول عدم الألفة بين أبنائها وترك نار الشقاق تشب فيهم فتدمر ما قل أن تصلحه الأيام. فعليكم بني الشرق عموماً وأهل مصر خصوصاً باتخاذ الحزم ديدناً وتأييد مواثيق الوفاق حتى تستردوا ما سلبتكم إياه الخطوب وأغار عليه الغير بأن تصلحوا ذات بينكم عملاً بقوله تعالى {وأطيعوا الله والرسول ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم} كيف لا وقد علمتكم الحوادث ووزنتم بميزان التجارب قدر تحمل رق العبودية والانصياع للأغراض ألم يكفنا ما قرع آذاننا غير مرة من التبكيت بعدم اقتدارنا على القيام بشؤُوننا وأعباء أعمالنا وعجزنا عن حسن التصرف فيما منحناه ن لدنه عز وجل من الخيرات التي تتسابق إليها الأمم وتؤُمها من أقصى البلاد لتتمتع بها فلنسلك طريق السداد ولنعول على روابط الالتئام ولنتعاون على رد ذاك التبكيت بما ينشأُ عن
اتحاد الكلمة من الصلاح والحصول على درجة من السعادة والسيادة.
عجباً لنا لمَ لم نتفق على ما فيه نفعنا وعلو مكانتنا ونتبع قوله عز من قائل {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً} ولم لا نحافظ على مجد آبائنا
الأولين الذين سادوا بين معاصريهم وألفوا المؤلفات العديدة واخترعوا المخترعات المفيدة ولم تزل أعمالهم شاهدة لهم حتى ورد عذب منهلها من خلفوهم فأفاقوا من غشية الجهالة وهاهم اليوم يبكتوننا بتقصيرنا ونحن نسل تلك الأمة العربية أصل العمران ومنبع الحضارة الحاضرة. فلنعول على الاعتصام بحبل المؤاخاة حتى نتمكن من تذليل المصاعب ونستقصي المطالب. عجباً لنا لم لا نجمع بين مشتت أفئدتنا ولم لا يعمل المتنور منا الواجب عليه بأن يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر حتى ينصلح حال من ضلوا عن سبيل الهداية وجمحوا في فيافي الغواية وتتهذب أخلاقنا جميعاً. وأخص بذلك الأغرار الذين يتبارون في مضمار الملاهي ويجاهرون بإتباع الشهوات بدون أن تتحرَّك فيهم حمية وطنية تستنهضهم إلى جمع شمل أفكارهم وتوحيد أرائهم التي تباينت كل التباين واتحاد كلماتهم التي تناقضت كل التناقض فأيدت دسائس الغير. لِمَ هذا التغالي في عدم المبالاة ولِمَ ولِمَ. . . بمن يقتدي الفقير إذا رأى الغني زائغاً عن طريق الصواب وكمال الصفات ولا يسوغ لنا أن نعنف مثله أو نضربه بضروب اللوم كما يفعله البعض. ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفساد الذين شبوا على ارتكاب الرذائل وصرفوا ثمين وقتهم وجسيم أموال آبائهم في ترويج تجارة الأجنبي بتعاطيهم خموره المتنوعة التي لا تروج في بلاد غير بلادنا. أولم يقرع أذانك عاقبة حال من عملوا على منوالك ولعبوا الميسر (القمار) فلعبت بهم أيدي الحوادث وأصبحوا أذلاء بعد أن كانوا أعزاء أم لم نعلم أنه لو لم يجد فينا الأجنبي استعداداً لقبول كل ما يعرضه علينا
مما خفي ضره تحت أستار التحسين ما ربحت تجارته ولا ترك وطنه العزيز وشد عنه الرحال.
فلنفقه الحقائق ولتعتبر بتقلبات الأيام وصروفها ونقعد لواء العزم على تغيير الخطة قبل أن يتسع الخرق على الراقع عجباً لنا لم لا نقتدي بمن خالطناهم السنين العديدة ونتطبع بطباعهم الحميدة المؤسسة على تعزيز وطنهم مهما شطوا عنه والذب عن حقوقهم والمحافظة على عوائدهم ودينهم ولغتهم والتمسك بعروة الوفاق وغير ذلك مما ضمن لهم
الفخر علينا ونحن نرتع ونلعب مفرطين في إتباع الشهوات وتضيع الأموال ولقد تمس بنا الحاجة أحياناً لاقتراض الدراهم من أحدهم فيصرف لنا من خزائن كرمه ما لا يفوته تخليده في بطون الأوراق (الكمبيالات) مع أخذ الاحتياطات اللازمة على حقوقه وتسجيل ما يراه مناسباٌ له من الربح فنثني عليه ونخرج من عنده وآخر دعوانا أن الحمد لله والشكر لهذا الخواجه الكريم وبعد أن نخرج نتذكر أيام الحظ وليالي اللهو فلا يسعنا إلا التوجه إلى (الخواجه بول مثلاً) صاحبنا القديم الذي جمعت خمارته من النبيذ اللذيذ والشمبانيا العال والبيره اللطيفة ما سلب أموالنا فنلهب هناك أحشاءنا ببعض جرعات ثم نتركه قاصدين قهوة فلان المشهورة بالراقصات وهناك نزيد الطين بلة وإذا نفد ما عندنا من الدراهم فلا نستقبح تسليم الخواجا ساعتنا حتى نوفيه حقه ولا نزال على هذه الحال والديون تتراكم علينا حتى يباع ما نمتلكه. وقس على ذلك ما يعجز عن تسطيره اليراع فليتيقظ الغافلون وليتذكر المتذكرون وإلا متى يستقيم الظل والعود أعوج.
