الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قُرُوءٍ}: هُنَّ الحُيَّضُ اللَّاتي دخَلَ بهنَّ أزواجُهُنَّ، وإنَّما قدَّمَهُنَّ في بيانِ حُكْمِهِنَّ؛ لأنَّ أكثرَ أحوالِ النساءِ المطلَّقاتِ: المدخولُ بهنَّ؛ يُدْخَلُ بهنَّ، ثُمَّ يطلَّقْنَ وهُنَّ حُيَّضٌ، والمرأةُ لا تخلو مِن أحوالٍ:
إمَّا حائِضٌ، أو غيرُ حائضٍ لصِغَرٍ ويأسٍ وغيرِهِ، أو حاملٌ.
والمرادُ هنا المطلَّقةُ الحائضُ، والمطلَّقةُ الحائِضُ إمَّا أنْ تكونَ: مدخولًا بِها، أو غيرَ مدخولٍ بِها.
والمرادُ في الآيةِ: المطلَّقةُ الحائضُ المدخولُ بها؛ لأنَّ اللهَ قالَ: {وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} ، وهذا الخِطابُ لا يَتَوجَّهُ إلَّا للمدخولِ بِها، فيُظَنُّ منها حَمْلٌ.
وقد بيَّن اللهُ حُكْمَ الحامِلِ في سُورةِ الطلاقِ: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4].
وبيَّن حُكْمَ الآيسةِ والتي لا تحيضُ لصِغرٍ وغيرِه فيها: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ} الآيةَ [الطلاق: 4].
وبيَّن اللهُ حُكْمَ غيرِ المدخولِ بها في قولِه في سورةِ الأحزابِ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: 49].
وآيةُ البقرةِ: لا يدخُلُ في حُكْمِها غيرُ المطلَّقةِ الحائضِ المدخولِ بها على الصحيحِ؛ لذِكْرِ اللهِ للطلاقِ والأَقْرَاءِ والحَمْلِ فيها.
معنى القرءِ:
وقولُه تعالى: {ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} :
القَرْءُ في لُغَةِ العَرَبِ يُطلَقُ على الزَّمَنِ؛ سواءٌ كان حَيْضًا أو طُهْرًا، فيُقالُ: أَقْرَأَتِ المَرْأَةُ: إذا دنا حَيْضُها، وأَقْرَأَتْ: إذا دنا طُهْرُها؛ كما يقولُ الشاعرُ:
إِذَا هَبَّتْ لِقَارِئِهَا الرِّيَاحُ
فهو مِن الأسماءِ المشتَرَكةِ، يقولُ بهذا أهلُ اللُّغَةِ؛ كأبي عُبَيْدٍ، والأصمَعيِّ، وأبي عَمْرِو بنِ العَلاءِ، وحكى الاتفاقَ عليه ابنُ جريرٍ (1)، وإنَّما الخلافُ في نزولِ حُكْمِ اللهِ على أحدِ المعنيَيْنِ؛ زمَنِ الطُّهْرِ أَمْ زمَنِ الحيضِ؟ على قولَيْنِ؛ هما رِوايتانِ عن أحمدَ:
الأوَّلُ: المرادُ به الأطهارُ؛ وهو قولٌ صحَّ عن عائشةَ، وزيدٍ، وابنِ عمرَ، وفقهاءِ المدينةِ، وقال به ربيعةُ ومالكٌ والشافعيُّ وأحمدُ.
الثاني: المرادُ به الحِيَضُ؛ وهو قولُ عمرَ، وعليٍّ، وابنِ مسعودٍ، وابنِ عبَّاسٍ، وعِكْرِمةَ، ومجاهِدٍ، وقَتادةَ، وهو قولُ أبي حَنِيفةَ وأهلِ الرأيِ، وجماهيرِ الحنابلةِ.
وصحَّ عن عمرِو بنِ دينارٍ قولُهُ: "الأَقْرَاءُ: الحِيَضُ؛ عن أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم"(2).
