الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولو كان السائلُ لا يُعطَى حتى يُتحرَّى عنه، لَمَا اكتفَى اللهُ بوصفِهِ:{وَالسَّائِلِينَ} ، فذكَرَ اللهُ اليتامَى والمساكِينَ، وهذه أوصافٌ يجبُ على الإنسانِ أنْ يتحقَّقَ منها عندَ دَفْعِها، فليس الفقرُ بالظَّنِّ، وأمَّا السائلُ، فاكتفَى الشارعُ بذِكْرِ سؤالِهْ، عن تتبُّعِ حالِهْ، ولو كان سؤالُهُ وحدَهُ لا تبرَأُ الذِّمَّةُ بإعطائِه، لاكتفَى بذِكْرِ اليتامَى والمساكينِ وابنِ السبيلِ وفي الرقابِ؛ لأنَّ السائلَ غالبًا منهم، فجعَلَ اللهُ ابتداءَ الإنفاقِ لا بدَّ فيه مِن السؤالِ عن تحقُّقِ الحالِ المذكورةِ في القرآنِ، وأمَّا السؤالُ، فيكفِي وجودُهُ دَلَالةً على الإنفاقِ؛ لأنَّ السائلَ باحَ بوصفِ نفسِهِ، وغيرُهُ يحتاجُ إلى سؤالٍ عنه.
وفي "المسندِ"، و"سننِ أبي داودَ"، وغيرِهما؛ مِن حديثِ يَعْلَى بنِ أبي يَحْيَى، عن فَاطمةَ بِنتِ حُسَيْنٍ، عن حُسَيْنِ بنِ عليٍّ، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (لِلسَّائِلِ حَقٌّ وَإنْ جَاءَ عَلَى فَرَسٍ)(1)، ويَعْلَى لا يُعرَفُ (2)، والحديثُ ضعيفٌ.
وأخرَجَ أحمدُ، عن منصورِ بنِ حَيَّانَ الأَسَدِيِّ، عن ابنِ نَجَادٍ، عن جَدَّتِهِ؛ قالت: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (رُدُّوا السَّائِلَ وَلَوْ بِظِلْفٍ مُحْتَرِقٍ؛ أَوْ: مُحْرَقٍ)(3).
إعطاءُ الزكاة مَنْ لا يستحقُّ بغيرِ علم:
ولو عَلِمَ المُنفِقُ أنَّ الزكاةَ وقَعَتْ في يدِ غيرِ مستحِقٍّ لها، وأصبَحَ كاذبًا، أجزَأَ عنه؛ لأنَّه أدَّاها على وَجْهِها الشرعيِّ الذي أمَرَهُ اللهُ بها، والواجبُ عليه أنْ تخرُجَ مِن يدِهِ بوجهٍ مشروعٍ، وقد خرَجَتْ كذلك، وما تجاوَزَ يدَهُ: أَمْرُهُ إلى اللهِ، والقولُ بعدمِ الإجزاءِ يتنافَى مع ظاهرِ الآيةِ
(1) أخرجه أحمد (1730)(1/ 201)، وأبو داود (1665)(2/ 126)، وابن أبي شيبة (9823)(2/ 353).
(2)
ينظر: "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (9/ 303).
(3)
أخرجه أحمد (16648)(4/ 70).
وأصلِ التكليفِ؛ فالتكليفُ بعِلْمِ المكلَّفِ، لا بعلمِ غيرِه.
ولو قيلَ بعدمِ الإجراءِ، لَلَزِمَ أنْ يُقالَ ذلك فيمَنْ أنفَقَ على فقيرٍ، فاستعمَلَها في غيرِ وجهِها؛ لأنَّ المقصودَ مِن الزكاةِ سَدُّ حاجةِ الفقيرِ، ولم تتحقَّقْ كما لم تتحقَّقِ الزكاةُ إلى مُدَّعٍ للفقر كاذبٍ وهو غنيٌّ؛ ويؤيِّدُ الإجزاءَ: ما ثبَتَ في "الصحيحَيْنِ"، عن أبي هُرَيْرةَ رضي الله عنه؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:(قالَ رَجُلٌ: لَأَتَصَدَّقَّنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ، فَوَضَعَهَا فِي يَدِ سَارِقٍ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلَى سَارِقٍ! فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ! لَأَتَصَدَّقَنَّ بصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ، فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ زَانِيَةٍ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى زَانِيةٍ! فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الحَمدُ! عَلَى زَانِيَةٍ! لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ، فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ غَنِيٍّ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلَى غَنِيٍّ! فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ! عَلَى سَارِقٍ، وَعَلَى زَانِيَةٍ، وَعَلَى غَنِيٍّ! فَأُتِيَ، فَقِيل لَهُ: أَمَّا صَدَقَتُكَ عَلَى سَارِقٍ، فَلَعلَّهُ أَنْ يَسْتَعِفَّ عَنْ سَرِقَتِهِ، وَأَمَّا الزَّانِيَةُ، فَلَعَلَّهَا أَنْ تَسْتَعِفَّ عَنْ زِنَاهَا، وَأَمَّا الْغَنِيُّ، فَلَعَلَّهُ يَعْتَبِرُ فَيُنْفِقُ مِمَّا أَعْطَاهُ اللهُ)(1).
وقولُهُ تعالى: {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ} مدَحَ اللهُ أهلَ الوفاءِ بعهدِه، ومَن صبَرَ على بأسِ الفقرِ والعَوَزِ، وضُرِّ المرضِ والأذَى؛ قال تعالى عن مَرَضِ أيُّوبَ على لسانِهِ:{أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء: 83].
وفي الآيةِ: مدحٌ للصابرِ على البأساءِ والضراءِ، وهي شدائدُ الأمورِ، وهذه مواضعُ الفضلِ في الناسِ.
وفيها: إشارةٌ إلى فضلِ الصبرِ على الفقرِ، والتعفُّفِ عن السؤالِ، ما دامتِ النفسُ تَقْوَى على كفايةِ نفسِها.
(1) أخرجه البخاري (1421)(2/ 110)، ومسلم (1022)(2/ 709).