الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعالى: {وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ} [يونس: 61]، وقال تعالى:{وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ} [العنكبوت: 22]، ولكنَّه ليس في سياقِ طَلَبِ التفكُّرِ والتدبُّرِ.
النَّظَرُ إلى السماءِ عبادةٌ:
ومِن المقطوعِ به: أنَّ النظرَ إلي السماءِ تفكُّرًا واعتبارًا عبادةٌ عظيمةٌ، وقد كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم كثيرًا ما ينظُرُ إلى السماءِ؛ ففي "صحيحِ مسلمٍ"؛ مِن حديثِ أبي موسى رضي الله عنه؛ قال: صَلَّيْنَا المَغْرِبَ مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قُلْنا: لو جلَسْنا حتى نصلِّيَ معه العشاءَ، قال: فَجلَسْنَا فخرَجَ علينا، فقال:(مَا زِلْتُمْ هَهُنَا؟ )، قُلْنا: يا رسولَ اللهِ، صَلَّيْنَا معك المَغْرِبَ، ثمَّ قُلْنا: نجلِسُ حتى نصلِّيَ معك العشاءَ، قال:(أَحْسَنْتُمْ) أو: (أَصَبْتُمْ)، قال: فرفَعَ رأسَهُ إلي السماءِ - وكان كثيرًا ما يَرْفَعُ رأسَهُ إلى السماءِ - فقال: (النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ؛ فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ، أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ، وَأَنَا أَمَنَةٌ لِأَصْحَابِي؛ فَإذَا ذَهَبْتُ، أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ، وَأصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي؛ فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي، أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ)(1).
وفي النظرِ إلي السماءِ حِكَمٌ جليلةٌ؛ منها:
أولًا: التفكُّرُ والتدبُّرُ والاعتبارُ.
ثانيًا: إظهارُ الحاجةِ والفقرِ والضعفِ، ولو لم يتكلَّمِ الإنسانُ.
ثالثًا: حسنُ الظنِّ باللهِ، وكأنَّ الإنسانَ يرقُبُ نزولَ الخيرِ ويتحيَّنُهُ؛ كمَنْ يعلو جبلًا يرقُبُ قادمًا يتوقَّعُ قدومَهُ.
ولذا كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُقلِّبُ وجهَهُ في السماءِ ينتظرُ تحويلَ القِبْلةِ، محسِنًا ظنَّه باللهِ، ومتفائِلًا بعاجلِ جوابِه.
(1) أخرجه مسلم (2531)(4/ 1961).
رابعًا: إفرادُ اللهِ في الربوبيَّةِ والعبادةِ؛ فمدبِّرُ هذه الأفلاكِ لا يمكِنُ أنْ يكونَ الا واحدًا، فمسيِّرُ هذه الأفلاكِ ومدبِّرُها - لهذا النظامِ الدقيقِ الذي لم يختلَّ بمرورِ آلافِ السنينَ، بل بَقِيَ دونَ اضطرابٍ أو تغيُّرٍ - واحدٌ؛ ولو كان أكثَرَ مِن ذلك، لاختلَفُوا واختصَمُوا ولو في تدبيرِ شيءٍ واحدٍ:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الأنبياء: 22].
خامسًا: زيادةُ الإيمانِ بمشاهَدَةِ قُدْرةِ اللهِ، وعظيمِ خَلْقِه، وإتقانِ صُنْعِه.
سادسًا: تواضُعُ الإنسانِ عندَ رؤيتِه مخلوقًا أعظَمَ منه؛ فينفي عنه خَصْلةَ الكِبْرِ، ويهذِّبُ النفسَ بمعرفةِ قَدْرِها.
سابعًا: الخوفُ مِن اللهِ؛ فكلَّما ظهرتْ قوةُ السيِّدِ، زادَ خوفُ العبدِ، وأطاعَهُ وحَذِرَ مِن معصيتِه.
ثامنًا: الاعتمادُ والاتِّكالُ عليه في تدبيرِ الشأنِ؛ فمدبِّرُ هذه الأجرامِ والأفلاكِ، ومدبِّرُ هذه المخلوقاتِ ومسيِّرُها بانتظامٍ: أقدَرُ على تدبيرِ شأنِ العبدِ.
