الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صاغه الله من نعوت كمال
…
كيفما شاء فاستوى وتعدل
يا عظيم الزمان وابن المعالي
…
وسليل الأُلى علاهم تأثل
إن ذا العيد مثلنا جاء يرجو
…
حسن تشريفه وللباب قبل
فأنله مراده وعلينا
…
بشريف القبول منّاً تفضل
فهو راق على السماء ومثن
…
بالذي نال من نداك المذلل
يغبط الصوم والصلاة ويطري
…
عيد عفو ثوابه قد تسجل
وغدا شاكراً وباهي بسعد
…
كل عيد مضى وتيهاً تدلل
ولنا مثله إذا ما رجعنا
…
لبلاد لها عليك المعوّل
نجعل الدر للمسامع حليا
…
وجليل الدعا من الدرّ أجمل
ونقول الذي شهدنا عياناً
…
وسمعناه من حديث مسلسل
كي يرى السامعون أنا ظفرنا
…
مثله بالعلا ونلنا المؤمل
وينادوا يعيش عباس فينا
…
خير ثان سليل توفيق الأول
كلهم أخلصوا الولاء بصدق
…
واعتلوا بالوفاء فوق السمؤال
يسألون الإله حسن صفاء
…
في بقاءٍ ودولة لا تبدل
فابق وأسعد وسد ودم وأنه وأمر
…
وأحتكم واعتزم فسعدك أقبل
وأقبلن مدحة أبانت قصورى
…
عن بلوغ الكمال فالقدر أكمل
هذا عندكم فما مقابله عندنا
كثيراً ما ترمينا جرائد إنكلترة بالتعصب الديني تشويشاً لأذهان أهلها وترويجاً لأفكار سياسييها التي تبعثها المطامع ولو تأملنا حال المسلمين وقابلنا
بين سكونهم وعدم تعرضهم لدين غيرهم وبين سعي غيرهم في تنصيرهم لرأينا أمراً يذهل العاقل ويحير الأفكار بهذه الدعوى الباطلة فأننا لم نسمع أن مسلماً دخل أوروبا لدعوة أهلها للإسلام ولا أن جمعية عقدت لنشر دين الإسلام بين النصارى ولا أن أناساً اجتمعوا للمذاكرة في كيفية إخراج النصارى من دينهم ولكننا نرى ونسمع هذا كله من أوروبا ومع ذلك يقول عنا ذوو المطامع الملكية إننا متعصبون تعصباً دينياً والله يعلم أن هذا التعصب لا رائحة له في جميع بلاد الأمة الإسلامية وأنه لا يوجد إلا بين رجال أوروبا ولتأييد هذه الدعوى بالبرهان نقول إننا رأينا في تقرير جمعية التوراة الإنجيلية الإنكليزية عن سنة 1892 ما ترجمته. تأسست هذه الجمعية سنة 1804 بقصد نشر كلمة الله في الدنيا كلها وقد صرفت على الآن 11000000 جنيه في الترجمة وطبع الكتب المقدسة ونشرها وصرفت من مخازنها 130000000 كتاباً تقريباً وترجمت الإنجيل بثلثمائة لغة ومنها لغات كثيرة لم تكتب بها كتب قبل ذلك. وقد ساعد هذه الجمعية كل علماء النصرانية ولم يبق إقليم في الأرض إلا وحصل فيه تأثير من هذه الجمعية ولم تقتصر على اتخاذ عمالها وباعة كتبها ومكاتبها من أوروبا بل اتخذت لها عمالاً في جميع أقطار العالم وهي تطلب المساعدة من كل أوروبا بنشر كتبها والكتابة إليها. ثم أنه يصرف من مخزنها العمومي الموجود بلندرة وحده ستة آلاف كتاب كل يوم ولها مخازن أخرى في لوندرة وغيرها من أوروبا ولها مطابع في لوندرة واكسفرد وكمبريج وباريس وبروكسل وامستردام وبرلين وكولونيا وفينا ورومة ومدريد ولسبون وكوبنهاجن وسنت بطرسبورج واسلامبول وبيروت وبومباي ومدراس
وكلكوتا وشانجاي وكابتاون وسدنه وجهات كثيرة أخرى ملخصاً.
