الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هو الملازِمُ للشيءِ؛ أيِ: الماكِثُ الملازِمُ للبيتِ الحرامِ؛ سواءٌ كان مِن أهلِ مكةَ أو مِن غيرِ أهلِها، وسواءٌ كان مُكْثُهُ وطولُ بقائِهِ يصاحِبُهُ صلاةٌ أو طوافٌ، أو لا، ولو كان الماكثُ فيه نائمًا فهو مِن العاكِفِينَ فيه؛ إذا ظهَرَ مِن بقائِه قصدُ التعبُّدِ والقُرْبِ.
روى ابنُ أبي حاتمٍ؛ مِن حديثِ حَمَّادِ بنِ سَلَمةَ، حدَّثنا ثابتٌ؛ قال:"قلتُ لعبدِ اللهِ بنِ عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ: ما أُراني إلا مُكلِّمَ الأميرِ أنْ يمنَعَ الذين ينامونَ في المسجدِ الحرامِ؛ فإنَّهم يَجْنُبُونَ ويُحْدِثُونَ؟ قال: لا تَفعَلْ؛ فإنَّ ابنَ عمرَ سُئِلَ عنهم؟ فقال: هم العاكفون"(1).
وروى عن عطاءٍ، عن ابنِ عبَّاسٍ؛ قال:"إذا كان جالسًا، فهو مِن العاكفين"(2).
ونحوُهُ عن عطاءٍ (3).
وأخرَجَ عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، عن سُوَيْدِ بنِ غَفَلَةَ؛ قال:"مَن قعَدَ في المسجِدِ وهو طاهرٌ، فهو عاكفٌ حتى يخرُجَ منه"(4).
التفاضُلُ بين الطواف والصلاةِ:
وفي الآيةِ قدَّمَ الطوافَ على الاعتكافِ والصلاةِ؛ لأنَّ الطوافَ تحيةُ البيتِ، وهو يقومُ مقامَ الصلاةِ للداخلِ إليه؛ وبهذه الآيةِ استَدَلَّ بعضُ فقهاءِ الشافعيَّةِ على فضلِ الطوافِ على الصلاةِ (5).
ومِن السلفِ مَنْ قال: إنَّ الطوافَ أفضَلُ للآفَاقِيِّ خاصَّةً؛ يعني: الزائرَ المغترِبَ، وأمَّا المكيُّ، فالصلاةُ في حقِّه أفضلُ؛ وبه قال
(1)"تفسير ابن أبي حاتم"(1/ 229).
(2)
"تفسير ابن أبي حاتم"(1/ 228).
(3)
"تفسير الطبري"(2/ 535).
(4)
"الدر المنثور"(1/ 295).
(5)
"الحاوي الكبير"(4/ 134).
ابنُ عباسٍ (1)، ومجاهِدٌ (2)، وعطاءٌ، وسعيدُ بنُ جُبَيْرٍ (3)، وغيرُهم.
روى عبدُ الرزَّاقِ، عن ابنِ جُرَيْجٍ؛ قال: كنتُ أسمعُ عطاءً يسألُهُ الغُرَباءُ: الطوافُ أفضلُ لنا أم الصلاةُ؟ فيقولُ: أمَّا لكم، فالطوافُ أفضلُ؛ إنَّكم لا تَقْدِرُونَ على الطوافِ بأرضِكم، وأنتم تَقْدِرُونَ هناك على الصلاةِ (4).
وهو وجيهٌ؛ وذلك أنَّ الطوافَ لا يتحقَّقُ في كلِّ موضعٍ إلا في البيتِ، وهي خَصِيصةٌ له، ولمَّا كان الآفاقيُّ لا يتحقَّقُ له الطوافُ إلا في البيتِ إذا وَفَدَ إليه، فالطوافُ له أفضلُ؛ بخلافِ المكيِّ، فهو يُدرِكُ الصلاةَ والطوافَ على السواءِ في مسجدِ بلدِه، وهو المسجدُ الحرامُ، فبَقِيَتِ الصلاةُ أفضلَ؛ لفضلِ جنسِها، ولِمَا تشتمِلُ عليه من سجودٍ وركوعٍ ودعاءٍ وتسبيحٍ؛ وهذا تعظيمٌ وتذلُّلٌ لا يظهرُ في الطوافِ ظهورَهُ في الصلاةِ، ثمَّ إنَّ الطوافَ ينوبُ عن الصلاةِ في تحيةِ البيتِ، والبدلُ يأتي بعدَ المُبْدَلِ منه؛ كالوضوءِ مع التيمُّمِ، والآفاقيُّ الأفضلُ له أنْ يطوفَ تحيَّةً للبيتِ، ولو صلَّى ركعتَيْنِ، أجزَأَ عنه، والمكيُّ الأفضلُ له أنْ يصلِّيَ ركعتَيْنِ تحيةً للبيتِ، ولو طافَ، أجزَأَ عنه، ولا ينبَغي للمَكِّيِّ أنْ يُخْلِيَ نَفْسَهُ مِن تعاهُدِ البيتِ بالطوافِ؛ كما كان السلفُ مِن الصحابةِ والتابعينَ المكيِّينَ يَفْعَلون.
وإذا أطالَ الآفاقيُّ المقامَ عندَ البيتِ، فالصلاةُ له أفضلُ، ومِن السلفِ مَنْ حَدَّهُ بأربعينَ يومًا؛ كعطاءٍ والحسنِ، روى عبدُ الرزَّاقِ، عن هشامٍ، عن الحسنِ وعطاءٍ؛ قالا: "إذا أقامَ الغريبُ بمَكَّةَ أربعينَ يومًا،
(1) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(15042)(3/ 371).
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(15044)(3/ 372).
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(15041)(3/ 371).
(4)
أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(9027)(5/ 70).