الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان عمرُ يفتِّشُ المسجدَ بعدَ العشاءِ، فلا يترُكُ فيه أحدًا (1).
* * *
قال اللهُ تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 127].
مِن معاني الرَّفْعِ في القرآن:
المرادُ بالرفعِ هنا: هو البناءُ والتشييدُ؛ وذلك لقرينةِ قولِه: {الْقَوَاعِدَ} ، وقد يَرِدُ الرفعُ ويرادُ له التطهيرُ والتنزيهُ؛ كما في قولِهِ تعالى:{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [النور: 36]؛ فالرفعُ هنا: رفعُ شأنِها بالعبادةِ والذِّكْرِ والدعاءِ، وتنزيهُها عن اللَّغوِ ورديءِ القولِ.
عمارةُ المساجِدِ وصفتها:
وفي الآيةِ: دليلٌ على مشروعيَّةِ عِمارةِ المساجدِ وتشييدِها ورَفْعِها وإحسانِ بنائِها، وأنَّ مِثلَ هذه المهمَّةِ شرفٌ عظيمٌ خَصَّ اللهُ به إمامَ الحنيفيَّةِ إبراهيمَ وابنَه إسماعيلَ، وهو فيمَن دُونَهم أحقُّ، وفضلُ بناءِ المساجدِ وتشييدِها ورَدَتْ به نصوصٌ كثيرةٌ متواترةٌ؛ ففي "الصحيحَيْنِ"، عن عثمانَ بن عفانَ رضي الله عنه؛ قال: سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: (مَنْ بَنَى مَسْجِدًا يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللهِ، بَنَى اللهُ لَهُ مِثلَهُ فِي الجَنَّةِ)(2).
وعند أبي داودَ، والتِّرمِذيِّ، عن عائشةَ؛ قالتْ:"أمَرَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ببناءِ المساجدِ في الدُّورِ، وأنْ تنظَّفَ وتطَيَّبَ"(3).
(1)"مسند الفاروق" لابن كثير (1/ 156).
(2)
أخرجه البخاري (450)(1/ 97)، ومسلم (533)(1/ 378).
(3)
تقدم تخريجه.
وليس للمسجدِ صورةٌ أو هيئةٌ معيَّنةٌ يُبنَى عليها؛ سواءٌ بُنِيَ مستديرًا أو مربَّعًا، أو مستطيلًا أو مثلَّثًا، وإنَّما المقصودُ أن يكونَ بناءً يَجْمَعُ الناسَ ويُكِنُّهم؛ قال البخاريُّ:"قال عمرُ: أَكِنَّ النَّاسَ مِنَ المَطَرِ، وَإِيَّاكَ أَنْ تُحَمِّرَ أوْ تُصَفِّرَ، فَتَفْتِنَ النَّاسَ"(1).
ولذا كانتِ الكَعْبةُ على غيرِ صفةٍ معيَّنةٍ؛ فليستْ بالمربَّعةِ ولا المستطيلةِ المستويةِ ولا المستديرةِ، فلها زوايا مِن جهةِ اليمنِ، واستدارةٌ مِن جهةِ الشامِ ناحيةَ الحِجْرِ.
والذي ينبَغي: أنْ تُتْقَنَ المساجدُ بناءً كما تُتْقَنُ البيوتُ، لا أنْ تُصفَّرَ وتُزخرَفَ؛ كما يصنعُ الناسُ في بيوتِهم؛ وإنَّما ينبَغي أنْ يكونَ البناءُ مُتقَنًا حَسَنًا كما يُتْقِنون بيوتَهم؛ فلا تكونُ مساجدُهم دونَ جَوْدةِ بيوتِهم.
فقد أخرَجَ أحمدُ؛ مِن حديثِ ابن إسحاقَ: حدَّثَني عمرُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ، عن عُرْوةَ بنِ الزُّبَيْرِ، عمَّن حدَّثه مِن أصحابِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ قال:"كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يأمُرُنا أنْ نَصْنَعَ المَسَاجِدَ في دُورِنَا، وأنْ نُصلِحَ صَنْعَتَها ونُطهِّرَها"(2).
والمقصودُ بالدُّورِ في الحديثِ هنا: هو أماكنُ مجامعِ الناسِ، وهي مواضعُ القبائلِ؛ كما في الحديثِ:(خَيْرُ دُورِ الأَنْصَارِ: بَنُو النَّجَّارِ، ثُمَّ بَنُو عبدِ الأَشْهَلِ، ثُمَّ بَنُو الحَارِثِ بنِ خَزْرَجٍ، ثُمَّ بَنُو سَاعِدَةَ، وَفِي كُلِّ دُورِ الأَنْصَارِ خَيْرٌ)؛ رواهُ الشيخانِ، عن أبي أُسَيْدٍ (3).
وبهذا فسَّرَهُ سُفْيانُ الثَّوْريُّ ووَكِيعٌ، وفيه دليلٌ على تعدُّدِ المساجدِ بحسَبِ حاجةِ الناسِ، وأنَّ ذلك واجبٌ لإقامةِ الصلاةِ.
ورفعُ قواعدِ البيتِ في الآيةِ أُرِيدَ به: إبرازُها لتُرَى فتعظُمَ في نفسِ
(1) أخرجه البخاري معلَّقًا (1/ 96).
(2)
أخرجه أحمد (23146)(5/ 371).
(3)
أخرجه البخاري (3789)(5/ 33)، ومسلم (2511)(4/ 1949).