الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد أمَرَ اللهُ بعدَ ذلك بتقواهُ فيما عَلَّمَهُم إيَّاه ممَّا يَحفَظُ الحقَّ، ويقومُ به القِسْطُ بين الناسِ.
* * *
يصحُّ الرَّهْنُ في الحِلِّ والسفرِ، وذِكْرُ السفرِ ليس قيدًا في الآيةِ على جوازِ الرهنِ وصِحَّتِهِ؛ وذلك أنَّ اللهَ لمَّا ذكَرَ ما تُضبَطُ به الحقوقُ مِن الكتابةِ والشهادةِ وأداءِ الأمانةِ، وكان السفرُ مَظِنَّةً لعدمِ حضورِ كاتبٍ وشاهِدٍ فيه - خاصَّةً في زمنِ الأُمِّيَّةِ - أرشَدَ اللهُ إلى الرَّهْنِ، وهو صحيحٌ في السفرِ والحضرِ، وُجِدَ كاتِبٌ وشاهِدٌ أو لم يُوجَدْ؛ وهذا قولُ أكثرِ السلفِ، وهو قولُ الجمهورِ، خلافًا لأبي حنيفةَ؛ فالنبيُّ صلى الله عليه وسلم ماتَ ودِرْعُهُ مرهونةٌ عند يهوديٍّ، وهو في الصحيحِ عن عائشةَ (1).
حكمُ الرَّهْنِ في المسَّلَمِ:
والرهنُ في السَّلَمِ جائزٌ؛ لظاهرِ الآيةِ، فهي إنَّما نزَلَتْ في السَّلَمِ ودخلَتْ سائرُ الحقوقِ فيها تَبعًا.
ولا يجوزُ الرهنُ إلا بقَبْضِهِ؛ لقولِه: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} ، ولاتِّفاقِ الأئمَّةِ على ذلك.
وذهَبَ أبو حنيفةَ إلى أنَّهُ لا يَصِحُّ رَهْنُ المُشاعِ؛ لأنَّهُ لا يُتَصَوَّرُ قبضُهُ، خلافًا للجمهورِ الذين قالوا بصِحَّةِ قبضِ المُشاعِ.
(1) أخرجه البخاري (2916)(4/ 41).
ومثلُهُ رهنُ المجهولِ وما فيه غَرَرٌ؛ فلا يجوزُ رهُنهُ؛ لأنَّه لا يُمكِنُ قبضُهُ.
واختُلِفَ في اشتراطِ قَبْضِ الرهنِ؛ هل هو شرطٌ لصِحَّةِ الرَّهْنِ ولزومِه أو لا؟ على قولَيْنِ مشهورَيْنِ:
الأولُ: أنَّه شرطٌ لِصِحَّتِهِ ولزومِه؛ وهو قولُ أبي حنيفةَ والشافعيِّ.
الثاني: أنَّ القبضَ ليس شرطًا لِصِحَّةِ الرهنِ؛ فيصحُّ الرهنُ ويلزمُ بالعقدِ، ولكنَّه لا يَتِمُّ إلا بالقَبْضِ؛ وهذا قولُ مالكٍ.
وثمرةُ ذلك: أنَّ العقدَ يُلزِمُ الراهنَ بتسليمِ الرهنِ، ولا يجوزُ له الرجوعُ عنه، وإنْ لم يُقبَضْ عندَ العَقْدِ وقبلَ الافتراقِ.
والقولُ الأوَّلُ يَشترِطُ مصاحبَةَ قبضِ الرهنِ للعقدِ قبلَ الافتراقِ.
واستدامةُ القبضِ شرطٌ لِصِحَّةِ الرهنِ على قولِ الجمهورِ؛ لظاهِرِ الآيةِ، خلافًا للشافعيِّ؛ لأنَّ رجوعَ الرهنِ ليدِ الراهِنِ يُخرِجُهُ مِن وصفِ القبضِ في الآيةِ.
ثمَّ أمَرَ اللهُ بأداءِ الأمانةِ وتقوى اللهِ فيها، وحَرَّمَ كِتْمانَ الشهادةِ؛ لأنَّ الإيمانَ إذا فُقِدَ، فُقِدَتِ الأمانةُ، وكُتِمَتِ الشهادة، وضاعَتِ الحقوقُ.
* * *