الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اشتراطُ الحَوْلِ للزكاة:
وإذا كسَبَ الإنسانُ مالًا يَبلُغُ نصابًا بنفسِهِ عندَ كسبِهِ، ولم يكنْ لدَيْهِ مالٌ مِن قبلُ، فلا زكاةَ عليهِ حتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الحَوْلُ، ويَبدَأُ حولُهُ مِن وَقتِ كَسْبِه؛ لعمومِ الحديثِ وعملِ الصحابةِ وفتواهُم؛ كأبي بكرٍ وعليٍّ وابنِ عُمرَ وعائشةَ.
المالُ المكتسَبُ أثناء الحَوْلِ:
ومَن كان لدَيْهِ مالٌ غيرُ المكتسَبِ وقد بلَغَ مالُهُ الذي عندَهُ نصابًا، ثمَّ اكتسَبَ مالًا في أثناءِ الحولِ، فلا يخلُو المالُ المكتسَبُ مِن أحوالٍ:
الأولى: إنْ كانَ المالُ المستفادُ مِن جِنْسِ مالِهِ الذي عندَهُ مِن قبلُ، وهو نماءٌ له؛ كنماءِ التِّجارةِ وكَسْبِها بالمضارَبةِ، ونماءِ الماشيةِ منها، فهذا المالُ المكتسَبُ يَتْبَعُ حَوْلَ أصلِ مالِه؛ لأنَّ المكتَسَبَ فرعٌ له، فيأخُذُ حكمَ أصلِهِ؛ وهذا قول عامَّةِ العلماءِ، ولا يُعرَفُ في السلفِ والأئمَّةِ الأربعةِ مخالِفٌ، ومثلُ هذا النماءِ في المالِ يشقُّ حسابُهُ وجعلُ حولٍ خاصٍّ به، ومِثْلُهُ: لو كان لا بُدَّ مِن نَقْلِهِ لِشِدَّةِ الحاجةِ إليه، فنماءُ الماشيةِ كثيرٌ في أثناءِ حولِها، ونماءُ التجارةِ ربما يكونُ كلَّ يومٍ عندَ أهلِ المالِ الوفيرِ والتجارةِ الواسعةِ.
الثانيةُ: إذا كان المالُ مِن غيرِ جِنسِ المالِ المكتسَبِ؛ كأنْ يكونَ كسَبَ عقارًا، ومالُهُ نَقْدٌ أو اكتسَبَ نقدًا ومالُهُ عروضٌ، فقد اختلَفَ العلماءُ حولَ المالِ المكتسَبِ ونصابِهِ: هل يَتْبَعُ مالَ صاحِبِهِ، أم يَنْفرِدُ المالُ المكتسَبُ بحَوْلٍ جديدٍ، ونصابٍ جديدٍ؟ ذهَبَ جمهورُ العلماءِ: إلى أنهُ يستقِلُّ بنفسِهِ بحولٍ ونصابٍ جديدَيْنِ؛ وهو مرويٌّ عن أبي بكرٍ وعُمَرَ وعثمانَ وعليٍّ.
وذهَبَ أحمدُ - في روايةٍ -: أنَّه يُزكَّى حينَ استفادتِهِ؛ وهو مرويٌّ عن ابنِ مسعودٍ، وابنِ عباسٍ، ومعاويةَ، والأوزاعيِّ.
ورُوِيَ عن أحمدَ فيمَنْ باع دارَهُ بعَشَرةِ آلافِ دِرْهَمٍ إلى سنةٍ؛ فإنَّه يُزَكِّيهِ إذا قبَضَهُ (1)، وهذا منهُ؛ لأنَّ المالَ حَقَّ له مِن أوَّلِ الحولِ، ولكنَّه أُجِّلَ كالدَّيْنِ في الذِّمَّةِ فيُزَكِّيهِ إذا قبَضَهُ، وقد رواهُ غيرُ واحدٍ عن أحمدَ بهذا المعنى.
الثالثةُ: أنْ يَكتسِبَ مالًا مِن جنسِ مالِهِ الذي قام في مُلْكِه، وقامَ نصابُهُ، وبدَأَ حولُهُ، ولكنَّ المالَ المكتسَبَ ليس فرعًا لمالِهِ الأصلِ، ولا نماءً له؛ فَلَيْسَ رِبْحًا مِن تجارتِهِ، ولا نماءً لماشيتِهِ؛ وإنَّما كسَبَهُ يصفةٍ أُخرى كالهِبَةِ أو اللُّقَطةِ أو الشِّرَاءِ مِن غيرِ مالِهِ الأصليِّ، كأنْ يكونَ لدَيْهِ ماشيةٌ أو نَقْدٌ أو عقارٌ، فيُهْدَى له عقارٌ أو نقدٌ أو ماشيةٌ؛ فقد اختلَفَ العلماءُ في هذه الحالِ:
ذهَبَ طائفةٌ: إلى أنَّه يَتْبَعُ أصلَ المالِ ما دامَ مِن جِنسِهِ مطلَقًا؛ وهذا قولُ الشافعيِّ وأبي حنيفةَ.
وقال آخَرُونَ: بأنَّ حَوْلَهُ مستقِلٌ ما دام ليس فرعًا ولا نماءً للأوَّلِ، ولو كان مِن جِنْسِهِ؛ أخذًا بظاهرِ النصوصِ؛ كما في الحديثِ:(مَنِ اسْتَفَادَ مَالًا. . .)(2)، والمالُ المستفادُ هو ما كان له أصلٌ، والحديثِ الآخَرِ:(لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الحَوْلُ).
وعمومُ الحديثَيْنِ محتمِلٌ لكِلا القولَيْنِ يتأوَّلُهما كلٌّ عَلَى وجهِه، والأحوَطُ جعلُ المالِ المستفادِ تَبَعًا للمالِ الأصلِ إذا كان مِن جِنسِهِ بكلِّ حالٍ، كان فرعًا له أو لم يَكُنْ.
وتجبُ - أيِ: الزكاةُ - فيما زاد على النصابِ بالحسابِ، إلا في السائمةِ؛ فلها حسابٌ منصوصٌ، لا يصحُّ فيه القياسُ.
(1) ينظر: "المغني" لابن قدامة (2/ 468).
(2)
أخرجه الترمذي (631)(3/ 16).