تاسعًا: الإيمانُ بجميعِ صفاتِه وأسمائِه التي تُرَى آثارُها في هذه المخلوقاتِ؛ مِن عَظَمةٍ، وقُوَّةٍ، ورِزْقٍ، وتقديرٍ، ولُطْفٍ، وجَبَروتٍ، وكبرياءَ، وعِزَّةٍ، وانتقامٍ، وعلوٍّ؛ فالخالقُ فوقَ جميعِ المخلوقاتِ مكانًا ومكانةً.
عاشرًا: هوانُ مَن يستعظِمُ ويستعلي على اللهِ مِن متكبِّري الأرضِ مِن سلاطينَ وظَلَمَةٍ، وعدَمُ الخوفِ منهم، وهوانُ كلِّ معبودٍ يُعبَدُ مِن دونِ اللهِ في الأرضِ أو في السماءِ في عَيْنِ العبدِ عندَ تأمُّلِ عَظَمةِ اللهِ وقدرتِه.
وغيرُ ذلك مِن الحِكَمِ، التي لو أرادَ الإنسانُ استقصاءَها، لتعذَّر ذلك عليه.
والذي يُستفادُ مِن هذه الآيةِ: استحبابُ النظرِ إلى السماءِ عندَ الدعاءِ في غيرِ الصلاةِ، وهدا مِن السُّنَنِ المهجورةِ، وكان النبيُّ إذا دعا، نظَرَ إلى السماءِ؛ كما هو ظاهرُ الآيةِ في تقلُّبِ وجهِه في السماءِ؛ فقد روى ابنُ جريرٍ؛ مِن حديثِ ابنِ أبي جعفرٍ، عن أبيهِ، عن الربيع؛ في قولِه:{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} ؛ يقولُ: نظَرَك في السماءِ (1).
وقيل: إنَّ النبيَّ إنَّما كان يُكثِرُ مِن تقليبِ بصرِه في السماءِ راجيًا بقلبِهِ تحويلَ القِبْلةِ وإنْ لم ينطِقْ بالدعاءِ، وهذا الفعلُ لو صدَرَ مِن العبدِ جائزٌ، ولكنْ لا دليلَ ظاهرًا على أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فعَلَهُ في القِبْلةِ، ورفعُ البصرِ إلي السماءِ تضرُّعًا مع لَهَجِ القلبِ، كرفعِ الأَكُفِّ تضرُّعًا مع لَهَجِ اللسانِ وحضورِ القبِ، ورفعُ البصرِ والأَكُفِّ ولَهَجُ القلبِ واللسانِ بالمناجاةِ: أكملُ أحوالِ الدعاءِ.
وقد جاء في رفعِ بصرِهِ إلى السماءِ أحاديثُ كثيرةٌ عندَ دعائِهِ وغيرِه.
وكان أصحابُهُ يَعْرِفُونَ دعاءَهُ برفعِ بصرِهِ إلي السماءِ؛ ففي "صحيحِ مسلمٍ"، عن المِقْدادِ؛ قال: أقبَلْتُ أنا وصاحبانِ لي، وقد ذهَبَتْ أسماعُنا وأبصارُنا مِن الجَهْدِ، فجَعَلْنا نَعْرِضُ أنفُسَنا على أصحابِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فليس أحدٌ منهم يَقْبَلُنا، فأتَيْنَا النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فانطلَقَ بنا إلى أهلِهِ، فإذا ثلاثةُ أَعْنُزٍ، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم (احْتَلِبُوا هَذَا اللَّبَنَ بَيْنَنَا)، قال: فكنَّا نحتلِبُ فيشْرَبُ كلُّ إنسانٍ منَّا نَصِيبَهُ، ونرفعُ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم نَصِيبَهُ، قال: فيَجِيءُ مِن الليلِ فيُسَلِّمُ تسليمًا لا يُوقِظُ نائمًا، ويُسْمِعُ اليَقْظَانَ، قال: ثُمَّ يأتي المسجِدَ، فيُصلِّي، ثمَّ يأتي شرابَهُ فيشربُ، فأتاني الشيطانُ ذاتَ ليلةٍ وقد
(1)"تفسير الطبري"(2/ 657).