فهل هذا عمل المتساهلين مع غيرهم البعيدين عن التعرض لدين الغير أم هذا عمل المجدين في تعميم دينهم ومحو غيره وهل هؤلاء مع هذا الاجتهاد الغريب غير متعصبين والمسلمون مع بعدهم عن هذا كله وعدم وجود جمعيات لنشر دينهم كهذه يقال أنهم متعصبون سبحانك هذا بهتان عظيم. وكأني بمغفل أو منافق يقول أن كل أمة تسعى لنشر دينها وهذا اجتهاد لدينهم لا لدين الغير فلا تعاب الجمعية ولا تنسب للتعصب ما دامت لا
تتعرض لدين غيرها فلاجل الجامع بلجام من نار نذكر له فصلاً من كتاب يوحنا هوري الألماني المطبوع في لايدن سنة 1882 الذي سماه الإسلام وتأثيره في تابعيه وهو كتاب ألف بناء على سؤال عرضه القسوس من جمعية (هاجر) على الناس وطلبوا الجواب عنه وصنعوا نيشاناً من الذهب لمن يحسن الجواب وهذه الجمعية تأسست للدفاع عن الدين المسيحي ونص السؤال؟
ما هو تأثير الدين الإسلامي على تابعيه وما هي واجبات الأمم النصرانية ضد هذا الدين وتابعيه.
فلما كتب يوحنا كتابه هذا أحرز النيشان وطبع كتابه على نفقة الجمعية وهو كتاب حافل قال في الفصل الثالث عشر منه ما ترجمته بالنص حيث أن الدين الإسلامي دين غير صحيح وأنه لا تأثير له في حياة تابعيه الدينية ولا على تقدمهم في العلوم ويستحيل إصلاح فحينئذٍ يلزمنا أن نضع الدين النصراني محله وهل ذلك ممكن وكيف يحصل. ثم أظهر صعوبة
كلية في معالجة تنصير المسلمين وشبَّههم بجسم مريض مرضاً مزمناً يحتاج لعلاجات شتى في أزمان طويلة وقال. نحن لم نكن المخترعين لهذا السير بل الحروب الكتابية ضد الدين الإسلامي ابتدأت من القرن الثامن وأول كتابة جاءتنا هي من يوحنا الدمشقي وقد سمى كتابه. مجادلة الشرقي مع النصراني. ثم أن تلميذه تيودرس أبو كاره بطريق كاريا سار على سيره ولكنه لم يفد فائدة. ولم تحصل فائدة كذلك من كتاب الكندي المنسوب لعربي نصراني كان بمعية المأمون (هو كتاب مكذوب وضعوه من عند أنفسهم ونسبوه للكندي ترويجاً لأعمالهم إذ لا ذكر له في أي تاريخ خصوصاً والمأمون كان في العصر الذي كان فيه الدين قوي الشوكة والعلماء ملء مجلسه وفي كل بلد فلو حصل إسلام كندي كما قيل وكتابة هذا الكتاب لنبه عليه بعض العلماء من المؤرخين وغيرهم فعدم وجود رائحة لذكره أكبر دليل على افترائه) وفي القرن الحادي عشر اجتهد سموناس بطريق غزة في مجادلة المسلمين بالكتابة والحط عليهم. وفي القرنين الحادي عشر والثاني عشر كتب كثير من العلماء منهم ألانوس رئيس كلية باريس ضد الإسلام بدون فائدة. والقديس فرنسيسكوس أيام حصار دمياط طلب من السلطان الكامل أن يتنصر وطلب أن يدخل النار مع أحد علماء المسلمين فالذي يحترق يكون دينه باطلاً ولما لم يرض العالم الموجود قال
إني أدخل النار فإن لم تحرقني تتنصر أنت ورعيتك ولكن الكامل لم يقبل (هذا كلام شبيه بالهذيان أو الهذيان مأخوذ منه إذ لو كان يمكن دخول أحدهم النار من غير أن يكون مطلياً بمادة تقيه حرها وحرقها لطافوا العالم بهذه الآية الكبرى
