الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رحيمٌ؛ إشارةً إلى ذنبِهِ، فاللهُ يذكُرُ المَغفِرةَ عندَ المخالَفةِ؛ لبيانِ الذنبِ؛ وهذا دليلٌ على إثمِ المُؤلِي بقصدِ الإضرارِ لمجرَّدِ قصد، والوفاءُ بذلك محرَّمٌ، واللهُ يعفُو عمَّنْ ترَكَ يمينَهُ وعَمِلَ بحُكْمِ اللهِ في تركِ الإيلاءِ.
كفارةُ الإيلاءِ:
وقِيلَ: معنى ذلك: لا كفَّارةَ عليكُم، وعفا اللهُ عن خَطَئِكُمْ في حقِّ أنفُسِكُمْ وأزواجِكُمْ، وكفارةُ الإيلاءِ هو رجوعُكُمْ عنه إلى أزواجِكُمْ والعدلُ مَعَهُنَّ، فكان معنى المَغْفِرةِ محوَ الذَّنْبِ بمجرَّدِ العودةِ، والرَّحْمةَ بكُم بعدَمِ إلزامِكُمْ بالوفاءِ بمُدَّةِ الإيلاءِ ولا تكليفِكُمْ على ذلك كَفَّارةً، وقال بهذا الحَسَنُ والنَّخَعيُّ.
ويقولُ بهذا القولِ كلُّ مَن قال: "لا كَفَّارَةَ على كلِّ يمينٍ في البقاءِ عليها حَرَجٌ".
وأكثرُ المفسِّرينَ: على وجوبِ الكفَّارةِ، وحَمَلُوا المعنى في ذكرِ اسمِ الغفورِ والرحيمِ في الآيةِ: على عَدَمِ الإلزامِ بالوفاءِ باليمينِ؛ رحمةً بالزوجةِ والزوجِ، وعدَمِ مُؤاخَذةِ اللهِ لعبادِهِ بما كسَبُوهُ مِن التعدِّي على ما لا يَرْضاه مِن الزوجِ بزوجتِهِ.
وهذا هو الأقرَبُ للصوابِ؛ صحَّ عن ابنِ عبَّاسٍ، وابنِ المسيِّبِ، والنَّخَعيِّ، وقتادةَ؛ وهو قولُ الشافعيِّ في الجديد.
وهو الذي يَجرِي على القاعدةِ في الأَيْمانِ؛ أنَّ الأصلَ في كلِّ يمينٍ يَحْنَثُ صاحبُها بها تَجِبُ فيها الكَفَّارةُ إلَّا ما استَثْناهُ الدليلُ مِن وجهٍ صحيحٍ صريحٍ.
مضِيُّ أربعةِ أشهرٍ على الإيلاء:
وقولُه تعالى: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} :
إنْ مضَتْ أربعةُ أشهرٍ، ولم يَرجِعِ الزوجُ إلى زوجتِهِ؛ سواءٌ كان
إيلاؤُهُ أربعةَ أشهرٍ أو أكثرَ مِن ذلك، فيُوقَفُ ويُؤمَرُ بالرجوعِ إلى زوجتِهِ أو تطليقِها، وهذا ظاهرُ الآيةِ؛ وبهذا قال أكثرُ الفقهاءِ مِن السلفِ والخلفِ، وقال به مالكٌ والشافعيُّ وأحمدُ وإسحاقُ.
ومِن الفقهاءِ: مَن جعَلَ انقضاءَ الأربعةِ الأشهرِ التي عليها الإيلاءُ كافيةً بنفسِها في كونِها طلاقًا لامرأتِهِ منه؛ فهي تقومُ مقامَ الطلاقِ، ولا يَملِكُ الزوجُ بعدَ هذه المُدَّةِ زمنًا يَبقَى له فيه حقُّ الطلاقِ؛ وبهذا القولِ قال أبو حنيفةَ.
وذلك أنَّ أبا حنيفةَ يَرى أنَّ المُؤْلِيَ على امرأتِهِ لا يكونُ مؤليًا إلَّا إذا حَلَفَ ألَّا يَقْرَبَها مُدَّةَ أربعةِ أشهُرٍ فأكثَرَ، وما دونَ ذلك لا يَعُدُّهُ إيلاءً؛ لأنَّه لو عَدَّهُ إيلاءً، لَلَزِمَ على قولِه أنَّ تطلُقَ منه امرأتُهُ عندَ نهايةِ الإيلاءِ ولو كان يومًا؛ لأنَّه يَجْعَلُ نهايةَ الأجلِ طلاقًا.
والصوابُ: القولُ الأوَّلُ؛ فاللهُ ذكَرَ الفيءَ والطلاقَ بعدَ تربُّصِ الأربعةِ الأشهُرِ؛ ممَّا يدلُّ على أنَّ الزوجةَ لا تطلُقُ بمجرَّدِ انقضاءِ الأجلِ؛ حيث ذكَرَ الحُكْمَيْنِ معًا؛ أيْ: يُوقَفُ الزوجُ ويخيَّرُ بينَ الفيءِ والطلاقِ بعدَ الأجلِ.
وجَعْلُ الخيارِ له بعدَ الأَجَلِ ظاهرٌ في عدمِ بَيْنُونةِ زوجتِهِ منه بعدَ الأربعةِ الأشهُرِ.
واللهُ قد بَيَّنَ الطلاقَ في كتابِهِ وفي سُنَّةِ نبيِّهِ صلى الله عليه وسلم، وليس فيهما شيءٌ يدلُّ على أنَّ الطلاقَ يكونُ بغيرِ ألفاظِهِ، ولا أنَّ انقضاءَ مُدَّةٍ بعينِها بلا نِيَّةٍ ولا لفظٍ يكونُ طلاقًا في ذاتِه.
وهذا لا يَجْعَلُ الزوجَ مخيَّرًا بتركِ زوجتِهِ مُدَّةَ أربعةِ أشهرٍ بالإيلاءِ، وهو عازمٌ على طلاقِها بعدَ هذه الأشهُرِ بلا تردُّدٍ، فيريدُ بالإيلاءِ مزيدَ إضرارٍ يَسبِقُ الطلاقَ ليطولَ أَمَدُ بقائِها بلا زوجٍ بعدَهُ، فهذا عَضْلٌ محرَّمٌ