الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتَبِعَاتِها مِن الإضرارِ بالزوجةِ وأهلِها، ولا معنى للنهيِ لقصدِ الإضرارِ إذا كان الضررُ لا يُمكنُ إيقاعُهُ.
تطليقُ الزَّوْجة قبلَ الدخول بها:
وأمَّا المطلَّقةُ قبلَ الدخولِ بها، فلا رجعةَ عليها؛ لأنَّه لا عِدَّةَ لها ولا أجَلَ تبلُغُهُ، فليس للزوجِ سبيلٌ في إيقاعِ الإضرارِ عليها؛ وهذا باتفاقِ الأئمَّةِ الأربعةِ، وحكى الإجماعَ غيرُ واحدٍ؛ كابنِ قُدَامةَ وغيرِه.
وقولُه تعالى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} لا يجوز إبقاءُ الزوجةِ بغيرِ ذلك، والمعروفُ المقصودُ: هو الإشهادُ على الرجعةِ، ثمَّ حُسْنُ المَعشَرِ بالجماعِ والمُعامَلةِ وكفايةِ نفقةٍ وكِسْوةٍ، فمَن لم يستطِعْ طعامَ زوجتِهِ وشرابَها ولا سِتْرَها، وجبَ عليه طلاقُها، وإنِ امتَنَعَ، طلَّق الحاكمُ عليه زوجتَهُ؛ وبهذا يَقضِي الصحابةُ؛ كعُمَرَ وعليٍّ، وهو قولُ الجمهورِ كمالكٍ والشافعيِّ وأحمدَ.
وإنْ صَبَرَتْ ورَضِيَتْ على فَقْرِهِ ولم تُرِدِ الطلاقَ، فلها ذلك.
ويذهبُ بعضُ الفقهاءِ مِن أهلِ الكوفةِ إلى وجوبِ صبرِها عليه، وإنظارِ الحاكمِ له؛ قال تعالى:{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280]؛ وهذا قولُ عطاءٍ والزُّهْريِّ.
حالُ المرأةِ مع فقرِ زَوْجِها:
والمرأةُ في حالِ فقرِ زوجِها لا تخلُو مِن أحوالٍ:
الأُولى: أنْ يكونَ فقرُه مُدقِعًا؛ لا تجدُ أكلًا يَسُدُّ جُوعَها، ولا كِسْوةً تستُرُ عَوْرَتَها؛ فهذا يجبُ عليه طلاقُها، ولا يجوزُ لها البقاءُ معه؛ للضَّرَرِ، فالجوعُ لا يُصبَرُ عليه وهو هَلَكةٌ، والعورةُ يجبُ سَتْرُها، وللمرأةِ أنْ تطلُبَ الطلاقَ بسبِ الجوعِ؛ لما جاء في "الصحيحِ"، عن أبي هريرةَ:
(تَقُولُ المَرْأَةُ: إِمَّا أَنْ تُطْعِمَنِي، وَإِمَّا أَنْ تُطَلِّقَنِي)(1)، إلَّا إذا كان عامَ فقرٍ ومجاعةٍ بالبلدِ كلِّه، فعليها الصَّبْرُ، ولا يجبُ عليه الطلاقُ.
الثانيةُ: أنْ يكونَ فقرُهُ يسيرًا؛ يجدُ ما يَسُدُّ جُوعَها، ويكسُو عَوْرَتَها، ولكنَّه دونَ الكفايةِ، فيُستحَبُّ لها الصَّبْرُ، ولا يجبُ؛ فاللهُ حثَّ على التزويجِ ولو كانوا فُقَراءَ:{وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [النور: 32].
الثالثةُ: أنْ يكونَ فقيرًا، لكنَّه يجدُ طعامَها وكِسْوتَها وكفايتَها مِن ذلك، كفافًا بلا زيادةٍ يسمَّى معها غنيًّا، فهذا يجبُ عليها الصبرُ عليه، ولا يجبُ عليه الطلاقُ، إلَّا إذا كانت مِن أهلِ بيتٍ أغنياءَ، وقَصَّرَ بها عن مثيلاتِها، فيُستَحَبُّ لها الصبرُ، ويجوزُ لها طَلَبُ الطلاقِ؛ خاصَّةً إذا خافتِ الفتنةَ علي نفسِها.
ولو طلَّق الرجلُ زوجتَهُ بسببِ إعسارِه، أو طلَّقَها عليه الحاكمُ، فهي طلقةٌ رجعيَّةٌ كسائرِ الطلاقِ؛ لأنَّها طَلْقةٌ بلا عِوَضٍ ولا لِعَانٍ، ولا لعيبٍ لازمٍ بالزوجِ، وذهَبَ الشافعيُّ إلى أنَّها طلقةٌ بائنةٌ.
وقولُهُ تعالى: {أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} التسريحُ في لغةِ العربِ الإرسالُ؛ كما في قولِهِ تعالى: {وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ} [النحل: 6]؛ أيْ: حِينَ تُرسِلُونَها مع راعيها للمَرْعَى، فالتسريحُ الطلاقُ، ويَنبغِي أنْ يكونَ بمعروفٍ وحُسْنَى؛ فلا يُتْبِعُهُ أذيَّةً بذِكْرِ سيِّئاتِها وعَوْرَتِها، ولا يُفشِي سِرَّها، فيؤذيها ويؤذي أهْلَها، وربَّما آذاها فلا يتزوَّجُها الرجالُ مِن بعدِه؛ لنُفْرَتِهم منها.
وهذا مِن عظيمِ شِرْعةِ الإسلامِ؛ الوصيَّةُ بحقِّ الزوجةِ باقيةً أو طالقةً؛ أنْ يكونَ ذلك بالإحسانِ.
(1) أخرجه البخاري (5355)(7/ 63).