يدعونهم إلى دينهم ويقيمونها برهاناً على صحته ولكنهم لا يجرأُون على دعواها فإن النار تكذب المدعي في الحال) وهذا القديس جرب أموراً كثيرة لتنصير المسلمين فلم ينجح كما أن القديس دومونيكوس ومن جاء بعده تبعوه في ذلك ولم ينجحوا. ثم من الجمعيات الدينية (المسماة كونسيل) جمعية اجتمعت في فينا سنة 1312 وقررت فتح جملة مدارس في باريس وسلمنكه واكسفرد ومدن أُخرى لتعليم اللغات الشرقية لإخراج المبشرين منها. وفي سنة 1345 دخل راهب على أكبر مسجد في القاهرة وطلب من سلطانها أن يتنصر ثم خطب خطبة شديدة أثرت في رجل كان نصرانياً وأسلم حديثاً فارتد ولم تفد شيئاً غير ذلك. وفي الأجيال الأخيرة استمر الجهاد القلمي وظهرت كتب كثيرة ومن نصارى الشرق والغرب ضد الإسلام ولا لزوم لتعدادها فإنها لم تفد أدنى فائدة. وقد سافر خلق كثير للدعاء للدين النصراني منهم هنري مارتان فإنه سافر بلاد العجم لتنصيرهم ولم ينجح والجمعية التي تأسست في مدينة بال من سويسره وسافرت لتنصير الشركس فصدر أمر القيصر سنة 1833 بإبعادها عن بلادهم خشية أن يقتل الشركس أهلها. ثم تكلم على جمعية تأسست في انكلترة سنة 1861 تحت عنوان ((جمعية المبشرين للمسلمين)) وهي التي جعلت قوتها ووجهتها تنصير المسلمين بالهند وغيره والأخبار الواردة عن هذه الجمعية مختلفة فإن أخبار كلكته ومدارس وبومباي تقول أن جعل المسلم نصرانياً من المستحيل أما أخبار البلاد الهندية الوسطى فإنه يقال فيها أن كثيراً من المسلمين تنصر ومنهم واحد اسمه خير الدين وقد صار مبشراً للمسلمين سبع سنين ثم عاد لدينه الإسلام بعد ذلك (وهذا كلام لا أصل
له فإنهم يشيعون تنصر بعض المسلمين ليستمر الأغنياء على الصرف عليهم بدليل هذا الذي يدعون أنه صار مبشراً ثم عاد لدينه ولا شك أن مثل هذا ما تنصر إلا بعد ما ظهر له حقية الدين المسيحي فما كان يعود لدين غير صحيح كما يزعمون والحقيقة أنهم لا يتصيدون إلا بعض المعاتيه ولم يقدروا على تنصير أكثر من أربعة معاتيه أو خمسة كما سيأتي في كلامه ثم تكلم على البلاد التي لا سلطة للأجانب عليها فقال) يندر تنصير واحد في البلاد التي فيها القوّة
السياسية للإسلام (يشير بهذا أن الجمعيات الدينية تجتهد في تنصير من أوقعته المقادير تحت سلطة أجنبية حسب اعترافه) واحد المبشرين الذي أقام بين المسلمين كثيراً كتب في سنة 1878 وقال أني بذلت جهدي لمعرفة حقيقة انتشار الدين النصراني في المسلمين وعملت تحقيقات من كل جهة فالذي وصلني من الأخبار الحقيقة أنه تنصر في اسلامبول ثلاثة وفي مصر اثنان وفي القدس ثلاثة وغير ذلك لم يحصل (هذا دليل على شدة اعتنائهم بتنصير المسلمين وفرحهم بتنصر رجل أو رجلين ومع ذلك فإن اللذين تنصرا بمصر معتوه في طنطا ومجنون في مصر وقد عاد أحدهما لدينه عند شفائه من الجنون وإذا بحثنا فيمن تنصروا في القدس واسلامبول وجدناهم من الروم الذين أسلموا لطلب الرزق فلما زادهم البروتستانت نقوداً عادوا لدينهم) ومن هذا كله نعلم أنه لا ينبغي أن نعامل المسلمين معاملة الوثنيين بل لابد لهم من معاملة أخرى فإن الأمة التي لها دين ترى أنه مبني على أساس لا ينبغي أن تعامل معاملة الوثني الذي لا يبنى دينه على أساس قوي. وعرض الإنجيل على ضعفاء الوثنيين أسهل من عرضه على
