الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في صورةِ إيلاءٍ؛ لأنَّ اللَّهَ قال: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ} ؛ أيْ: بعدَ الأربعةِ الأشهُرِ، لا قبلَها، فالطلاقُ لم يكن عليه العَزْمُ إلَّا بعد انقضاءِ الأجَلِ.
والفاءُ في قولِه: {فَإِنْ فَاءُوا} ، وعطفُ عزمِ الطلاقِ على الفيءِ في قولِه:{وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ} : دليلٌ على عدمِ تبييتِ عزمِ الطلاقِ قبلُ، وعطفُ عزمِ الطلاقِ والفيءِ؛ لكونِهما في زمنٍ واحدٍ بعدَ الأجلِ، ويخيَّرُ بينَهما الزوجُ، والفاءُ جوابٌ للشرطِ وما هو في معنى الشرطِ.
* * *
الطلاقُ: مأخوذٌ مِن الإطلاقِ بعدَ قَيْدٍ، وهو الفَكُّ والحَلُّ بعدَ عقدٍ؛ فعِصْمةُ المرأةِ مقيَّدةٌ بيدِ زَوْجِها، وأمرُها في حقِّها بالاستمتاعِ ينفسِها معقودٌ بزَوْجِها، وفَكُّ القيدِ وحَلُّ العَقدِ هو الطلاقُ في الشريعةِ.
طلاق الجاهلية:
وكان الرَّجُلُ في الجاهليَّةِ إذا أرادَ طلاقَ امرأتِهِ، قالَ لها:"اذْهَبِي؛ فلا أَنْدَهُ سَرْبَكِ"؛ ومعنى دلك: لا أَرُدُّ إِبِلَكِ الذَّاهِبَةَ في سَرْبِها، بل أترُكُها لتذهَبَ حيثُ شاءَتْ.
ويطلِّقونَ كذلك بقولِهم: "حَبْلُكِ على غَارِبِكِ".
وربَّما طَلَّقَتِ المرأةُ في الجاهليَّةِ زَوْجَها إذا غابَ عنها؛ تقومُ بتحويلِ باب بيتِها إلى جهةٍ أخرى فتطلُقُ منه؛ كما ذكرَهُ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ.
والتربُّصُ هو الانتظارُ، وإنَّما جُعِلَ بصيغةِ الخبرِ والمرادُ به الأمرُ؛
كما في قولِه تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233]، وإنَّما جعَلَ اللهُ ذلك لَهُنَّ وبأنفُسِهِنَّ؛ لأنَّ الرَّجُلَ لا يَعْتَدُّ بطلاقِ امرأتِهِ، إلَّا الرابعةَ منهُنَّ، فيعتدُّ معها حتَّى تخرُجَ مِن عِدَّتِها، فيتزوَّجَ غيرَها؛ حتَّى لا يأخُذَ خامسةً والرابعةُ زوجةٌ له ما دامَتْ في العِدَّةِ.
والقولُ قولُ المرأةِ ما دامَتْ ثقةً في دِينِها في بَدْءِ حَيْضِها وانتهائِه؛ لأنَّ هذا الأمرَ لا يُعلَمُ إلَّا بِها، وهي مستأمَنَةٌ عليه، وعلى ما في بَطْنِها لو كانت حاملًا مِن زوجِها؛ أن تُخبِرَ بذلك ولو كرِهَتْهُ؛ حتَّى لا تَختلِطَ الأنسابُ، وعِدَّةُ الحاملِ غيرُ عِدَّةِ غيرِها، فلا يَحِلُّ لها كتمانُ ما في بطنِها مِنْ حَمْلٍ، أو طُهْرٍ أو حَيْضٍ؛ استعجالًا لخروجِها مِنْ عِصْمةِ زَوْجِها.
والقولُ قولُها ما لم تُخبِرْ بمُحَالٍ أو أمرٍ بعيدٍ؛ كحيضِها في مُدَّةٍ لا تحيضُ النِّسَاءُ فيها، قال ابنُ المُنذِرِ:"وقال كلُّ مَن حَفِظْتُ عنه مِن أهلِ العِلْمِ: إذا قالَتِ المرأةُ في عَشَرةِ أيَّامٍ: قد حِضْتُ ثلاثَ حِيَضٍ، وانقضَتْ عِدَّتِي: إنَّها لا تصدَّقُ، ولا يُقبَلُ ذلك منها"(1).
ولو قالَتْ: إنَّها حاضَتْ ثلاثًا في شهرٍ، وكان عادةُ نِسائِها ذلك، صُدِّقَتْ، وقد قَضَى به شُرَيْحٌ، وصَدَّقَهُ عليُّ بنُ أبي طالبٍ، وقال به مالكٌ.
وقال أبو حنيفةَ والشافعيُّ: لا تصدَّقُ في أقلَّ مِن السِّتينَ يومًا (2).
والآيةُ في عِدَّةِ المرأةِ مِن زَوْجِها، والأصلُ في الحِكْمةِ مِن مشروعيَّةِ عِدَدِ الأزواجِ: استبراءُ الرَّحِمِ، إلَّا عِدَّةَ الوفاةِ؛ فقد جعلَهَا اللهُ عبادةً تَشمَلُ الاستِبْراءَ، وتعظيمَ حقِّ الزوجِ، وغيرَ ذلك.
والمقصودُ بالمطلَّقاتِ في الآيةِ: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ
(1)"المجموع"(18/ 199).
(2)
المرجع السابق.