الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحَفْرِ الأرضِ، ثمَّ تُصْهَرُ الحِجَارةُ ويخرُجُ ما فيها مِن نفائسِ الأرضِ مِن الذهبِ والفِضَّةِ والنُّحَاسِ وشبهِها؛ فهذا بمؤونةٍ، ولا يأخُذُ حُكْمَ الرِّكَازِ، ولا زكاةَ فيه حتَّى يبلُغَ نصابًا ويحولَ عليه الحَوْلُ.
* * *
قال تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [البقرة: 271].
اختُلِفَ في سببِ نزولِ الآيةِ، وليس في الآيةِ شيءٌ مِن ذلك مسنَدٌ مرفوعٌ أو موقوفٌ صحيحٌ؛ وإنَّما هي أقوالٌ لبعضِ السلفِ:
فقيلَ: إنَّ المسلِمِينَ كَرِهُوا الصَّدَقةَ على قَرَابَاتِهم مِن المشرِكِينَ؛ فأنزَلَ اللهُ ذلك بيانًا لهم.
وقيل: إنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَاهُمْ عن الصدقةِ على المشرِكِينَ، فنسَخَ اللهُ ذلك بالآيةِ.
والنهيُ لا يصحُّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وفي الآيةِ التاليةِ ما يُشِيرُ إلى النفقةِ على المشرِكِينَ؛ فقد قال بعد هذِهِ الآيةِ:{لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ} [البقرة: 272].
الصدقةُ والزكاةُ على الكافِرِ:
والزكاةُ على الكافرِ لا تصحُّ إلا تأليفًا لقلبِهِ، لا لمجرَّدِ فَقْرِهِ ومَسْكَنَتِهِ؛ حكى الاتِّفاقَ غيرُ واحدٍ كابنِ المنذِرِ، فيُعطى مِن زكاةِ الأموالِ، لا زكاةِ الفِطْرِ؛ لأنَّ زكاةَ الفِطْرِ لا يدخُلُ فيها المؤلَّفةُ قلوبُهم؛ لتقييدِها في الحديثِ بالمسلِمِينَ؛ ولذا خَصَّ اللهُ الكفارَ بآيةِ الأصنافِ الثمانيةِ بقولِهِ تعالى:{وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} [التوبة: 60]، وهذا القيدُ لا يُشترَطُ
في المُسلِمِ؛ فيُعطَى المسلِمُ لمجرَّدِ فقرِهِ، ولو لم يُقصَدْ تأليفُ قلبِهِ، ولو كان فاسِقًا يُعلَمُ أنَّ الصدقةَ لا تجعلُهُ يُقلِعُ عن معصيتِهِ؛ لأنَّ الزكاةَ استَحَقَّها لفَقْرِهِ ومسكَنَتِهِ، وغُرْمِهِ وجهادِهِ، ولرقبتِهِ، ولغُرْبَتِهِ في سَفَرِهِ، ولجهادِهِ ما دام مسلِمًا، ولو جاز أن يُعْطَى الكافِرُ زكاةً لفَقْرِهِ ومسكنتِهِ ونحوِ ذلك، ما خَصَّهُ تأليفًا لقلبِهِ؛ لأنَّه لو أُعطِيَ لفقرِهِ وهو باقٍ على كُفْرِهِ، فتأليفُهُ لِيُسلِمَ مِن بابِ أَوْلى، فالكفرُ أعظمُ مِن الفقرِ.
وذِكْرُ الجهادِ في قولِهِ: {وَفِي سَبْيِلِ اللهِ} [التوبة: 60] إشارةٌ إلى خروجِ الكافرِ مِن جميعِ الأنواعِ إلا المؤلَّفةَ قلوبُهُمْ؛ لأنَّه لا يُجاهِدُ في سبيلِ اللهِ، على خلافٍ في استئجارِهِ والاستعانةِ به في القتالِ.
وجمهورُ الأئمَّةِ: على أنَّ سهمَ المؤلَّفةِ قلوبُهُمْ باقٍ لم يُنسَخْ، خلافًا لأبي حنيفةَ، والصحيحُ بقاؤُهُ، ولا دليلَ يصحُّ على النسخِ، ثمَّ إنَّ العِلَّةَ التي لأجلِها شُرِعَ سَهْمُ المؤلَّفةِ قلوبُهُمْ باقيةٌ إلى قيامِ الساعةِ ما وُجدَ الكُفْرُ والإيمانُ، ونَسْخُ هذا الحكمِ مع بقاءِ عِلَّتِهِ لا يَتَّفِقُ مع أحكامِ الشريعةِ وقواعِدِها.
واختلَفَ العلماءُ في الصَّدَقةِ مِن غيرِ الزكاةِ على الكافرِ مِن غيرِ قصدِ التأليفِ، والأظهرُ عدَمُ جوازِ ذلك إلا تأليفًا لقلبِهِ فقطْ - صدقةً وإطعامًا - إذا كان جارًا؛ لأَنَّه إذا جاز التأليفُ في الزكاةِ، ففي الصدقةِ مِن بابِ أولى.
ورُوِيَ عن بعضِ الصحابةِ الصدقةُ على الكافرِ؛ كابنِ عباسٍ وعبدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وقد تصدَّقتْ عائشةُ على يهوديَّةٍ سأَلَتْها؛ كما في "الصحيحِ"(1)، وسألت أسماءُ بنتُ أبي بكرٍ رضي الله عنهما النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقالتْ: "قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وهي مشرِكةٌ - في عهدِ قُرَيْشٍ؛ إذْ عاهَدُوا رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم،
(1) أخرجه البخاري (1049)(2/ 36)، ومسلم (903)(2/ 621).