شَرِبْتُ نصيبي، فقال: محمَّدٌ يأتي الأنصارَ فيُتْحِفُونَهُ ويُصِيبُ عندَهم، ما به حاجةٌ إلي هذه الجُرْعَةِ، فأتيتُها فشَرِبْتُها، فلمَّا أنْ وَغَلَتْ في بَطْنِي، وعَلِمْتُ أنَّه ليس إليها سبيلٌ، قال: نَدَّمَنِي الشيطانُ، فقال: وَيْحَكَ، ما صَنَعْتَ؟ أَشَرِبْتَ شرابَ محمدٍ، فيجيءُ فلا يجدُهُ فيَدْعُو عليك فتَهلِكُ فتذهَبُ دُنْيَاكَ وآخِرَتُك؟ ! وعَلَيَّ شَمْلَةٌ إذا وضَعْتُها علي قدميَّ، خرَجَ رأسي، وإذا وضَعْتُها على رأسي، خرَجَ قدماي، وجعَلَ لا يَجِيئُني النومُ، وأمَّا صاحِبايَ فنامَا، ولم يَصْنَعَا ما صنَعْتُ، قال: فجاء النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فسلَّمَ كما كان يُسلِّمُ، ثمَّ أتى المسجِدَ فصلَّى، ثم أتى شرابَهُ فكَشفَ عنه، فلم يَجِدْ فيه شيئًا، فرفَعَ رأسَهُ إلي السماءِ، فقلتُ: الآن يَدْعُو عَلَيَّ فأَهْلِكُ، فقال:(اللَّهُمَّ أَطْعِمْ مَن أَطْعَمَنِي، وَأَسْقِ مَنْ أَسْقَانِي)(1).
وفي حديثِ عُقْبةَ في "سننِ أبي داود"، في رفعِ النبيِّ بصرَهُ إلى السماءِ بعدَ وُضوئِهِ؛ وفيه ضعفٌ (2).
وفي "سننِ أبي داود"، عن الشَّعْبيِّ عن أمِّ سَلَمةَ؛ قالتْ: ما خرَجَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم مِن بيتي قطُّ إلا رفَعَ طَرْفَهُ إلى السماءِ، فقال:(اللَّهُمَّ، إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ، أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ، أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ، أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ)(3).
وعندَ أبي داودَ وغيرِه، عن ابنِ عباسٍ؛ قال: رأيتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم جالسًا عندَ الرُّكْنِ، قال: فرفَعَ بصرَهُ إلي السماءِ، فضَحِكَ، فقال:(لَعَنَ اللهُ الْيَهُودَ - ثَلَاثًا - إِنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَيهِمُ الشُّحُومَ، فَبَاعُوهَا، وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا)(4).
وعن عائشةَ زوجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ قالتْ: كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وهو
(1) أخرجه مسلم (2055)(3/ 1625).
(2)
أخرجه أبو داود (170)(1/ 44).
(3)
أخرجه أبو داود (5094)(4/ 325).
(4)
أخرجه أبو داود (3488)(3/ 280).
صحيحٌ يقولُ: (إِنَّهُ لَمْ يُقبَضْ نَبِيٌّ قَطُّ حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الجَنَّةِ، ثُمَّ يُحَيَّا أَوْ يُخَيَّرَ)، فَلَمَّا اشْتَكَى وَحَضَرَهُ القَبْضُ، وَرَأْسُهُ عَلَى فَخِذِ عَائِشَةَ، غُشِيَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا أَفَاقَ، شَخَصَ بَصَرُهُ نَحْوَ سَقْفِ البَيْتِ، ثُمَّ قَالَ:(اللَّهُمَّ؛ فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى! )(1)؛ رواهُ البخاريُّ ومسلمٌ.
وكان ينظُرُ عندَ تدبُّرِ آيِ السمواتِ والأرضِ والاعتبارِ بهما؛ فقد روى البخاريُّ؛ مِن حديثِ ابنِ عَبَّاسٍ؛ قال: بِتُّ في بيتِ مَيْمُونةَ لَيْلةً، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم عندَها؛ لِأَنْظُرَ كيف صلاةُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بالليلِ، فتحدَّثَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مع أهلِهِ ساعةً، ثمَّ رقَدَ، فلمَّا كان ثُلُثُ الليلِ الآخِرُ، أو بعضُهُ، قعَدَ فنظَرَ إلي السماءِ، فقرَأَ:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} ، إِلى قولِهِ:{لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 190](2).