المسلمين بلا شك فإنهم يدعون أن دينهم سيغلب كافة الأديان وينسخها فما دامت لهم حياة وقوّة يستحيل عرض الإنجيل عليهم (يريد بذلك تحريض دول أوروبا على التغلب على المسلمين ليسهل عليهم ألزامهم بالتنصر أما بالقوّة أو بالتعليم المدرسي كما هو حاصل في بعض البلاد التي أوقعها سوء البخت في يد الأجانب) وبالجملة فإن كل قطعة من الأرض بقي فيها للإسلام قوّة سياسية فإن التبشير فيها بالإنجيل لا يفيد شيئاً فإن الداعي منا والمجيب له منهم تحت حكم القتل عندهم نعم أنه صدر أمر من الدولة العلية سنة 1839 بعدم قتل المتنصرين ولكنه لم ينفذ (انظر اضطراب الأجانب عندما يسلم واحد منهم وتعصبهم عليه وأخذه من الحكومة بالقهر وسجنه في دير أو كنيسة حتى يعود ثم تأمل في اعتراضهم على المسلمين بغير حق تعرف قدر تعصبهم واعتذاراهم لمن ينفقون عليهم بصعوبة الحال ما دام المسلمون تحت سلطة سلطانهم ولو قدر المسلمون هذا الكلام قدره لربطوا قلوبهم على حب ملوكهم وأمرائهم وعقدوا عزائمهم على عدم الاعتراف بغير سلطة سلطانهم وأمرائهم فإن سيف السياسة البروتستانتية ما جرد إلا لنشر الدين ودعوى الاستعمار ومنع التوحش والهمجية دعوى صورية تكذبها أعمال القسوس والجمعيات الدينية الكثيرة العدد) ولما أراد المسيحيون تنفيذ
هذا الأمر توقف العلماء توقفاً كلياً. وقال المبشر المذكور أن أبواب الدولة العثمانية كلها مقفلة الآن أمام كل شيء. اسمه تبشير للمسلمين بالإنجيل ولذلك جعل المبشرون الأمريكان قوتهم في تنوير كنائس النصرانية الشرقية في تركية أوروبا ومصر والأناضول. أما جمعية التبشير الإنجليزية فإنها قررت إقفال محالها في مصر وأسلامبول وأزمير لعدم فائدتها
(هي جمعية من عدة جمعيات إنجليزية لا أن الإنجليز لم يبق لهم جمعيات بهذه الجهات فإن الجمعية المصدرة بتقريرها هذه المقالة إنجليزية النشأة والأعضاء والقسوس والمقر) وبعد البحث الدقيق والتحقيق التام وصلنا على النتيجة الآتية وهي - ما دام الحال هكذا في الدولة العثمانية فانتشار كلمة الله بالحرية وتوزيع الكتب النصرانية وتعميد المتنصر من المسلمين يعد من المستحيلات. ثم أن أحد المبشرين المسمى القسيس فولترس الذي أقام بين المسلمين مدة قال إني أخاف أن أعمّد مسلماً بسبب الصعوبات الكثيرة الموجودة أمامنا. ثم هناك عقبة أخرى لتعميد المسلمين توجد في الكنائس الشرقية التي بين المسلمين وهي أن أقباط مصر وباقي نصارى الشرق بسبب بعدهم عن كنائس أوروبا وقعوا في وهدة الانحطاط وما بقي عندهم من الديانة النصرانية غير بعض الظواهر أما أفكارهم وعوائدهم وأخلاقهم واحساساتهم الدينية فإنها تميل إلى أخلاق المسلمين وعوائدهم أكثر من ميلها إلى النصارى ومن المعلوم أن حالة النصرانية الشرقية بهذه الحالة تمنع كل مسلم أن يتنصر (تأمل هذا التعصب الخارج عن الحد حيث يرى معاشرة الأقباط ونصارى الشرق للمسلمين بلا تعصب ضعفاً في الدين ويرى عدم تعصبهم كتعصب أوروبا نقصاً في دينهم مع أنهم لا يدخلون بلداً إسلامياً بالقوة إلا بعلة راحة المسيحيين من تعصب المسلمين وما يريدون إلا إفساد ما بينهم من الألفة ومبادلة المحبة والمعاملة يعلم ذلك من يقابل بين حالة المسيحيين الشرقيين قبل تعلقهم بالمتعصبين وبين حالتهم بعده فإنه يراهم كلما ازدادوا قرباً من المتعصبين زاد نفورهم من المسلمين الذين كانوا معهم كعائلة في بيت
