الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويُيَسَّرُ في شرطِ الأخذِ بأقوالِ الصحابةِ في التفسيرِ عن شرطِ المرفوعِ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ لاختلافِ قُوَّةِ الاحتجاجِ والتَّبِعَةِ في الوَهمِ والغَلَطِ، ويُشَدَّدُ في مَرْوِيَّاتِ الأحكامِ مِن الحلالِ والحرامِ ولو كانَتْ في سياقِ التفسيرِ، بخلافِ مَرْوياتِ تفسيرِ معاني الألفاظِ وأسبابِ النُّزُولِ؛ لأنَّ الحُكمَ يُشَدَّدُ فيه ولا يُفَرَّقُ في سياقِه ولو كان في ثَنَايا التاريخ أو السِّيرةِ أوِ المَغَازِي أو التَّفسير؛ لبناءِ الحُكمِ عليه، وأمَّا بَقِيَّةُ التفسيرِ فَأمْرُه دونَ ذلك، كما بَيَّنَّاهُ مُفَصَّلًا في رسالةِ (التَّقْرِير، في أسانيدِ التَّفْسِير).
أَنْسابُ القولِ:
ويَتأَكَّدُ على المفسِّرِ أن يتتَبَّعَ أُصولَ الأقوالِ وأنسابَها، حتى لا يَقَعَ في الأخذِ بقولٍ مَهْجُورٍ، أو بقولٍ لم يُسبَقْ إليه؛ فإنَّ للأقوالِ أنسابًا تتسَلْسَلُ كأنسابِ الرِّجَال، والحَقُّ لا ينقَطِعُ؛ فلا بُدَّ له مِن قائِلٍ ولو لم يَكُنْ مشهورًا، ورُبَّما كان مِن السلَفِ مَن قالَ بقولٍ شاذٍّ ثُم تُرِكَ القولُ وعُذِرَ القائلُ، فذاكَ قولٌ مهجورٌ لا ينبَغِي اعتبارُه مِن السلَفِ السابقِ؛ لأنَّها زَلَّةٌ متروكةٌ بدلالةِ هَجْرِها؛ لأنَّ السَّلَفَ أهلُ عِلمٍ ودِيانةٍ لا يُطْبِقُونَ على تركِ قولٍ مُعتَبَرٍ ويَهْجُرُونَه إلا وعَلِمُوا مُخالفَتَه الدليلَ.
ومِن التَّلْبِيس على بعضِ المتعَلِّمِينَ أنُ عَطَّلُوا الاقتداءَ بالأئمَّةِ بحُجَّةِ تعظيمِ الأَدِلَّةِ؛ فاستَنْبَطُوا مِن النُّصُوصِ معانيَ لا قائِلَ بها، وهذا أشَدُّ مِنَ الأَخْذِ بالأقوالِ المهجورةِ؛ فتلكَ مَبْتُورةُ الأنسابِ، وهذه لا أَنْسابَ لها وإن تَوَهَّمُوا أنَّها تنتَسِبُ للدليلِ؛ فالدليلُ قد مَرَّ بخَيْرِ عقولِ الأُمَّةِ وقلوبِها، فإذا لم تَحْرُجْ عقولُهم وقلوبُهم بقولٍ منه فهو عَقِيمٌ، فليسَ كُلُّ الأدلَّةِ يولَّدُ منها أقوالٌ.
وقد ظَهَرَ في الأزمِنَةِ المتأخِّرَةِ أقوالٌ شاذَّةٌ من هذا البابِ؛ بحُسْنِ قَصْدٍ مِن أقوامٍ، وسُوءِ قَصدٍ مِن آخَرِينَ، ودَخَلَ الضَّلَالُ والانحِرافُ في الدِّين، وخُرِقَ إجماعُ السلَفِ والأئمَّة؛ لإشباعِ أهواءِ أفرادٍ وجماعاتٍ وحُكَّام!
