الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الزوجَيْنِ على قَدْرٍ مفصَّلٍ يعالِجُ النفوسَ، ويُبقِي الصلةَ بينَ الزوجَيْنِ.
وقد حَفِظَ اللهُ حقَّ الزوجةِ مِن زوجِها، ورفَعَ ظُلْمَهُ عنها؛ لأنَّ الرَّجُلَ يَقضِي وطَرَهُ بزوجةٍ أخرى، وله في ذلك ثلاثُ زوجاتٍ غيرُها، أو بأَمَتِهِ، ولا حَدَّ له في ذلك، وأمَّا الزوجةُ، فلا تَقضِي حاجتَها إلَّا بزَوْجِها، ولا يَحِلُّ لها أن يَقرَبَها عبدُها، فكانَ الأذى عليها في ذلك ظاهرًا، فجَعَلَ اللهُ حَدًّا لذلك؛ حتَّى لا تُظلَمَ ويفسُدَ دِينُها.
وهذه الآيةُ. ممَّا ليس في السُّنَّةِ شيءٌ يبيِّنُ فيها صفةَ الإيلاءِ وكيفيَّةَ الفَيْءِ، ووقوعَ الطلاقِ وصفتَهُ؛ ولذا قال الشافعيُّ في "رسالَتِهِ":"لم يُحفَظْ عن رسولِ اللهِ فىِ هذا شيئًا"(1).
أنواعُ الإيلاءِ:
والإيلاءُ على نوعَيْنِ؛ مشروعٍ، وممنوعٍ:
الأولُ: الجائِزُ المشروعُ، ويكونُ بشرطَيْنِ: ألَّا يتجاوَزَ أربعةَ أشهرٍ، وألَّا يُقصَدَ به الإضرارُ بالزوجةِ، فإنْ قُصِدَ به الإضرارُ بالزوجةِ، فلا يجوزُ ولو كان دونَ أربعةِ أشهرٍ؛ كمَنْ يُؤْلِي مِنْ نسائِهِ ثلاثةَ أشهرٍ وشيئًا، ثُمَّ يَفِيءُ، ثُمَّ يُؤْلِي مِثلَها، ثُمَّ يَفِيءُ، فيُجامِعُ زوجتَهُ في العامِ ثلاثَ أو أربعَ مرَّاتٍ؛ فالضَّرَرُ محرَّمٌ ولو كان في صُورةِ الجائِزِ، ولا عِبْرةَ بالمُدَّةِ ولو كانت أيَّامًا معدوداتٍ؛ كمَن يَعلَمُ ضَرَرَ زوجتِهِ بتَرْكِها أيَّامًا، فقصَدَ ذلك.
وأمَّا الإيلاءُ دونَ أربعةِ أشهُرٍ بلا ضَرَرٍ، وبمقصدٍ شرعيٍّ؛ كقصدِ التأديبِ والتهذيبِ والإصلاحِ، فلا حرَجَ فيه؛ لفِعلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم له، فقد آلَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم مِن نِسَائِهِ شَهْرًا؛ كما ثبَتَ في "الصحيحِ"؛ مِنْ حديثِ أنسٍ (2)، وأُمِّ سَلَمةَ (3).
(1)"الرسالة"(578).
(2)
أخرجه البخاري (378)(1/ 85).
(3)
أخرجه البخاري (1910)(3/ 27).
والثاني: الممنوعُ؛ وهو: الإيلاءُ فوقَ أربعةِ أشهرٍ؛ قُصِدَ به الإضرارُ أم لم يُقصَدْ به؛ لتحقُّقِ الضررِ غالبًا، ولو لم يَقصِدْهُ، ولمخالَفَتِهِ لأمرِ اللهِ وحُكْمِه.
وقيَّد بعضُ المفسِّرينَ الإيلاءَ بقصدِ إصرارِ الزوجِ بزوجتِهِ؛ قالوا: وإذا لم يقصدِ الإضرارَ بها، فهو قَسَمٌ ويمينٌ كسائرِ الأيمانِ، وبعضُهم: جعَلَ كُلَّ حَلِفٍ بعدمِ قُرْبِها إيلاءً ولو لم يقصِدِ الإضرارَ بها:
ذهَبَ إلى المعنى الأوَّلِ: عليُّ بنُ أبي طالبٍ، وابنُ عبَّاسٍ، والحسنُ، وعطاءُ بنُ أبي رَبَاحٍ، وابنُ شهَابٍ الزُّهْريُّ.
رُوِيَ عن عليٍّ وابنِ عبَّاسٍ مِنْ وجوهٍ؛ قالا: "لا إيلاءَ إلَّا بغَضَبٍ"(1).
ولذا فهم يَجْعَلُونَ كُلَّ حَلِفٍ سبَبُهُ غيرُ الغَضَبِ يمينًا لا إيلاءً؛ كمَن يَحلِفُ ألَّا يَقرَبَ زوجتَهُ لأنَّها تُرضِعُ أو لمَرَضِها؛ يُرِيدُ حَبْسَ نفسِهِ عنها؛ روى اينُ جريرٍ، عن ابنِ جُرَيْجٍ، عن عَطَاءٍ؛ قَالَ:"إذا حَلَفَ مِنْ أَجْلِ الرَّضَاعِ، فَلَيْسَ بِإِيلَاءٍ"(2).
وإنَّما قيَّدَ بعضُ السلفِ الإيلاءَ بما كان في الغَضَبِ والضِّرَارِ؛ لأنَّ اللهَ إنَّما جعَلَ الإيلاءَ مَخْرَجًا للمرأةِ مِن أذِيَّةِ زوجِها لها بتَرْكِ قُرْبِها، وإذا كان حَلِفُهُ بغيرِ غَضَبٍ ولا إضرارٍ، فإنَّما فعَلَ ذلك لمصلحةِ زوجَتِه لِتُتِمَّ رَضَاعَها أو تَشْفَى مِن مَرَضِها، فهذا لحظِّ الزوجةِ، وطلبًا لرِضَاها، وليس للإضرارِ بها.
وذهَبَ إلى المعنى الثاني؛ أيْ: أنَّ كُلَّ حَلِفٍ مِن الزوجِ ألَّا يَقرَبَ زوجتَهُ، فهو إيلاءٌ أيًّا كان سبَبُهُ - قصَدَ الإضرارَ أو لم يَقصِدْهُ، كان عن غَضَبٍ أو عن رضًا - وقال له الشَّعْبيُّ والنَّخَعيُّ.
(1)"تفسير الطبري"(4/ 45 - 46).
(2)
"تفسير الطبري"(4/ 47).