الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا الذي عليه الدليلُ، وعليه أكثرُ الصحابةِ والتابِعِينَ.
ومِن السلفِ والفقهاءِ: مَن نَهَى عمَّا دونَ الإزارِ؛ لأنَّه حَرِيمُ الفَرْجِ، وقد يكونُ ذريعةً للوصولِ إلى الفرجِ والوطءِ؛ وهو قولٌ للشافعيِّ.
وما رُوِيَ عن بعضِ السلفِ مِنْ كراهةِ مضاجَعةِ الحائضِ في لحافٍ واحدٍ؛ كما جاءَ عن عَبِيْدةَ السَّلْمَانِيِّ، وكراهةِ بعضِ السلفِ مُضاجعتَها في فراشٍ واحدٍ، كما جاء عن ابنِ عباسٍ: فهذا محمولٌ على الاحتياطِ؛ إمَّا لحالِ السائلِ، وإمَّا لحالِ المرأةِ أنْ تكونَ لا تَجِدُ ما تَسْتَثْفِرُ به، فتُنجِّسَ الفِرَاشَ ولباسَ زَوْجِها.
وهذا لا يقعُ على أصلِ المسألةِ؛ وإنَّما على الحالِ الخاصَّةِ، فمَن خَشِيَ على نفسِهِ المواقَعةَ، نُهِيَ عن المضاجَعةِ، كما يُنهَى الصائمُ عن القُبْلةِ وأصلُها مباحٌ.
ولهذا رُوِيَ عن ابنِ عباسٍ: جوازُ ما فوقَ الإزارِ للرجلِ مِن امرأتِهِ الحائضِ، بل ما دُونَ ذلك؛ كما رواهُ عنه عِكْرِمةُ (1).
كَفَّارةُ وَطْءِ الحائضِ:
ومَن وَطِئَ امرأتَهُ زمنَ الحيضِ، فقد أَثِمَ بلا خلافٍ، واختلَفَ العلماءُ في لزومِ الكفارةِ عليه، وهي الصدقةُ، على قولَيْنِ:
الأولُ: عدمُ لزومِ شيءٍ إلا التوبةَ؛ وهو قولُ جمهورِ السلفِ والفقهاءِ، وبعضُ هؤلاء الفقهاءِ يَرَى أنَّ الكفارةَ بالصَّدَقةِ مستَحَبَّةٌ لا واجِبةٌ؛ وهو قولُ الحنفيَّةِ، والشافعيِّ في الجديدِ.
والثاني: يلزمُهُ الكفارةُ، وهي الصَّدَقةُ، وهو قولُ أحمدَ؛ لما في
(1) ينظر: "تفسير الطبري"(3/ 727).
"المسندِ" و"سنن أبي داود"، عن ابنِ عباسٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأتَهُ وهي حائضٌ: يتصدَّقُ بدينارٍ أو نصفِ دينارٍ (1).
وهذا الحديثُ صحَّحَهُ أحمدُ فيما نقَلَهُ أبو داودَ عنه.
والذين قالوا بالصدقةِ اختَلَفُوا في مقدارِها:
فمنهم: مَن أطلَقَ، ولم يُعيِّنْ.
ومنهم: مَن خيَّرَ بِينَ الدينارِ ونصفِ الدينارِ.
ومنهم: مَن جعَل في الجماعِ زمنَ الدمِ الشديدِ دينارًا، وزمنَ الدمِ الخفيفِ كالأصفرِ نصفَ دينارٍ؛ وهذا إنَّما قالوه للتخييرِ أو الشكِّ في الحديثِ.
ورُوِيَ في ذلك أقوالٌ لا يعضُدُها خبرٌ ولا قياسٌ صحيحٌ؛ كالقولِ بأنَّ الكفارةَ بَدَنَةٌ؛ وهو مرويٌّ عن سعيدٍ، وكالقولِ بأنَّ الكفارةَ ككَفَّارةِ المُجامِعِ في نهارِ رمضانَ.
وحديثُ ابنِ عباسٍ جاء موقوفًا ومرفوعًا، وموصولًا ومرسَلًا؛ والصوابُ فيه الوقفُ.
والأظهرُ: عدَمُ وجوبِ الكفَّارةِ، وإنَّما كان السلفُ يَحُثُّونَ على الصدقةِ مع التوبةِ؛ لأنَّ الصدقةَ ثَبَتَ في الخبرِ مَحْوُها للذنوبِ، وأثرُها في التكفيرِ عظيمٌ، ولا يعني ذلك اختصاصَ الصدقةِ بالجِمَاعِ للحائضِ، كاختصاصِ كفَّارةِ الظِّهَارِ للمظاهِرِ، وكفَّارةِ اليمينِ للحانِثِ.
والتخييرُ في الحديثِ قرينةٌ على ذلك، والصَّدَقةُ مستحبَّةٌ في كلِّ حينٍ، ومع كلِّ ذنبٍ، وهي عندَ المغلَّظاتِ آكَدُ.
(1) أخرجه أحمد (2121)(1/ 237)، وأبو داود (264)(1/ 69).