الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والتِّرمِذيُّ والنَّسَائيُّ وابنُ ماجهْ؛ وصحَّحه ابنُ خُزَيْمةَ (1).
وقد قرَنَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم الحامِلَ والمرضِعَ بالمسافرِ في وضعِ الصيامِ، ويجبُ على المسافِرِ القضاءُ، وكذلك المرضعُ والحامِلُ، وفي حديثِ أَنَسٍ اختلافٌ.
وقولُ اللهِ تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185] دليلٌ على أنَّه لا يُعذَرُ بالفِطْرِ مِن غيرِ بدَلٍ، إلَّا العاجزُ عجزًا دائمًا.
وقد روى البُوَيْطِيُّ عن الشافعيِّ ذلك؛ أنَّ الحاملَ لا إطعامَ عليها، وهي كالمريضِ تقضي عِدَّةً مِن أيَّامٍ أُخَرَ.
مقدارُ الإطعامِ عن رمضانَ:
وقولُه: {فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} : الفِدْيةُ: الجزاءُ؛ فَدَيْتُ هذا بهذا؛ أيْ: جزَيْتُهُ به، وأعطيتُهُ بدلًا منه.
وأكثرُ مفسِّري السَّلَفِ يجعَلونَ الطعامَ مقدارَ نصفِ صاعٍ؛ لأنَّه هو الغالبُ في حدِّ الكفايةِ لطعامِ الواحدِ، وليس المرادُ به هو عدَمَ جوازِ ما دونَه حتَّى لو كَفَى المسكينَ، فلا أحدَ مِن السَّلفِ ينفي اعتبارَ الكفايةِ، فلو كَفَي المُدُّ للجائعِ، جاز.
ولم يأتِ تقديرُ الإطعامِ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بشيءٍ.
وقولُه: {فِدْيَةٌ طَعَامُ} ، فأحالَ الأمرَ إلى الفداءِ، وهو الجزاءُ المساوي، وهذا إحالةٌ إلى العُرْفِ؛ فكما أنَّه لم يقيِّدْ أَمْرَ الإطعامِ بجنسٍ أو نوعٍ، فهو لم يحدِّدْ مقدارَهُ، فالاعتبارُ إنَّما هو بما جرَتْ عليه العادةُ، فيُطعِمونَ مِن أوسطِ ما يُطعِمون أَهْلِيهم.
ويؤيِّدُ هذا قولُهُ تعالى: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ}
(1) أخرجه أحمد (19047)(4/ 347)، والترمذي (715)(3/ 85)، والنسائي (2275)(4/ 180)، وابن ماجه (1667)(1/ 533).
[المائدة: 89]؛ وهذا في كفَّارةِ الأَيْمانِ، وعامَّةُ المفسِّرينَ مِن السَّلَفِ في هذه الآيةِ:{مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ} [المائدة: 89] يذكُرونَ نوعَ الطعامِ ويفصِّلونَ فيه، وكلٌّ يفسِّرُهُ بنوعٍ بحسَبِ عُرْفِ بلدِه؛ لأنَّ المِقْدارَ عندَهم لم يَحُدَّهُ الشارعُ كزكاةِ الفِطْرِ؛ فأرجَعُوهُ إلى العُرْفِ.
ويذكُرُ أكثرُهم نصفَ الصاعِ مِن غيرِ الطعامِ المطبوخِ؛ للتغليبِ، وما دونَهُ فيه شكٌّ.
وأمَّا إذا كان الطعامُ طبيخًا، فلا يَحُدُّهُ أحدٌ منهم بشيءٍ إلَّا بما يتحقَّقُ منه الإطعامُ، وهو الشِّبَعُ.
وقد يتجوَّزُ بعضُهم بالمقدارِ دونَ نصفِ الصاعِ؛ لذا قال ابنُ عمرَ بالمُدِّ في إطعامِ الحامِلِ والمرضِعِ، وقال ابنُ المسيَّبِ بالمُدِّ من الحِنْطةِ، وهذا الذي يَجري عليه عملُ أهلِ المدينةِ:
فروى إسماعيلُ بنُ إسحاقَ: أنَّ المُدَّ يُجزِئُ بالمدينةِ.
وبيَّنَ مالكٌ: أنَّ الأمرَ إلى العُرْفِ بقولِه: "وأمَّا البُلْدانُ، فإنَّ لهم عَيْشًا غيرَ عيشِنا؛ فأرى أنْ يُكفِّروا بالوسَطِ مِن عيشِهم"(1).
وجاء عن غيرِ واحدٍ مِن السَّلَفِ مِن المفسِّرينَ عمومُ الإفطارِ؛ كابنِ عبَّاسٍ وغيرِه.
وأكثَرُ الفقهاءِ مِن الصحابةِ والتابعينَ على هذا، وبعضُهم يذكُرُ مقاديرَ وأنواعًا متبايِنةً؛ لتبايُنِ العرفِ وتنوُّعِ الأصنافِ التي يستعملُها الناسُ في البلدِ الواحدِ، واختلافُ الزَّمَنِ له أثرٌ أيضًا.
والإطعامُ في سائرِ الأبوابِ - في الصيامِ أو الكفَّاراتِ - مقدارُهُ واحدٌ سواءٌ عندَ العلماءِ.
(1)"المدونة"(1/ 591).