الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قد جاءكم جيداً لا زيف فيه فلم
…
يجد لكم في سوى زيف العدا رغبا
والدين لا تجعلوه خلف أظهركم
…
إنّ الحياة بغير الدين محض هبا
فقد بذلت لكم نصحي وملتمسي
…
يا قوم قلبٌ سليمٌ للقبول صبا
الصنائع والصنّاع
بقلم حضرة البارع رفله أفندي تاوضروس من سوهاج
من يلتفت إلى الصنائع ببلادنا وما صارت إليه أحوالها من التقهقر والاضمحلال حتى أمست في زوايا النسيان مسدولاً عليها حجاب الإهمال بين غالب الوطنيين ويرى أن الصنّاع بعد ما صرفوا النفس والنفيس وجاهدوا كل الجهد لحفظ حالتها كما كانت ولم يجدوا مساعداً ولا نصيراً يئست نفوسهم وتركوها ورضوا بما دونها مسلمين للمقادير تجري في أعنتها لا يسعه إلا أن يأسف عل تلك الحالة التعيسة.
ولو نظرنا على حالة أوروبا من جهة الصنائع لرأيناها كل يوم في تقدم باهر ونرى السياسيين وأصحاب الثروة يشتغلون بأنفسهم لتقدمها ويساعدون بأموالهم لنجاحها والحكومات هناك تعيرها جل الالتفات وتتخذ كل الطرق التي يتوصل بها لترويج بضائع المشتغلين فيها وتعقد المعاهدات التجارية مع الدول الأخرى توصلاً على ازدياد تداولها وقد وضعتها في المركز الأسمى فكم من صانع عنده من أبدع في عمله فنال من حكومته الجوائز المالية والنياشين العلية مثل المسيوجيكار الفرنساوي الذي اخترع نولاً للمنسوجات المنقوشة وعرضه في معرض الصنائع الذي صار في باريز فنال عليه نيشاناً ثم زاره
الرئيس كرنوا بنفسه وهنأه بنجاحه في هذا الاختراع ومثل هلمن الذي اخترع آلة للتطريز تحرك عشرين إبرة في وقت واحد ونال عليها نيشاناً ذهبياً ونيشان الشرف سنة 1834 ويوشيا ووجود الخزاف الإنكليزي الذي نال من أجل براعته في صناعة الخزف لقب خزافاً ملكيّاً واعتبر هذا اللقب أكثر مما لو لقب بأمير فانهالت عليه بسببه الثروة أي انهيال ومثل كثير ممن يضيق بي المقام لو أردت تعدادهم.
وهذا الذي أحدث غيرة عظيمة في الآخرين فسرى في عروقهم حب الاختراع والشهرة وقام كل منهم يسعى لاكتساب ذلك والنفس ميالة إلى العلياء طبعاً فكم منهم من ركب البحار وسار من بلاده قاصداً أبعد الجهات ليطلع على بعض الصنائع وينقل منها لبلاده ما كان غير موجود فيها وكم نقلوا عن آثارنا المصرية جملة اختراعات ونسبوها لأنفسهم ونحن عن ذلك لأهون فتقدمت على أيديهم الصنائع واشتهروا بإتقانها وزاحموا جميع الجهات ببضائعهم فاليوم لا يخلو منها مكان في العالم فحيثما وجهت نظرك في الأسواق ببضائعهم
فاليوم لا يخلو منها مكان في العالم فحيثما وجهت نظرك في الأسواق تجد الدكاكين والخانات مشحونة بها وقد صدق فيهم قول الشاعر:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم=وتأتي على قدر الكرام الكرائم
على أن من يجول في أسواق المدن المصرية ويتفحص البضائع الموجودة فيها ليرى ما كان وطنياً منها فإنما يجد نزراً يسيراً قد ترك في زوايا الإهمال لا يطلبه طالب ولا يؤمل صاحبه أن يستفيد منه شيئاً إذ من عهد طويل قد قضى على صنائعنا بالبوار وقد كانت بلادنا ممتلئة بالصناع الماهرين والصنائع كانت رائجة فيها وقد عاش أجدادنا ولم يروا شيئاً من بضائع أوروبا