ولذا نرى المتعلق بالمتعصبين يبعد عن مجامع المسلمين وإخوانه الباقين على عهدهم القديم ولا يجلس إلا في مجالسهم ولا يحب إلا ما يحبونه اغتراراً بما يراه من التظاهر بحبه وما اتخذوه إلا هدفاً يرمون إليه سهام أغراضهم) ولو تكلمنا مع عقلاء المسلمين وأظهرنا لهم أن حالة الدين في أوروبا أحسن فإنهم يعترضون علينا بالشقاق والجدال الحاصل بين الكنائس ثم بعبادة
الصور عند الكاثوليك ثم بالجزويت ثم يسخرون بالقول بأن الباب معصوم ثم بحدوث أمور مخلة بالهيئة الاجتماعية مما يقع من الاشتراكيين وغيرهم خصوصاً وأنهم الآن صاروا يعلمون سقطات أوروبا وأمورها التي لا تؤلف. ونحن نوجه المسئولية على أناس كثيرين من المرتحلين إلى بلاد الإسلام فإننا إذا بحثنا فيهم وجدناهم من أرباب السوابق الفظيعة في أوروبا فعندما يراهم الشرقيون يظنون أن النصارى كلهم من قبيلهم ولهذا كان تأثيرهم في الشرق قبيحاً فإنهم من الرحالة خلف اللقمة ولا مقصد لهم غير المكاسب المادية ويقبلون كل طريقة توصلهم إلى الغنى ولا ينكر أحد منهم حتى الذين تربوا وتهذبوا أنهم لا مقصد أهم إلا المكاسب المادية. فحالتهم توجب المسلمين أن يقولوا أن النصارى ليسوا أفضل منابل إننا أحسن منهم لما يرونه من سوء سيرهم (انظر سخط القسوس على الشرق ومن حل به حيث رموا الأوربيين المقيمين فيه بأنهم رعاع من أهل السوابق وأن ارتحالهم إلى الشرق إنما هو فرار من العقوبة وأنهم في أسوء حال دينية مع أن معظم الأوروبيين المرتحلين إنما دخلوا الشرق للتجارة التي لا يمتنع الاشتغال بها في أوروبا ولم يقصروا في بناء الكنائس وإظهار الشعائر الدينية وتمسكهم
بدينهم وإنما عيبهم عند القسوس إنهم لم يسعوا في تنصير المسلمين ومعاكستهم فبئس ما يلتزمه هذا المؤلف من ذم قومه ومن أخذوا بدينه لدخولهم في جلد الإنسانية وعدم رضاهم بالتوحش الذي يسعى فيه. وهل سمع ذو روح أن المسلمين تعصبوا على أخوانهم الذين يعاشرون النصارى بالحسنى كتعصب هذا أو رموهم بنقص الدين لعدم سعيهم في إسلام النصارى كما يرمي هذا قومه بسبب تقاعدهم عن تنصير المسلمين. إن في ذلك لعبرة) ومن هنا يعلم أن المسلمين حتى الذين يعترفون باحتياج القرآن إلى التنقيح ويقولون لو كان رسولهم موجوداً لغير بعض أشياء لا يحبون الديانة النصرانية ولا يسمعون كلامها (هذا كذب يروج به بضاعته على من ينفقون عليه فإنه لا يوجد مسلم في الأرض يقول أن القرآن محتاج للتنقيح فإن من يقول ذلك لا يكون مسلماً وإنما لنفوذ كلمتهم يفترون هذه المفتريات كما يفترون أشياء كثيرة على نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم لا يسّلم العقل بوقوعها من طفل فضلاً عن أعقل العقلاء ولكنهم يسعون بهذه الترهات بين بسطاء أوروبا الذين لا يعرفون من الدنيا غير ما يسمعونه من القسوس فإنه يوجد فرق كبير بين عامي الشرق وعامي الغرب فإن الأول سريع التصور