وقد قابَلَ هذه الفِئَةَ طائفةٌ غَلَتْ في التقليدِ، فلا تَرَى الخُروجَ عن مَذهَبِ إمامِها، فتَرَى نَسَبَ أقوالِه أصَحَّ أنسابِ الأقوال، ولو كان الدليلُ مع غيرِها ظاهرًا، فهؤلاءِ قَدَّمُوا الرِّجَالَ على الأدلَّةِ، وأُولئِكَ أَخَذُوا الأدلَّةَ بلا رجالٍ!
والأئمَّةُ وأتباعُهم لم يقولُوا بأقوالٍ لِيَتَعَصَّبَ لها الناسُ فيُقَلِّدُوهم ويَتْرُكُوا الأدلَّةَ، فقد قال أبو حنيفةَ لأبي يوسُفَ، والشافعيُّ للرَّبِيع، وأحمدُ لولَدِه عبدِ الله، ومالكٌ لابنِ القاسِمِ:"إذا صَحَّ الحديثُ فخُذْ به واتْرُكْ قَوْلِي"(1)، وحادَتْ طائفتانِ عن الصَّوَابِ وتوَهَّمُوا التعارُضَ بين فِقهِ الأدِلَّةِ وفِقهِ الأئمَّة، وكُلُّها مسالِكُ للتعليمِ لا للتعصُّبِ، ففِقْهُ الأئمةِ إنَّما خرَجَ مِن رَحِمِ الأدلَّةِ، وعلى العالِمِ تمحيصُ تلك الأدلَّةِ: صِحَّةً وضَعفًا، وظُهورًا وخَفاءً، وعمومًا وخُصوصًا، ونَسْخًا ومَنْسُوخًا، وإطلاقًا وتقييدًا، وقَطْعًا وظَنًّا، ونصًّا وفَهْمًا.
ومعرفةُ الأدلَّةِ لا يعني هَجْرَ مَذاهِبِ الأئمَّةِ والتمَذْهُبِ على طرائِقِهِم في التَّفَقُّهِ بلا تعصُّبٍ، ولا يعني عدمَ الخُروجِ عن التقليدِ لِمَنْ مَلَكَ القُدرةَ على التحرير.
(1) انظر أقوالَهم في: "الإنصاف، في بيان أسباب الاختلاف" للدهلوي (ص 104).
وقد كان الإمامُ أحمدُ أكثَرَ الأئمَّةِ الأربعةِ جمعًا للحديثِ والأَثَرِ، وكتابُه "المُسْنَدُ" ومَرْوِيَّاتُه في السُّؤَالاتِ والفضائِلِ والزُّهدِ والوَرَعِ والعِلَلِ والرِّجَال: دالَّةٌ على ذلك، ولا يُنازِعُه في ذلك أحَدٌ، وهو آخِرُ الأئمَّةِ الأربعةِ وفاةً، وتحصَّلَ له مِن معرفةِ قولِ مالكٍ وأبي حنيفةَ والشافعيِّ ما لم يتحَصَّل لهم مِن معرفةِ قولِ بعضِهم لبعضٍ، ويليه الشافعيُّ بَصَرًا بقولِ مالِكٍ وأبي حَنِيفة، فعَرَفَ أحمدُ أقوالَ الصحابةِ والتابعينَ، وأقوالَ أئمَّةِ المذاهبِ قَبْلَ أن تَظْهَرَ مذاهِبُهم، وكانَتْ كَثرةُ مرويَّاتِ أحمدَ للحديثِ والأَثَرِ سببًا في كفايةِ أتباعِ مذهَبِه عن جمعِ الأدلَّةِ على أقوالِه، بخلافِ غيرِه؛ كما احتاجَ أَتْباعُ الشافعيِّ إلى جمعِ أدلَّةِ مذهَبِه كما فَعَلَ البيهَقِيُّ في كتابِه "السُّنَن والمَعْرِفَة"، وكما احتاجَ أَتْباعُ أبي حنيفةَ إلى جمعِ أدلَّةِ مذهَبِهِ كما فَعَلَ أبو يُوسُفَ ومحمَّدُ بنُ الحسَنِ في الآثارِ وغيرِها، وكالطَّحَاوِيِّ في كتابِه "مُشْكِلِ الآثارِ"، و"شرح معاني الآثار"، وكان أَتبْاعُ مالكٍ أكثَرَ أصحابِ المذاهب الأربعةِ عنايةً بآياتِ الأحكامِ وجمعًا لها، وكان أتباعُ الشافعيِّ أكثر أصحابِ المذاهبِ الأربعةِ عنايةً بأحاديثِ الأحكامِ وجمعًا لها، وكُلُّ مَذْهَبٍ له فَضْلٌ على غيرِه في بابٍ دُونَ بابٍ.
