الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والامتيازات وعلى الخصوص الدروس الأخيرة التي بها أخذنا الشهادة الدراسية وصرنا مؤهلين لما يفوض إلينا من الأعمال.
مقالة الشيخ محمد سلامه
هذه المقالة البديعة بقلم الفاضل الشيخ محمد سلامه
وما طيب المعيشة بالتمني=ولكن الق دلوك في الدلاءِ
أي وربي أن هذا لبيت قد أودعت فيه الحكمة فلنعم كنز مفتاحه النظر في معناه ويا رحم الله سلفاً قام بواجب خلفه فأضاء له السبل بنبراس عقل وأودع له الحكم في عذب كلامه حتى يكون مرآة للعاقل ومدرسة للمتفكر الذي يريد أن يكون عضواً عاملاً وإنساناً كاملاً فذو البيت المغمور يقول مستنهضاً للهم أن طيب العيش وبلوغ الأرب والسمو إلى مكانة الإنسانية لا يكون بمجرد التمني الخالي عن العمل لا بل ذلك هو الضلال البعيد والسير إلى القهقرى وإنما هو بالسعي والجد وبذل الهمة فيما فيه الإصلاح والمنفعة قال صلى الله عليه وسلم علو الهمة من الإيمان وقال بعض السلف إن شئت أن لا تتعب فاتعب فكما أن خمود الهمة ليس من شيمة العاقل كذلك ليس من الإيمان في شيء فهو مذموم بالطبع والشرع لأنه
لا يوجب لصاحبه غير البوار والحلول في حضيض الهوان ولقد أظهرت التجارب أن الكسل لا يثمر إلا الفقر
تزوجت البطالة بالتواني=فأولدها غلاماً أو غلامة
فأما الابن لقبه بفقر=وأما البنت سماها ندامة
ولما كسان السعي هو المحمود عواقبه أمر به المولى سبحانه ناهياً عن ضده
فقال تعالى {فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه} وقامت البراهين الواضحة على أن جناه بلوغ الأماني فتجارته رابحة وغنيمته محصلة
خاطر بنفسك كي تصيب غنيمة=إن الجلوس مع الجبان قبيح
ولا يقعدنك عن المعالي أوهام التقاعد وجنود اليأْس فكثيراً ما ضربت خيامها علي أناس فجردتهم من معالم الإنسانية وألبستهم ثياب المذلة وأنزلتهم في حضيض البهيمية أولئك الذين طبع الله على قلوبهم فاستحبوا العمى على الهدى فلم ينظروا قول القائل
من كان يعلم أن الشهد مطلبه=فلا يخاف للدغ النحل من الم
فاستصعاب الطريق جبن والركون إلى البطالة عار فعلى العاقل أن يعد الصعب سهلاً والبعيد قريباً والجموح ذلولاً كي ينال مطلبه ويظفر بغايته.
لاستسهلن الصعب أو إدراك المنى=فما انقادت الآمال إلا لصابر
ولئن تصفحنا التاريخ لظهر لنا جلياً أنه ما وصل إنسان إلى سعة العيش ورفعة المنزلة إلا بعد أن وصل ليله بنهاره وحرم الراحة على نفسه جاعلاً نصب عينيه قول من قال:
دع الهوينا واكتسب وانتصب=وأكدح فنفس الحرّ كداحة
وكن عن الراحة في معزل=فالصفع موجود مع الراحة
اللهم إلا من أتاحت له المقادير أباً ترك له مجداً أثيلاً ومالاً كثيراً فمكث طول عمره يرتفع في بحبوحة الثروة بلا كدٍ ونصب فذلك الذي عاش في نعمة أبيه منعم الجسم مستريح البال (وقليل ما هم) على أننا لو
تأملنا في هذا لألفيناه في الواجب عليه قد قصر وفي حقوق الإنسانية لم يتبصر
لسنا وإن أحسابنا كرمت=يوماً على الأحساب نتكل
نبني كما كانت أوائلنا=تبني ونفعل مثل ما فعلوا
ولذا قال (ولكن ألق دلوك في الدلاءِ) أي فلا بد لك من دلو يكون نظير دلا أصحابك وقوة مثل قوتهم ونحو ذلك حتى يعود دلوك غرباً فيزول ظمأك ويطيب عيشك وإني لا خالك تقول كثيراً ما أدليت دلوي فلم أتحصل على ما به ارتوى فأقول الذي أدى إلى ذلك هو تخرق دلوك وقصر رشاك وضعف عزيمتك وما شاكل ذلك مما غرسته لك أيدي التفرق
أن الرماح إذا تبدد جمعها=فالوهن والتكسير للمتبدد
ولعلك تستهدي هادياً إلى ما تماثل به من يزاحمك وتسترشد مرشد إلى ما به نجاحك فأقول لك أن أقوم طريق موصل هو أن تدع الحقد والحسد والبغض لإخوانك وأن تتخذهم أخلاء أصفياء بان تعد ماله مالك وسرورهم سرورك فحينئذٍ تقوى بينكما يد المساعدة فتدلي دلوك وتنادي بالبشرى لما نلته من الحظ الأوفر قال صلى الله عليه وسلم يد الله مع الجماعة. وليس المراد من الحديث الشريف جماعة تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى وإنما المراد منه الجماعة الذين اعتصموا بحبل الله فشقوا عصا التفرق وارتضعوا لبان التآلف فصاروا كأسنان المشط في الاستواء وكالنفس الواحدة في التآم الأهواء ونبذوا الملاهي وراءَهم ظهرياً. هذا وليس الخطاب بهذا البيت مراداً به المفرد فقط بل ما هو أعم فإذا أرادت أمة أن تجاري أمة غيرها وتشرع شرعتها وتنهض نهوضها فلا بد من اتخاذ الوسائل وترتيب المقدمات