قريب الفهم والثاني يأخذ بالتقليد الأعمى بلا بحث ولا تصور ولا يعترض بعقلائهم ونبهائهم فإنهم في معزل عما نحن فيه) ومن أصعب ما يوجد لتنصير المسلمين ما غرسه رسولهم في قلوبهم من اشارك من يقول بالتثليث فإنهم يبشعون من القواعد الأساسية النصرانية لأن المسلم يرى أن تثليثنا هو القول بتعدد الآلهة وكيفما حاولنا تفهيمه فإننا لا يمكننا صرفه عن هذا
الفكر وهم معذورون فإن تعليم الكنيسة يؤدي إلى ذلك بلا شك. ثم أننا كيفما جاهدنا في تفهيمه أن لله ابناً وضع أمامنا في الحال قول القرآن {قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد} وقوله {وخرفوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون} وقوله {لن يستنكف المسيح أن يكون عبداً لله ولا الملائكة المقربون} ومن هنا يعلم أن القواعد الإسلامية سهلة جداً وقريبة للعقل منيرة له أسهل من قواعد الدين النصراني ولو أنها بعيدة عن الأفكار الغريصة. وإذا جاهدنا في تنصير مسلم قال كل شيء طيب عندكم فإنه عندنا وكل ما تريدون منا غيره فإنه قبيح. وهذا التوقف العظيم الحاصل من المسلمين يوقعنا في شك قوي من إمكان إدخال الإنجيل الأصلي بين المسلمين بطريقته القديمة وما دامت الكنيسة النصرانية ملتزمة عرض تعاليمها بالكيفية التثليثية التي نتجت من المنازعات الدينية في القرون الأولى بعد المسيح فإن الإسلام لا يزال معارضاً لهذه التعاليم. وفي الكنائس البروتستانتية يوجد شعور باطني شديد بأن الأصول النصرانية يلزم تغييرها والآن قد أخذ في تغيير بعض القواعد شيئاً فشيئاً ولابد أن يأتي يوم فيه تقهر التعاليم القديمة بالتعاليم الجديدة وغذ ذاك يمكن نجاح التبشير بالإنجيل في بلاد الإسلام وعلاوة على ذلك لا يصح أن تتصور بلوغ الأمل كيفما كان الجسم الإسلامي متعفناً (تأمل هذا التعصب القبيح وسعي القسوس في تغيير قواعد دينهم ليكون مقبولاً عند المسلمين على زعمهم وكيف يثق النصارى بهم إذا رأوهم غيروا الأوضاع الدينية بشيء من عند أنفسهم فيكون الدين وضعياً لا إلهيّاً وهل يسلم لهم ذلك ومثل هذه الأقوال تدلنا على جنون هؤلاء الساعين
في تنصير المسلمين وهم يتلاعبون بدينهم هذا التلاعب وينشرون هذه الأقوال بين الناس من غير نكير فقد طبع من هذا الكتاب ملايين من النسخ ووزعت كلها بين الناس ولا ندري كيف يسكت المسيحي عندما يرى قوماً شارعين في تغيير دينه بما يرونه) ولا يفهم مما تقدم أن مرادنا تغيير بعض حقائق الإنجيل
لإدخاله بين المسلمين فقد بل المراد تغييره لنا ولهم ليكون مقبولاً عند الجميع فإننا ما دمنا نحس بأن الدين لم يزل مستحقاً للترقي فإنه لا يمكننا عرض الإنجيل على المسلمين بهمة ونشاط وأين البروتستانتي الحقيقي الذي لا يحس باحتياج الدين للترقي فما دمنا كذلك فالنجاح قليل ولا يمكننا إدخال التعاليم النصرانية على هؤلاء الخوارج (يريد المسلمين) لأننا أنفسنا نعترف بنقصان هذه التعاليم وهؤلاء لم يخرجوا عنا إلا بسبب غلط تعاليمنا انتهى.