عجباً لنا ولأَِهلينا الذين تفرقت كلمتهم ولم يتعاونوا على خدمة بلادهم بل مهدوا للعابث طريق التداخل في شؤوننا بالتشعب الذي حال بينهم وبين الإصلاح وجعلهم مضغة في الأفواه ومرمى لسهام الملام ولم يكتسبوا سوى التنديد الفاضح والتقريع الفادح. فلنتعظ بسير الغريين ونقتد بهم في غيرتهم على خدمة أوطانهم ورفع شأن أبناء جنسهم ولنجعل أعمالهم موضوع دراستنا فقد قضوا زماناً طويلاً وهم متقلدوا أهم المناصب الشرقية أفهل رأيناهم يخدمون بلادنا مهملين صوالح أوطانهم كلا بل الأيام السعيدة التي قضوها في الشدة لم ينسوا تلك الأوطان بل جعلوا لها الحظ الأوفر والنصيب الأعظم لا حذراً من انتقاد منتقد ولا خوفاً من لوم لائم بل أداءً لما فرضوه على أنفسهم من الإخلاص في خدمة محل نشأتهم وأبناء جنسهم فلله درهم من حازمين عقلاء ولله هي من خلال حميدة وغيرة وطنية.
ولم لا نكون مثلهم في أمصار تربينا بها في مهد اليسار والخير ولم تلجئنا قلة ذات يدنا فيها إلى أن نأبق أو نرحل عنها كما فعل غيرنا فبالله قل لي لو ضاق العيش بنا لا سمح الباري ومستنا الحاجة إلى شد الرحال وترك الأوطان أليس من باب أولى أن نهملها ونهب أنفسنا لخدمة من يحسن مثوانا ويسد رمقنا ونحن بعيدون عنها نعم ولا شك إلا أنه لا توجد في تلك الأمم المتمدنة من تسمح لنا بالتداخل في شؤونها مهما كانت كفائتنا ولا من ترأف بنا أو ترق لحالنا ولنا في الأحوال الحاضرة والأخبار اليومية أعظم برهان وأوضح دليل فلندرك الحقائق ولنتدارك الأمر وليرتضع أُلوا الأمر منا أفاويق الوفاق فقد اشتدت الأزمة ولنعتبر بالأمثال العديدة حتى لا نقع فيما نخشاه
عجباًَ لنا ولأهلينا ما لهم لا يقلدون الأجنبي إلا فيما لا يجدي ولا ينفع كالتفنن في المأكل والمشرب والملبس حتى علموه كيف يكون التفنن والتأنق وألزموه أن يبرز لهم كل يوم من عجائب المودة (النمط الجديد) والأصناف المتنوعة ما انطوى غشه تحت أستار التحسين وبذا ضمنوا له تشغيل فابريقاته وتحويل أغلب ما تخرجه هذه الفابريقات من أنواع الزخرف على الشرق ومن به.
وما أسرعنا إذا أحضر تاجر منهم صنفاً جديداً إلى التسابق لشرائه ودفع الأثمان الباهظة فيه بنية صافية ورضا قلب بدون أن تحك الوطنية فينا عواطف طاهرة تيقظنا من هذه الغفلة وتحثنا على تقليد الغير والنسج على منواله لنتخرج بالأقل من حيز الحاجة لأننا لو عللنا النفس بأكثر من هذا وعزمنا على مجاراته في جميع أعماله ونحن على هذه الحال وقصدنا تشغيل معاملنا وعرض مصنوعاتها على سوقه فإننا نرجع لاشك من عندك بخفي حنين إذ لا يحضر هناك من يبتاع منا مثقال ذرة أو من يترك مصنوعات بلده ويعكف على تجارتنا فيرفع عنها غشاء الكساد.
فلنخلع لباس الإهمال ولنعر آذاناً واعية لأقوال الحكماء ونصائح أولي الجرائد الوطنية المنزهة عن الأغراض فما فيهم الأكل أستاذ مدرب خبير ومؤيّد بدلائل الحق الساطعة وأسانيده الدامغة ولنتابعد عن حث ذوي الأغراض فما فيهم الأكل مناع للخير معتد أثيم كيف لا ونحن اليوم في عهد أمير جليل عارف بواجبات وطنه ورعيته فلنخلص في محبته ولنعمل على شاكلته وإلا متى يستقيم الظل والعود أعوج