الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسلمٍ عن أبي هريرةَ مرفوعًا (1).
وجاء مِن حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو؛ عندَ أحمدَ (2).
ومِن حديثِ أمِّ سَلَمةَ؛ عندَ الطَّبَرانيِّ (3).
وقيلَ: إنَّ آيةَ المائدةِ في عدَمِ المؤاخَذةِ بلغوِ اليمينِ إنَّما نزَلَتْ في تحريمِ الحلالِ على الدَّوَامِ، وهذا مِن الأَيْمانِ المحرَّمةِ؛ كما روى ابنُ جريرٍ، عن العَوْفِيِّ، عن ابنِ عَبَّاسٍ؛ قَالَ: لمَّا نَزَلَتْ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} [المائدة: 87] في الْقَوْمِ الذينَ كانُوا حَرَّمُوا النِّسَاءَ وَاللَّحْمَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ نَصْنَعُ بِأَيْمَانِنَا التي حَلَفْنَا عَلَيْهَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ - تَعَالَى ذِكْرُهُ -:{لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} الآيَةَ (4).
وقال ابنُ المسيَّبِ، وعُرْوةُ، وأبو بكرٍ: بعَدمِ الكفَّارةِ؛ فقد روى ابنُ جريرٍ، عن إسحاقَ بن عِيسَى ابنِ بِنْتِ دَاوُدَ بنِ أبِي هِنْدٍ؛ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ إِلْيَاسَ، عَنْ أُمِّ أَبِيهِ: أَنَّهَا حَلَفَتْ أَلَّا تُكَلِّمَ ابْنَةُ ابْنِهَا ابْنَةَ أَبِي الْجَهْمِ، فَأَتَتْ سَعِيدَ بنَ المُسَيَّبِ، وَأبَا بَكْرٍ، وَعُرْوَةَ بنَ الزُّبَيْرِ، فَقَالُوا: لَا يَمِينَ فِي مَعْصِيَةٍ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا (5).
كفارةُ اليمين الغموسِ:
ومِن هذا: خِلافُهم في اليمينِ الغَمُوسِ فيمَن يَحْلِفُ كاذبًا، وهو يعلَمُ كَذِبَ نفسِهِ، كمَنْ يحلِفُ أنَّه فعَلَ وهو يعلمُ أنه لم يَفعَل، أو رَأَى وهو يعلمُ أنه لم يَرَ؛ قال قتادةُ وعطاءٌ والحكَمُ: بالكَفَّارةِ؛ لأنَّها يمينٌ انعقَدَ القلبُ عليها، وهي داخِلةٌ في عمومِ قولِه: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ
(1) أخرجه مسلم (1650)(3/ 1271).
(2)
أخرجه أحمد (6907)(2/ 204).
(3)
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"(694)(23/ 307).
(4)
"تفسير الطبري"(8/ 616).
(5)
"تفسير الطبري"(4/ 28).
قُلُوبُكُمْ}؛ وقال بهذا الشافعيُّ وغيرُهُ، خلافًا لجمهورِ الفقهاءِ، فقد قالوا بعدَمِ انعقادِها؛ وهو قولُ مالكٍ وأبي حنيفةَ وأحمدَ والأوزاعيِّ؛ وذلك لعَدَمِ انعقادِ القلبِ على عزمِ أن يَفعَلَ أو لا يفعَلَ، والأدلَّةُ مِن الكتابِ والسُّنةِ في الكفَّارةِ إنَّما هي في عقدِ العزمِ على المستقبَلِ فِعْلًا أو تَرْكًا، وليس فيها شيءٌ عن الماضي، وليس في الأدلَّةِ ما يؤيِّدُ ذلك، وقد قال ابنُ المنذِرِ:"ليس في الأدلَّةِ خبَرٌ يدلُّ على هذا".
ويأتي مزيدُ كلامٍ في اليمينِ الغَمُوسِ في تفسيرِ سورةِ آل عمران في قولِ اللهِ تعالى: {يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} [77].
ومِن العلماءِ: مَن قيَّدَ المؤاخَذةَ في الآيةِ بالمؤاخذةِ في الآخِرةِ فحَسْبُ، وأمَّا الكفَّارةُ فهي تثبُتُ لأَيْمانٍ مخصوصةٍ دلَّ عليها الدليلُ بغيرِ هذه الآيةِ، وأنَّ الكفَّارةَ الواردةَ في آيةِ المائدةِ خاصَّةٌ ببعضِ الأيمانِ التي انعقَدَ عليها القلبُ لا كُلِّها.
وقولُه تعالى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} .
كَسْبُ القلبِ: قَصْدُهُ، وللقلبِ كَسْبٌ، وهو كلُّ ما يُؤاخَذُ به، فإذا اجتمَعَ القصدُ القلبيُّ، ولفظُ اليمينِ، كانت يمينًا، وقد جاء عن عَطَاءٍ، قال:"لا تُؤَاخَذُ حَتَّى نَقصِدَ الأَمْرَ، ثُمَّ تَحْلِفَ عَلَيْهِ بِاللهِ الذي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، فَتَعْقِدَ عَلَيْهِ يَمِينَكَ"(1).
ثمَّ ذكَرَ اللهُ غُفْرانَهُ لِعبادِهِ وحِلْمَهُ عليهم؛ بعدمِ التشديدِ بالمؤاخَذةِ في كلِّ ما يقولونَ ولو كان لَغْوًا.
ويأتي في سورةِ المائدةِ ذِكْرٌ لبعضِ مسائلِ اليمينِ وعَقْدِها وكفَّارتِها بإذنِ اللهِ.
* * *
(1)"تفسير الطبري"(4/ 37).