الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهو محمولٌ على كلِّ مانعٍ مِن الوصولِ إلى البيتِ ولو مرَضًا، وكلِّ مانعٍ مِن إتمامِ الحجِّ كما شرَع اللهُ ممَّا دُونَ الحَبْسِ والإحصارِ.
فقَد روى ابنُ أبي حاتمٍ، عن إبراهِيمَ، عن عَلْقَمةَ؛ فِي قَوْلِهِ:{فَإِذَا أَمِنْتُمْ} ؛ يقولُ: "إِذَا بَرَأَ فَمَضَى مِنْ وَجْهِهِ ذلك حَتَّى يَأْتِيَ الْبَيْتَ، حَلَّ مِنْ حَجِّهِ بِعُمْرَةٍ، وَكَانَ عَلَيْهِ الحَجُّ مِنْ قَابِلٍ، فَإِنْ هُوَ رَجَعَ وَلَمْ يُتِمَّ إلَى الْبَيْتِ مِن وَجْهِهِ ذلك، كَانَ عَلَيهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ؛ لِتَأْخِيرِ الْعُمْرَةِ، فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: فَذَكَرْتُ ذلك لِسَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ، فَقَالَ: هَكَذَا قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ فِي هَذَا كُلِّهِ"(1).
وذكَرَ التمتُّعَ في الآيةِ: {أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} ؛ لأنَّه هو ما كان عليهِ عمَلُهم، فغالِبُ عَمَل النبيِّ والصحابةِ إمَّا كانوا قارِنينَ أو متمتِّعينَ، وكلُّ ذلك يسمَّى مُتْعةً؛ لأنَّه جَمْعٌ بينَ الحجِّ والعُمْرةِ في أشهُرِ الحجِّ.
ثمَّ إنَّ ذلك هو النُّسُكُ (التمتُّعُ والقِرانُ) الذي يجِبُ معه الهَدْيُ، بخلافِ الإفرادِ؛ فالهَدْيُ فيه مستحَبٌّ غيرُ واجبٍ.
وقد استدل أحمد بهذه الآية على أن السفر يقطع التمتع، فقد سئل عن الرجل يدخل مكة متمتعًا ثم يخرج لسفر؟ قال: إنما المتمتع الذي يقيم للحج، فإن لم يقم للحج فليس بمتمتع قال تعالى:{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} (2).
حكمُ العاجزِ عنِ الهدي الواجبِ:
ومن كان عاجزًا عن دمِ الهَدْيِ الواجِبِ على المتمتِّعِ، أو الواجِبِ على مَن أُصِيبَ بِأَذًى ممَّنْ وقَعَ في محظورٍ، فعليه أَنْ يصومَ بدلًا عن الهَدْيِ الذي عجَزَ عنه ثلاثةَ أيَّامٍ في حَجِّهِ، وسبعةً إذا رجَع إلى أهلِه؛ ومجموعُها عَشَرةٌ كامِلةٌ.
(1)"تفسير ابن أبي حاتم"(1/ 340). وينظر: "تفسير الطبري"(3/ 413).
(2)
مسائل ابن هاني (1/ 151)، ومسائل ابن منصور (1/ 526).
فأمَّا صيامُ الأيَّامِ الثلاثةِ في الحَجِّ: فوقتُها منذُ بدايتِهِ بالإهلالِ إلى يومِ عَرَفةَ، يصومُ أيَّ وقتٍ شاء؛ مجتمِعًا أو مفرَّقًا، ومَن عجَزَ أو نَسِيَ صيامَها قبل يومِ عَرَفةَ، جازَ أنْ يصومَ أيَّامَ التشريقِ.
روى مالكٌ، عن عائشةَ؛ أنَّها كانت تقولُ:"الصِّيَامُ لِمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، لِمَنْ لم يَجِدْهَا مَا بَيْنَ أَنْ يُهِلَّ بِالْحَجِّ إِلَى يَوْمِ عَرَفَةَ، فَمَنْ لم يَصُمْهُ، صَامَ أَيَّامَ مِنًى"(1).
ورُوِيَ هذا عنِ ابنِ عُمَرَ، وابنِ عبَّاسٍ، وعِكْرِمةَ والحسَنِ وعَطَاءٍ وطاوسٍ.
ولطاوسٍ وعطاءٍ قولٌ آخَرُ: أنَّه يصومُها في العَشْرِ الأُوَلِ من ذي الحِجَّةِ، وآخِرُها عرَفةُ (2).
ورُوِيَ عن عُبَيدِ بنِ عُمَيْرٍ وعُرْوةَ بنِ الزُّبَيْرِ صيامُها في أيَّامِ التشريقِ (3).
ولا بأسَ بتفريقِها وصيامِ شيءٍ منها في شَوَّالٍ؛ وهو قولُ مجاهِدٍ وطاوُسٍ (4)؛ لأنَّ شوَّالًا مِن أشهُرِ الحجِّ، وفيه يبدأُ إحرامَهُ للحجِّ إنْ تعجَّلَهُ.
ويَظهَرُ أنه لو صامَها قبلَ عَرَفةَ، فهو أفضَلُ؛ لأنَّ النُّسُكَ بحاجةٍ إلى قوَّةٍ وجَلَادةٍ لأداءِ الشعائرِ، واجتهادٍ في الدعاءِ؛ ولذا لم يَصُمِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وعامَّةُ أصحابِه في الحجِّ في يومِ عَرَفَةَ مع فضلِ صيامِه، وأنَّه يكفِّرُ سنةً ماضيةً وسنةً مستقبَلةً؛ لأنَّ الدعاءَ في عَرَفةَ والاجتهادَ فيه كما اجتهَدَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: أفضَلُ مِن صيامِ عَرَفةَ؛ لأنَّ المرجُوَّ المغفرةُ، وأسبابُها بالدعاءِ في هذا اليومِ أقوى مِن الصيامِ، فربَّما صامَ الحاجُّ ولم يَجِدْ قُوَّةً على الاجتهادِ في الدعاءِ وطولِ الوقوفِ يومَ عَرَفةَ مِنَ الجوعِ والعَطَشِ؛ فيفوتُهُ فضلٌ كبير.
(1)"تفسير ابن أبي حاتم"(1/ 342).
(2)
"تفسير ابن أبي حاتم"(1/ 342).
(3)
"تفسير ابن أبي حاتم"(1/ 342).
(4)
"تفسير ابن أبي حاتم"(1/ 343).