الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخروجَ مِن عِدَّتِها أرجَعَها؛ لتستأنِفَ عِدَّةً جديدةً بطلاقٍ جديدِ؛ لتطُولَ عِدَّتُها وتكونَ بلا زوجٍ، فمنَعَ اللهُ مِن ذلك، وأنَّه لا يجوزُ إرجاعُها إلَّا لِمَن أرادَ المعروفَ، وإلَّا فيجبُ تسريحُها حتَّى تخرُجَ مِن عِدَّتِها فتَبِينَ منه.
وهذا المرادُ بإجماعِ المفسِّرينَ؛ نصَّ عليه ابنُ عبَّاسٍ ومسروقٌ والحسَنُ ومجاهِدٌ والزُّهْريُّ وقتادةُ (1).
وقيل: إنَّ سببَ النزولِ أنَّ رجلًا أرجَعَ زوجتَهُ بعدَ طلاقِها وقبلَ أجلِها؛ ليطلِّقَها ولا حاجةَ له بها؛ كما يطوِّلَ عليها العِدَّةَ بذلك؛ فأنزَلَ اللهُ الآيةَ.
رواهُ مالكُ بنُ أنسٍ عن ثورِ بنِ زيدٍ الدِّيليِّ مرسَلًا؛ أخرَجَه ابنُ جريرٍ (2).
والمرادُ مِن قولِه تعالى: {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} ؛ أيْ: قارَبْنَ انقضاءَ العِدَّةِ، وليس الخلاصَ منها باتِّفاقِ المفسِّرينَ؛ لأنَّ المرأةَ إذا خرجَتْ مِن عِدَّتِها، فليس لزوجِها عليها سبيلٌ.
وأمَّا قولُه في الآيةِ التَّاليةِ: {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} [البقرة: 231]، فالمرادُ هو الخروجُ مِن العِدَّةِ باتِّفاقِهم، على خلافِ هذا الموضعِ؛ لأنَّ السياقَ يبيِّنُه.
ويُروى عن شَريكٍ: أنَّ الزوجَ أحَقُّ بزوجتِه ما لم تغتسِلْ، ولو فَرَّطَتْ في الغُسْلِ عِشرينَ سَنةً (3)؛ وهذا على قولِ مَن فسَّر القرءَ بالحيضِ.
تطليقُ المرأةِ في عدَّةِ الطلاق:
وليس المرادُ مِن قولِه: {أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} إنزالَ طلاقٍ جديدٍ؛
(1) ينظر: "تفسير الطبري"(4/ 179، 181).
(2)
"تفسير الطبري"(4/ 181).
(3)
"تفسير القرطبي"(4/ 43).
فهذا منهيٌّ عنه، بل تَرْكُها على سراحِها الأوَّلِ لتخرُجَ مِن عِدَّتِها؛ ومِن هذا يُؤخَذُ أنَّ إنزالَ الطلاقِ زمَنَ العِدَّةِ منهيٌّ عنه، والمباحُ هو إرجاعُها بقصدِ المعروفِ، ولو طلَّقَها بعد ذلك بغيرِ قصدِ الإضرارِ، جاز.
وفي الآيةِ دليلٌ لِمَنْ قال: إنَّ الطلاقَ في عِدَّةِ الطلاقِ لا يقَعُ؛ لأنَّه لو كان واقِعًا، ما احتاجَ إلى رجعةٍ، ثمَّ طَلْقةٍ، وإنَّما طلَّقَها طلقةً أُخرى على طَلْقَتِها التي تعتَدُّ بها.
وقال المالكيَّةُ والشافعيَّةُ والحنابلةُ: إنَّ الطلاقَ يقَعُ، ولكنَّها لا تستأنِفُ العدَّةَ، بل تبني علي عِدَّتِها الأُولى؛ لأنَّ اللهَ قال:{وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} ؛ فيَظهَرُ مِن ذلك أنَّ الإضرارَ لا يقَعُ مِن غيرِ إمساكٍ.
وفي الآيةِ كذلك: أنَّ الزوجةَ المطلَّقةَ طلاقًا بعدَ رجعةٍ مِن طلاقٍ: تستأنِفُ العِدَّةَ مِن طلاقِها الثاني لا تُكمِلُ الأَوَّلَ، ولو لم يُجامِعْها في رجعتِها، فلا أثَرَ لعدمِ الجماعِ في الاستئنافِ الجديدِ؛ وذلك أنَّ اللهَ قال:{وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} ، والإضرارُ يكونُ بطولِ مُدَّةٍ بلا جماعٍ بطلاقٍ، ثم رجعةٍ بلا جماعٍ، ثمَّ طلاقٍ جديدٍ، فإذا جامَعَها، فلم يُرِدْ برجعتِهِ إضرارًا؛ وهذا هو الأرجحُ، وهو قولُ أبي حنيفةَ والشافعيِّ في الجديدِ والمالكيَّةِ، وهو قولٌ لبعضِ فقهاءِ الحنابلةِ.
القولُ الثَّاني: أنَّ الزوجةَ تَبْنِي على ما مَضَى مِن عِدَّتِها الأُولى.
وهو قولُ الشافعيِّ القديمِ وداودَ الظَّاهِريِّ، وقولٌ لبعضِ الفقهاءِ مِنَ الشافعيَّةِ والحنابلةِ، وحمَلُوا ذلك على قولِهِ تعالى:{ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: 49].
ولو كانتِ المرأةُ لا تعتدُّ عِدَّةً جديدةً، لبَيَّنَهُ اللهُ كما بَيَّنهُ في غيرِ المدخولِ بها في سورةِ الأحزابِ، ولكان ذلك مُسقِطًا للعِدَّةِ الجديدةِ