الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بقيةُ الجهاتِ: الشَّمَالُ والجَنُوبُ، ولا يمكنُ معرفةُ الشمالِ والجنوبِ إلا بعدَ معرفةِ الشرقِ والغربِ غالبًا، ومطلعُ الشمسِ ومغرِبُها، وكذلك القمرُ: أظهرُ الدلالاتِ للبشربةِ على معرفةِ جهاتِهم.
وقولُه: {وَلِلَّهِ} ؛ أيْ: له مُلْكُهما وتدبيرُهما والتصرُّفُ فيهما، وإجراءُ العبادِ عليهما وعلى غيرِهما؛ وهذا كمالُ تصرُّفِ المالكِ في مُلْكِه.
والمَشْرِقُ: كمَسْجِدٍ، وهو موضِعُ طلوعِ الشمسِ، والمَغْرِبُ: عكسُهُ.
التوسعةُ في التوجُّه إلى القبلةِ:
وظاهرُ هذه الآيةِ: التوسعةُ في شأنِ توليةِ الوجهِ إلى القِبلةِ، وقد اختلَفَ العلماءُ في نسخِها وإحكامِها، والحدِّ المرادِ فيها؛ ومجملُ ذلك قولانِ للعلماءِ:
القولُ الأولُ: مِن العلماءِ مَن قال بنسخِها، وأنَّ القِبْلةَ كانتْ موسَّعةً، ثمَّ أُحكِمَ تحديدُها إلى الكعبة.
ورُوِيَ هذا عن ابنِ عباسٍ، وأبي العاليةِ، والحسَنِ، وعطاءٍ، وعِكْرِمةَ، وغيرِهم (1).
روى ابنُ أبي حاتمٍ، عن ابنِ جُرَيْجٍ وعثمانَ بنِ عطاءٍ؛ كلاهُما عن عطاءٍ، عن ابنِ عباسٍ. . . وذكَرَ أنَّها منسوخةٌ بقولِه:{وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 149](2).
وعطاءٌ هذا هو: الخُراسانيُّ، ولم يَلْقَ ابنَ عباسٍ (3).
(1)"تفسير ابن أبي حاتم"(1/ 212).
(2)
"تفسير ابن أبي حاتم"(1/ 212).
(3)
"المراسيل" لابن أبي حاتم (1/ 156)، و"تهذيب الكمال"(20/ 110).
وقد رُوِيَ نسخُ هذه الآيةِ في كتابِ "الناسخِ والمنسوخِ" لأبي عبيدٍ، ولابنِ أبي داودَ، وغيرِهما، وصُرِّحَ فيها بأنَّ عطاءً هو الخُرَاسانيُّ (1).
وروى معناه سعيدٌ ومَعْمَرٌ عن قتادَة مختصرًا؛ رواهُ ابنُ جريرٍ (2).
القولُ الثاني: مِن العلماءِ مَن قال بإحكامِها، وحمَلَ معناها على عدةِ معانٍ:
أولُها: أنَّ المرادَ بذلك: حالُ الضرورةِ، ولو صلَّى الإنسانُ مِن غيرِ عمدٍ أو قصدٍ إلى غيرِ القِبْلةِ، فبان له بعدَ ذلك أنَّه صلَّى إلى غيرِ القِبْلةِ، صحَّتْ صلاتُه؛ بدليلِ هذه الآيةِ، وكذلك في حالِ الحربِ، وتعذُّرِ استقبالِ القِبلةِ، ونحوِ ذلك.
وقد روى التِّرمِذيُّ، وابنُ جريرٍ، وابن أبي حاتمٍ؛ مِن حديثِ أبي الربيعِ السَّمَّانِ، عن عاصمِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ، عن عبدِ اللهِ بن عامرِ بن ربيعةَ، عن أبيهِ؛ قال: كنَّا مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في ليلةٍ سوداءَ مُظلِمةٍ، فنزَلْنا منزلًا فجعَلَ الرجلُ يأخُذُ الأحجارَ فيَعْمَلُ مسجدًا يصلِّي فيه، فلمَّا أصبحْنا، إذا نحنُ قد صَلَّيْنا على غيرِ القِبْلةِ، فقلنا: يا رسولَ اللهِ، لقد صلَّيْنا ليلتَنا هذه لغير القِبْلةِ! فأنزَلَ اللَّهُ عز وجل:{وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (3).