والمنقولُ عن الإمامِ أحمدَ بنِ حنبلٍ في أخذِ الأحكامِ مِن آياتِ القرآنِ قَدْرٌ ليس بالقَلِيل، وهو مَنْثُورٌ في مسائِلِه والنُّقولِ عنه، وعامَّتُه في مواضِعِه مِن هذا الكتابِ، وللقاضي أبي يَعْلَى كتابٌ في أحكامِ القرآنِ؛ يَذْكُرُه ويَنْقُلُ منه الطُّوفِيُّ وابنُ اللَّحَّامِ وغيرُهما، وأبو يَعْلَى إمامٌ في المذهَبِ ونُصوصِ الإمامِ واختلافِها، ولكنَّه قليلُ النظرِ في عِلَلِ الحديثِ ورجالِه؛ ولهذا وَقَعَ الاحتجاجُ بأحاديثَ واهِيَةٍ وضعيفةٍ.
ومذهَبُ أحمدَ في تفسيرِه لأحكامِ القرآنِ وغيرِها ظاهِرٌ في سؤالاتِه، ونُقولِ أصحابِه عنه، كاستدلالِه بدليلِ الخِطَابِ في قولِه تعالى:{أَوْ نِسَائِهِنَّ} [النور: 31]؛ فنَقَلَ ابنُ هانِئٍ عنه أنَّه أَخَذَ مِن هذه الآيةِ أنَّ المُسْلِمَةَ لا تكشِفُ رأسَها عندَ نِساءِ أهلِ الذِّمَّةِ (1)، ومِثلُه: تحريمُه ذَبِيحةَ المَجُوسِيِّ وصيدَه؛ لقولِه تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5]؛ لكَوْنِ المَجُوسِ ليسوا أهلَ الكِتَاب (2)، وأنَّ الغُرَابَ والسَّبُعَ يَقْتُلُه المُحْرِمُ ولا كَفَّارَةَ عليه لقولِه عز وجل:{لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95]، وهذه لا تُسَمَّى صَيْدًا (3).
ومذهَبُه: الوُقوفُ على العُمومِ المُستَغْرِقِ للجِنسِ في القُرآن وَالبَحْثُ عن مُخَصِّصٍ له، كما تَوَقَّفَ في عمومِ اليَدِ والوَلَدِ في قولِهِ تعالى:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38]، وقولِهِ تعالى:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء: 11]، فقد نَقَلَ ابنُه عبدُ اللهِ - ونحوَه صالِحٌ - قولَه: ". . . نَقِفُ عندَ الوَلَدِ حَتَّى يُنزِلَ اللهُ تعالى ألَّا يَرِثَ قاتِلٌ ولا عَبْدٌ ولا مُشْرِكٌ، فلَمَّا عبَّرَتِ السُّنَّةُ معنَى الكتابِ فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:(لَا يَرِثُ مُسْلِمٌ كَافِرًا، وَلَا كَافِرٌ مُسْلِمًا)(4)، وقال:(لَا يَرِثُ القَاتِلُ)(5) -: لم يُعْلَمِ الناسُ اختلَفُوا في أنَّ العبدَ لا يَرِثُ، وإنَّما قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
(1)"مسائل أحمد، رواية ابن هانئ"(2/ 149).
(2)
"أحكام أهل الملل والردة من الجامع لمسائل الإمام أحمد"(ص 377)، و"العدة في أصول الفقه"(2/ 450 - 451).