فمن قرأ هذا الفصل وعلم سعي الجمعيات في نشر دينها واجتهادها في تنصير المسلمين خصوصاً والعالم عموماً رأى الفرق بين لطف الشرقيين وخشونة قسوس الغربيين ولو كتب مسلم كتاباً مثل هذا لقامت على المسلمين قيامة أوروبا وقالوا هذا دعاء للحرب الدينية وتعرُّض للدين المسيحي وسحبوا قناصلهم ونادوا بين إتباعهم المقيمين في الشرق بالرحيل بدعوى فقد الأمن العام وتوحش المسلمين فنحن نسأل من ملأوا أعمدة التيمس وغيرها من نسبة التعصب الديني إلى المصريين خصوصاً والمسلمين عموماً هل رأوا المسلمين اجتمعوا لتغيير دين النصارى ليكونوا معهم أو تعرَّضوا لمسيحي بالمجادلة والمناظرة أو طعنوا في دين غيرهم أو قالوا أن دين النصارى أو دين غيرهم غير صحيح يلزم أن يمحى كما قال يوحنا أو عقدوا جمعيات كجمعيات البروتستانت والجزويت والفرير وتصدوا لتعليم أولاد النصارى دينهم كما
يصنع هؤلاء في بلاد المسلمين وأبنائهم تالله أنهم لا يجدون لهذا السؤال جواباً سوى قولهم إننا مفترون عليكم لنستهيج أفكار أوروبا ضدكم فيحل لنا ما يحرمه الهدوء والسكون. ومع ذلك فإننا معاشر المصريين نفتخر بحسن معاملتنا كل من سكن بلادنا وبأنصاف مواطنينا ومقاسمتهم الوظائف والأعمال والسكنى والزراعة وعدم تعرضنا لدين من الأديان بالتقبيح والقدح كما يفتخر المسلمون جميعاً بأنهم أدركوا فضيلة ما أدركتها أوروبا وهي رعايتهم حقوق الأمم وتركهم كل ذي دين ودينه وهذه فضيلة سلبتها القسوس من جميع أنحاء أوروبا وغرست مكانها التعصب الذميم والاعتداء الفظيع يشهد بذلك قول القسيس سيروس هملن وقد أقام مدة طويلة في بلاد المسلمين بصفة مبشر أمريكاني فإنه خطب خبطة في مدينة بوسطن من أمريكا المتحدة في أكتوبر سنة 1876 قال فيها أن موظفي حكومة الترك رجال قلوبهم سليمة ميالة للخير وكل مضادة أضرت
بالإرساليات البروتستانتية في بلاد الترك فإنها نتجت من قسوس النصارى وجمعياتهم ومن الكنائس المضادة للبروتستانت أما المسلمون فإنهم فطروا على عدم معارضة أحد في دينه خصوصاً وأن قرأنهم يمنعهم من التعرض لأهل الكتاب وبناءً على هذا تأسست عندهم الحرية التامة لكل الطوائف النصرانية ولليهود ثم أننا نجد رقاً كبيراً بين الترك والموسكوف فإنك في تركية ترى الطوائف النصرانية وغيرها ممتعة بالحرية التامة في الكنائس والمدارس حتى تراهم مجتهدين في جذب أناس لدينهم من المسلمين ولكنك في بلاد الموسكوف لا ترى مسكوفياً يترك الكنيسة الوطنية فإنه أن تركها عوقب أشد العقاب حتى أن الوثنيين والتتار المسلمين لو فرض وأراد واحد منهم ترك
دينه لابد وأن يكون على مذهب الأرثوذكس. ثم أنه لصالح الدين النصراني يلزم أن نأمل المسلمين معاملتهم لنا فإنهم أحسن الناس أخلاقاً وألينهم جانباً فأين هذا الكلام الصدق من الأكاذيب التي تنشر عن المسلمين في جرائد انكلترة وغيرها وكيف يحصل التعصب المكذوب علينا ونحن بين يدي أمير يحب الهدوء والسلام ولا يرضى لرعيته غير ائتلافهم مع سكان بلاده من أي جنس كانوا وبأي دين دانوا فهو يفتخر بكونه يسوس أمة هينة لينة تعاشر الناس على ما هم عليه وتعرف لكل إنسان حقه ولا يوجد عندها ما يوجد في أوروبا من هذا التعصب الذميم. وكأني بمغفل يقول لا ينبغي ترجمة مثل هذه الكتب ونشرها فإنها تؤثر في النفوس فنقول له كان الأولى عدم تأليفها ونشرها بين سكان الكرة أما وقد طبعت ونشرت بين المسلمين والنصارى واليهود والمجوس وغيرهم فلم يبق هناك محذور في ترجمتها خصوصاً وإن أمة البروتستانت ترمينا بالتعصب وتشيع ذلك عنا في أوروبا على ألسنة جرائدها وأجراؤها عندنا يتمدحون بتساهلها وعدم تعصبها ويرمون الشرقيين بالتعصب الدينين وما يريدون إلا