الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والآيةُ تتضمَّنُ وعيدًا مِن اللهِ بإهلاكِ معطِّلِ الجهادِ وتاركِ الإنفاقِ عليه.
فضلُ الجهادِ بالمالِ:
والنَّفَقةُ في سبيلِ اللهِ بالمالِ قُدِّمَتْ في القرآنِ على الجهاد بالنفسِ؛ لأنَّ النفقةَ بالمالِ تُعِينُ كثيرًا مِن المجاهِدِينَ، بينَما الجهادُ بالنفسِ يكونُ بفردٍ فقط، والجمعُ بينَهما أفضلُ:
قال تعالى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [التوبة: 41].
فالجهادُ بالمالِ مقدَّمٌ في القرآنِ على الجهادِ بالنفسِ، إلَّا في قولِهِ تعالى:{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 111].
وتجهيزُ الغازي كالغزوِ بنفسٍ واحدةٍ، ومَن جَهَّزَ غُزَاةً، فله الأجرُ بعَدَدِهم، ومَنْ جَهَّزَهُ بسلاحٍ، فله أجرُ الرَّمْيِ به وما يُصِيبُ فيه؛ ففي "المسنَدِ" و"السُّنَنِ"؛ مِن حديثِ عُقْبةَ؛ يَقُولُ: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللهَ عز وجل يُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ الجَنَّةَ: صَانِعَهُ يَحْتَسِبُ فِي صَنْعَتِهِ الخَيْرَ، وَالرَّامِيَ بِهِ، وَمُنْبِلَهُ. . .)؛ الحديثَ (1).
وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللهِ، فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَفَ غَازِيًا
(1) أخرجه أحمد (17321)(4/ 146)، وأبو داود (2513)(3/ 13)، والترمذي (1637)(4/ 174).
فِي سَبِيلِ اللهِ بِخَيْرٍ، فَقَدْ غَزَا)؛ أخرَجَه البخاريُّ ومسلمٌ؛ مِن حديثِ زيدٍ (1).
وقيمةُ الصَّدَقةِ بأَثَرِها في نَفْعِها، وبِقِيمَتِها عند صاحِبِها، وإنَّما عَظُمَتْ نفقةُ الجهادِ لِعَظَمَةِ الجهادِ في الدِّينِ.
وقولُهُ تعالى: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} :
أمَرَ اللهُ بالإحسانِ، وبَيَّنَ أنَّه مع المحسِنِ في إحسانِه؛ يَكْفِيهِ ويُعِينُهُ ويسدِّدُهُ، والمرادُ في هذه الآيةِ: أنَّ المنفِقَ معانٌ مسدَّدٌ؛ بحَسَبِ إحسانِهِ وإنفاقِه، وهو يتضمَّنُ استحبابَ المسابَقةِ والمنافَسةِ في الإنفاقِ.
* * *
ذكَرَ اللهُ الحَجَّ والعُمْرةَ بعدَ ذِكْرِ الجهادِ والقتالِ وضوابطِهِ؛ لأنَّ المشرِكِينَ كانوا يَحُولُونَ بين المؤمنينَ وبين مَكَّةَ، فاحتاجُوا لمعرفةِ سُبُلِ الوصولِ إلى المسجِدِ الحرامِ، وحكمِ مقاتَلةِ مَن كان عَقَبةً في طريقِهم.
وهذه الآيةُ نَزَلَتْ سَنةَ سِتٍّ بلا خلافٍ، وقد نزَلَتْ في الحُدَيْبِيَةِ بلا خلافٍ؛ قاله الشافعيُّ، وإنَّما ذكَرَ الحَجَّ ولم يكُنْ فُرِضَ بَعْدُ؛ لِيَعْلَمَ الناسُ مشروعيَّتَهُ، وأنَّه مِنَ الحنيفيَّةِ السَّمْحةِ الصحيحةِ، وليس مِن أعمالِ
(1) أخرجه البخاري (2843)(4/ 27)، ومسلم (1895)(3/ 1506).