ورواهُ الأسوَدُ وعَلْقمةُ، عن عمرَ وابنِ مسعودٍ؛ وهو صحيحٌ عنهما (3).
ورواهُ ابنُ المُسَيَّبِ، عن عليِّ بنِ أبي طالبٍ؛ وهو صحيحٌ عنه (4).
ورواهُ زيدُ بنُ رُفَيْعٍ، عن أبي عُبَيْدةَ بنِ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ، عن أبيه وعُثْمانَ (5)، وزيدٌ ليس بالقويِّ، ولم يَسمعْ أبو عُبَيْدةَ مِن عُثْمانَ.
وهذا مِن مواضعِ النزاعِ القويِّ؛ لِقِدَمِ الخلافِ، وجلالةِ المخالِفِينَ، واحتمالِ اللُّغةِ والوضعِ للمعنيَينِ جميعًا.
والنَّفْسُ تميلُ إلى الأوَّلِ؛ لأنَّ عليه قولَ أهلِ الصَّدْرِ الأوَّلِ مِن أهلِ
(1)"تفسير الطبري"(4/ 103).
(2)
"تفسير الطبري"(4/ 89).
(3)
"تفسير الطبري"(4/ 91).
(4)
"تفسير الطبري"(4/ 93).
(5)
"تفسير الطبري"(4/ 94).
الحجازِ؛ قال أبو بكرِ بنُ عبدِ الرحمنِ: "ما أَدْرَكْنا أحَدًا مِنْ فُقَهَائِنا إلَّا يَقُولُ بقولِ عائِشَةَ في أنَّ الأقراءَ هي الأطهارُ"(1).
وقد استَدَلَّ بعضُ مَن قال بأنَّ القُرُوءَ الأطهارُ بما ثبَتَ في "الصحيحَيْنِ"؛ مِن حديثِ ابنِ عمرَ؛ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال له عندَما طَلَّقَ أمرأتَهُ وهي حائضٌ: (مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لْيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ العِدَّةُ التي أَمَرَ اللهُ أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ)(2).
حيثُ أحالَهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى الطُّهْرِ، فإذا كان الطُّهْرُ مَحَلَّ الطلاقِ، فهو محلُّ العِدَّةِ.
ثمَّ إنَّ اللهَ جمَعَ، فقالَ:{ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} ، وهو جمعٌ للقَرْءِ لا القُرْءِ، فالأولُ الطُّهْرُ، والثاني الحَيْضُ.
واللهُ ذكَرَ العددَ مؤنَّثًا؛ وهذا يَدُلُّ أنَّ المرادَ بالقروءِ: الأطهارُ؛ فالطُّهْرُ مذكَّرٌ، والحَيْضُ مؤنَّثٌ.
وقال غيرُ واحدٍ: إنَّ القَرْءَ بفتحِ القافِ وضَمِّها: سواءٌ.
وأمَّا القولُ الثاني: وهو القولُ بأنَّ الأَقْراءَ الحِيَضُ، فاستَدَلَّ مَن قال به: بأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمَرَ في سَبْيِ أَوْطَاسٍ أنْ يُسْتَبْرَأْنَ قبلَ أن يُوطَأْنَ بِحَيْضةٍ؛ كما أخرَجَهُ أحمدُ؛ مِن حديثِ أبي سعيدٍ (3).
ثمَّ إنَّ الطُّهْرَ أصلٌ لا حَدَّ له، والحَيْضُ هو العارضُ المحدودُ، والضَّبْطُ به أدقُّ، والقرءُ ضبطٌ لِزَمَنٍ، والأزمانُ الضيِّقةُ المحدودةُ أزمانُ الحَيْضِ، لا أزمانُ الطُّهْرِ الذي هو الأصلُ المُتَّسِعُ، فأكثَرُ عُمْرِ المرأةِ طاهِرًا لا حائِضًا.
(1)"تفسير القرطبي"(4/ 41).
(2)
أخرجه البخاري (5251)(7/ 41)، ومسلم (1471)(2/ 1093).
(3)
أخرجه أحمد (11228)(3/ 28).