(3)
"مسائل الإمام أحمد، رواية ابنه عبد الله"(ص 206).
(4)
أخرجه الحاكم في "المستدرك"(2/ 262)؛ من حديثِ أسامةَ بن زيدٍ رضي الله عنهما؛ وصحَّحَه.
(5)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (12020)؛ عن عمرِو بن شُعيب عن أبيه عن جدِّه.
(مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ)(1)؛ فكان مالُ العَبْدِ إنَّما هو لسَيِّدِه وليس له فيه مِلكٌ" (2).
وكان يُخصِّصُ عمومَ القرآنِ بعَمَلِ الصحابةِ، ويَرَى أنَّ ذلك التخصيصَ هو معنَى الآيةِ، كما نقَلَهُ عنه ابنُهُ صالِحٌ في "مسائِلِه"، ومِن ذلك: فُتْيَاهُ بأنْ يَتَسَرَّى العَبْدُ، مع أنَّه قِيلَ له: إنَّ اللهَ يقولُ {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6، والمعارج: 30]؛ فأَيُّ مِلكٍ للعَبْدِ؟ ! فقال أحمدُ: "القُرآنُ نَزَلَ على أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وهم يَعْلَمُون فيمَ أُنْزِلَ وقالُوا: يَتَسَرَّى العبدُ"(3). فجَعَلَ قولَ الصحابةِ مُؤوِّلًا لظاهِرِ الآيَةِ.
وكان يأخُذُ بالإبهامِ ويحتاطُ في ذلك؛ كما أَخَذَ بحُرمَةِ المرأَةِ على الرجُلِ لمُجَرَّدِ العَقْدِ على ابْنَتِها، وحُرمةِ الزَّوجةِ على أَبِي الزوجِ وإن لم يَدْخُلِ الزوجُ بها؛ لقولِهِ تعالى:{وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ. . . وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ} [النساء: 23](4)، ومِثْلُ ذلك: حُرمةُ زوجةِ الأَبِ على الولَدِ لمُجَرَّدِ العَقْدِ بلا دُخولٍ؛ لقولِه تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22]، كما نقَلَهُ عنه ابنُهُ عبدُ الله (5)، وكان أحمدُ يقولُ:"المُبْهَمَاتُ ثَلَاثٌ"؛ يعني: أُمَّ الزَّوْجَةِ، وزَوْجَةَ الأَبِ، وزَوْجَةَ الوَلَدِ (6).
(1) أخرجه عبد الرزاق (8/ 135)، وابن أبي شيبة في مصنفه (7/ 306)؛ من حديث عبد الله بن عُمر رضي الله عنهما؛ بمثله، وأخرجه البخاري (2379)، ومسلم (1543/ 80)؛ بنحوِه.
(2)
"مسائل الإمام أحمد، رواية ابنه عبد الله"(ص 428).
(3)
"العدة في أصول الفقه"(2/ 588).
(4)
"مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه" للكَوْسَج (4/ 1543 - 1544).
(5)
"مسائل الإمام أحمد، روايه ابنه عبد الله"(ص 336).
(6)
"مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه" للكوسج (4/ 1546 - 1547).
وعندَ احتمالِ الآيةِ العمومَ والخُصوصَ، نَقَلَ عنه عبدُ اللهِ الأخذَ بالعُمومِ، كما في قولِه تعالى:{وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 22]؛ قال أحمدُ: "ما كان في الجاهليَّةِ فظاهِرُها يحتَمِلُ أن يكونَ أَبُوه وجَدُّه وجَدُّ أَبِيه، وقال بعضُ الناسِ: وكذلك أَبُو أُمِّهِ لا يتزَوَّجُ امرَأَتَه"(1).
وكان أحمدُ رُبَّمَا خَصَّصَ عامَّ السُّنَّةِ بخاصِّ القرآنِ، كما في قِصَّةِ أبي جَنْدَلٍ (2)؛ وذلك لَمَّا تصالَحَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على أنْ يَرُدَّ للمشرِكِينَ مَن جاءَهُم مؤمِنًا، فرَدَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم الرِّجَالَ ولم يَرُدَّ النِّسَاءَ مع كونِ صُلْحِه عامًّا؛ وفي ذلك قولُه تعالى:{فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: 10](3).
