الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أن تخرُجَ؟ فقال: يَمْنَعُني أنَّ اللهَ حَرَّمَ دَمَ أخي، فقالا: ألم يقُلِ اللهُ تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} ؟ فقال ابنُ عمرَ: "قاتَلْنا مَعَ رسولِ اللهِ حتَّى لم تكُنْ فِتْنةٌ وكان الدِّينُ للهِ، وأنتُم تُرِيدُونَ أن تُقاتِلُوا حتَّى تكونَ فِتْنةٌ، ويكونَ الدِّينُ لغيرِ اللهِ"(1)، قال ابنُ عمرَ:"كان الإسلامُ قليلًا فكان الرَّجُلُ يُفتَنُ في دِينِهِ؛ إمَّا قتَلُوهُ، وإمَّا عذَّبُوه، حتَّى كَثُرَ الإسلامُ، فلم تكُنْ فتنةٌ"(2).
وقولُه: {فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ} ؛ أيْ: فإنِ انتهَوْا عن نقضِ الصُّلْحِ، أو فإنِ انتهَوْا عنِ الشِّرْكِ بأنْ آمَنُوا، فلا عُدْوانَ عليهم.
الحِكْمةُ مِن مشروعيَّةِ الجِهاد:
وفي الآيةِ: دليلٌ على أنَّ الأصلَ في مشروعيَّةِ الجهادِ هو إبلاغُ الدِّين، وتقويةُ الإسلامِ والمسلمين، وإضعافُ الكفرِ والكافرين؛ وذلك أنَّ قولَه:{حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} ليس المرادُ منه هو إزالةَ الكُفرِ وأهلِه؛ وذلك أنَّ اللهَ في سابِقِ عِلْمِهِ وتقديرِهِ بقاءُ الكُفْرِ والكفارِ إلى آخِرِ الزَّمَانِ لحكمةٍ اقتضَتْ ذلك، ولكنَّ المرادَ هو إضعافُ شَوْكَتِهم وهَيْبتِهم؛ حتَّى لا يُرْهِبوا المؤمِنِينَ، ولا تتشوَّفَ نفوسُ ضعفاءِ المؤمِنِينَ إلى تقليدِهم لقوَّتِهم، ولا يجِدَ المنافِقُونَ عَضُدًا قويًّا خارجًا لهم.
وعلى هذا: فأعلى مصالحِ الجهادِ: نَشْرُ الحقِّ، وإضعافُ الكفرِ وتقويةُ الإسلامِ وحمايتُهُ، ثمَّ يليها المصالحُ التابِعةُ لذلك؛ كأخذِ المالِ غنيمةً وفَيْئًا وجِزْيةً.
وقد جاء في السُّنَّةِ نصوصٌ كثيرةٌ تدُلُّ على أنَّ المرادَ بالجهادِ الرِّفْعةُ والعُلُوُّ، وأنَّ تَرْكَهُ يُورِثُ ذِلَّةً وصَغَارًا؛ ففي "سُنَنِ أبي داودَ"؛ مِن حديثِ عَطَاءٍ الخُرَاسَانِيِّ، عن نافِعٍ، عن ابنِ عُمَرَ؛ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم
(1) أخرجه البخاري (4513)(6/ 26).
(2)
أخرجه البخاري (4514)(6/ 27).
يَقُولُ: (إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ، سَلَّطَ اللهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إلَى دِينِكُمْ)(1).
* * *
قالَ تعالى: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 194].
مُنِعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم في شهرِ ذي القَعْدةِ سنةَ سِتٍّ مِن دخولِ مَكَّةَ، لمَّا ذهَبَ إليها قاصِدًا العُمْرةَ، وتصالَحَ مع المشرِكِينَ على دخولِها العامَ القابِلَ، وأن يُقِيمَ فيها ثلاثةَ أيَّامٍ، فكان لهم ذلك بعدَما أَعَدَّ المسلِمُونَ العُدَّةَ؛ تحسُّبًا لمنعِ المشرِكِينَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأصحابَهُ مِن دخولِ مكَّةَ ونَقْضِهِمْ العهدَ، فأبدَلَ اللهُ نبيَّهُ بشهرِ الصَّدِّ سَنَةَ ستٍّ شهرَ دخولٍ سَنَةَ سبعٍ، وهو شهرُ ذي القَعْدةِ الشَّهْرُ الحرامُ، وكانتِ العربُ تسمِّيهِ "ذا القَعْدةِ"؛ لأنَّهم يقعُدُونَ فيه عن القتالِ، فسمَّاهُ اللهُ بما يَعرِفونَه.
روى ابنُ جريرٍ الطبريُّ؛ مِن حديثِ ابنِ أبي نَجِيحٍ، عن مجاهِدٍ؛ في قولِ اللهِ - جلَّ ثناؤُه -:{الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} ، قال:"فَخَرَتْ قُرَيشٌ بِرَدِّها رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يوم الحُدَيْبِيَةِ مُحْرِمًا في ذي القَعْدَةِ عنِ البلدِ الحَرامِ، فأدخَلَهُ اللهُ مكَّةَ في العامِ المُقْبِلِ من ذي القَعْدةِ، فقَضَى عُمرتَهُ، وأقصَّهُ بما حِيلَ بينَه وبينَها يومَ الحديبيةِ"(2).
وروى أيضًا؛ من حديثِ سعيدٍ، عن قَتَادةَ؛ قولَه:{الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} : "أقبل نبيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأصحابُهُ، فاعتمَرُوا في ذي
(1) أخرجه أبو داود (3462)(3/ 274).
(2)
"تفسير الطبري"(3/ 305).