الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العدد 27
- بتاريخ: 21 - 2 - 1893
الزراعة في مصر
لا يخفى على كل وطني أو مجتاز أن البلاد المصرية بلاد زراعية لاستواء أرضها وعدم وجود أراض جبلية أو صخرية فيها ولمرور النيل على كل نقطة فيها بالسيح أو بالآلات وقد اعتنى أهلها بفن الزراعة حتى اتقنوه وعرفه الخاص والعام بل لا يخفى على نساء الريف لكثرة مزاولة الرجال للفلاحة ومشاركة الأولاد والنساء لهم في كل أعمالهم فصار علم الزراعة مقرراً راسخاً في أذهانهم فترى كل فلاح يعرف وما يحفظ الزرع غالباً وهذا أمر كالفطري عندهم ولكن لهذا الفن كتب فيها كثير من الفوائد التي لا يهتدي إليها الفلاح الجاهل فإن العالم الزراعي يمكنه أن يحلل المادة الطينية والماء والنبات ويعرف العلل الوجبة لفساد الزرع والأسباب الحافظة له والأمراض التي تعتري الأشجار والنابت الذي يضر الشجر والحشرات المهلكة للزروع
والحشائش الضارة وعلاج كل ضار بما يمنعه فلهذا كان من الضروري أحداث مدرسة زراعية في مصر لأحياء هذا الفن وخدمة الأرض بما يزيدها جودة واستعداداً فينمو الحاصل منها وتكثر الفوائد الزراعية وقد أنشئت هذه المدرسة واتخذت سراي الجيزة دار مقر لها ودخلها من التلامذة فوق الستين مختلفين جنساً وديناً لتعميم المنفعة بهم وتقرر فيها تدريس الكيمياء الزراعية والعمومية والمواليد والكيميا التحليلية والطب البيطري والزراعة العلمية والعملية والطبوغرافيا (المساحة) وعلم الجناين وعمليتها والهندسة والجبر والحساب واللغة الانكليزية واللغة العربية واجتهد التلامذة في الدراسة سعياً خلف المنفعة المطلوبة من تعليمهم وكان الأمل أن تقرأ هذه العلوم بالعربية التي هي لغة الفلاح ليقف التلميذ على حقائق بما يفهمه ولكن لم يتحقق هذا الأمل فإن جميع هذه العلوم تقرأ باللغة الانكليزية ما عدا الرياضة فإنها تقرأ بالعربية ومع ما في ذلك من الضرر على اللغة العربية فإن الفوائد التي تحصلها التلامذة جمة وهناك طريقة لزيادة معرفة التلامذة وتقدمهم نعرضها على رجال المعارف لعلها تقع موقع القبول وهي تعيين اثنين من التلامذة لكل مديريتين أو أكثر ليطوفوا البلاد وينظروا الغيطان وما فيها من الاختلاف والتباين في الزروع والتربة فإذا وجدوا حوضاً تختلف زروعه ضعفاً وجودة أخذوا من طينته الجيدة والرديئة وبعثوا بها إلى المعلم الكيماوي لتحليلها ومعرفة العلل في الضعيف والنظر في دفعها حتى يكون في حكم القوي وكذلك إذا وجدوا زرعاً مصاباً بعاهة بحثوا في موجبها وبعثوا
ببعضه إلى المدرسة للنظر فيه فيمكنهم أن يدرسوا الأراضي
المصرية علماً وعملاً ويدونوا فيها كتباً تشتمل على بيان أرض كل بدل وقوتها وضعفها وتحديدها بدرجات تناسبها لتكون قانوناً للحكومة في ترتيب الضرائب وفصل القضايا المختصة بها كما أنهم بهذه الحالة يعرفون الآبار الجاري السقي منها والترع والبحور ويرشدون الفلاحين حال مرورهم إلى طرق الإصلاح فتزداد معارفهم وتصلح أراضيهم وتمو ثروتهم وتعود تنقلاتهم بأعظم الفوائد على المدرسة ثم يكون التنقل على التبادل بين التلامذة ليأخذ كل واحد منهم حظه من المشاهدة النظرية ويكتب إلى المديرين بمساعدتهم على التنقل في البلاد والانقياد إليهم في العمليات التي يقتضي إجراؤها في بلد من البلاد لمعرفة ما هو ضروري لهم. وإلا فإن اشتغالهم بالعلم وحده أو بالتجارب معه في بستان الجيزة وحده لا يكفي في إحاطتهم بهذا الفن الشريف فإن الأرض تختلف جودة وضعفاً ومنه الطيني والرملي والمرتفع والمنخفض وكثير الماء وقليله وكل هذه أوصاف توجب اختلاف المحصول باختلاف مزرعته فيجب على التلامذة الوقوف عليها في أماكنها بحيث يمكنهم أن يتداركوا كل خطر يحدث للمزروعات قبل تفاقمه وانتشاره بأخذ التحفظات اللازمة كما تفعل الأطباء وقت حدوث الوباء من الحجر ومعالجة المصابين. وقد رأيت أربعين تلميذاً عائدين من زيارة فابريقة البدرشين فسألتهم عن قائدة علمهم فقالوا تقدم ثروة بلادنا بتقدم زراعتها ثم سألتهم عن معلميهم وضباطهم فاثنوا عليهم خيراً وشكروا عنايتهم بهم وخصوا حضرة خلوصي بك بثناء جميل