المسلمين فإظهاراً لحقائق التعصب وجهات وجود التزمنا نشر هذا الفصل إلجاماً لمن يفترون علينا الأكاذيب وردعاً لمن يطيلون ألسنتهم بذم الشرقيين ونسبتهم للتعصب القبيح. وقد فات المؤلف طريقة الأمريكان والجزويت والفرير الملتزمة في المدارس حيث يعلمون أبناء المسلمين وبناتهم عقائدهم ويلزمونهم بصلواتهم وحفظ الكلمات الإنجيلية المتعبد بتلاوتها وقد تعددت مدارسهم في بلاد المسلمين شرقاً وغرباً ولم يسمع أن أحداً تعرض لهم بسوء أو منعهم من إجراء عوائدهم الدينية مع أن أحد أعضاء الوفد
المصري العلمي عند دخوله جنيفيا الطربوش منع من الدخول حتى يلبس البرنيطة أسمع مثل هذا التعصب الذميم في بلاد المسلمين ويوحنا هوري يقول في رسالته المتقدة أن جمعية التبشير للمسلمين تأسست في إنكلترة سنة 1861 لتنصير المسلمين بالهند وغيره فهل سمع أن مسلماً سعى في إسلام إنكليزي وهل يبعد عمل هذه الجمعية تمدناً وعدم تعرض المسلمين لغيرهم تعصباً. وإذا تنصر معتوه من المسلمين يؤخذ إلى قبرص أو غيرها خوفاً عليه من تعدي المسلمين ولا يتعرض له أحد وإذا أراد نصراني أن يسلم استحضر رئيسه الديني في ديوان الحكومة العثمانية وسئل عن سبب إسلامه وإذن لرئيسه أن يختلي به برهة فهل هذا هو التعصب الموجود في بلاد الدولة العثمانية كما يقول البروتستانت وغيرهم من المستأجرين لإشاعة الأكاذيب. وإذا علم المفترون أن النصارى ابتدأوا بالطعن في الدين الإسلامي والسعي في تنصير رجاله من القرن الثامن أي من عهد ألف سنة كما قال يوحنا والمسلمون باقون على سكونهم ومعاشرتهم جميع طوائف العالم بالألفة والتساوي في الأعمال والسكنى تاركين كل إنسان وما يريد من العبادة والأديان أفلا يخجلون من تكذيب العالم لهم وقد أسودت وجوههم وكلحت وهم لا يرتدعون كأنهم خلقوا للدعاوي الباطلة. ومهما يكن عندهم وعند غيرهم من التعصب فإن المسلمين لا يغرون طريقتهم التي جبلوا عليها ويلزمهم الدين الإسلامي بالأخذ بها وهي معاملة كل وطني ومستوطن في بلادهم بالحسنى وعدم التعرض لمغايريهم في الدين ولا في الكنائس ولا في العوائد إذ كل معامل لهم ومساكنٍ له ما لهم وعليه ما عليهم وقد أعرض العلماء عن تهييج الأفكار بمثل كتابة القسوس حفظاً للنظام العام
وحرصاً على بقاء الألفة مبتادلة بين المسلمين وبين وطنييهم ونزلائهم يشهد بذلك كل مسيحي سكن البلاد الإسلامية وتمتع فيها بما يحب ويرضى فهذه طائفة الأقباط في مصر وغيرهم من النصارى في الشام والعراق وبلاد العرب ومراكش وتونس وأرمينية وكريد وغيرها من الجزائر والقارات التي اختلط فيها النصارى بالمسلمين توطناً واستعماراً واتجاراً كلهم ممتعون بالحرية التامة التي لا توجد في أوروبا صاحبة الدعاوي العريضة ولاسيما مصر محل الاعتراض المدعى عليها بالبهتان فإنها عبارة عن مجتمع إنساني جمع جميع الأصناف والأديان واللغات والدول وقد قضى أهلها عصوراً وهم على أحسن ما يكون من معاملة الأجانب فضلاً عن الوطنيين وقد
عاب يوحنا الأقباط ونصارى أوروبا بعدم تعرضهم لتنصير المسلمين مع أنهم ما فعلوا إلا واجبات الإنسانية ولوازم المدنية ومقابلة الجميل بمثله فنحن نقول ليوحنا وأرباب جمعيان الدين المتعصبين قد تعودنا على مخالطة الناس ومعاشرة أهل الأديان على ما هم عليه من ألف وثلثمائة سنة فلا نغير سيرنا ولا نتخلق بأخلاق المتعصبين ولا نكدر صفو الراحة العامة بمثل هذا التعصب الفظيع فإن كل مسلم ممنوع من التعصب بقول الله تعالى: {لا إكراه في الدين} وإذا قابل المخلفين له هش وبش وقال {لكم دينكم ولي دين} فإن عارضه متصعب أجنبي ذكر له أعمال الجمعيات البروتستانتية وغيرها وقال له هذا عندكم فما مقابله عندنا.