الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي حالِ التنازُعِ في المُتْعةِ بين الزوجَيْنِ، فيَقضي القاضي بما يُقارِبُ مَهْرَ مِثْلِها في عُرْفِ أهلِ زَمَانِها في بَلَدِها.
وبهذا قال أبو حنيفةَ.
ولم يَرَ بعضُ الفقهاءِ الإلزامَ بقَدْرٍ معيَّنٍ؛ لأنَّ الآيةَ وَسَّعَتْ، ولا يَسُوغُ التضييقُ بتقديرٍ، ولو شاء اللهُ، لجعَلَ نِصْفَ المهرِ لمِثْلِها للمطلَّقةِ بفَرْضٍ، والمطلَّقةِ بغيرِ فرضٍ، واللهُ فَرَّقَ لحِكْمةِ التيسيرِ على الزَّوْجِ؛ وبهذا الرأيِ يقولُ الشافعيُّ في الجديدِ.
وكان يَستحسِنُ في القديمِ المُتْعةَ بثلاثينَ دِرْهَمًا وما يُعادِلُها؛ لما رُوِيَ عنِ ابنِ عُمَرَ في هذا.
والقضاءُ بالمتعةِ بنِصْفِ مَهْرِ مِثْلِها يكونُ عند التنازُعِ بين الزوجَيْنِ؛ لأنَّ أقربَ ضابطٍ شرعيٍّ يُشابِهُ المطلَّقةَ بغير فرضٍ، ولم يُدخَلْ بها هي مَن كانت مِثْلَها وقد ضُرِبَ لها مهرٌ؛ فكان هذا فَيْصَلًا، ولكنْ لا يُصارُ إليه إلَّا عندَ النِّزاعِ، والأصلُ: أنَّ اللهَ فرَّق بين الحالتَيْنِ؛ مَن ضُرِبَ لها ومَن لم يُضرَبْ لها مهرٌ؛ فتلك نصفُ المَهْرِ، وهذه المتعةُ.
حكمُ متعةِ المطلَّقةِ:
وقد اختلَفَ الفقهاءُ في مشروعيَّةِ مُتْعةِ المطلَّقةِ عمومًا؛ فبعضُ الفقهاءِ خصَّصها بالمطلَّقةِ بلا مهرٍ ولا مَسِيسٍ؛ لهذه الآيةِ، وبعضُهم جعَلَها عامَّةً لكلِّ مطلَّقةٍ.
وخلافُهُمْ على أقوالٍ:
الأوَّلُ: أنَّها عامَّةٌ لكلِّ مطلَّقةٍ؛ لقولِه تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 241]، وأنَّ اللهَ خصَّص في آيةِ البابِ غيرَ المدخولِ بها بلا مهرٍ؛ للمناسَبةِ، ولأنَّ المطلَّقةَ غيرَ المدخولِ بها يَغلِبُ الظنُّ أنْ لا حقَّ لها؛ فلم تَرَ زوجَها ولم يرَها، ولم يَسْلُبْها شيئًا
حتَّى تستحِقَّ عِوَضًا، فجاء القرآنُ بالبيانِ، وغيرُها مِن بابِ أَولى، واللهُ تعالى قال عن زوجاتِ نبيِّه وهُنَّ في عِصْمَتِهِ وقد دخَلَ بِهِنَّ:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} [الأحزاب: 28].
وهذا قولُ أبي حنيفةَ وأحدُ قولَيِ الشافعيِّ، وقال به جماعةٌ مِن السلفِ؛ كابنِ جُبَيْرٍ وأبي العاليةِ والحسَنِ وغيرِهم.
ويَظهَرُ الوجوبُ في الآياتِ في قولِهِ: {حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 241]، فسمَّاه حَقًّا وأكَّدَهُ بـ {عَلَى} ، و"على": مِن صِيَغِ الوجوبِ عندَ جماعةٍ مِن الأصوليِّينَ.
الثاني: قالوا: هي خاصَّةٌ بالمطلَّقةِ قبلَ المسيسِ؛ سواءٌ ضرَبَ لها مهرًا أو لم يَضرِبْ لها؛ وذلك ظاهرُ قولِهِ تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} [الأحزاب: 49].
وجعَلَ بعضُ المفسِّرينَ هذه الآيةَ ناسِخةً لآيةِ البابِ آيةِ البقرةِ؛ وبهذا قال سعيدُ بنُ المسيَّبِ؛ رواهُ عنه شُعْبةُ عَن قتادةَ.
واحتَجَّ لهذا القولِ بما ثبَتَ في البخاريِّ، مِن حديثِ سَهْلِ بنِ سعدٍ، وأبي أُسَيْدٍ؛ أنَّهما قالا: تَزَوَّجَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أُمَيْمَةَ بِنْتَ شَرَاحِيلَ، فلمَّا أُدخِلَتْ عليه، بسَطَ يدَهُ إليها، فكأنَّها كرِهَتْ ذلك، فأَمَرَ أبا أُسَيْدٍ أنْ يُجَهِّزَهَا ويَكْسُوَها ثوبَيْنِ رازِقِيَّيْنِ (1).
ولكنَّ فرضَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لأميمةَ بنتِ شَرَاحِيلَ - وهي زَوْجةٌ مطلَّقةٌ يَظْهَرُ أنَّه لم يدخُلْ بها ولم يَمَسَّها - لا يَعني نسخَ التنصيصِ الواردِ في المطلَّقةِ المفوَّضةِ؛ فالتنصيصُ شيءٌ، والتخصيصُ شيءٌ آخَرُ.
(1) أخرجه البخاري (5256)(7/ 41).