وكان يُخصِّصُ عُمومَ القرآنِ بفِعلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم كما في قولِه تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222]؛ فجَعَلَ القُرْبَ: الجِمَاعَ؛ لفِعلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم مع أزواجِهِ ونومِهِم في لِحَافٍ واحدٍ (4).
وكان يخصِّصُ عمومَ الآيةِ بالقِياس، كما في قولِه تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6]، فكان أحمدُ يقولُ بأنَّ الرجلَ إذا قَذَفَ زوجتَه بعدَ الثلاثِ وله منها ولدٌ يريدُ نَفْيَه: أنَّه يُلَاعِنُ، فقِيلَ له: إنَّ اللهَ يقولُ
(1)"مسائل الإمام أحمد، رواية ابنه عبد الله"(ص 336).
(2)
"صحيح البخاري"(2711، 2712)؛ من حديث مروانَ بنِ الحَكَم والمِسْوَر بنِ مَخْرَمَةَ رضي الله عنهما.
(3)
"مسائل الإمام أحمد، رواية ابنه عبد الله"(ص 252)، و"العدة في أصول الفقه"(2/ 569).
(4)
"العدة في أصول الفقه"(2/ 574).
{يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6]، وهذه ليست بزَوْجِه؟ ! (1)، فاحتَجَّ أحمدُ بأنَّ الرجلَ يُطلِّقُ ثلاثًا وهو مَرِيضٌ فتَرِثُه؛ لأنَّه فَارٌّ مِن المِيراثِ وهذا فارٌّ مِنَ الوَلَد.
وقدِ اختلَفَ قولُ أحمدَ فيما إذا كانَ في الآياتِ الجِنسُ واحدًا والسببُ مختلِفًا على روايتَيْنِ: روايةٍ ببناءِ المُطْلَقِ على المُقَيَّدِ كما في قولِه في العِتْقِ بالظِّهَار، فيرى أنَّ الرَّقَبَةَ مؤمِنَةٌ مثلَ كفارةِ القَتْلِ، وروايةٍ ألَّا يُبْنَى المُطْلَقُ على المُقَيَّدِ ويُحْمَلَ المُطْلَقُ على إطلاقِه، كما في حدِّ اليَدِ في التيمُّمِ وحَدِّها في قَطْعِ السَّرِقَةِ، فلم يَجْعَلْ أحمدُ التَّيَمُّمَ إلى المرفقَيْنِ؛ لكونِه بدلًا عنِ الوضوءِ وهو إلى المرفقين (2)، وجَعَلَ حَدَّ السرقةِ إلى الكَفِّ؛ لأنَّ اللهَ ذَكَرَ اليَدَ في الوضوءِ فحَدَّهَا إلى المرفقَيْنِ وأَطْلَقَها في التيمُّمِ والقَطْعِ؛ فدلَّ على أنَّه إنْ لم تُحَدَّ فهي إلى الكَفِّ (3).
ولأَحْمَدَ مسالِكُ في التفسيرِ، تُعْرَفُ بالتتَبُّعِ والنَّظَرِ، ولا يجمَعُها بابٌ ولا يَحُدُّها موضِعٌ، وهذا الكتابُ جَمْعٌ لآيات الأحكامِ وتفسيرِها، على سبيلِ التوسُّطِ، لا البَسْطِ والتَّوَسُّع، ومِن اللهِ يُستمَدُّ العَوْنُ والتوفيقُ والتسديدُ.
عبد العزيز الطريفي
خاتمةَ صَفَر، عامَ ستةٍ وثلاثينَ وأربعِ مئةٍ وأَلْف
(1)"العدة في أصول الفقه"(2/ 559 - 560).
(2)
"العدة في أصول الفقه"(2/ 638).
(3)
"العدة في أصول الفقه"(2/ 638 - 639).