وأبو الربيع هو: أشعثُ بنُ سعيدٍ، ليِّنُ الحديثِ (4).
وعاصمٌ ضعيفٌ؛ قال البخاريُّ: مُنكَرُ الحديثِ (5)، وضعَّفَهُ ابنُ مَعِينٍ
(1) ينظر: "الناسخ والمنسوخ" للقاسم بن سلام (1/ 18).
(2)
"تفسير الطبري"(2/ 451).
(3)
أخرجه الترمذي (345)(2/ 176)، وابن جرير في "تفسيره"(2/ 454)، وابن أبي حاتم في "تفسيره"(1/ 211).
(4)
ينظر: "العلل ومعرفة الرجال""رواية عبد الله"(2/ 516)، وتاريح ابن معين "دوري"(4/ 80)، و"التاريخ الكبير" للبخاري (1/ 340).
(5)
"التاريخ الكبير" للبخاري (6/ 493).
وغيرُهُ (1)، وترَكَهُ ابنُ حِبَّانَ (2).
وقد ضعَّفَ الحديثَ الترمذيُّ في "سننِه"، وقال: ليس إسنادُهُ بذاك (3).
وبمعنى الحديثِ يُفتي إبراهيمُ النَّخَعيُّ؛ كما رواهُ عنه حمادٌ ومنصورٌ؛ أخرَجَهُ ابنُ جريرٍ وغيرُه (4).
ثانيها: أنَّ هذه الآيةَ في التخفيفِ في استِقبالِ القِبْلةِ للمسافرِ في صلاةِ التطوُّعِ خاصةً؛ كما روى ابن أبي حاتمٍ وابنُ جريرٍ في "تفسيريهما"؛ من طريقِ عبدِ الملكِ بنِ أبي سُلَيْمانَ، عن سعيدِ بن جُبَيْرٍ، عن ابنِ عمرَ؛ أنَّه قال: إنَّما نزَلَتْ هذه الآيةُ: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} أن تصلِّيَ حيثُما توجَّهَتْ بكَ راحلتُكَ في السفرِ تطوُّعًا؛ كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا رجَعَ مِن مكةَ، يصلِّي على راحلتِهِ تطوُّعًا؛ يُومِئُ برأسِه نحوَ المدينةِ (5).
وبنحوِ ذلك يُفتي عطاءُ بنُ أبي رَبَاحٍ؛ كما رواهُ عبد الرزَّاقِ، عن ابنِ جُرَيْجٍ، قال: قلتُ لعطاءٍ: أجاءَكم بذلك ثَبَتٌ بِالصلاةِ على الدابَّةِ مُدْبِرًا عن القِبْلةِ؟ قال: نعم، ثمَّ قال عندَ ذلك:{وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} ، قال ابنُ جُرَيْجٍ: ذُكِرَ ذلك ليحيى بن جَعْدةَ، فكاد يُنكِرُ، ثمَّ انطلَقَ فإذا هو مستفاضٌ بالمدينةِ، فرجَعَ إلينا وهو يَعرِفُ ذلك (6).
(1)"تاريخ ابن معين""دارمي"(1/ 137).
(2)
"المجروحين" لابن حبان (2/ 127).
(3)
(2/ 176).
(4)
أخرجه عبد الرزاق في "مصنَّفه"(3631)(2/ 344)، وابن جرير في "تفسيره"(2/ 454).
(5)
"تفسير الطبري"(2/ 453)، و"تفسير ابن أبي حاتم"(1/ 212).
(6)
أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(4530)(2/ 577).