الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كانتِ الصلاةُ أفضلَ له مِن الطوافِ" (1).
أفضلُ أعمالِ الحَجِّ:
وقد استنبَطَ العِزُّ بنُ عبدِ السلامِ مِن حديثِ: "الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ. . .": أنَّ الطوافَ أفضلُ أعمالِ الحجِّ؛ وذلك أنَّ الصلاةَ أفضلُ مِن الحجِّ؛ لأنَّ الصلاةَ الركنُ الثاني مِن أركانِ الإسلامِ (2).
وهذا الإطلاقُ فيه نَظَرٌ، إلا إنْ كان يُريدُ طوافَ الإفاضةِ، وإلَّا فالوقوفُ بعَرَفةَ أفضلُ مِن طوافِ القدومِ وطوافِ الوداعِ وطوافِ التطوُّعِ كلِّه؛ لأنَّ (الحَجُّ عَرَفَةُ).
تنظيفُ المساجدِ وتطهيرها من النجس واللَّغْو:
وفى الآيةِ: دَلَالةٌ على مشروعيَّةِ الاهتمامِ بالمساجدِ عمومًا تنظيفًا وتطييبًا، ولمَّا توجَّهَ الخِطابُ إلى إبراهيمَ وابنِهِ إسماعيلَ، دلَّ على أنَّ هذا مِن أعمالِ التشريفِ، وأنَّ زُهْدَ الناسِ في ذلك مِن الجهلِ، والعنايةُ بها: تكونُ مِن الإنسانِ مباشرةً، أو قد يكونُ آمِرًا بها ومسؤولًا عنها يأمُرُ بتنظيفها وتطيِيبِها.
وقد روى أبو داودَ والترمذيُّ، عن هشامِ بنِ عُرْوةَ، عن أبيهِ، عن عائشةَ؛ قالتْ:"أمَرَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ببناءِ المساجدِ في الدُّورِ، وأنْ تنظَّفَ وتطيَّبَ"(3).
وأخرَجَهُ الترمذيُّ مِن وجهٍ آخَرَ مرسلًا عن عُرْوةَ (4).
وهو الأشبهُ بالصوابِ.
(1) أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(9030)(5/ 71).
(2)
ينظر: "فتح الباري" لابن حجر (3/ 482).
(3)
أخرجه أبو داود (455)(1/ 124)، والترمذي (594)(2/ 489).
(4)
أخرجه الترمذي (595)(2/ 490).
وصوَّبَ الإرسالَ أحمدُ والدارقطنيُّ وابنُ رجبٍ (1).
وهكذا كان عملُ الخُلَفاءِ والمسلِمِينَ في الصدرِ الأولِ وما بعدَه؛ أخرَجَ ابنُ أبي شَيْبةَ وأبو يعلى، عن ابنِ عمرَ أنَّ عمرَ:"كان يجمِّرُ المسجدَ في كلِّ جُمُعةٍ"(2).
ويُمنَعُ مِن دخولِها مَن ينقُلُ إليها الأذَى والقَذَرَ، ويُؤمَرُ الناسُ بالتطهُّرِ والتجمُّلِ لها؛ فما أُمِرَ الناسُ بغُسْلِ الجمعةِ إلا لذلك، ومُنِعَتِ الحائضُ والجُنُبُ مِن المكثِ فيها؛ تعظيمًا لها.
وقولُه تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} [النور: 36]، والمرادُ أنْ تُنزَّهَ مِن الأذَى والقَذَرِ والنَّجَسِ، المعنويِّ والحسيِّ.
ومِن رفعِها: أنْ تجنَّبَ اللغوَ وساقِطَ القولِ؛ وهذا رُوِيَ عن عِكْرِمةَ والضَّحَّاكِ وغيرِهما (3).
ومِن اللغوِ: أنْ تُرفَعَ فيها الأصواتُ بلا ذِكْرٍ أو وعظٍ؛ ففي "صحيحِ البخاريِّ"، عن السائبِ بنِ يزيدَ الكِنْديِّ، قال:"كنتُ قائمًا في المسجدِ، فحَصَبَني رجلٌ، فنظَرْتُ، فإذا عمرُ بنُ الخطابِ، فقال: اذهَبْ فائْتِنِي بهذَيْنِ، فجِئتُهُ بهما، فقال: مَن أنتُما؟ أو مِن أينَ أنتُما؟ قالا: مِن أهلِ الطائفِ، قال: لو كنتُما مِن أهلِ البَلَدِ لَأَوْجَعْتُكما؛ ترفعانِ أصواتَكما في مسجدِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ ! "(4).
وقد كان عمرُ بنُ الخطابِ رضي الله عنه إذا رأَى صِبْيانًا يَلْعَبُونَ في المسجدِ، ضرَبَهم بالمِخْفَقَةِ، وهي الدِّرَّةُ (5).
(1)"علل الدارقطني"(14/ 155)، و"فتح الباري" لابن رجب (3/ 173).
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة"(7445)(2/ 141)، و"مسند أبي يعلى"(190)(1/ 170).
(3)
"تفسير ابن أبي حاتم"(8/ 2604).
(4)
"صحيح البخاري"(470)(1/ 101).
(5)
ينظر: "التاريخ الكبير" للبخاري (4/ 251)، و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (4/ 340).