وربَّما رفَعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بصَرَهُ إلى السماءِ، وهو يتحدَّثُ إلى أصحابِهِ ويَعِظُهم ويعلِّمُهم؛ فقد روى البخاريُّ ومسلمٌ والتِّرمِذيُّ وغيرُهم، عن عليٍّ؛ قال: بينما نحنُ مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وهو ينكُتُ في الأرضِ، إذْ رفَعَ رأسَهُ إلى السَّمَاءِ، ثُمَّ قال:(مَا مِنْكُمْ مِنْ أحَدٍ إِلَّا قَدْ عُلِمَ - وقال وَكِيعٌ: إِلَّا قَدْ كُتِبَ - مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ، وَمَقعَدُهُ مِنَ الجَنَّةِ)، قَالُوا: أَفَلَا نَتَّكِلُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: (لَا، اعْمَلُوا فَكُلُّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ)(3).
ورفعُ البصرِ عندَ الأمورِ العظيمةِ مستَحَبٌّ، وعندَ نزولِ المصيبةِ ورجاءِ الإعانةِ؛ ففي ذلك إظهارُ ضعفٍ وافتقارٍ والتجاءٍ.
ورفعُ البصرِ إلى السماءِ هو سجودُ العَيْنِ؛ لأنَّ مَدَّ البصرِ بصورةِ التعظيمِ لِمَا دُونَ اللهِ يُورِثُ هَيْبةً في القَلْبِ للمخلوقِ وتعظيمًا له ورجاءً
(1) أخرجه البخاري (4437)(6/ 10)، ومسلم (2444)(4/ 1894).
(2)
أخرجه البخاري (7452)(9/ 135).
(3)
أخرجه البخاري (4949)(6/ 171)، ومسلم (2647)(4/ 2040)، والترمذي (2136)(4/ 445).
لما عندَهُ؛ وهذا قبَسٌ مِن العبوديَّةِ لا يكادُ يَسْلَمُ منه أحدٌ؛ ولذا خَفَّفَ اللهُ فيه؛ لمشقةِ الاحترازِ منه، وأمَرَ بالاحترازِ منه الكُمَّلَ مِن العِبَادِ كالأنبياءِ؛ ولذا قال اللهُ لنبيِّهِ:{وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87) لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَي مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ} [الحجر: 87، 88]، فأمَرَهُ بإطلاقِ الفِكْرِ والعَيْنِ قي القرآنِ؛ لأنَّ مَدَّ البصرِ يُورِث تعظيمًا للمنظورِ، حتى يصلَ بالإنسانِ إلي الافتتانِ به والعبوديَّةِ له:{وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: 131].
ولذا يُسمَّى اللاهي بالدِّينارِ والدرهم عن حدودِ اللهِ: عَبْدًا له، وفي الحديثِ:"تَعِسَ عبدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ"(1).
وروى ابنُ أبي شَيْبةَ، وأبو نُعَيْمٍ، عن هشامِ بنِ عُرْوةَ؛ قال: كان أبي إذا رأي شيئًا مِن أمرِ الدُّنيا يُعجِبُهُ، قال:{لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ} (2).
وإدامةُ النظرِ إلي الشيءِ تَنسِجُ خيوطًا تقيِّدُ القلبَ وتعلِّقُه به، حتى يُكبَّلَ القلبُ ويُصبِحَ أسيرًا لما يَرَى، ويَظُنُّ أنَّه حُرٌّ طليقٌ!
وإنَّما نَهى اللهُ نبيَّه عن "مَدِّ العَيْنِ"، ولم ينهَ عن النظرِ؛ لأنَّ المدَّ هو إطالةُ التأمُّلِ، والنهيُ عن أصلِ النظرِ يُنافي الحِكْمةَ مِن خَلْقِ العَيْنِ والإبصارِ؛ فالأرضُ مليئةٌ بالنِّعَمِ والأرزاقِ الممنوحةِ للخَلْقِ، فمنعُ النظرِ لها ابتداءً لا يُناسِبُ حِكْمةَ خَلْقِ البصرِ.
ورُوِيَ عن إبراهيمَ الخليلِ رَفْعُ بصرِهِ إلي السماءِ عندَ ضربِ أصنامِ قومِهِ؛ روى ابنُ أبي حاتمٍ، عن الحَسَنِ؛ قال: خرَجَ قومُ إبراهيمَ عليه السلام إلي عِيدٍ لهم، وأرادُوا إبراهيمَ عليه السلام على الخروجِ، فاضطجَعَ على ظهرِهِ،
(1) أخرجه البخاري (2887)(4/ 34)؛ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(30116)(6/ 137).