الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
روى ابنُ جريرٍ، عن الأَعْمَشِ، عن إِبراهيمَ؛ قَالَ:"كُلُّ يَمِينٍ مَنَعَتْ جِمَاعًا حَتَّى تَمْضِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، فَهِيَ إِيلَاءٌ"(1).
وإنَّما قالوا بدخولِ كُلِّ قسَمٍ ويمينٍ في الإيلاءِ، ما دام متعلِّقًا بعدمِ قربِ الزوجةِ، مهما كان سبَبُه؛ لعمومِ الآيةِ؛ فقد عَمَّتْ كُلَّ مُؤْلٍ مُقْسِمٍ.
والصوابُ: أنَّ الإيلاءَ ما أَضَرَّ بالزوجةِ مِن يمينِ زوجِها ألَّا يقْرَبَها، وإنَّما قَيَّدَ بعضُ المفسِّرينَ ذلك بالغَضَبِ؛ لأنَّ اليمينَ غالبًا إذا كانت تَضُرُّ الزوجةَ، فهي لا تصدُرُ إلَّا عن غَضَبٍ.
وصِيَغُ الإيلاءِ لا حَدَّ لها، وتختلِفُ مِن شخصٍ إلى شخصٍ، ومِن بلدٍ إلى آخَرَ، ومِن عُرْفٍ إلى عُرْفٍ؛ كقولِهم: واللهِ لا أقرَبُكِ، أو واللهِ لا اجتَمعْنَا في لِحَافٍ ولا فِرَاشٍ، ونحوِ ذلك وما في معناه؛ فهو إيلاءٌ.
إيلاءُ العبدِ:
واختلَفَ الفقهاءُ في إيلاءِ العبدِ؛ هل يستوِي في مُدَّةِ الإيلاءِ مع الحُرِّ أوْ لا؟ على قولَيْنِ عندَهم:
القولُ الأوَّلُ: أنَّ مُدَّةَ إيلائِهِ نِصْفُ الحُرِّ؛ وبهذا قال الزُّهْريُّ وعَطَاءٌ ومالكٌ، وعَلَّلَ بعضُ الفقهاءِ ذلك بالقياسِ على تنصيفِ الحَدِّ عليه، وتنصيفِ طلاقِه كذلك.
القولُ الثاني: أنَّ المُدَّةَ في ذلك تتعلَّقُ بالمرأةِ لا بالرجلِ، فإنْ كانتِ المرأةُ أمَةً، فنصفُ مُدَّةِ الإيلاءِ، وإلَّا فالإيلاءُ كاملٌ ولو كان الزَّوْجُ عبدًا؛ لأنَّ العِدَدَ تتعلَّقُ بالنساءِ، لا بالرجالِ؛ وبهذا القولِ قال الثَّوْريُّ وأبو حنيفةَ، ومِن السَّلَفِ رُوِيَ عن الشَّعْبيِّ والحَكَمِ.
والأظهَرُ: أنَّ الإيلاءَ مُدَّةٌ واحدةٌ لا يختلِفُ الزوجُ الحُرُّ والعبدُ
(1)"تفسير الطبري"(4/ 48).
فيها؛ وذلك لاستوائِهما في مُدَّةِ العُنَّةِ، فإنْ عَجَزَ الزَّوْجُ العبدُ عَنْ جِمَاعِ زوجتِهِ لِعُنَّةٍ، فيُمهَلُ مِثلَ الحُرِّ، وهذه أشبَهُ بمسألَتِنا مِنْ قِياسِهِ على الحَدِّ؛ لأنَّ الحدودَ عقوبةٌ، وأصلُ العقوباتِ حَقٌّ للهِ تعالى، والإيلاءُ والعُنَّةُ حَقٌّ للزوجةِ.
واللهُ يُسقِطُ مِن حقِّهِ ما يشاءُ، وحُكْمُهُ بين عِبَادِهِ في الحقوقِ واحدٌ.
واللهُ عَلَّقَ الحُكْمَ في الإيلاءِ بالرجالِ؛ كما في قولِه: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} ، ولو عَلَّقَ الحُكْمَ بالنساءِ، ورَبَطَهُ بهنَّ، لَوَجَّهَ الخطابَ إليهنَّ؛ كما في قولِهِ:{وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ} [الطلاق: 4]، وغيرِ ذلك مِن صِيَغِ خطابِ النساءِ في القرآنِ، وتعليقُ أبي حنيفةَ الحُكْمَ بالنساءِ، ثُمَّ قياسُهُ على عِدَّتِهِنَّ: فيه نظرٌ.
والإيلاءُ يتحقَّقُ بالحَلِفِ باللهِ بالإجماعِ، وإنَّما الخِلافُ فيمَنْ حلَفَ بغيرِ اللهِ ألَّا يَقْرَبَ زوجتَهُ؛ فهل يُعدُّ مُؤْلِيًا أو لا؟ هما قولانِ للفقهاءِ:
ذهَبَ الجمهورُ: إلى أنَّه إيلاءٌ بأيِّ شيءٍ حَلَفَ.
وقال أحمدُ في روايةٍ: إنَّ الإيلاءَ لا يكونُ إلَّا بالحَلِفِ، باللهِ.
ومَن ترَكَ جماعَ زوجتِهِ بلا يمينٍ، فلا يُعَدُّ مُؤْلِيًا عندَ الجمهورِ؛ وهو قولُ الشافعيَّةِ وجمهورِ الفقهاءِ مِن الحنابِلةِ والمالكِيَّةِ.
وثَمَّةَ قولٌ لمالكٍ، وهو قولٌ في مذهِب الحنابلةِ: أنَّه مُؤْلٍ، ولو لم يَحلِفْ.
وقولُه تعالى: {مِنْ نِسَائِهِمْ} لا خلافَ عندَ الفقهاءِ: أنَّ المرادَ بالنساءِ الأزواجُ، وليس الإماءَ، وأمَّا الأَمَةُ، فحقُّها على سيِّدها مؤنتُها لا جِماعُها.
وقوله تعالى: {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} :
الفَيْءُ: الرجوعُ؛ ومِن ذلك قولُهُ تعالى: {حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ}