الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمدينةُ لم تكن مَنْبَتًا للخَضْرَاوَاتِ والفاكهةِ؛ لأرضِها، ولحاجتِها للماءِ، ولحرارةِ جوِّها، إلا في القليلِ يُزرَعُ كالدُّبَّاءِ وشبهِهِ.
وعملُ السلفِ على عدمِ زكاتِها؛ نقَلَهُ التِّرمِذيُّ وغيرُهُ (1)، وهو قولُ جمهورِ الفقهاءِ؛ لأنَّ الخَضْرَاوَاتِ والفاكهةَ لا تُقتاتُ ولا تُدَّخَرُ، بخلافِ الحبوبِ والثِّمارِ؛ كالشعيرِ والتمرِ، فتُدَّخَرُ سِنينَ بلا كَبِيرِ مؤونةٍ، ولا يُنتفَعُ - غالبًا - بالخَضْرَاوَاتِ والفاكِهةِ إلا في زمانِ قَطْفِها وأيامِه، وتفسُدُ إنْ طال وقتُها، فبَيْعُ الحبوبِ والانتفاعُ منها أظهَرُ وأكثَرُ مِن الخَضْرَاوَاتِ، والخضراواتُ أضيَقُ، وفي إيجابِ الزكاةِ فيها إضرارٌ بأصحابِها، إلا مَن كان يَجْعَلُها تجارةً، فتأخُذُ حُكْمَ العروضِ.
ولو ادَّخَرَ الناسُ الخَضْرَاوَاتِ والفاكهةَ في الآلاتِ واتَّخَذُوها قُوتًا، فلا زكاةَ فيها؛ لأنَّهُمْ لا يَدَّخِرُونَها إلا بمؤونةٍ وكُلْفةٍ تختلِفُ عن مؤونةِ الحبوبِ، ولا يُجمَعُ عَلَى أهلِها كُلْفتانِ؛ كُلْفةُ الادِّخارِ، وكُلْفةُ الزَّكاةِ، فيتضرَّرَ الناسُ بذلك.
وأبو حنيفةَ يقولُ بزكاةِ الخَضْرَاوَاتِ، وخالَفَهُ صاحِباهُ.
وقِيلَ بزكاةِ المَعَادنِ والنِّفْطِ والغاز الذي يَنتَفِعُ منه الناس ممَّا يخرُجُ مِن الأرضِ؛ لعمومِ الآيةِ؛ وهذا ظاهِرُ مذهبِ الحنفيَّةِ؛ لقولِهِمْ بالأخذِ بالعمومِ، والقاعِدةُ عندهم أنَّ دليلَ العمومِ يدلُّ على جميعِ أجزائِهِ دَلَالةً قطعيَّةً، والجمهورُ يَجْعَلُونَ دلالةَ العمومِ على جميعِ أجزائِهِ ظنِّيَّةً، وهذا هو الأرجَحُ، ما لم تَحتَفَّ قرائنُ بأحدِ الأجزاءِ، أو يَقُمْ دليلٌ مستقِلٌ أو عملٌ يقوِّي الأخذَ بجزءٍ أو أجزاءِ العمومِ كلِّها.
زكاةُ النَّفْطِ والبترول:
واختلَفَ مَن قال مِن أهلِ العصرِ: بزكاةِ النفطِ والغازِ في مِقْدارِ
(1) السابق.
النصابِ الذي تَجِبُّ فيهِ الزكاةُ، ومِقْدارِ الزكاةِ فيهِ، على أقوالٍ:
فمِنهُم: مَن يخرِّجُهُ عَلَى الرِّكَازِ، ويُوجِبُ فيه الخُمسَ.
ومِنهُم: مَن يقيسُهُ على الحبوبِ والثِّمارِ.
ومِنْهُم: مَن يَقِيسُهُ على النقدَيْنِ.
والنِّفْطُ والبِتْرُولُ والغازُ إذا كان مالًا عامًّا للمسلِمينَ وخَرَاجُه يكونُ لبيتِ المالِ، فلا تجبُ فيه الزكاةُ.
وإذا كان مالًا خاصًّا بفَرْدٍ يخرُجُ في أرضٍ له، فهل تجبُ فيه الزَّكاةُ؟ على الخلافِ السابِقِ.
ويَنبغي على مَن قال بالزكاةِ فيه: أنْ يفرِّقَ بين ما يخرُجُ منهُ بمؤونةٍ ومشقَّةٍ ألَّا يَجْعَلَهُ مساوِيًا لِمَا طفَحَ على الأرضِ أو قريبًا مِن سَطْحِها، فيقسَّمُ عَلَى حالَيْنِ قياسًا على الحبوبِ والثِّمارِ؛ فما كان بمؤونةٍ، فلا يجاوِزُ فيه رُبْعَ العُشْرِ، وما كان بلا مؤونةٍ، ففيه العُشْرُ؛ ففي "الصحيحِ"، عنِ ابنِ عمرَ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ قال:(فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا: العُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ: نِصْفُ العُشْرِ)(1).
وقياسُهُ على الركَازِ ضعيفٌ؛ فإنَّ الركَازَ فيه الخُمْسُ، والرِّكَازُ لا مؤونةَ فيه غالبًا؛ فهو مِن لُقَطِ الجاهليَّةِ، وممَّا عَمِلَتْهُ أيديهِم، فَلا كُلْفةَ بحَفْرِ الأرضِ أو نَحْتِ الصَّخْرِ لاستخراجِهِ، وإنْ خرَجَ بالحَفْرِ، فإِنَّه يخرُجُ تَبَعًا لا مقصودًا بالحفرِ والمؤونةِ، كمَنْ يَحفِرُ بئرًا لأجلِ الماءِ، أو ينقُلُ صخرًا لأجلِ البِناءِ، ثمَّ يَجِدُ مصادَفةً ذَهَبًا جاهليًّا، فهذا لم يَجِدْ مشقَّةً ومؤونَةً في الرِّكَازِ ذاتِهِ؛ ولذا القولُ في الشرعِ الخُمْسُ.
ولا يقاسُ على الرِّكَازِ ما يُخرِجُهُ الناس مِن المَعَادِنِ مِن الصخورِ
(1) أخرجه البخاري (1483)(2/ 126).